السعودية تستعد لعالم ما بعد «كورونا»

السعودية تستعد لعالم ما بعد «كورونا»
TT

السعودية تستعد لعالم ما بعد «كورونا»

السعودية تستعد لعالم ما بعد «كورونا»

من ناحية نفطية بحتة، كانت أسعار النفط أول ضحايا جائحة كورونا، إذ فقدت أسعار برنت أكثر من نصف قيمتها منذ اندلاع الوباء حتى هذه اللحظة.
أما الضحية الثانية فهي اتفاق خفض الإنتاج من قبل تحالف أوبك+ والذي سينتهي بنهاية شهر مارس (آذار) الجاري، وكان من المفترض تمديده لأشهر إضافية أو حتى لنهاية العام ولكن الخلاف بين روسيا والسعودية حول كمية التخفيض الإضافي المطلوب لموازنة السوق في ظل ضعف الطلب على النفط الناتج من تفشي الكورونا، قضى على الاتفاق وتحول التعاون إلى صراع في السوق على الحصة السوقية ابتداءً من أول أيام أبريل (نيسان).
ونتيجة لما حدث قررت السعودية التخلي عن دور المنتج المرجح تماماً ورسمياً حتى إشعار آخر، وهو الدور الذي لعبته منذ عام 1983 بعد اتفاق لندن. لقد بدأ كل هذا عندما اتفقت دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في 15 مارس 1983 على فعل شيء لمواجهة تراجع الطلب على النفط في مطلع الثمانينات وتدهور الأسعار حينها. واتفق وزراء المنظمة المجتمعون في لندن على خمسة بنود رئيسية وهي: أولاً، أن تخفض أوبك سعر بيعها الرسمي في ذلك الوقت والذي كان يعتمد على الخام العربي الخفيف الذي تنتجه المملكة من 34 إلى 29 دولاراً. ثانياً، الالتزام بالفروقات السعرية بين مختلف أنواع النفط الذي تنتجه أوبك بناء على اتفاق سابق في 1982. ثالثاً، فرض سقف للإنتاج قدره 17.5 مليون برميل يومياً. رابعاً، أن لا تلتزم السعودية بأي سقف وتكون (المنتج المرجح) لتغطية أي نقص بين الكمية الفعلية التي تنتجها أوبك وبين الكمية المنصوص عليها في السقف. خامساً، أن لا تعطي دول أوبك أي تخفيضات على أسعار نفطها بأي شكل.
ونتيجة لهذا الاتفاق أصبح إنتاج المملكة يتأرجح صعوداً وهبوطاً للحفاظ على 17.5 مليون برميل يومياً، لكن مع غش الدول وتراجع الطلب تأثر إنتاج المملكة هبوطاً ليهبط إنتاجها من 10.27 مليون برميل يومياً في 1980. إلى 3.6 مليون برميل يومياً في 1985، وفي ظل هبوط الأسعار خسرت المملكة الحصة والدخل فعكست كل هذا بقرار تاريخي لشن حرب أسعار وتخفيضات كبيرة لاستعادة حصتها في السوق، ونجحت في ذلك. وللأمانة التاريخية هناك تصور خاطئ أن السعودية تم خداعها في هذه الصفقة وأن وزير البترول السابق أحمد زكي يماني كان السبب في كل هذا، بينما في الحقيقة حاولت السعودية الحفاظ على وحدة أوبك أكثر من تفكيرها في الحصة السوقية. ودليلاً على ذلك هو تصريح يماني في ديسمبر (كانون الأول) 1983 للصحافيين عند سؤاله عن دور المملكة كمنتج مرجح قائلاً: «للأسف هذا ما يريدون منا فعله» في إشارة لباقي دول أوبك.
