من المطارات إلى الفنادق... {كورونا} يغيّر وجه السفر

خسائر الشركات تتراكم من كارثة الوباء

أصاب الفيروس المطارات والفنادق بخسائر فادحة وفي الصورة مشهد لمطار مدريد باراخاس شبه الخالي من المسافرين (أ.ف.ب)
أصاب الفيروس المطارات والفنادق بخسائر فادحة وفي الصورة مشهد لمطار مدريد باراخاس شبه الخالي من المسافرين (أ.ف.ب)
TT

من المطارات إلى الفنادق... {كورونا} يغيّر وجه السفر

أصاب الفيروس المطارات والفنادق بخسائر فادحة وفي الصورة مشهد لمطار مدريد باراخاس شبه الخالي من المسافرين (أ.ف.ب)
أصاب الفيروس المطارات والفنادق بخسائر فادحة وفي الصورة مشهد لمطار مدريد باراخاس شبه الخالي من المسافرين (أ.ف.ب)

لا شك أن فيروس «كورونا» غيّر وجه العالم في عدة أسابيع فقط. فالنشاطات الرياضية والاجتماعية والثقافية توقفت وتحولت آلاف الوظائف إلى العمل من المنازل وخلت الشوارع من السيارات. وأغلقت مدن بأكملها ثم أغلقت بلدان حدودها. رحلات الطيران والرحلات السياحية أُلغيت ووجد البعض أن طريق العودة إلى بلده الأصلي أصبح مغلقاً.
قيود الإغلاق الجبري تشمل الآن المدارس والمحال العامة (باستثناء الصيدليات ومحال السوبرماركت ومنافذ بيع تيك آواي) والعديد من المصالح الحكومية. الاختلاط والتجمع ممنوع ومن يشك في إصابته عليه عزل نفسه عن الجميع لمدة أسبوعين على الأقل. وبدأت هجمات تفريغ الرفوف على محلات السوبرماركت في موجات غير مسبوقة منذ أيام الحرب العالمية الثانية.
في وسط هذا الفزع الشامل تبدو هناك قطاعات نالت من الخسائر أكثر من غيرها. القطاع السياحي ومكوناته يواجه الموقف بوجل ولا يعرف كيف يتطور الأمر في المستقبل مع استمرار الامتناع عن السفر الجوي ورحلات السياحة. شركات الطيران والفنادق والمطارات والمطاعم والمقاهي والملاهي والمعالم السياحية تقف حالياً مهجورة بانتظار دعم حكومي قد لا يصل أو نهايةٍ للأزمة لم تظهر بوادرها بعد. شركات هذه القطاعات المتضررة لن تستمر طويلاً على هذه الحال قبل إعلان إفلاسها إن لم يصلها الدعم الحكومي المنشود.
- قطاع الطيران
توقعات خبراء الصناعة لقطاع الطيران تبدو قاتمة. فمن دون دعم حكومي سريع سوف تنهار معظم شركات الطيران في العالم على نهاية شهر مايو (أيار) 2020، وتدعو شركات الطيران الحكومات إلى التدخل السريع بمليارات الدولارات لإنقاذ الصناعة التي تقف على حافة الهاوية.
وتشمل الأزمة شركات السياحة التي تدير طائراتها بنفسها مثل شركة «توي» الألمانية التي أعلنت أنها بصدد تجميد الأغلبية الساحقة من رحلاتها السياحية حتى إشعار آخر. وتشمل نشاطات الشركة التي تتعرض للإغلاق الباقات المتكاملة لرحلات تشمل الطيران والإقامة والمواصلات ورحلات الكروز البحري وإدارة الفنادق. وقالت الشركة إن قرارها يدعم توجهات الحكومات للتخفيف من آثار انتشار فيروس «كورونا». وتقدمت الشركة بالفعل لطلب دعم حكومي للاستمرار في السوق.
وقال بيتر نوريس، رئيس مجلس إدارة شركة «فرجن»، إنه سوف يكتب لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، لتحذيره من أن قطاع الطيران يحتاج إلى الدعم المالي السريع بحجم 7.5 مليار إسترليني. ويساهم هذا الدعم في طمأنة شركات الائتمان بأن شركات الطيران لن تفلس.
من ناحيتها قالت نقابة العمال «يونايت» إنه من دون الدعم الحكومي سوف تنهار آلاف الوظائف. واقترحت النقابة أن تساهم الحكومات بنسبة في ملكية شركات الطيران والمطارات، مما يعني التأميم الجزئي، حتى تنتهي الأزمة.
وتواجه صناعة الطيران والسفر «عاصفة متكاملة»، مع الحظر الأميركي على الطيران من أوروبا، بما في ذلك بريطانيا وآيرلندا، وقيوداً إضافية على السفر إلى بلدان أميركا اللاتينية. كما أن أستراليا ونيوزلندا تطلبان من المسافرين إليهما الالتزام بالعزل الذاتي لمدة أسبوعين.
حتى شركات طيران السفر الرخيص مثل «إيزي جت» و«رايان إير» قررت خفضاً جذرياً في رحلات الطيران إلى دول أوروبا في ظل الإغلاق الكامل لدول مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا.
وصرحت الخطوط البريطانية بالفعل لموظفيها بأنها تحارب من أجل البقاء وأنها قد تُضطر إلى تسريح آلاف الوظائف وإلغاء الرحلات الجوية بشكل غير مسبوق. وتطالب الخطوط البريطانية حالياً بعقد اجتماعات مع الحكومة البريطانية لبحث تطورات الموقف يوماً بيوم. وقالت الخطوط الاسكندنافية (SAS) إنها سوف توقف معظم رحلاتها وتسرّح 90% من موظفيها، وهي نسبة يبلغ عددها 10 آلاف موظف. وقالت مصادر هولندية إن الحكومة تحاول الإبقاء على نشاط اتحاد الخطوط الهولندية والفرنسية واستمرار فتح مطار شيبول الدولي. أما الحكومة الإيطالية فهي تفكر جدياً في تأميم الخطوط الإيطالية التي تبدو على شفا الإفلاس.
