‎بلقاس مدينة مصرية تحارب «كورونا» وتكافح «الوصم الاجتماعي»

الأهالي والمسؤولون يرفعون شعار «انحسار أو انتشار»

‎بلقاس مدينة مصرية تحارب «كورونا» وتكافح «الوصم الاجتماعي»
TT

‎بلقاس مدينة مصرية تحارب «كورونا» وتكافح «الوصم الاجتماعي»

‎بلقاس مدينة مصرية تحارب «كورونا» وتكافح «الوصم الاجتماعي»

تلازم الحاجة إحسان (66 عاما) شرفة منزلها، شاخصة ببصرها نحو الشوارع الخالية، وشرفات الجيران في شوارع قريتها بميت غمر التي تبعد مسافة ساعة ونصف بالسيارة عن مركز بلقاس (محافظة الدقهلية) بدلتا مصر، تتحدث إليهم وتبادلهم الأحاديث، بعد أن منعتها ابنتها من الخروج للشارع خشية إصابتها بفيروس كورونا المستجد.
‎تتذكر الحاجة إحسان، في حديثها لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا، ذلك الصمت الذي عاشته شابة إبان فترة حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وحالة التأهب الشعبي لدى أهل قريتها وأهالي المنصورة، واصفة مرض «كورونا» بأنه «غمة»، وستمر كما مرت على مصر أيام صعبة.
‎اختلاف الأجيال دفع ابنتها ناريمان (29 عاما) إلى تشبيه الوضع بأيام حظر التجول أثناء ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، قائلة: «لا أجد مشكلة إطلاقا في ملازمة المنزل، وأعتبر أنها فترة وستمر». تستثمر وقتها في متابعة بعض الأفلام والمسلسلات «التي لم تتمكن من متابعتها أيام دوامها بالقاهرة».
يلتزم الأهالي في محافظة الدقهلية بشكل عام ‎بقرارات الدولة بشأن التزام البيوت ومنع التجمعات، لكن حالة من القلق سرت لدى قطاعات منهم عقب وفاة أول حالتين جراء إصابتهما بكورونا المستجد، وهما لسيدة مسنة عمرها 60 عاما بمنطقة السماحية، ورجل بمركز بلقاس (39 عاما)، وإعلان وزارة الصحة عن عزل 300 أسرة بمركز بلقاس.
بروح مرحة، تقول الابنة الكبرى ميار (40 عاما): «أجدها فترة إجبارية لتوطيد العلاقات الأسرية، وصلة الرحم، فقد قررت أن أقيم مع والدتي فترة توقف الدراسة لأبنائي حتى نهاية مارس (آذار)، وعدت مرة أخرى لأتحدث إلى جيراني عبر الشرفة تماما كما كنا قبل استخدام الهواتف الجوالة في الثمانينات والتسعينات، ونواصل دائما تعقيم كل شيء بالمواد المطهرة، ولا ينغصها سوى رغبة الأطفال الدائمة في العودة مرة أخرى لزيارة الحدائق العامة والملاهي القريبة من منزل الجدة، والتي أغلقت تماما». وتبدي تفهما لخوف زوجها من زيارتهم بمنزل والدتها، والذي نصحه الجميع بعدم السفر لزيارة أسرته حتى نهاية مارس.
لكن البعد عن بؤرة الانتشار، والذي ربما كان مطمئنا نسبياً لأسرة «الحاجة إحسان»، ليس كذلك عند الكثيرين من أهالي بلقاس، الذين يكابدون عناء مقاومة كورونا ودحض تسمية مدينتهم «ووهان المصرية»، كما فعلت بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المصرية.
‎يرفض أهالي بلقاس والسماحية اعتبارهم بؤرة لانتشار المرض، مكثّفين جهودهم لمحو الوصمة الاجتماعية عنهم جراء وصم بعض القرى والمراكز المجاورة لهم. «انحسار أو انتشار» شعار يرفعه أهالي بلقاس، كما يؤكد النائب وحيد قرقر عن دائرة بلقاس وعضو لجنة النقل بمجلس النواب، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل بجهود ذاتية على مدار الساعة لتطهير وتعقيم كافة مرافق المركز والمحال والمساجد والكنائس، وجدنا تكاتفا واهتماما كبيرا من الشباب، وأسسنا مجموعة على تطبيق واتساب (معا ضد كورونا)، لنقدم الدعم الفوري للمواطنين، سواء كمامات أو مطهرات أو غيرهما، للوقاية وكإجراء احترازي».
