أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

أحد أبرز الشخصيات في مكافحة فيروس {كورونا}

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين
TT

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

أنتوني فاوتشي... طبيب متواضع فرض احترامه على دونالد ترمب والأميركيين

قبل نحو شهر، لم يكن الطبيب الأميركي الدكتور أنتوني فاوتشي شخصية معروفة على نطاق واسع في الولايات المتحدة، رغم كونه مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في البلاد. بل، حتى بعدما عينه الرئيس دونالد ترمب عضوا في «فريق العمل» الخاص لمحاربة انتشار وباء الكورونا أو ما يعرف بـ«كوفيد – 19»، لم يلفت تعيينه النظر. ذلك أن ترمب الذي أجّل لأسابيع ثمينة تفعيل آلية عمل الفريق والإعلان عن خطة فيدرالية لمواجهة الوباء، اتهم بأنه كان يركّز على الجانب السياسي بدلاً من الجانب الصحي للتداعيات المرتقبة على انتشار الفيروس، بحسب العديد من المنتقدين.
يوم 29 يناير (كانون الثاني) الماضي، أي بعد نحو شهر من إعلان الصين عن إغلاق مدينة ووهان، بؤرة انتشار الوباء، أعلن البيت الأبيض تشكيل «فريق عمل» للإشراف على وتنسيق جهود الإدارة لرصد ومنع انتشار واحتواء وتخفيف انتشار فيروس «كوفيد – 19». ولقد تشكّل الفريق من 22 عضواً برئاسة نائب الرئيس مايك بنس، بينما كلفت الطبيبة الدكتورة ديبورا بيركس بمهام منسقة العمل والاستجابة.

فاوتشي يفرض نفسه
في الأسابيع الأولى من تشكيل «فريق العمل»، تولى ترمب غالبية التغريدات التي تتحدث عن الفيروس، محاولا التقليل من خطورته وانعكاساته على حملته الانتخابية، وعلى الوضع الاقتصادي الذي يراهن عليه في دعم تجديد انتخابه. غير أن الارتفاع المفاجئ في عدد الإصابات وبدء تسجيل أولى الوفيات في عدد من الولايات، فضلا عن الضغوط التي تعرض لها من الكونغرس إثر شيوع أنباء عن احتمال تعرض العديد من أعضائه للإصابة - من الحزبين الجمهوري والديمقراطي - اضطر ترمب للاقتناع بتقديم شخصية مؤهلة وموثوقة لتولي التحدث إلى الجمهور بمعايير طبية وعلمية، بعيدا عن السياسة.
بقامته القصيرة وشخصيته المتواضعة، تقدم أنتوني فاوتشي ليصبح مصدرا نادرا للصدق الصريح من بين أفراد فريق عمل البيت الأبيض. ورغم دفاعه عن تفاؤل ترمب، قدّم الطبيب المخضرم (79 سنة) توصياته بإجراءات حازمة في مواجهة الوباء من دون أن يثير غضب الرئيس، الذي أشاد به.
لا بل أضاف ترمب في مؤتمره الصحافي الذي أعلن فيه حالة الطوارئ في البلاد، أن فاوتشي كان يقوم «بعمل هائل» و«يعمل لساعات طويلة»، وهذا، رغم إبلاغ فاوتشي قبل يوم واحد أعضاء الكونغرس في جلسة استماع بأن الإجراءات التي دُعي الأطباء لتنفيذها لطلب اختبارات الفيروس قد فشلت، مقابل إصرار ترمب على القول بأنها كانت ناجحة.
وعندما سئل الرئيس ترمب خلال اجتماع في البيت الأبيض الأسبوع الماضي عما إذا كان هناك جدول زمني لاكتشاف لقاح للوباء، لم يخش فاوتشي من تصحيح معلومات الرئيس أمام الصحافيين. إذ قال ترمب «أنا لا أعرف الوقت اللازم، لكنني سمعت أن الأمر سيكون سريعا جدا، خلال أشهر. وسمعت أنه قد يكون سنة على أبعد تقدير، لذا أعتقد أن الأمر ليس سيئا، سواء كان خلال أشهر أو سنة». لكن فاوتشي بادر فوراً لتصحيح كلام ترمب قائلا: «دعني أتأكد من حصولك على المعلومات الصحيحة. إن اللقاح الذي نصنعه وسنبدأ في اختباره خلال سنة ليس لقاحا يمكن تعميمه». وبينما تابع الطبيب شرح الجدول الزمني قائلا «إن الأمر سيكون في غضون سنة أو سنة ونصف، بغض النظر عن السرعة التي نسير فيها»، وقف ترمب مستمعا لشرحه.
وتكررت تصحيحات فاوتشي العلنية للرئيس يوم الاثنين الماضي، حين أعلن ترمب للصحافيين في البيت الأبيض أن هذا الفيروس التاجي «يمكن أن يستمر في التأثير على حياة الأميركيين حتى يوليو (تموز) أو أغسطس (آب) المقبل وقد يكون أطول من ذلك». فأوضح الدكتور فاوتشي، «أن المبادئ التوجيهية لن تستمر بالضرورة حتى أشهر الصيف، بل إن الجدول الزمني كان مسارا محتملا لتفشي الفيروس». وتابع «المبادئ التوجيهية هي دليل تجريبي لمدة 15 يوما لإعادة النظر... لا يعني أن هذه الإرشادات ستكون سارية المفعول حتى يوليو. ما كان يقوله الرئيس هو أن مسار التفشي قد يستمر حتى ذلك الحين». ومن على المنصة أعلن ترمب اتفاقه معه.
كيف تقبّل ترمب تصريحات الطبيب الخبير وملاحظاته العلمية، وهو لطالما وصف نفسه بأنه أحد «العباقرة»، سواءً تعلق الأمر بموضوع علمي أو سياسي أو مناخي؟

