الخوف «مسافر» وحيد بين روما ومدريد

عناصر من وحدة الطوارئ العسكرية في وسط مدريد أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر من وحدة الطوارئ العسكرية في وسط مدريد أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

الخوف «مسافر» وحيد بين روما ومدريد

عناصر من وحدة الطوارئ العسكرية في وسط مدريد أول من أمس (إ.ب.أ)
عناصر من وحدة الطوارئ العسكرية في وسط مدريد أول من أمس (إ.ب.أ)

للوهلة الأولى، يبدو للوافد إلى مدريد، بعد شهر في إيطاليا، التي يتمدّد الخوف في عروقها وتحصي ضحايا فيروس كورونا بالآلاف، أنه خرج من الجبهة الرئيسية لهذه الحرب التي لا تشبه الحروب، وبات نسبيّاً أو مؤقتاً، في منأى عن جموح انتشار هذا «الوباء اللعين»، كما وصفه أحد كبار خبراء «منظمة الصحة العالمية»، صباح الأربعاء. لكن تكفي جولة قصيرة في سيارة التاكسي من المطار المقفر إلى المنزل، لنتبيّن كيف أن هذه المدينة تنام مسكونة بالخوف، الذي أصبح المسافر الوحيد الذي يتنقّل بحريّة في العواصم الأوروبية.
نغادر إيطاليا وأصوات الاستغاثة فيها تتعالى من كل حدب. حكّام المقاطعات الشمالية يتوسّلون المواطنين عدم الخروج من بيوتهم، لأن المستشفيات لم تعد قادرة على استقبال المزيد من المصابين، وحكّام مقاطعات الجنوب يناشدون سكّان الشمال وقف النزوح الذي يحمل معه الوباء إلى المناطق التي تعاني من عجز كبير في تجهيزاتها الصحّية، فيما تجهد الحكومة لإقناع المواطنين بأهميّة الامتثال لتدابير الحجر وردعهم عن المخالفات التي زادت عن خمسين ألفاً حتى الآن، حسب تقارير الشرطة.
أوّل ما يطالعنا في العاصمة الإسبانية، بعد الأرقام التي في غضون أيام معدودة رفعتها إلى المرتبة الثانية أوروبياً، والرابعة عالمياً في عدد الإصابات التي ترتفع يوميّاً بنسبة أعلى من إيطاليا، هو كلام رئيس الوزراء بيدرو سانتشيز أمام البرلمان الخاوي تقريباً صباح الأربعاء، حيث قال إن «الآتي أعظم»، داعياً مواطنيه إلى التحلّي بالانضباط والصمود في «هذه المعركة الطويلة التي لا توجد دولة مستعدّة لها في العالم».
ووعد سانتشيز بأن الحكومة ستكرّس جهدها، بعد نهاية هذه الأزمة، لوضع «خطة إعادة إعمار اقتصادي واجتماعي للنهوض من الركام الأكيد الذي ستخلّفه».
ومساء الأربعاء، توجّه الملك فيليبي السادس إلى المواطنين في خطاب رسمي تعهّد فيه بأن الدولة لن تتخلّى عن أحد في هذه الأزمة، مؤكداً أن إسبانيا «مجتمع صامد أمام المِحن»، ودعا إلى التضامن والاهتمام بشكل خاص بالضعفاء.
وفيما تتعرّض الحكومة الإسبانية لمزيد من الضغوط لفرض عزل كلّي على مناطق تفشّى فيها الوباء بنسبة عالية، مثل كاتالونيا وبلاد الباسك ومدريد، اكتفت حتى الآن بفرض قيود على حدودها داخل الاتحاد الأوروبي، على غرار ما فعلت ألمانيا والنمسا، بينما ذهبت دول أخرى مثل المجر حد منع دخول المواطنين الأوروبيين إلى أراضيها، وفرضت بولندا على كل الوافدين من أوروبا حجراً إلزامياً لأربعة عشر يوماً.
وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان در لاين قد أعربت عن استيائها لوجود مواطنين أوروبيين داخل دول الاتحاد يتعذّر عليهم الرجوع إلى بلدانهم، ودعت الدول الأعضاء إلى معالجة هذا الوضع بسرعة. ويتوقّع المسؤولون في بروكسل أن يدفع القرار الذي اتخذته القمّة يوم الاثنين بإقفال الحدود الخارجية للاتحاد إلى التخفيف من القيود على الحدود الداخلية، تمهيداً لإعادة فتحها.
ولا شك في أن النزعة الانطوائية التي اجتاحت العواصم الأوروبية منذ بداية الأزمة، والبطء الذي اتسم به تحرّك المفوضية في المرحلة الأولى، دفعا بالدول إلى اتخاذ تدابير تنتهك أحكام المعاهدات الأوروبية الأساسية، لكن يستحيل ردعها سياسياً في ظل هذه الأجواء المشحونة بالهلع الشامل. وتخشى المفوضية أن تترسّخ هذه التدابير مع مرور الوقت، وتؤدي إلى تقويض اتفاق «شينغن» الذي يُعتبر من أهم الإنجازات الأوروبية، وحتى إلى نسف القواعد الأساسية التي تقوم عليها السوق الواحدة، ما يشكّل خطراً كبيراً على مستقبل الاتحاد.
وتجدر الإشارة أن العوارض الأولى لهذا التصدّع في الدعائم الأساسية للمشروع الأوروبي ظهرت مع بداية هذه الأزمة الصحية، عندما قررت بعض الدول منع تصدير مئات السلع، مثل بعض الأدوية والمعدّات الطبية، ما ساهم في حدوث نقص بهذه السلع في بعض بلدان الاتحاد.
وكانت إيطاليا قد احتجّت بشدّة على قرار ألمانيا منع تصدير معدات الوقاية الصحّية، ولم تنجح المفوضية في إقناع ألمانيا بالعدول عن قرارها رغم التدبير الذي اتخذته بروكسل بمنع تصدير الأقنعة الواقية خارج الاتحاد لفترة ستة أسابيع. وقد اتّجهت إيطاليا وإسبانيا إلى الصين التي سارعت إلى التجاوب مع طلب المساعدة، وباشرت بإرسال المعدات الطبية والاختصاصيين إلى هاتين الدولتين.
وتنفسّت الحكومات الأوروبية الصعداء، أمس، بعد إعلان المصرف المركزي الأوروبي عن خطة لشراء أصول عامة وخاصة بقيمة 750 مليار يورو، موجّهة بشكل خاص لبلدان الجنوب الأوروبي التي كانت قد احتجت بشدة على مبادرة المصرف، الأسبوع الماضي، التي وصفتها بأنها جاءت مخيّبة للآمال وغير كافية لكبح الارتفاع السريع في أسعار الدين العام لهذه الدول التي بات من المؤكد أن الأزمة سوف تضطرها إلى الإنفاق، بما يتجاوز قدراتها إذا طالت الأزمة أكثر من شهرين.
وفي سياق التوترات السياسية التي بدأت تفرزها هذه الأزمة، أفادت معلومات خاصة بأن جهاز المفوضية الأوروبية المخصص لمراقبة حملات التشويش الإعلامي التي تقوم بها وسائل قريبة من «الكرملين» رصدت ما لا يقلّ عن 80 حالة لها صلة بفيروس «كورونا». وجاء في تقرير داخلي للمفوضية أن الهدف من هذه الحملات هو «زعزعة الثقة وبذر الشقاق في صفوف الأوروبيين عن طريق حملات مصممة لنشر الهلع في أوساط الرأي العام، وإرباكه، ومنعه من الحصول على معلومات موثوقة بشأن الإجراءات الصحية اللازمة لمواجهة الوباء».


