تونس تفرض حجراً صحياً عاماً وسط مخاوف من «سيناريو إيطاليا»

سجّلت أول وفاة بـ«كورونا»

زحمة مسافرين في مطار قرطاج تونس الدولي أمس قبل إغلاق المجال الجوي التونسي أمام حركة الطيران بدءاً من ليلة الجمعة (د.ب.أ)
زحمة مسافرين في مطار قرطاج تونس الدولي أمس قبل إغلاق المجال الجوي التونسي أمام حركة الطيران بدءاً من ليلة الجمعة (د.ب.أ)
TT

تونس تفرض حجراً صحياً عاماً وسط مخاوف من «سيناريو إيطاليا»

زحمة مسافرين في مطار قرطاج تونس الدولي أمس قبل إغلاق المجال الجوي التونسي أمام حركة الطيران بدءاً من ليلة الجمعة (د.ب.أ)
زحمة مسافرين في مطار قرطاج تونس الدولي أمس قبل إغلاق المجال الجوي التونسي أمام حركة الطيران بدءاً من ليلة الجمعة (د.ب.أ)

أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، أمس (الجمعة)، حجراً صحياً عاماً وطلب من أغلب المواطنين البقاء في بيوتهم إلا للضرورة القصوى، وعلّق التنقل بين المدن، في تشديد للإجراءات الهادفة إلى منع تفشي فيروس كورونا المستجد. وجاء قراره في وقت أغلقت السلطات التونسية المجال الجوي للبلاد أمام الرحلات من تونس وإليها بدءاً من منتصف ليلة الجمعة لتنتهي معها رحلات الإجلاء.
وشهد مطار قرطاج الدولي، أمس، ازدحاماً لافتاً مع تسارع عمليات إجلاء الرعايا الأجانب العالقين أو المقيمين في تونس نحو بلدانهم، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الألمانية.
وكانت السلطات التونسية قد كشفت، صباح أمس، عن تسجيل أول حالة وفاة بوباء «كورونا» المستجد، مشيرة إلى ارتفاع الإصابات المؤكدة بالفيروس إلى 54 حالة، وسط مخاوف من أن تشهد البلاد تكراراً لـ«السيناريو الإيطالي» البالغ السوء أوروبياً، وحتى عالمياً، لجهة أعداد الضحايا.
وقالت نصاف بن علية، المديرة العامة لـ«المرصد الوطني للأمراض المستجدة» التابع لوزارة الصحة التونسية، في مؤتمر صحافي، أمس، إن حالة الوفاة تعود إلى امرأة مسنة مصابة بفيروس «كوفيد 19». وأوضحت أن نتائج التحاليل المخبرية التي جرت على المرأة المتوفاة بمستشفى «فرحات حشاد» بمدينة سوسة (وسط شرقي تونس) أثبتت أنها توفيت بالفيروس. وأشارت إلى أنها قدمت إلى تونس من تركيا، وامتثلت للحجر الصحي الذاتي في منزلها إثر عودتها.
وأكدت بن علية أيضاً ارتفاع عدد الإصابات بفيروس «كورونا» في تونس إلى 54 حالة مؤكدة، من بينها أربع حالات خطرة، وهي تتوزع على 44 مصاباً تونسياً و10 مصابين أجانب، وذلك بعد تسجيل 15 إصابة جديدة.
من ناحيته، قال سامي الرقيق، المدير الجهوي للصحة بمدينة سوسة، إن مراسم دفن الضحية الأولى لفيروس «كورونا» ستتم «بصفة استثنائية ووقائية»، على حد تعبيره، مشيراً إلى توفير كل وسائل الوقاية للمشاركين في دفن الجثمان، وإلى أنه لن تتم عملية غسل الجثمان نتيجة بقاء الفيروس بعد الوفاة، مضيفاً أن المصالح البلدية والصحية ستتكفل بكافة الإجراءات.
وبشأن التوزيع الجغرافي للإصابات في تونس، تحتل ولاية (محافظة) تونس المرتبة الأولى في عدد الإصابات بواقع 17 إصابة، تليها أريانة بـ13 إصابة، و4 إصابات في كل من تطاوين وسوسة، و3 حالات في المهدية والمنستير. كما سُجِّلت حالتان في كل من بنزرت والقيروان وبن عروس، وإصابة واحدة في كل من مدنين ونابل وصفاقس وقفصة (حيث سُجِّلت حالة شفاء واحدة). وقالت بن علية، في هذا الإطار، إن المعدل العمري للمصابين يقدّر بـ45 سنة.
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن بن علية قولها أيضاً: «إذا اضطرَّنا الوضع الوبائي للإعلان عن حجر صحي شامل في بعض المناطق، فسنعلن عنه في الإبان (حينه)». وأشارت الوكالة إلى أن السلطات الطبية في تونس أخضعت حتى اليوم قرابة 11 ألف شخص للحجر الصحي الذاتي، أغلبهم من الوافدين من الخارج.
