المأساة الإسبانية تنافس الإيطالية وتستنزف الكوادر الطبية

الوفيات تضاعفت عشر مرات خلال أسبوع

أفراد من فريق تعقيم يطهّرون أحد زملائهم في مقر شرطة شمال إسبانيا أمس (أ.ب)
أفراد من فريق تعقيم يطهّرون أحد زملائهم في مقر شرطة شمال إسبانيا أمس (أ.ب)
TT

المأساة الإسبانية تنافس الإيطالية وتستنزف الكوادر الطبية

أفراد من فريق تعقيم يطهّرون أحد زملائهم في مقر شرطة شمال إسبانيا أمس (أ.ب)
أفراد من فريق تعقيم يطهّرون أحد زملائهم في مقر شرطة شمال إسبانيا أمس (أ.ب)

بعد أن أشهرت إيطاليا وإسبانيا، البؤرتان الرئيسيتان لانتشار «كوفيد - 19» في أوروبا، آخر ما تمتلك من «أسلحة» لمواجهة هذه الجائحة العالمية، وقرّرت إغلاق جميع مرافقها غير الحيوية العامة والخاصة، انتقلت الجبهة الحقيقية في هذه الحرب الغريبة إلى قاعات العناية الفائقة في المستشفيات، حيث يجهد آلاف الأطبّاء والممرّضين لإنقاذ ما تيسّر من الأرواح التي تنطفئ بمعدّل واحدة كل دقيقتين في إيطاليا أو كل عشر دقائق في إسبانيا.
وفيما تستعد الحكومة الإيطالية لتمديد حالة الطوارئ حتى نهاية الشهر المقبل وتكليف الجيش الإشراف على إنفاذ إجراءاته في كل أنحاء البلاد، أعلن رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيز أنه قرّر تمديد إجراءات العزل التام أسبوعين إضافيين، وقال: «نحن اليوم على أبواب الموجة الأعتى، وبحاجة إلى كل ما نملك من قوّة ومعنويّات».
وكانت الإصابات في إسبانيا قد تضاعفت ثلاث مرّات خلال الأيام السبعة المنصرمة منذ إعلان حالة الطوارئ لتقارب الثلاثين ألفاً، فيما تضاعف عدد الوفيّات عشر مرات ليتجاوز الألفين، نصفها تقريباً في العاصمة مدريد التي تعتبر منظومتها الصحّية من الثلاث الأفضل في العالم حسب منظمة الصحة العالمية، والتي لم يعد معظم مستشفياتها قادراً على استقبال المزيد من الحالات الخطرة منذ صباح أمس الأحد.
وفي مبادرة هي الأولى من نوعها خلال هذه الأزمة التي تحصد آلاف الضحايا كل يوم، قرّرت صحيفة «إل باييس» واسعة الانتشار والمعروفة برصانتها نشر صورٍ لبعض الضحايا، مع معلومات عن سيرهم الذاتية. وقالت رئيسة تحرير الصحيفة سوليداد غايّغو إن الهدف من ذلك هو إعطاء وجه إنساني لهذه المأساة التي يقتصر وجهها على الأرقام.
وفي إيطاليا، حيث تجاوزت الوفيّات حاجز الخمسة آلاف، منها ٨٠٠ في يوم واحد، واقتربت الإصابات من ٦٠ ألفاً، قرّرت الحكومة وقف جميع الأنشطة الاقتصادية باستثناء ما هو حيوي منها، وبدأت الإعداد لتطبيق النموذج الذي اعتمدته كوريا الجنوبية، وذلك بعد أن بيّنت أرقام الانتشار خلال الأيام المنصرمة عدم كفاية التدابير المتخذة حتى الآن لاحتواء انتشار الفيروس. لكن لم توضّح الحكومة بعد ما هي الأنشطة أو المنشآت التي ستتوقّف، حيث إن المصارف وشركات التأمين وأكشاك الصحف ووسائل النقل العام ما زالت مستمرة في نشاطها.
وكانت بعثة كوبيّة تضمّ 25 طبيباً متخصصا في مكافحة الأوبئة قد وصلت أمس إلى ميلانو للمساعدة في مواجهة هذه الأزمة، حيث ستشرف على المستشفى الميداني الذي أقامه الجيش الإيطالي مؤخراً، كما أعلنت روسيا عن إرسال 100 اختصاصي في علم الجراثيم لمعاونة السلطات الإيطالية في جهود احتواء الوباء الذي ما زال يضرب بشكل خاص المناطق الشمالية من البلاد.
ويركّز الأخصائيون اهتمامهم بشكل خاص على الوضع في مدينة «بيرغامو» التي صار يطلق عليها لقب «العاصمة الأوروبية للفيروس»، والتي لم تعد مقابرها تتسّع للضحايا الذين تتولّى الشاحنات العسكرية نقلهم لإحراقهم أو دفنهم في مناطق أخرى. ويشكّل عدد الوفيّات في هذه المدينة التي تعتبر أحد أهمّ المراكز الصناعية في الشمال، ولا يزيد عدد سكّانها عن مائة ألف، حوالي ربع الوفّيات الإجمالية في إيطاليا. ويرجّح الخبراء أن السبب في ذلك يعود لكونها قد أولت اهتمامها بالنشاط الاقتصادي على حساب الصحّة في الإجراءات التي اتخذتها منذ بداية الأزمة.
وفي مدريد، تشهد المستشفيات الكبرى ضغوطاً لم يعد معظمها قادراً على تحمّلها، خاصة أن كل التوقّعات تشير إلى أن الإصابات ستبلغ ذروتها في الأيام المقبلة، مما ينذر بسيناريو لا يستبعد المسؤولون أن يتجاوز السيناريو الإيطالي.
وفيما بدأت المجموعات الأولى من المرضى تصل إلى المستشفى الميداني الذي أقامه الجيش في إحدى ضواحي مدريد ويتسع لأكثر من 5500 سرير، يواصل الآلاف من أفراد الطواقم الصحّية العناية بما يزيد عن ١٦٠٠ حالة خطرة في وحدات العناية الفائقة ضد عدو لا يعرفون عنه سوى القليل، وفي ظروف غير مسبوقة وصفها أحد الأطباء بأنها «حرب الأجيال التي لم تعرف حروباً أخرى».
ويقول أحد الأطباء في المستشفى الجامعي بمدريد إنه لم يشهد وضعاً مثيلاً لهذا في حياته، «غرف العمليّات ألغيت كلّياً وتحولت إلى وحدات لأسرة العناية الفائقة المكتظّة بالمرضى الذين يعانون من إصابات خطرة بالفيروس، ينتظرون غائبين عن الوعي لحظة الرحيل».
مدريد وحدها تسجّل ٤٨٪ من الحالات الخطرة التي تزداد يومياً بمعدّل ٤١٪ منذ الجمعة الماضي، وتقول رئيسة قسم التمريض في كلّية الطب التابعة للجامعة المركزية: «الجسم التمريضي ليس مدرّباً لمثل هذه الحالات في مواجهة عدو مجهول وسريع العدوى، ومن غير أفق لنهاية قريبة».
الأطباء والممرّضون هم اليوم الأبطال الحقيقيون في هذه الحرب، منهكون حتى الإعياء منذ أيّام، لكنهم يجدون القوّة للتصفيق عندما ينجحون في إنقاذ أحد المرضى، ولا يطلبون من الأسلحة سوى معدات الوقاية وأجهزة التنفس لمواجهة هذا العدو، ويرددون: «بعد هذه الأزمة لن نكون كما كنّا من قبلها، لكننا سنكون أفضل».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».