بطاقة هوية
قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى تاريخ الدكتور أنتوني فاوتشي، الذي حاز على احترام الأميركيين مبكرا. فهو لا يزال في موقعه كمدير للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، منذ العام 1984، ولقد قدم النصح لكل الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض منذ عهد رونالد ريغان وحتى اليوم. اسمه الكامل أنتوني ستيفن فاوتشي، من مواليد عام 1940 في منطقة بروكلين بمدينة نيويورك، وهو كاثوليكي من أصول إيطالية. والدته يوجينيا فاوتشي ووالده الصيدلي ستيفن فاوتشي، كان يمتلك صيدلية خاصة، عمل فيها أنتوني لبعض الوقت. وهو متزوج من الدكتورة كريستين غرادي منذ عام 1985، بعد لقائهما أثناء علاج أحد المرضى. وزوجته هي رئيسة قسم أخلاقيات البيولوجيا في مركز المعاهد الوطنية للصحة السريرية. ولهما ثلاث بنات بالغات هن: جينيفر وميغان وأليسون.
تلقى فاوتشي تعليمه الابتدائي والثانوي في نيويورك، إذ تخرج من مدرسة ريجيس الثانوية في المدينة، قبل أن يلتحق بكلية هولي كروس (الصليب المقدس) التي تعد من أعرق الجامعات الكاثوليكية في الولايات المتحدة وتخرج فيها بشهادة بكالوريوس علوم. ومنها انتقل إلى كلية الطب في جامعة كورنيل الشهيرة حيث حصل على درجة الدكتوراه في الطب عام 1966، ومن ثم أكمل تدريبه وتخصصه في مستشفى الجامعة.
في عام 1968 انضم إلى المعهد الوطني للصحة كمساعد في مختبر التحقيق السريري. في عام 1974 أصبح رئيسا لقسم علم وظائف الأعضاء السريري. وفي عام 1980 تم تعيينه رئيسا لمختبر التنظيم المناعي. في عام 1984، أصبح مديرا للمعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في البلاد. وهو المنصب الذي لا يزال يشغله حتى اليوم.
فاوتشي عضو في الأكاديمية الوطنية للعلوم، والأكاديمية الأميركية للفنون والعلوم، والأكاديمية الوطنية للطب، وجمعية الفلسفة الأميركية، والأكاديمية الملكية الدنماركية للعلوم والآداب، بالإضافة إلى العديد من الجمعيات المهنية الأخرى بما في ذلك جمعية التحقيق السريري، وجمعية الأمراض المعدية الأميركية، والجمعية الأميركية لأختصاصيي المناعة. ثم إنه يعمل في هيئات تحرير العديد من المجلات العلمية. عمل كمحرر لمبادئ هاريسون للطب الباطني، بجانب كونه مؤلفا أو محررا لأكثر من 1000 مطبوعة علمية، بما في ذلك العديد من الكتب المدرسية.

