سوريا من «كوليرا» الطفولة إلى «كورونا» الشيخوخة

سوريا من «كوليرا» الطفولة  إلى «كورونا» الشيخوخة
TT

سوريا من «كوليرا» الطفولة إلى «كورونا» الشيخوخة

سوريا من «كوليرا» الطفولة  إلى «كورونا» الشيخوخة

كنت طفلاً في التاسعة من عمري حين عدت إلى المنزل، وأخبرت أمي بـأن الكوليرا تسير في الشوارع وأن «مشفى الحميات» في عين التل القريب من منزلنا في حي الهلك في حلب، يغص بالجثث التي ستحرقها البلدية. كأني كنت أخبرها عن فوز فريق «الأهلي»، قبل أن يغيروا اسمه إلى «الاتحاد»، على «العربي» الذي أصبح اسمه «الحرية».
أمسكت بي وحققت معي عن مصدر معلوماتي. أشرت إليها ساخراً: «تستطيعين الذهاب إلى مشفى الحميات، وسترين هناك بأم عينيك الكوليرا وهي تتجول في ممرات مشفى العتيق»، المنفي إلى خارج المدينة قريباً من محالج القطن وأحياء الفلاحين القادمين الجدد إلى المدينة. كانت عائلتي قد سبقتهم بسنوات قليلة، مما منحها ميزة تقديم الاستشارة لمن يرغب من الأقرباء الجدد بالانتقال والاستقرار في حلب المدينة.
قبل أيام قليلة منذاك، بدأت جائحة الكوليرا السنوية، وكان «مشفى الحميات» قريباً من مدرستنا «المنصور»، التي تقع على الخط الفاصل بين منطقتي «الميدان» التي تقطنها الطبقة الوسطى من الأرمن و«الهلك التحتاني» و«الهلك الفوقاني»، الحي الشعبي العريق الذي كان مهد اليسار السوري في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات. ساعده، خليط سكانه المؤلف من فلاحين مهاجرين إلى المدينة، وأرمن فقراء، وتركمان تحولوا جميعهم إلى صانعي أحذية، وأكراد، إضافة إلى التصاقه بمنطقة «عين التل» التي تضم أغلب محالج القطن التي احتضنت الأفكار اليسارية والمنتمين إلى فصائل المقاومة الفلسطينية، خاصة «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
أمي، لا تملك كما كل الأمهات، طريقة للحماية من الوباء الذي يتبختر في الشوارع، سوى نقعنا في المياه الساخنة، وفرك جلودنا بالصابون لطرد الوباء من جلودنا، بالإضافة إلى التعاويذ التي لا تتوقف أمي عن ترديدها بشكل دائم.
أثناء التحقيق، ما زلت أذكر الذعر في عيني أمي، حين أخبرتها ببساطة بأني ورفاقي تسلقنا سياج المشفى، ورأينا بأم أعيننا الكوليرا وهي تدخل أجسام المرضى وتقتلهم، ثم تأتي البلدية وتحرق الجثامين.
- 2 -
كانت الكوليرا زائراً سنوياً، يحصد عشرات آلاف الأرواح، ويمضي كقاتل محترف لا يمكن إيقافه. لم أعد أذكر متى توقف هذا الشبح عن التجول في الشوارع. أعتقد في نهايات السبعينيات. ذكرياته المرعبة ما زالت تقض مضاجعنا، وتعود من جديد مع أي وباء جديد، لكن في الأيام الماضية شعرت بأن الوباء الجديد سيقودنا حتماً إلى نهاية العالم، لم أكن أتجرأ على التفكير أو التخيل بأنه من الممكن للعالم كله أن يغلق أبوابه وتعود الأنهار تجري بجنونها المعتاد كما يريد لها الزمن والرياح، وتبني العصافير أعشاشها في أي مكان تختاره.
فكرت بإمكانية عودة الأنواع المنقرضة من الحيوانات إلى الظهور، تخيلت كيف ستتجول في شارع أكسفورد اللندني، الزرافة البيضاء التي قتل صياد محترف آخر فردين من سلالتها قبل أيام قليلة في بلد أفريقي على ما أذكر. أتخيل بأن تلك الأنواع المنقرضة قد بعثت من جديد وأصبحت تقاسمنا الطرقات والمنازل الضيقة والبارات. تعجبني صورة أن أتناول كأس كونياك مع فيل صغير مكوم على كرسي في بار يذرف دمعاً كما نفعل نحن العشاق الخاسرون.
لكن ماذا لو لم تقبل هذه الحيوانات مقاسمتنا الحياة وقررت الانتقام منا على ما فعلناه في أمها الأرض، وقررت طردنا بشكل نهائي وإعادة إنتاج سلالات جديدة من بشر مختلفين أقل قسوة مع الأرض وأكثر رحمة فيما بينهم.
رغم أنني لم أكن يوماً من هواة الحفاظ على البيئة، فإنني أشعر بنفسي مشدوداً إليهم لأبعد الخوف عن حياتي التي أشعر بأنها مهددة فعلاً خاصة أن الفيروس العظيم المبجل «كورونا»، لم يحسم خياره معنا نحن الذين غادرنا الشباب ولم نصل بعد إلى الشيخوخة أو أرذل العمر.
- 3 -