وأكد مصدر طبي أن تونس انتقلت الآن، كما يبدو، إلى المرحلة الحرجة، مقارنة ببقية بلدان الجوار. وأضاف أن الأرقام الجديدة المسجلة تعني أن تونس تواجه احتمال أن تكون الأعداد الحقيقية للمصابين أكبر بكثير، نتيجة قلة التحاليل المخبرية التي يتم إجراؤها للكشف عن الوباء؛ مشيراً إلى أن وزارة الصحة التونسية «قد تفقد السيطرة على الوضع على غرار السيناريو الإيطالي». ودعا إلى تطبيق الحجر الصحي الكامل، وعزل مدن العاصمة التونسية والولايات الثلاث القريبة منها (منوبة وأريانة وبن عروس)، مشدداً على أن العدد الحقيقي للمصابين قد يكون ضعف المعلن عنه رسمياً.
في غضون ذلك، أشارت وكالة الأنباء الألمانية إلى أن وزارة الشؤون الدينية في تونس حظرت صلاة الجماعة في المساجد، غير أنها أبقت على إذاعة تلاوات القرآن والأدعية عبر المآذن. وتابعت بأن تلاوات القرآن الكريم تُسمع وهي تنطلق من مكبرات الصوت في أعلى المآذن في العاصمة التونسية، ولكن مشاعر القلق، والخوف أحياناً، تبدو على الوجوه في طوابير ممتدة أمام الصيدليات والمطاحن، وأماكن البيع بالتجزئة.
وقالت المكلفة بالإعلام في وزارة الشؤون الدينية، نجاة همامي، لوكالة الأنباء الألمانية: «أرسلنا منشوراً إلى المديرين الجهويين للسماح بإذاعة القرآن والأدعية بين فترتي المغرب والعشاء، وحتى خارج هذه الأوقات». وأضافت: «سيساعد هذا في بث السكينة والهدوء والطمأنينة في نفوس المواطنين. في مثل هذه الأوقات نحتاج إلى الدعاء وطلب المغفرة».
وأشارت الوكالة الألمانية إلى أن تونس حظرت التجمعات، بما في ذلك صلاة الجماعة في المساجد وصلاة الجمعة، وقلَصت ساعات العمل في المقاهي والمؤسسات العمومية، للوقاية من انتشار الفيروس القاتل؛ لكنها أضافت أنه برغم قرار السلطات، فإن مصلين يتجمعون أمام الباب المغلق لجامع ابن عرفة بحي التحرير في العاصمة، من أجل صلاة الجماعة، قبل سريان حظر التجول الليلي، بدءاً من يوم الأربعاء الماضي.
وقال الإمام الخطبي طارق العكروت، إن «إلغاء صلاة الجماعة أثار بعض القلق لدى المواطنين؛ لكننا في وضع استثنائي. حفظ النفس أمر مقدس في الإسلام. وقرار الحظر الذي صدر بُني على أساس صحي وشرعي، ولم نخالف شرع الله فيما تم اتخاذه».
وتابعت الوكالة الألمانية بأن مطران الكنيسة الكاثوليكية في تونس وكبير أحبار اليهود أوقفا أيضاً كافة الأنشطة الدينية في الكنائس والمعابد. كما توجه ممثلو الديانات الثلاث بنداء مشترك من أجل التضرع إلى الله، والتقرب إليه بالدعوات لرفع البلاء.
وأشارت الوكالة الألمانية إلى أن حالة من الترقب والخوف تسود في الشوارع والبيوت بتونس، في ظل الأنباء القادمة من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ حيث قضى الفيروس على أكثر من ثلاثة آلاف شخص في إيطاليا، التي تبعد نحو 160 كيلومتراً فقط، وهي أقرب نقطة من التراب التونسي. وتابعت بأن سبب هذا الخوف أن الإمكانات المادية والتقنية المتوفرة بالقطاع الصحي العمومي في تونس، قد لا تسمح للدولة بمقاومة وباء فتاك، في وقت انهارت فيه إيطاليا، المصنفة بين الدول السبع الكبرى المصنِّعة في العالم، وحيث اعترفت أيضاً ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا بالوضع الحرج والدقيق.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
TT

رسائل السيسي لـ«طمأنة» المصريين تثير تفاعلاً «سوشيالياً»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال مشاركته الأقباط الاحتفال بعيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

حظيت رسائل «طمأنة» جديدة أطلقها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال احتفال الأقباط بـ«عيد الميلاد»، وأكد فيها «قوة الدولة وصلابتها»، في مواجهة أوضاع إقليمية متوترة، بتفاعل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقال السيسي، خلال مشاركته في احتفال الأقباط بعيد الميلاد مساء الاثنين، إنه «يتابع كل الأمور... القلق ربما يكون مبرراً»، لكنه أشار إلى قلق مشابه في الأعوام الماضية قبل أن «تمر الأمور بسلام».

وأضاف السيسي: «ليس معنى هذا أننا كمصريين لا نأخذ بالأسباب لحماية بلدنا، وأول حماية فيها هي محبتنا لبعضنا، ومخزون المحبة ورصيدها بين المصريين يزيد يوماً بعد يوم وهو أمر يجب وضعه في الاعتبار».