خبرته قديمة في حالات الطوارئ
لم يكن أنتوني فاوتشي غريبا عن قيادة الاستجابة الفيدرالية لحالات الطوارئ الصحية على المستوى الوطني. إذ سبق له أن لعب دورا مهما في أوائل العقد الأول من القرن الـ21 في وضع خطة البيت الأبيض الطارئة للإغاثة من مرض الإيدز (مرض نقص المناعة المكتسب) وفي دفع تطوير العقاقير واللقاحات ذات الدفاع البيولوجي بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. ومع ترقيته مديرا للمعهد الوطني للحساسية NIAID، أصبح فاوتشي وجها عاما للاستجابة الفيدرالية لوباء الإيدز، بعدما شجع الحوار بين المعهد الوطني والمتظاهرين والناشطين الذين كانوا ينتقدون قصور الإجراءات الفيدرالية عن مواجهة المرض، قائلا إن توصياتهم كانت منطقية تماما. بعدها عمل أيضا على الاستجابة الفيدرالية لوباء «إيبولا» وفيروس «زيكا» و«الجمرة الخبيثة». وفي عام 2001. وسط المخاوف من «الجمرة الخبيثة» التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، كان أسلوب التواصل المباشر لفاوتشي واضحا. ووفقا لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإنه بينما كان النقاش في واشنطن يدور حول مدى خطورة فيروس «الجمرة الخبيثة» التي عثر عليها في مكتب السيناتور الديمقراطي توم داشل، قال فاوتشي: «إذا كانت تمشي كالبطة وتتصرف مثل البطة، فهي بطة». وتابع «يمكنك أن تسميه ما شئت فيما يتعلق بدرجة وحجم الفيروس وهل استخدم كسلاح أم لا، لكن الحقيقة هي أنه يجب أن نتصرف معه على أنه عمل إرهابي بيولوجي عالي الكفاءة».