‎ويتابع قرقر بعزم مشوب بالأمل: «نثق أنه في غضون أسبوعين سوف تُعلن بلقاس بلا كورونا، هذا هدفنا، ونأمل أن تكون بلقاس مثالا على التصدي لهذا الفيروس بجهود أهلها المرافقة لجهود حملات وزارة الصحة».
‎«لو سلّمت على بلقاسي اقطع دراعك»، بعض من التلاسن والتنمر اللفظي الذي يتسبب في وصم أهل مركز بلقاس حال تعاملهم مع أي من المراكز المجاورة لهم، لكن اللافت أن المركز له صفحات كثيرة عبر موقع «فيسبوك»، ويقدم القائمون عليها توثيقا بالفيديو والصور لحملات التطهير التي يقودها الأهالي والمسؤولون الحكوميون، وصورا للشوارع الخالية والمقاهي المغلقة، والتي تؤكد الالتزام التام من قبل الأهالي لمنع انتشار العدوى.
‎«بلقاسي» بات لقبا يوصم به بعض الطلاب الجامعيين، الذين استنكروا تعرضهم للتنمر والسخرية بسبب وجود حالات إصابة بفيروس كورونا، والذين فعّلوا هاشتاغ «بلقاسي وأفتخر»، ويشددون فيه على اعتزازهم بانتمائهم لمركز بلقاس، الذي يعد من أهم المراكز الحيوية والمنتجة في مصر.
‎بثقة كبيرة يؤكد هيثم الشيخ، نائب محافظ الدقهلية لـ«الشرق الأوسط» قبيل دخوله لاجتماع مع مسؤولي المحافظة: «خلال الـ48 ساعة الماضية لم تسجل أي حالة بالفيروس، هناك وعي كبير من المواطنين، واتخذنا الكثير من الإجراءات، وقمنا بتوفير الكثير من المطهرات، ونقوم بكافة الإجراءات الاحترازية لمحاصرة الفيروس بالتعاون مع المجتمع المدني، الذي يساند إجراءات الدولة».
‎«سيدات وشباب ورجال يخرجون في حملات تعقيم للمنازل والمساجد والكنائس»، هذا بات الروتين اليومي في مركز بلقاس، كما يروي المهندس السيد عاجة أحد القائمين على تنظيم حملات التطهير والتعقيم بالمركز، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يوميا نحن ملتزمون بذلك، وأغلقنا كافة مراكز الدروس الخصوصية، ولا يوجد أفراح أو مآتم، ويتم دفن المتوفين دون جنازات كبيرة»، مضيفا: «بالفعل هناك حالتا كورونا، لكننا على ثقة أننا سنقهر المرض».
وحول ما إذا كان قرار وقف الأسواق أثر على الحياة اليومية، يقول عاجة: «بالعكس، سعدنا بهذا القرار، لأنها كانت ساحة يأتي إليها الباعة والتجار من كافة المناطق المحيطة بالمركز، ويقتصر البيع والشراء حاليا على أصحاب المحال الثابتة لشراء المتطلبات من المأكل والمشرب، والكل متفهم للأمر».
‎من جهته، يقول الطبيب د. محمود سليمان، اختصاصي أمراض النساء والولادة بمشفى بلقاس العام، والذي كان يقضي مناوبته الطبية بالمشفى الذي استقبل الحالات المصابة، إن «المشفى يعمل بكامل طاقته وعلى أتم استعداد لاستقبال أي حالات»، نافيا إشاعات غلقه ووضعه بالكامل تحت الحجر الصحي، قائلا: «نحن معترفون بأن لدينا مشكلة، وأنها موجودة في العالم كله، ونحن نثق في قدرة الدولة وقدرة الفرق الطبية على التعامل مع الأمر، وعن طريق طواقم الطب الوقائي أيضا، وترصد الحالات القادمة من الخارج».
‎«أمس شهد المشفى خروج 12 مولودا للحياة»، يعلن الطبيب الذي يكرس نوبته لقسم الاستقبال بعد دورة مكثفة لكيفية التعامل مع مريض فيروس كورونا، متابعا: «قلّلنا الأعداد التي تنتظر في غرف الاستقبال وأيام عمل العيادات الخارجية، التي أصبحت بالتبادل، لمنع التجمعات، حفاظا على الصحة العامة، لكن الحركة عادية بالمشفى، وهو مجهز للطوارئ على مدار 24 ساعة». ‎ويندّد الطبيب ببعض الإشاعات التي تروج على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي تحث الناس على عدم الذهاب للمشفى، والمنشورات الأخرى التي تؤكد دون وعي أن الأمور على ما يرام .