السيسي يحيّي بعض الأقباط لدى وصوله إلى قداس عيد الميلاد (الرئاسة المصرية)

وللمرة الثانية خلال أقل من شهر، تحدث الرئيس المصري عن «نزاهته المالية» وعدم تورطه في «قتل أحد» منذ توليه المسؤولية، قائلاً إن «يده لم تتلوث بدم أحد، ولم يأخذ أموال أحد»، وتبعاً لذلك «فلا خوف على مصر»، على حد تعبيره.

ومنتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال السيسي في لقاء مع إعلاميين، إن «يديه لم تتلطخا بالدم كما لم تأخذا مال أحد»، في إطار حديثه عن التغييرات التي تعيشها المنطقة، عقب رحيل نظام بشار الأسد.

واختتم السيسي كلمته بكاتدرائية «ميلاد المسيح» في العاصمة الجديدة، قائلاً إن «مصر دولة كبيرة»، مشيراً إلى أن «الأيام القادمة ستكون أفضل من الماضية».

العبارة الأخيرة، التي كررها الرئيس المصري ثلاثاً، التقطتها سريعاً صفحات التواصل الاجتماعي، وتصدر هاشتاغ (#مصر_دولة_كبيرة_أوي) «التريند» في مصر، كما تصدرت العبارة محركات البحث.

وقال الإعلامي المصري، أحمد موسى، إن مشهد الرئيس في كاتدرائية ميلاد المسيح «يُبكي أعداء الوطن» لكونه دلالة على وحدة المصريين، لافتاً إلى أن عبارة «مصر دولة كبيرة» رسالة إلى عدم مقارنتها بدول أخرى.

وأشار الإعلامي والمدون لؤي الخطيب، إلى أن «التريند رقم 1 في مصر هو عبارة (#مصر_دولة_كبيرة_أوي)»، لافتاً إلى أنها رسالة مهمة موجهة إلى من يتحدثون عن سقوط أو محاولة إسقاط مصر، مبيناً أن هؤلاء يحتاجون إلى التفكير مجدداً بعد حديث الرئيس، مؤكداً أن مصر ليست سهلة بقوة شعبها ووعيه.

برلمانيون مصريون توقفوا أيضاً أمام عبارة السيسي، وعلق عضو مجلس النواب، محمود بدر، عليها عبر منشور بحسابه على «إكس»، موضحاً أن ملخص كلام الرئيس يشير إلى أنه رغم الأوضاع الإقليمية المعقدة، ورغم كل محاولات التهديد، والقلق المبرر والمشروع، فإن مصر دولة كبيرة وتستطيع أن تحافظ علي أمنها القومي وعلى سلامة شعبها.

وثمّن عضو مجلس النواب مصطفى بكري، كلمات السيسي، خاصة التي دعا من خلالها المصريين إلى التكاتف والوحدة، لافتاً عبر حسابه على منصة «إكس»، إلى مشاركته في الاحتفال بعيد الميلاد الجديد بحضور السيسي.

وربط مصريون بين عبارة «مصر دولة كبيرة» وما ردده السيسي قبل سنوات لقادة «الإخوان» عندما أكد لهم أن «الجيش المصري حاجة كبيرة»، لافتين إلى أن كلماته تحمل التحذير نفسه، في ظل ظهور «دعوات إخوانية تحرض على إسقاط مصر

وفي مقابل الكثير من «التدوينات المؤيدة» ظهرت «تدوينات معارضة»، أشارت إلى ما عدته تعبيراً عن «أزمات وقلق» لدى السلطات المصرية إزاء الأوضاع الإقليمية المتأزمة، وهو ما عدّه ناجي الشهابي، رئيس حزب «الجيل» الديمقراطي، قلقاً مشروعاً بسبب ما تشهده المنطقة، مبيناً أن الرئيس «مدرك للقلق الذي يشعر به المصريون».

وأوضح الشهابي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أنه «رغم أن كثيراً من الآراء المعارضة تعود إلى جماعة الإخوان وأنصارها، الذين انتعشت آمالهم بعد سقوط النظام السوري، فإن المصريين يمتلكون الوعي والفهم اللذين يمكنّانهم من التصدي لكل الشرور التي تهدد الوطن، ويستطيعون التغلب على التحديات التي تواجههم، ومن خلفهم يوجد الجيش المصري، الأقوى في المنطقة».

وتصنّف السلطات المصرية «الإخوان» «جماعة إرهابية» منذ عام 2013، حيث يقبع معظم قيادات «الإخوان»، وفي مقدمتهم المرشد العام محمد بديع، داخل السجون المصرية، بعد إدانتهم في قضايا عنف وقتل وقعت بمصر بعد رحيل «الإخوان» عن السلطة في العام نفسه، بينما يوجد آخرون هاربون في الخارج مطلوبون للقضاء المصري.

بينما عدّ العديد من الرواد أن كلمات الرئيس تطمئنهم وهي رسالة في الوقت نفسه إلى «المتآمرين» على مصر.