صاحب إنجازات علمية مثبتة
لقد قدم فاوتشي عددا من الإنجازات العلمية المهمة التي ساهمت في فهم تنظيم الاستجابة المناعية للبشر. وطوّر علاجات للأمراض المميتة سابقاً مثل التهاب العقيدات المتعددة، والتورم الحبيبي مع التهاب الأوعية، والورم الحبيبي اللمفاوي. وفي دراسة استقصائية لمركز التهاب المفاصل في جامعة ستانفورد الشهيرة في كاليفورنيا عام 1985 لجمعية الروماتيزم الأميركية، صُنّفت ابتكارات فاوتشي في علاج التهاب المفاصل العقيدي والورم الحبيبي مع التهاب الأوعية الدموية كأحد أهم التطورات في إدارة المرضى بأمراض الروماتيزم على مدى السنوات العشرين الماضية. ثم إنه ساهم في فهم كيفية تدمير فيروس نقص المناعة دفاعات الجسم ما يؤدي إلى تطور مرض الإيدز، وأوجز آليات تحريض التعبير عن فيروس نقص المناعة البشرية. كذلك عمل على تطوير استراتيجيات للعلاج وإعادة تكوين جهاز المناعة للمرضى المصابين، وأيضاً على لقاح لمنع الإصابة بفيروس الإيدز. وفي عام 2003. ذكر معهد المعلومات العلمية أنه في الفترة من 1983 إلى 2002. كان أنتوني فاوتشي العالم الثالث عشر الأكثر مرجعية من بين 2.5 إلى 3 ملايين مؤلف في جميع التخصّصات في جميع أنحاء العالم الذين نشروا مقالات في المجلات العلمية. في أكتوبر (تشرين الأول) 2014. خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي بشأن أزمة فيروس «إيبولا»، أوصى فاوتشي بأهمية القيام بفحوص متكررة للمرضى لعدة أسابيع، وأكد بشكل صريح أن المعهد الوطني لا يزال بعيدا بعض الشيء عن إنتاج كميات كافية من العلاجات أو اللقاحات لتجارب واسعة النطاق. واليوم، ومع تصاعد غضب الرئيس ترمب من فشل محاولاته لاحتواء تداعيات فيروس كورونا، وتصاعد الارتباك بين المواطنين بشأن توافر ومعايير اختبار الفيروس، للتأكد مما إذا كان الشخص مصابا، فرض فاوتشي نفسه على كل من البيت الأبيض والرأي العام الأميركي، ليتحول مرجعا موثوقا تجاه التعامل مع الوباء.

يوازن بين ترمب والدقة
بدا فاوتشي مدركا للدور الذي يلعبه تجاه ترمب، وفي الوقت ذاته الحفاظ على أهمية قول الحقيقة خلال أزمة صحية وطنية حادة. وفي مقابلة مع مجلة «بوليتيكو»، قال: «لا يجوز أن تدمر صدقيتك أبدا. صحيح لا تريد خوض حرب مع الرئيس، لكن عليك أن تسير في توازن دقيق للتأكد من أنك تواصل قول الحقيقة». وحقاً، نادرا ما يتسامح ترمب مع المسؤولين الذين يتحدثون عن الفشل، كما فعل فاوتشي الأسبوع الماضي عندما سئل عن اختبار فيروس كورونا أمام الكونغرس. لكن حتى الآن، لا يبدو أن إدارة ترمب معنية بالرد عليه لمواجهة التوقعات الأكثر تفاؤلا من الرئيس وفريق العمل، الذي يتشكل إلى حد كبير من مسؤولين سياسيين وليس من الأطباء والخبراء. بل على العكس، نقلت وسائل إعلام أميركية تعليقات إيجابية عن تصريحات فاوتشي ودوره. وقال مسؤولون في البيت الأبيض إنها «كانت صريحة ومفيدة وجيدة جدا حتى الآن».
وفي الحقيقة، لم يكن فاوتشي ينتقد تماما طريقة تعامل ترمب مع فيروس كوفيد - 19. لا بل أعلن الأسبوع الماضي أن قرار الرئيس إصدار قيود على السفر من وإلى أوروبا أنقذ العديد من الأرواح. وهنا لا بد من القول بأنه في العادة، عندما يتعرض مسؤولو الصحة لأسئلة صعبة، فإنهم يلجأون إلى الإشادة بترمب، وهو ما ظهر مرارا سواء في المؤتمرات الصحافية التي عقدها الرئيس محاطا بأعضاء فريق العمل، أو في جلسات الاستماع أمام الكونغرس. لكن خلال الأيام الأخيرة، حثّ العديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين الرئيس على جعل فاوتشي الوجه العام لاستجابة الإدارة للوباء. ورغم تجاوب ترمب وإشادته به وبدوره في فريق العمل، طالب العديد من الجمهوريين ترمب بالذهاب أبعد من ذلك والسماح لهذا الطبيب المعروف بنزاهته وعمله الدؤوب بالتحدث والتعامل مباشرة مع وسائل الإعلام. وهو ما حدث بالفعل حين بدأ في الظهور أمامها ويحضر اجتماعات البيت الأبيض اليومية ويدلي بشهاداته أمام الكونغرس.
وما يُذكر أنه خلال جلسة استماع للجنة الفرعية بمجلس النواب في وقت سابق من هذا الشهر لمناقشة تمويل المعاهد الوطنية للصحة، اقترحت النائبة الديمقراطية عن ولاية كونتيكت روزا ديلورو تقديم الليمون والعسل و«ربما جرعة من الشراب» لتخفيف صوته. كما قال النائب الجمهوري عن ولاية ميريلاند أندي هاريس مازحا «أنا مندهش من قوة صوتك. يبدو أنك كنت في كل مكان. يجب أن يكون لديك توأم أو شيء من هذا القبيل». ولكن حتى في الأوقات الأكثر هدوءا يبدو أن فاوتشي يعمل على مدار الساعة. وسبق له القول بأنه يعمل من ستة إلى سبعة أيام في الأسبوع، من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل، حتى عندما لا تكون هناك أزمة. ومنذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قبل تفشي كوفيد - 19 في الولايات المتحدة، كان يعمل على خطة للقاح جديد للإنفلونزا، يمكن أن يغني عن أخذ اللقاحات السابقة التي تؤخذ سنوياً.



تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
TT

تيم والز «ابن الريف الأميركي» يبحث عن تحالف جديد للديمقراطيين

بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.
بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً.

يوم الاثنين المقبل، الموافق 19 أغسطس (آب) الحالي، ينعقد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأميركي «رسمياً»، لتثبيت ترشيح كامالا هاريس ونائبها تيم والز حاكم ولاية مينيسوتا على بطاقة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك في أجواء سيطغى عليها الطابع الاحتفالي، بعدما اختارهما مندوبو الحزب في اجتماع «افتراضي» في وقت سابق. وفي حين يرجح الديمقراطيون أن تحافظ هاريس على الزخم الذي اكتسبوه منذ انسحاب الرئيس جو بايدن من السباق، وسط أجواء «عاطفية» افتقدها الحزب منذ فترة طويلة، فهم يراهنون أيضاً على الدور المرشح للعبه والز، شخصياً، في الحفاظ على هذا الزخم الذي طرأ على مزاج الناخبين. فبجانب قدرات الرجل الخطابية وشخصيته المحبّبة، قد تلعب جذوره المتواضعة نسبياً في تمكين الديمقراطيين من كسب أصوات بعض الولايات المتأرجحة، ولا سيما ولايات ما يسمى اليوم «الجدار الأزرق»، بل قد تكون مؤشراً على تحوّلات كبيرة داخل الحزب الديمقراطي.

 

 

 

ولد تيموثي (تيم) جيمس والز عام 1964، في بلدة ويست بوينت بولاية نبراسكا، ونشأ فيها على المذهب الكاثوليكي. وهو من عائلة تتحدر من أصول ألمانية وسويدية وآيرلندية. الأم فيها دارلين روز ريمان سيدة منزل، أما الأب جيمس والز فكان مدرّساً ومدير مدرسة، ومحارباً قديماً في الجيش الأميركي، خدم إبان الحرب الكورية. وفي عام 1867، هاجر جدّ والز الأكبر، سيباستيان، من كوبنهايم في دوقية بادن الكبرى بألمانيا، إلى الولايات المتحدة، وكانت إحدى جداته سويدية، وله جدة أخرى آيرلندية.

بعد المدرسة الثانوية، خدم تيم والز في الحرس الوطني للجيش لمدة 24 سنة، درس خلالها لفترة في جامعة هيوستن بولاية تكساس، وعمل في أحد المصانع. ولاحقاً، تخرّج في كلية تشادرون ستيت، وهي كلية جامعية صغيرة في ريف ولاية نبراسكا، قبل أن ينتقل إلى ولاية مينيسوتا عام 1996. وقبل الترشح للكونغرس، عمل مدرّساً لمادة الدراسات الاجتماعية بإحدى المدارس الثانوية ومدرباً لكرة القدم.