أثناء كتابتي لروايتي الأخيرة «لم يصل عليهم أحد»، قرأت في سنوات البحث وكتابتها الأحد عشرة سنة أغلب كتب تاريخ حلب، وكانت النتيجة بأنه لم يمر على حلب عقد كامل دون وباء قاتل. أخطر هذه الأوبئة كان «الطاعون» الذي أهلك البلاد والعباد، وكما يقول الحلبيون «فوق الموتة عصة القبر»، أي إضافة إلى الظروف السيئة التي تصاحب معيشة الناس، تأتي الأوبئة. لكن في حلب كان ذلك المثل يطبق في أوقات مختلفة، في زلزال 1822 الشهير، انتشر «الطاعون» بشكل رهيب في المدينة. كان ضربة قاصمة لظهر المدينة التي لم تستطع النهوض ومحو آثار هذه الكارثة قبل خمسين سنة. دمر ثلثي المدينة ومات أكثر من خمس وعشرين ألف شخص، أي ربع أو ثلث سكان المدينة تقريباً. وأي قراءة لتاريخ حلب، قد تعني بشكل أو بآخر قراءة لتاريخ الأوبئة. يتحدث التاجر الحلبي يوسف جرجس الخوري في يومياته عن حلب في كتاب «حوادث حلب اليومية 1771 - 1805»، الذي طبع منذ سنوات قليلة كاشفاً اللثام عن تاريخ مخفي لمدينته العريقة، عن «الطاعون» الذي ضرب المدينة عام 1787، ويصف المشاهد المروعة ويعدد أسماء بعض الضحايا.
لم أجد في روايتي صورة عن قسوة الأوبئة أفضل من صورة المدينة الفارغة حين يصلها حنا ورفيقه زكريا. إنها الصورة التي شكلت لي فتنة قاتلة، ولم تزل في طفولتي حين كنا محبوسين بأمر أمي، نرى العالم من وراء شقوق الباب، والكوليرا تتجول في الشوارع وتحصد ضحاياها، بينما رائحة الجثث المحترقة تفوح في فضاء المدينة والمآذن التي تبتهل برد البلاء، تعلن عجزها بدموع حارقة.
- 4 -
ما زلت أعتقد بأننا كبشر اليوم وفي كل مكان رهائن لدى الشركات الكبرى. رحبنا بنمط حياتنا في غفلة عنا، أو فرض علينا دون إذن منا. لم يسألنا أحد إن كنا نريد أن نتوقف عند «مرحلة الفاكس» أم نعبر إلى «مرحلة النت». نستطيع تعداد كل ما يحيط بنا من إنجازات تفتخر البشرية بها دون أن تسأل نفسها عن الأثمان الواجب دفعها، بالإضافة إلى أن الصورة نفسها ما زالت ثابتة، قدوم الوباء يرتبط بالندم، في وقت لا ينفع فيه الندم. وهم بأن الحياة قبل مائة سنة كانت أكثر رحمة ليس صحيحاً، الحياة دوماً كانت تمرين على القسوة المستمرة. ما نتحدث عنه، بأن الحياة المعاصرة هي نهش للذات، وابتعادنا عن السعادة باقترابنا من نمط الحياة المعاصرة القائمة على تملك الأشياء أيضاً وهم. لم تتوقف الحياة عن كونها امتحاناً مؤقتاً لا يجوز محاكمتها بمعزل عن إخفاء الحقائق عن العامة من قبل السياسيين ومجموعات البحث العلمي التي أعتقد وصلت إلى أعلى مراحل التطور. ولدي يقين كامل، بأنها قادرة على إعادة إنتاج الحياة أو إيقاف الموت. لكنها في هذه اللحظة الرهيبة تقف عاجزة أمام هذا الفيروس الذي أغلق العالم، حقيقة وليس مجازاً. نفس السياسة في إخفاء الأسرار، ما زالت سائدة ولن نجد جواباً قريباً عن سؤال: من أين أتى هذا الفيروس، كما لم نجد حتى الآن جواباً لسؤال: من أين أتى «داعش»؟ ولماذا؟ ومن سيدفع التعويض لعشرات الآلاف من ضحاياها.
مع كل وباء يصبح البشر جيفة يجب الابتعاد حتى عن جثامينها، وصور الجنازات في العالم تخبرنا ببساطة بأن الموت قد يكون فعلاً عملاً شاقاً، والعالم يقتسم مع سوريا هذه المشقة رغم اختلاف الزوايا.
- 5 -
هنا والآن. السوريون مرة أخرى ينتظرون الموت العشوائي في حلته الجديدة، وأنا واحد منهم. لقد اختبرنا كشعب كل أنواع الموت. تحت التعذيب مات عشرات الآلاف من خيرة شباب سوريا. تحت القصف، دمرت مدن سوريا. في الحرب، التي لم تنته، مات أكثر من نصف مليون سوري، عدا عن التهجير وملايين النازحين.
اليوم، يتبختر وباء «كورونا» بنسخته الجديدة، وجميعنا في سوريا ننتظره دون حول أو قوة، أو يقين، بأننا نستطيع مجابهته. في أعماقنا جميعاً، نعرف بأننا شعب فائض عن حاجة النظام الذي يستطيع العيش والاستمرار بربع عدد السكان فيما لو مات ثلاثة أرباع السكان. لن يسأل أحد لماذا لا توجد «منافس» للأكسجين كافية في مشافي سوريا، لماذا المنظومة الطبية شبه غائبة. وفي حالة فريدة، لا يوجد أحد يتلقى السؤال ويتحمل المسؤولية، لأنه في أعماق السوريين ينمو يقين غريب بأن من عبر الحرب هو ناجٍ من كل بد، ومن غرق في البحر لن يغص بالساقية. لكن من يدري، قد تتحول الساقية إلى طوفان رهيب يجرفنا جميعاً إلى الهاوية والمحرقة التي تجعل منا رماداً.
*روائي سوري