مقالات ذات صلة

اكتُشف حديثاً في الصين ... فيروس ينتقل عن طريق القراد قد يسبب تلف الدماغ

آسيا اكتُشف حديثاً في الصين ... فيروس ينتقل عن طريق القراد قد يسبب تلف الدماغ

اكتُشف حديثاً في الصين ... فيروس ينتقل عن طريق القراد قد يسبب تلف الدماغ

يحذر العلماء من مرض جديد ينتقل عن طريق القراد يسمى فيروس الأراضي الرطبة (WELV) والذي تم اكتشافه مؤخراً في الصين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مراهقات يرتدين أقنعة واقية خلال فترة كورونا في اليابان (أرشيفية - رويترز)

دراسة: أدمغة المراهقين ازدادت شيخوخة بسبب «كورونا»

وثَّقت دراسة حديثة وجود مشاكل في صحة المراهقين العقلية وحياتهم الاجتماعية بسبب وباء «كورونا».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك عبوة من عقار أوزمبيك في بريطانيا (رويترز)

دراسة: «أوزمبيك» يقلل من مخاطر أعراض فيروس كورونا

أفادت دراسة حديثة بأن الأشخاص الذين يستخدمون 2.4 مليغرام من عقار سيماغلوتيد أقل عرضة للإصابة بحالات شديدة من كوفيد-19 عند استخدام هذا الدواء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك انقسام طبي حول إلزامية الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد (رويترز)

انقسام علمي... هل لا يزال من الضروري الاستمرار في إجراء اختبارات كوفيد؟

تحوّل «كوفيد-19» على مر السنوات الماضية من جائحة عالمية إلى فيروس «مستوطن» وفق خبراء الصحة، ما يعني أن وجوده سيصبح مستمراً، فكيف يجب أن نتعامل معه؟