وتنفي وجود حالات: «نحن على أتم استعداد و(كورونا) فيروس ضعيف، لدينا غرف مجهزة للعزل الطبي، والأوضاع مستقرة، لكن علينا جميعا في كل ربوع مصر والعالم أن نلتزم بانقضاء فترة حضانة الفيروس، فكما توقف ظهور حالات جديدة في الصين سوف تتوقف الحالات هنا أيضا».


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
TT

«الصحة العالمية» تحذّر من «نقص حادّ» في المواد الأساسية بشمال قطاع غزة

منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)
منظمة الصحة العالمية تطالب إسرائيل بالسماح بإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة (أ.ب)

حذّرت منظمة الصحة العالمية، اليوم الخميس، من أنّ قطاع غزة، ولا سيّما شطره الشمالي، يعاني نقصاً حادّاً في الأدوية والأغذية والوقود والمأوى، مطالبة إسرائيل بالسماح بدخول مزيد من المساعدات إليه، وتسهيل العمليات الإنسانية فيه.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، وصفت المنظمة الأممية الوضع على الأرض بأنه «كارثي».

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنه عندما اندلعت الحرب في غزة، قبل أكثر من عام في أعقاب الهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لجأ تقريباً جميع الذين نزحوا بسبب النزاع إلى مبان عامة أو أقاموا لدى أقارب لهم.

وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقرّ المنظمة في جنيف: «الآن، يعيش 90 في المائة منهم في خيم».

وأوضح أن «هذا الأمر يجعلهم عرضة لأمراض الجهاز التنفّسي وغيرها، في حين يتوقّع أن يؤدّي الطقس البارد والأمطار والفيضانات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية».

وحذّر تيدروس من أن الوضع مروِّع بشكل خاص في شمال غزة، حيث بدأ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة، مطلع أكتوبر الماضي.

وكان تقريرٌ أُعِدّ بدعم من الأمم المتّحدة قد حذّر، في وقت سابق من هذا الشهر، من أن شبح المجاعة يخيّم على شمال قطاع غزة؛ حيث اشتدّ القصف والمعارك، وتوقّف وصول المساعدات الغذائية بصورة تامة تقريباً.

وقام فريق من منظمة الصحة العالمية وشركائها، هذا الأسبوع، بزيارة إلى شمال قطاع غزة استمرّت ثلاثة أيام، وجالَ خلالها على أكثر من 12 مرفقاً صحياً.

وقال تيدروس إن الفريق رأى «عدداً كبيراً من مرضى الصدمات، وعدداً متزايداً من المصابين بأمراض مزمنة الذين يحتاجون إلى العلاج». وأضاف: «هناك نقص حادّ في الأدوية الأساسية».

ولفت المدير العام إلى أن منظمته «تفعل كلّ ما في وسعها - كلّ ما تسمح لنا إسرائيل بفعله - لتقديم الخدمات الصحية والإمدادات».

من جهته، قال ريك بيبركورن، ممثّل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية، للصحافيين، إنّه من أصل 22 مهمّة إلى شمال قطاع غزة، قدّمت طلبات بشأنها، في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، جرى تسهيل تسع مهام فقط.

وأضاف أنّه من المقرّر أن تُجرى، السبت، مهمّة إلى المستشفيين الوحيدين، اللذين ما زالا يعملان «بالحد الأدنى» في شمال قطاع غزة؛ وهما مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة، معرباً عن أمله في ألا تحدث عرقلة لهذه المهمة.

وقال بيبركورن إنّ هذين المستشفيين «بحاجة إلى كل شيء»، ويعانيان بالخصوص نقصاً شديداً في الوقود، محذراً من أنّه «دون وقود لا توجد عمليات إنسانية على الإطلاق».

وفي الجانب الإيجابي، قال بيبركورن إنّ منظمة الصحة العالمية سهّلت، هذا الأسبوع، إخلاء 17 مريضاً من قطاع غزة إلى الأردن، يُفترض أن يتوجه 12 منهم إلى الولايات المتحدة لتلقّي العلاج.

وأوضح أن هؤلاء المرضى هم من بين نحو 300 مريض تمكنوا من مغادرة القطاع منذ أن أغلقت إسرائيل معبر رفح الحدودي الرئيسي في مطلع مايو (أيار) الماضي.

لكنّ نحو 12 ألف مريض ما زالوا ينتظرون، في القطاع، إجلاءهم لأسباب طبية، وفقاً لبيبركورن الذي طالب بتوفير ممرات آمنة لإخراج المرضى من القطاع.

وقال: «إذا استمررنا على هذا المنوال، فسوف نكون مشغولين، طوال السنوات العشر المقبلة».