مقالات ذات صلة

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

أوروبا سجّلت بريطانيا أحد أعلى معدلات الوفيات المرتبطة بجائحة كورونا في أوروبا إذ حصد «كوفيد - 19» أرواح نحو 226 ألف شخص (رويترز)

أكثر من 14 مليار دولار تكلفة الاحتيال المتعلق بـ«كوفيد - 19» في بريطانيا

بلغت تكلفة الاحتيال المتعلق ببرامج الدعم الحكومي خلال جائحة كوفيد - 19 في بريطانيا 10.9 مليار جنيه إسترليني (14.42 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق امرأة ترتدي الكمامة خلال فترة انتشار الجائحة في كندا (رويترز)

كيف أثّر وباء «كوفيد» على مرحلة البلوغ لدى الفتيات؟

تسبب الإغلاق الذي فُرض بعد انتشار جائحة «كوفيد - 19» في توقف شبه تام للحياة، وشهد مئات الملايين من الأشخاص تغيُّرات جذرية في أنماط حياتهم.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك طفلة تتلقى جرعة من لقاح «موديرنا» لفيروس «كورونا» بصيدلية سكيباك في شوينكسفيل - بنسلفانيا (رويترز)

تقرير أميركي: وفاة 10 أطفال بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا»

قال مارتي ماكاري، مفوض إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية، اليوم (السبت)، إن البيانات أظهرت وفاة 10 أطفال؛ بسبب جرعات التطعيم ضد فيروس «كورونا».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك رجل في المكسيك يتلقى جرعة من لقاح الحصبة (رويترز)

لقاحات شائعة تمنع الأمراض المزمنة وبعض أنواع السرطان... تعرّف عليها

لا تقتصر فوائد اللقاحات على حمايتك من أمراض معدية محددة أو تخفيف حدة الأعراض عند الإصابة بالمرض، بل يمكنها أيضاً الوقاية من الأمراض المزمنة الشائعة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ شخص يجهز جرعة من لقاح «كوفيد-19» (رويترز)

تقرير: «الغذاء والدواء» الأميركية تربط وفاة 10 أطفال بلقاحات «كوفيد»

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أمس (الجمعة) أن إدارة الغذاء والدواء الأميركية ذكرت في مذكرة داخلية أن 10 أطفال على الأقل لقوا حتفهم على «بسبب» لقاحات «كوفيد-19».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

العليمي يشيد بدور السعودية لإنهاء التوتر شرق اليمن


رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
TT

العليمي يشيد بدور السعودية لإنهاء التوتر شرق اليمن


رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

أشاد رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، أمس، بالدور السعودي لإنهاء التوتر في شرق اليمن، داعياً القوى السياسية والقبلية والاجتماعية في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق) إلى توحيد الصف خلف جهود الدولة، لاحتواء تداعيات التصعيد في المحافظتين.