عام 2006، قرّر والز الترشح لعضوية مجلس النواب الأميركي، بعد إبعاده هو وبعض الطلاب عن إحدى فعاليات حملة جورج بوش «الابن» عام 2004، بمجرد اكتشاف المنظّمين أنهم ديمقراطيون. وحقاً، فاز يومها عن دائرة الكونغرس الأولى في مينيسوتا، متغلباً على منافس جمهوري شغل المنصب لـ6 فترات. ثم أعيد انتخاب والز لمجلس النواب 5 مرات قبل انتخابه حاكماً لمينيسوتا عام 2018، وثانية عام 2022.

طاقة جديدة

عموماً يندر أن يغيّر المرشحون لمنصب نائب الرئيس معادلات المعركة الرئاسية بشكل جذري. لكن والز، منذ اليوم الأول لاختياره، بدا أنه يمنح الديمقراطيين دفعة جديدة من الطاقة. وهذا ما أظهرته ردود الفعل بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي، حين حصدت منشوراته على منصة «تيك توك»، خلال ساعات من اختياره، أكثر من 43 مليون مشاهدة، جاءت نسبة 69 في المائة منها من مقاطع فيديو أنتجها منشئو محتوى «تقدميون» و28 في المائة جاءت من منشئي محتوى مستقلين سياسياً، وفقاً لشركة «كريدو آي كيو» المتخصصة في تحليل وسائل التواصل الاجتماعي. وبين ليلة وضحاها، تحوّل والز من شخصية «مغمورة» إلى اسم مألوف... في ظاهرة شبّهها البعض بجائحة «فيروسية».

يقول البعض إن الديمقراطيين، لعقود من الزمن، كانوا - كما يبدو - بحاجة إلى شخص مثل والز يستطيع التأكيد عملياً أن الطبقة العاملة البيضاء في الريف ليست كتلة واحدة. يضاف إلى ذلك تبيان أن وسط هذه الطبقة توجد أقلية كبيرة من العقلاء الذين يظلون، حتى في ظروفهم الاقتصادية الضعيفة، رافضين التأثر بالمحرّضين الذين يلقون باللوم على المهاجرين... بينما يجمعون ثروات الشركات.

شراكة سياسية جديدة

حقاً، عدّ كثيرون اختيار هاريس لوالز مراجعة «عميقة» أجراها الديمقراطيون بهدف تشكيل شراكة جديدة سترسم مسيرة الحزب الديمقراطي، ليس لانتخابات 2024 فقط، بل ربما مستقبله أيضاً.

فخلال العقود الأخيرة، لم يحظ الحزب الديمقراطي بجاذبية مباشرة عند الطبقة العاملة الريفية البيضاء، وغالباً ما شدّد مرشحوه على أنهم يمثلون مصالح «الطبقة الوسطى» التي تتمركز في المدن والمناطق الساحلية. إذ كانوا بالكاد يتطرقون إلى أبناء «الطبقة العاملة» المقيمين في الضواحي والأرياف وما يعانونه، جرّاء التحولات التكنولوجية والاقتصادية والإنتاجية، التي دفعت بهم إلى «الفقر».

في المقابل، منذ ذلك الوقت، ومع تحوّل هذه الطبقة إلى أهم كتلة سكانية «متأرجحة»، عمل الجمهوريون على استمالتها عبر خطاب شعبوي تجييشي، مستغلّين ظروفها الاقتصادية الصعبة، لقلب ما كان يسمى «ولايات الجدار الأزرق» - أو «ولايات الصدأ» – وانتزاع أصواتها من الديمقراطيين. وبالفعل، عندما صعد والز مع هاريس إلى منصة الحملة الانتخابية في بنسلفانيا، إحدى ولايات الجدار الأزرق، كانت المرة الأولى منذ زمن بعيد التي يتكلّم فيها سياسي ديمقراطي قيادي عن الطبقة العاملة والفقر في البلاد. وكان واضحاً أنه لا يريد إضاعة الفرصة في استغلال جذوره الطبقية والاجتماعية، لتقديم صورة جديدة عن التحالف الذي يطمع الديمقراطيون اليوم ببنائه.