وتطالب شركات الطيران الأميركية بدعم طوارئ حكومي يصل إلى 50 مليار دولار نصفها قروض ميسرة والنصف الآخر إعانات. وقالت شركات الطيران الأميركية التي تضم «يونايتد» و«دلتا» و«أميركان إيرلاينز» إنها في أزمة تفوق تلك التي تعرضت لها شركات السيارات في عام 2008 عندما تدخلت الحكومة الأميركية لإنقاذها بمليارات الدولارات.
هذا، وبدأت «أميركان إيرلاينز» في تصفية رحلاتها الطويلة بسبب القيود الحكومية على السفر عبر الحدود وعدم وجود ركاب. وتبعتها شركات «يونايتد» و«دلتا» و«إيبريا» الإسبانية، والخطوط الفنلندية و«فرجن أتلانتيك» و«لوفتهانزا» والخطوط الأسترالية والنيوزلندية.
- قطاع الفنادق
تتفاقم الأزمة في قطاع الفنادق الذي يفوق قطاع الطيران عدة أضعاف. وإذا كانت مطالب قطاع الطيران الأميركي من المساعدة الفيدرالية يصل إلى 50 مليار دولار، فإن قطاع الفنادق يطالب بدعم حكومي يبلغ 150 مليار دولار لكي يتجنب الانهيار. وفي اجتماع مع الرئيس ترمب في البيت الأبيض قال رؤساء الصناعة إن قطاع الفنادق يواجه وضعاً أكثر صعوبة من الهجمات الإرهابية في عام 2001 والأزمة الاقتصادية في عام 2008.
وتواجه الحكومة الأميركية أيضاً مطالب بالتعويض من قطاعات الملاهي ومنتجعات التزلج على الجليد وشركات السياحة وقاعات المؤتمرات والتي تطالب فيما بينها بنحو 100 مليار دولار. ويقول روجر داو رئيس اتحاد صناعات السفر الأميركية، إنه من دون هذا الدعم سوف تفقد الصناعة أربعة ملايين وظيفة خلال عام 2020 مما يرفع معدل البطالة الأميركي من 3.3% حالياً إلى 6.3%.
ويشير داو إلى أن معدل حجوزات الفنادق قبل الأزمة كان في حدود 80%، ولكنه انهار الآن إلى نحو 10%. وقال متحدث من مجموعة فنادق «بيبلبروك» الأميركية التي تملك 54 فندقاً يعمل فيها ثمانية آلاف موظف إن الحاجة إلى الدعم فورية لأن تسريح الموظفين بدأ بالفعل ويجري على نحو يومي. وأضاف أنه تم تسريح أربعة آلاف عامل وقد يلحق بهم ألفان آخران على نهاية الشهر الجاري (مارس)، مع إغلاق نصف فنادق المجموعة.
من ناحية أخرى، قال متحدث من مجموعة فنادق «ماريوت» العالمية التي تملك سبعة آلاف فندق تحت 30 علامة مختلفة، إن معدل إلغاء الحجوزات قد يجبرها على تسريح أيدٍ عاملة وإغلاق فنادق. ويعمل في المجموعة 174 ألف عامل على مستوى العالم (إحصاء نهاية 2019). ولجأت المجموعة إلى خفض ساعات العمل في بعض الدول وإعطاء العمال عطلات إجبارية.
وتقدَّر خسائر صناعة الفنادق الأميركية وحدها بنحو 1.4 مليار دولار أسبوعياً من الدخل المفقود، وفقاً لإحصاءات من هيئة السفر الأميركية. وفي السيناريو الأسوأ لن تزيد حجوزات عام 2020 في الفنادق على نسبة 25% مما يعني أن نصف الفنادق سوف يغلق أبوابه على نهاية العام.
ويشير الوضع الحالي في أميركا إلى مدى التدهور الذي أصاب صناعة السياحة رغم أن أميركا لم تصل إلى الوضع الحرج التي تعاني منه الدول الأوروبية حالياً. في لاس فيغاس، تم إغلاق 14 فندقاً، مؤقتاً، كما تم إغلاق كل الفنادق والمطاعم في منتجعات يوسيمايت الطبيعية.
وفي جنوب كاليفورنيا تم تأجيل افتتاح فندق «ماريوت» المكون من 466 غرفة إلى أجل غير مسمى. وتم إغلاق فندقين في منتجع ديزني لاند في كاليفورنيا.
وقالت عاملة في فندق «فورسيزونز» لوس أنجليس، اسمها مايرا مدريد، إنها فقدت وظيفتها وقيل لها إنها ستعود عندما تتحسن الأحوال، وهي تشعر بالخوف لأنها لا تستطيع أن تدفع فواتير منزلها وتقول إنها لا تعرف ماذا تفعل.
الوضع في أوروبا خرج عن إرادة الزبائن أو إدارات الفنادق، فالحكومات اتخذت قرار الإغلاق التام لكل المرافق بما فيها الفنادق. ولا توجد صناعة سياحة حالياً في أوروبا خصوصاً في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا. وقال الرئيس الفرنسي ماكرون إن بلاده في حالة حرب مع فيروس «كورونا».
وتتخذ الحكومة الفرنسية موقفاً أكثر حدة من غيرها في مواجهة فيروس «كورونا»، حيث وعد ماكرون بحزمة مساعدات اقتصادية حجمها 300 مليار يورو. كما أكد أنه لا شركة فرنسية واحدة سوف تتعرض للإفلاس، وجمّد ماكرون فواتير الغاز والكهرباء والإيجارات إلى حين نهاية الأزمة.
وقررت فرنسا إغلاق حدودها أمام السفر الدولي، مثلما هو الحال في إيطاليا وإسبانيا، ولكنها تسمح للمواطنين الفرنسيين بالعودة. وحتى السفر داخل أوروبا أصبح صعباً، حيث تنصح المفوضية الأوروبية بعدمه إلا في حالات الضرورة. وعليه قررت ألمانيا أيضاً إغلاق حدودها مع كل من النمسا والدنمارك وفرنسا ولكسمبورغ وسويسرا. ولا تسمح ألمانيا الآن إلا بدخول مواطنيها والمقيمين فيها ومن لهم أسباب قوية لدخول البلاد.
وفي معظم أنحاء أوروبا، كما في نيويورك ولوس أنجليس، أغلقت كل المطاعم والمقاهي أبوابها ومنعت التجمعات والحفلات العامة. ويستخدم بعض الدول قوات الجيش والشرطة لتنفيذ قرارات العزل. وحتى حجوزات إقامة «إير بي إن بي» التي تجري على الإنترنت كبديل للفنادق تكاد تتوقف حالياً لعدم وجود المسافرين ولعدم سماح أصحاب العقارات المشاركة باستقبال أغراب قد ينقلون معهم أعراض فيروس «كورونا».