وحذر العليمي من انعكاسات هذه التوترات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.

وشدد العليمي، خلال اتصالَين هاتفيين مع محافظَي حضرموت سالم الخنبشي، والمهرة محمد علي ياسر، على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج المحافظتين، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها الأمني والخدمي وفقاً للدستور والقانون.

كما جدد التأكيد على إجراء تحقيق شامل في جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بما وصفها بـ«الإجراءات الأحادية» للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مع التشديد على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.


«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
TT

«حماس» ترفض اتهامات «العفو الدولية» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)
عناصر من «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتوجهون إلى حي الزيتون في مدينة غزة للبحث عن رفات الرهائن المتوفين (أ.ب)

رفضت حركة «حماس»، الخميس، التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي اتهمتها فيه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، واعتبرت أن ما ورد فيه ما هو إلا «أكاذيب»، وأن الدوافع خلفه «مغرضة ومشبوهة»، فيما قالت إسرائيل إن التقرير لا يعكس الحجم الواسع لهذه الجرائم.

خلص تقرير جديد لمنظمة العفو الدولية إلى أن «حماس» ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال هجومها على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وبحق الرهائن الذين احتجزتهم في قطاع غزة.

وقالت المنظمة التي تتخذ من لندن مقراً إن تقريرها الذي نُشر الأربعاء حلّل أنماط الهجوم والاتصالات بين المقاتلين أثناء الهجوم، وبيانات أصدرتها حركة «حماس»، وتصريحات من قادة جماعات مسلحة أخرى.

ووفقاً لـ«رويترز»، أجرت منظمة العفو الدولية مقابلات مع 70 شخصاً، منهم ناجون وعائلات قتلى وخبراء طب شرعي وعاملون احترافيون في القطاع الطبي، وزارت بعض مواقع الهجوم، وراجعت أكثر من 350 مقطع فيديو وصورة فوتوغرافية لمشاهد الهجوم وللرهائن أثناء أَسرهم. وخلص تحقيق المنظمة إلى أن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية شملت القتل والإبادة والسجن والتعذيب والاغتصاب، إضافة إلى أشكال أخرى من الاعتداء الجنسي والأفعال اللاإنسانية.

وقالت المنظمة في بيان: «ارتُكبت هذه الجرائم في إطار هجوم واسع النطاق وممنهج على سكان مدنيين. خلص التقرير إلى أن المقاتلين تلقوا تعليمات بتنفيذ هجمات تستهدف مدنيين».

ووفقاً لإحصاءات إسرائيلية، ولمنظمة العفو الدولية، قُتل نحو 1200 معظمهم من المدنيين، في هجوم «حماس»، وجرى احتجاز 251 رهينة، من بينهم أطفال. وجرى الإفراج عنهم جميعاً باستثناء واحد منذ ذلك الحين، معظمهم في إطار وقف إطلاق النار، وبعضهم في عمليات عسكرية إسرائيلية.

وخلص تقرير أصدرته منظمة العفو الدولية في ديسمبر (كانون الأول) 2024 إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. ورفضت إسرائيل اتهامات الإبادة الجماعية، وقالت إن حربها ضد «حماس» وليس ضد الفلسطينيين.

رفض «حماس»

وقالت «حماس» في بيان: «ترديد التقرير أكاذيب ومزاعم حكومة الاحتلال حول الاغتصاب والعنف الجنسي وسوء معاملة الأسرى، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هدف هذا التقرير هو التحريض وتشويه المقاومة عبر الكذب وتبني رواية الاحتلال الفاشي، وهي اتهامات نفتها العديد من التحقيقات والتقارير الدولية ذات العلاقة».

وذكرت «حماس»: «نرفض ونستهجن بشدة التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية، والذي يزعم ارتكاب المقاومة الفلسطينية جرائم». وأضافت: «نطالب منظمة العفو الدولية بضرورة التراجع عن هذا التقرير المغلوط وغير المهني».

ولم يعلق المسؤولون الإسرائيليون بعدُ على تقرير المنظمة.

«لا يعكس حجم الفظائع»

من جهتها، قالت إسرائيل إن التقرير لا يعكس الحجم الواسع لهذه الجرائم.
وكتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورشتاين على منصة «إكس»: «احتاجت منظمة العفو الدولية إلى أكثر من عامين للحديث عن جرائم حماس الشنيعة، وحتى الآن لا يعكس تقريرها إلى حد بعيد حجم الفظائع المروعة لحماس»، متهماً المنظمة الحقوقية بأنها «منظمة منحازة».


العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
TT

العليمي يدعو لاحتواء التصعيد في شرق اليمن ويشيد بدور السعودية

جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)
جنود موالون للمجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفقدون شاحنة خارج مجمع القصر الرئاسي في عدن (رويترز)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، رشاد العليمي، الخميس، القوى السياسية والقبلية والاجتماعية في محافظتي حضرموت والمهرة (شرق) إلى توحيد الصف خلف جهود الدولة والسلطات المحلية، بهدف احتواء تداعيات التصعيد الأمني والعسكري في المحافظتين.

وفي حين أشاد العليمي بالدور السعودي لإنهاء التوتر، حذر من انعكاسات هذه التوترات على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، التي بدأت مؤشراتها بالظهور، مع إعلان صندوق النقد الدولي تعليق أنشطته الحيوية في اليمن نتيجة تفاقم البيئة الأمنية.

ونقل مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي شدّد، خلال اتصالَين هاتفيَين مع محافظَي حضرموت سالم الخنبشي، والمهرة محمد علي ياسر، على ضرورة انسحاب جميع القوات الوافدة من خارج المحافظتين، وتمكين السلطات المحلية من أداء دورها الأمني والخدمي وفقاً للدستور والقانون.

كما أعاد التأكيد على توجيهاته السابقة بإجراء تحقيق شامل في جميع انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بما وصفها بـ«الإجراءات الأحادية» للمجلس الانتقالي الجنوبي، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مع التشديد على مبدأ المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وحذّر العليمي من خطورة أي تصعيد إضافي قد يؤدي إلى إراقة مزيد من الدماء ويعمّق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، مشدداً على أن الأولوية الوطنية يجب أن تبقى منصبّة على مواجهة الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، باعتبارها التهديد الأكبر للأمن والاستقرار.

وأشاد بجهود السعودية في خفض التوتر ودعم الاستقرار في محافظتَي حضرموت والمهرة، مؤكداً دعم الدولة الكامل لهذه الجهود، وحرصها على تعزيز دور السلطات المحلية في حماية السلم الاجتماعي ورعاية مصالح المواطنين.

إعادة الأمور إلى نصابها

حسب المصدر الرئاسي، شدد العليمي على ضرورة إعادة الأوضاع في المحافظتين إلى ما كانت عليه قبل التصعيد، واحترام مرجعيات المرحلة الانتقالية، وتمكين الحكومة والسلطات المحلية من أداء واجباتها الدستورية.

وحذر رئيس مجلس القيادة الرئاسي من أن الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون «لا تحتمل فتح مزيد من الجبهات الداخلية»، داعياً جميع الأطراف إلى تغليب المصلحة العامة وعدم التفريط بالمكاسب الوطنية المحققة خلال السنوات الماضية، بما يضمن تركيز الجهود على المعركة الرئيسية ضد الحوثيين والتنظيمات الإرهابية المتخادمة معهم.

وتأتي دعوة العليمي في سياق أوسع من الرفض للإجراءات الأحادية في الشرق. فقد أصدر مجلس النواب بياناً عبّر فيه عن رفضه القاطع لأي تحركات عسكرية خارج إطار التوافق الوطني والمرجعيات السياسية، معتبراً التطورات الأخيرة «مخالفة صريحة للشرعية الدستورية وصلاحيات مجلس القيادة الرئاسي».

وفد سعودي زار حضرموت في شرق اليمن للتهدئة وتثبيت الاستقرار (سبأ)

وكان اللواء محمد القحطاني، الذي ترأس وفداً سعودياً زار حضرموت، قد شدد على أن الرياض ترفض «أي محاولات لفرض أمر واقع بالقوة» في المحافظتين، وتؤيد عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التصعيد.

وأكد القحطاني أن السعودية، بصفتها قائدة لتحالف دعم الشرعية، تعمل على حلّ الأزمة عبر حزمة من الإجراءات تم الاتفاق عليها مع مختلف الأطراف، بما يشمل المجلس الانتقالي الجنوبي.

وأوضح أن هذه الإجراءات تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار، ومنع انزلاق شرق اليمن إلى صراعات جديدة. ووفق الإعلام الرسمي اليمني، فقد شملت مباحثات الوفد ترتيبات عاجلة للتهدئة ووقف التحشيدات، بالتوازي مع دعم السلطات المحلية وتمكينها من أداء مهامها.