ومنذ 1985 والسعودية تتحاشى لعب هذا الدور وأصبح تركيزها قائما على استقرار وموازنة السوق من خلال الخفض الجماعي والاستجابة لأي اضطرابات عالمية في الإنتاج باستخدام طاقتها الإنتاجية الفائضة، وكانت أولى مهام الوزير الراحل هشام ناظر هي رفع أسعار النفط إلى مستوى 18 دولاراً والتخلي عن المنتج المرجح لأنه لا يمكن لدولة أن تخفض إنتاجها في وقت كل الدول تزيد فيه إنتاجها خاصة تلك من خارج أوبك. وانتقل هذا الدور إلى أوبك ككل ولم تعد المملكة لوحدها تلعبه.
وفي عام 2014 قاومت السعودية لعب دور المنتج المرجح وفضلت هبوط الأسعار على خسارة حصتها السوقية لصالح روسيا ومنتجي النفط الصخري وغيرهم من خارج أوبك أو حتى من داخلها. ولكن السوق لم يقرأ الإشارات بشكل سليم حينها ظناً منه أن السعودية سوف تتدخل لإنقاذ الأسعار، وكانت الإشارة واضحة في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في تصريحات لوزير البترول السابق علي النعيمي قال فيها إن المملكة تستجيب فقط لنقص الإمدادات والطلب على النفط.ولكن كل ما حدث سابقاً لا يقارن بما حدث هذا الشهر. أعطت الرياض قرارا واضحا بزيادة الإمدادات من شركة أرامكو السعودية إلى 12.3 مليون برميل يومياً أي فوق طاقتها الإنتاجية البالغة 12 مليون برميل يومياً، والاستثمار في رفع الطاقة الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً.
إن الرياض رسمياً تخلت عن دور المنتج المرجح بلا رجعة لأن الاستثمار في الطاقة الإنتاجية أمر طويل الأجل، ويأتي في وقت من المتوقع زيادة الإنتاج العالمي فيه من خارج أوبك لسنوات، مع تباطؤ أو وصول الطلب إلى الذروة في 10 سنوات. وسابقاً رفضت السعودية رفع الطاقة الإنتاجية لهذه الأسباب، وكما ذكر النعيمي سابقاً في 2013 في العاصمة الأميركية واشنطن، فإن الطلب على النفط السعودي سيبقى في حدود 9 ملايين برميل يومياً في 2020 و11 إلى 11.5 مليون برميل يومياً في 2030 نظراً للزيادة في الإنتاج من باقي مناطق العالم.
يبدو أن السعودية ستتجه لتعظيم ربحية شركة أرامكو بعد إدراجها في السوق والحفاظ على قيمتها السوقية، وأرامكو لديها استعداد لتقبل سعر 30 دولارا لفترة طويلة من الزمن، كما عبرت الشركة هذا الشهر. ولن تعود السعودية للدفاع عن مصالح دول تاريخياً لا تلتزم بأي اتفاق لخفض الإنتاج وتغش في الكميات وتتركها تتحمل لوحدها كامل العبء، وستترك العالم كله ليتحمل العبء.
ويبقى التحدي الأكبر الآن هو في قدرة الاقتصاد السعودي على تحمل كل هذا، حيث سيتراجع نمو الناتج النفطي وبالتالي ترشيد الإنفاق الرأسمالي. لكن ما تفعله السعودية لن يؤثر عليها وحدها بل إن هناك قائمة طويلة من الدول النفطية يجب أن تعيد هندسة ميزانياتها. كل هذه التغيرات تعكس الواقع الجديد للعالم بعد اكتتاب أرامكو وتسريع العالم الاعتماد على البدائل وتوقعات وصول الذروة على الطلب في 2030. وسيكون النظام النفطي العالمي بعد كورونا مختلفاً عن ما كان قبله.