بين الريف والمدينة

لقد بدا أن هاريس، عبر اختيارها لتيم والز، لا تسعى جدياً إلى تغيير مسار حزبها فقط، بل ربما الولايات المتحدة أيضاً. فوالز كان من الديمقراطيين القلائل الذين انتقدوا الحزب بصدق وصراحة عندما وصفه إبان فترة عضويته في مجلس النواب الأميركي بأنه بات «حزب المدن والساحل».

وبالتالي، تظهر هاريس الآن كأنها، وحزبها، تردّ من جهة اليسار على الحزب الجمهوري الذي انزاح أكثر نحو اليمين، آيديولوجياً واجتماعياً وعرقياً، وعبّر عنه جزئياً في مؤتمره الوطني، حين اختار إلى جانب دونالد ترمب، نائبه جي دي فانس، الآتي من أصول لا تختلف كثيراً عن أصول والز. فهاريس أرادت والز إلى جانبها كشخص من ولاية زراعية في الغرب الأوسط، يستطيع أن يتكلم بثقة وأصالة عن الحقائق التي تعتقد أن ترمب ونائبه فانس لن يتكلّما عنها.

الديمقراطيون يرون أن أميركا الريفية الحقيقية متنوعة، على الرغم من كل العنصرية الصاخبة وكراهية المثلية الجنسية والشوفينية التي يتّسم بها الحزب الجمهوري اليوم، والتي بفضلها هيمن على الانتخابات خارج المناطق الحضرية.

كذلك يؤمن الديمقراطيون بأن أرياف البلاد مليئة بالمهاجرين والملوّنين والمثليين والمتحولين جنسياً والسكان الأصليين، حتى المغايرين جنسياً، الذين يعيشون مع البيض، ويعملون معاً بسعادة.

واستطراداً يعدّون أن الحقوق الإنجابية، وتشريع الماريغوانا القانونية، والمدارس العامة، والإجازات الطبية والعائلية مدفوعة الأجر، والتحقق من خلفية شراء الأسلحة، تحظى بدعم كثير من الناخبين عبر الخطوط الحزبية، حتى الأرياف التي تصوت للجمهوريين، وأن للمزارعين ومربّي الماشية ومشرفي الأراضي مصلحة حاسمة في معالجة تغير المناخ، ولو لم يستخدموا اللغة ذاتها التي يستخدمها الناشطون في مجال البيئة.

سجلّ محفّز للديمقراطيين

أيضاً يرى العديد من المشرّعين الديمقراطيين أن كل ما يجسّده سجل والز منذ بدأ حياته السياسية، يمثّل توازناً يمكن أن يساعد ويعزز جاذبية الحزب. إذ صوّت في مجلس النواب بشكل دائم، كديمقراطي معتدل، ثم بصفته حاكم ولاية وقّع على مشاريع القوانين التقدمية لتصبح قانوناً.

ومع أن والز يقتني السلاح، لكنه شدد على أن سكان ولايته - التي يحكمها منذ عام 2019 - يؤمنون أيضاً بـ«قوانين خفض العنف المسلح ذات المنطق السليم». موضحاً: «أنا محارب قديم، وصياد، وأمتلك السلاح. لكنني أيضاً أب، ولسنوات طويلة كنت مُدرِّساً. أعرف أن قواعد السلامة الأساسية المرتبطة باستخدام السلاح ليست تهديداً لحقوقي، فالأمر مرتبط بالحفاظ على سلامة أطفالنا».

ثم إن والز عمل ضمن تحالف من الحزبين، على تمرير تفويضات لمساعدة المزارعين، وعلى ضمان احتفاظ أعضاء الحرس الوطني برعايتهم الصحية عند الاستجابة لحالات الطوارئ في الولاية، رداً على الحملة التي شنت ضده بعد الاحتجاجات التي اندلعت عندما قتل شرطي أبيض الرجل الأسود جورج فلويد.