مقالات ذات صلة

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

سفر وسياحة كازينو مونتي كارلو يلبس حلة العيد (الشرق الأوسط)

7 أسباب تجعل موناكو وجهة تستقبل فيها العام الجديد

لنبدأ بخيارات الوصول إلى إمارة موناكو، أقرب مطار إليها هو «نيس كوت دازور»، واسمه فقط يدخلك إلى عالم الرفاهية، لأن هذا القسم من فرنسا معروف كونه مرتعاً للأغنياء

جوسلين إيليا (مونتي كارلو)
يوميات الشرق تنقسم الآراء بشأن إمالة المقعد في الطائرة (شركة ليزي بوي)

حق أم مصدر إزعاج؟... عريضة لحظر الاستلقاء على مقعد الطائرة

«لا ترجع إلى الخلف عندما تسافر بالطائرة» عنوان حملة ساخرة أطلقتها شركة الأثاث «ليزي بوي».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق افتتاح تلفريك جديد في جبال الألب (إ.ب.أ)

سويسرا تفتتح أشد عربات التلفريك انحداراً في العالم

افتُتح تلفريك جديد مذهل في جبال الألب البرنية السويسرية. ينقل تلفريك «شيلثورن» الركاب إلى مطعم دوار على قمة الجبل اشتهر في فيلم جيمس بوند.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق سياح يتجولون في أحد شوارع طوكيو (إ.ب.أ)

33 مليون زائر هذا العام... وجهة شهيرة تحطم رقماً قياسياً في عدد السياح

يسافر الزوار من كل حدب وصوب إلى اليابان، مما أدى إلى تحطيم البلاد لرقم قياسي جديد في قطاع السياحة.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
سفر وسياحة البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

البترون وجبيل وزغرتا... تتألق وتلبس حلة الأعياد

في مناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، تتنافس بلدات ومدن لبنانية على اجتذاب الزوّار. مدينتا جبيل والبترون كما زغرتا تشكّل وجهات سياحية داخلية محببة.

فيفيان حداد (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».