مقالات ذات صلة

ارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية 16.8 % خلال الربع الثالث

الاقتصاد ميناء جدة الإسلامي (الشرق الأوسط)

ارتفاع الصادرات السعودية غير النفطية 16.8 % خلال الربع الثالث

أعلنت «الهيئة العامة للإحصاء» السعودية، اليوم، ارتفاع الصادرات غير النفطية بنسبة 16.8 في المائة خلال الربع الثالث من العام الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

تحت رعاية ولي العهد... السعودية تستضيف المؤتمر السنوي العالمي 28 للاستثمار

تحت رعاية ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، تستضيف المملكة المؤتمر السنوي العالمي الثامن والعشرين للاستثمار «دبليو آي سي»

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد مستثمر أمام شعار شركة «تداول» السعودية (الشرق الأوسط)

رئيس «تداول»: رفع «موديز» التصنيف الائتماني للسعودية يعزز ثقة المستثمرين

قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «تداول» السعودية، المهندس خالد الحصان، إن إعلان وكالة «موديز» رفع التصنيف الائتماني للمملكة إلى «إيه إيه 3» يعزز ثقة المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
TT

مصر: أعمال البحث عن الغاز الطبيعي بالبحر المتوسط «مبشرة للغاية»

وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)
وزير البترول المصري كريم بدوي خلال حديثه في مؤتمر مؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز» (وزارة البترول المصرية)

قال وزير البترول المصري، كريم بدوي، إن أعمال البحث والاستكشاف للغاز الطبيعي في البحر المتوسط مع الشركات العالمية «مبشرة للغاية»، وإنه تابع ميدانياً أعمال حفر البئر الاستكشافية الجديدة (خنجر) لشركة شيفرون العالمية.

وأكد الوزير خلال المؤتمر السنوي العاشر لمؤسسة «إيجيبت أويل آند غاز»، الأحد، على أهمية «الجهود الجارية مع شركاء الاستثمار في قطاع النفط والغاز للعمل على ضخ المزيد من الاستثمارات لزيادة الإنتاج من البترول والغاز والكشف عن المزيد من الموارد البترولية بطرق اقتصادية وأقل تكلفة، ومستدامة بيئياً، مع اتباع قواعد الحفاظ على السلام».

وأشار إلى أن «العمل مستمر على تنفيذ أولويات العمل البترولي التي تشمل توفير احتياجات المواطنين من المنتجات البترولية والغاز، من خلال التركيز على تعظيم البحث والاستكشاف والإنتاج وكفاءة إدارة الخزانات، والاستفادة الكاملة من البنية التحتية لتكرير البترول وإنتاج البتروكيماويات، واستخدامها بأفضل وسيلة لتحقيق قيمة مضافة وأقصى عائد من موارد البترول والغاز، فضلاً عن استغلال الإمكانيات والخبرات في تطوير قطاع التعدين المصري ورفع مساهمته في الناتج القومي من واحد في المائة حالياً إلى ما يتراوح بين 5 و6 في المائة في السنوات المقبلة».

وأكد بدوي على أن جذب رؤوس الأموال للاستثمار في قطاع النفط والغاز، «من أهم الأولويات التي تعمل عليها الوزارة، والتي أطلقت مبادرة في هذا الصدد في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي حققت نتائج إيجابية بجذب استثمارات مصرية للقطاع الخاص في مجال الاستكشاف والإنتاج».

وشدد في هذا الصدد، على أهمية التعاون الإقليمي لتحويل الطموحات إلى حقيقة ودعم دور مصر بصفتها مركزاً إقليمياً للطاقة، وهو ما «تدعم تحقيقه البنية التحتية في مصر والتعاون مع قبرص وشركائنا من الشركات العالمية لاستغلال الاكتشافات الحالية والمستقبلية للغاز في قبرص بواسطة البنية التحتية المصرية، لاستغلال الغاز لإعادة التصدير أو كقيمة مضافة للسوق المحلية».

وأضاف الوزير: «نعمل مثل فريق واحد مع وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة على تشكيل مزيج الطاقة الأمثل لمصر»، لافتاً إلى «التزام الحكومة بهدف زيادة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42 في المائة بحلول عام 2030، مما يتيح الاستفادة من موارد الوقود التقليدي التي تتوفر في التصدير أو صناعات القيمة المضافة».