نصير للفقراء

أكثر من هذا، مرّر والز تشريعات واسعة النطاق، أثارت حماسة الديمقراطيين وغضب الجمهوريين، حين وقّع على قانون حماية الإجهاض، وأكبر ائتمان ضريبي للأطفال في البلاد، ووجبة إفطار وغداء مجانية في مدارس معينة، وإجازة عائلية وطبية مدفوعة الأجر «التي لا يستطيع أي فقير أن يرفضها». كما وقّع على أمر تنفيذي يحمي رعاية التحوّل بين الجنسين.

وفي هذا الصدد، عدّد ديمقراطيون، عملوا سابقاً معه، كياسته ودرايته وذكاءه الحاد بين الأسباب التي تسهّل تواصله مع الناس عبر الخطوط الحزبية. وسرعان ما أثبت ذلك فعلياً، بعد تكراره وصف الرئيس السابق دونالد ترمب وزميله في البطاقة الجمهورية فانس بأنهما أناس «غريبو الأطوار»، ليتحول الوصف إلى اتجاه (ترند) ينتقدهما بوصفهما لا يمثلان القيم الأميركية.

وهكذا، من نافل القول إن اختيار والز أدى إلى إنعاش آمال الديمقراطيين في التمسك بساحات معركة «الجدار الأزرق» الحاسمة والمناطق المتأرجحة، أي ولايات مينيسوتا وويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا. وعبر تمتعه وهاريس بتأييد كاسح من التيار اليساري في الحزب ربما ضمنا ألا تتكرر هزيمة هيلاري كلينتون عام 2016، التي تُعزى إلى إحجام ناخبيه، وخصوصاً الشباب منهم، عن تأييدها.

وهذا ما يراه السيناتور «التقدمي» بيرني ساندرز الذي قال: «أعتقد أن الديمقراطيين كانوا ضعفاء للغاية في أرياف ولاية بنسلفانيا وفي جميع أنحاء هذا البلد. وأعتقد أن والز سيكون رصيداً حقيقياً آتياً من ولاية ريفية للفوز بالدعم الذي تحتاجه في بنسلفانيا وفي جميع أنحاء الغرب الأوسط وأجزاء أخرى من البلاد».

وللعلم، مع أن مينيسوتا، موطن فالز، لم تصوّت للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية منذ عام 1972، فاز ترمب بمقاطعات ريفية فيها، وبولايات ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا عام 2016، التي تعد مهمة لانتصار هاريس بعد أن قلبها بايدن في 2020.

السياسة الخارجية

يعد تيم والز يعد من أنصار ما يطلق عليه «المعسكر الواقعي» في السياسة الخارجية، وهو يدعم التعاون العالمي، وبخاصة مع الشركاء الأوروبيين، والاستثمار في العولمة كنموذج اقتصادي لنشر الرخاء وتحويل الصراع إلى تنافس. ويرى أن «العلاقة مع الصين لا ينبغي أن تكون على شكل خصومة»، وأن ثمة كثيراً من «مجالات التعاون» بين البلدين. ويؤيد بقوة مواصلة أميركا دعم أوكرانيا في «حربها الدفاعية» ضد روسيا.

أخيراً، بالنسبة للشرق الأوسط، يلتزم والز بالدفاع عن إسرائيل، لكنه يرفض تحوله إلى رخصة للتعدّي على حقوق المدنيين الفلسطينيين، ولذا يدعم حل الدولتين، لينعكس موقفه هذا بتراجع نسبة «غير الملتزمين» في الولايات المتأرجحة. ويُذكر أنه عارض حرب العراق ودعا إلى سحب القوات الأميركية منه، وطالب باستخدام الدبلوماسية في سوريا بدلاً من التورط في حربها الأهلية. وعارض الضربات الأميركية الجوية هناك في عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ودعم الاتفاق النووي مع إيران.