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ (رويترز)

زوكربيرغ: البيت الأبيض ضغط على «فيسبوك» لفرض رقابة على محتوى «كورونا»

أقر الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا» مارك زوكربيرغ بقيام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالضغط على موقع «فيسبوك» لفرض رقابة على المحتوى المتعلق بجائحة كورونا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

رئيس «أطباء بلا حدود» يرفض «تجريم» جمعيات إغاثة المهاجرين في المتوسط

مهاجرون على متن قارب إنقاذ ينظرون إلى قارب خفر سواحل متجه إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في وسط البحر المتوسط... إيطاليا 19 أغسطس 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب إنقاذ ينظرون إلى قارب خفر سواحل متجه إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في وسط البحر المتوسط... إيطاليا 19 أغسطس 2022 (رويترز)
TT

رئيس «أطباء بلا حدود» يرفض «تجريم» جمعيات إغاثة المهاجرين في المتوسط

مهاجرون على متن قارب إنقاذ ينظرون إلى قارب خفر سواحل متجه إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في وسط البحر المتوسط... إيطاليا 19 أغسطس 2022 (رويترز)
مهاجرون على متن قارب إنقاذ ينظرون إلى قارب خفر سواحل متجه إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية في وسط البحر المتوسط... إيطاليا 19 أغسطس 2022 (رويترز)

اتهم رئيس منظمة أطباء بلا حدود، اليوم (الأربعاء)، إيطاليا بعرقلة عمليات إغاثة المهاجرين في البحر المتوسط من خلال «تجريم» المنظمات غير الحكومية وقوارب الإسعاف التابعة لها، في مقابلة له مع وكالة الصحافة الفرنسية.

تُحتجز سفينة منظمة أطباء بلا حدود جيو بارنتس Geo Barents حاليا في ميناء ساليرنو في جنوب إيطاليا، بعدما وضعتها السلطات الإيطالية قيد الاحتجاز الإداري قبل أسبوعين.

وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، من ساليرنو، رفض رئيس منظمة أطباء بلا حدود، الجراح اليوناني كريستوس كريستو، اتهامات إيطاليا بأن المنظمة غير الحكومية لم تُخطِر السلطات التي تتولى عمليات التنسيق بمهمات إنقاذ قامت بها بتاريخ 23 أغسطس (آب).

وقال كريستو: «شعرتُ بأنه يجدر بي أن آتي إلى هنا (إلى ساليرنو) للتنديد بالظلم الناجم عن احتجاز جيو بارنتس مدة 60 يوما بينما يحدث الكثير في البحر المتوسط».

وأوضح أنه في 23 أغسطس، وبعدما قامت السفينة بعملية إنقاذ وكانت تتبع تعليمات السلطات الإيطالية للعودة إلى الميناء، شاهدت قاربا آخر ينقل مهاجرين يواجهون الخطر.

وتابع: «كان الناس يقفزون في البحر. كانوا هناك، بلا حماية ومن دون سترات نجاة... حاولنا الاتصال بخفر السواحل الليبيين مجددا، لكنهم لم يجيبوا. ومن خلال مشاهدة ما يجري مع أولئك الأشخاص في البحر، في تلك اللحظة، كان الشيء الوحيد الذي علينا فعله هو أن نمد يدنا إليهم ونسحبهم من المياه».

وستقدم المنظمة غير الحكومية وثائق صوتية ومرئية إلى قاضي الاستئناف لإثبات روايتها لمجرى الأحداث.

عراقيل

إنها المرة الثالثة التي تُحتجز فيها السفينة جيو بارنتس بموجب مرسوم إيطالي له فعل القانون يعود تاريخه إلى يناير (كانون الثاني) 2023. وجمد هذا المرسوم كذلك مهام سفن إنقاذ تابعة لمنظمات غير حكومية أخرى مثل «إس أو إس ميديتيرانيه»، ومقرها في مرسيليا، و«سي آي» وأيضا «سي ووتش» لفترات تصل إلى 60 يوما. ولكن المنظمات كانت تتمكن من إلغاء الحجز بعد الاستئناف أمام المحاكم الإيطالية في كثير من الأحيان.

قال كريستو إن احتجاز إيطاليا سفن الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية جزء من «مجموعة من التدابير والوسائل التي تهدف إلى وضع عقبات أمام ما نقوم به في البحر المتوسط».

وأضاف: «يمكننا أن نرى بوضوح نية هذه الحكومة الإيطالية: إنهم يريدون حقا تجريم عمليات الإغاثة الإنسانية التي تنفذها سفن المنظمات غير الحكومية».

بموجب القانون الإيطالي، يُطلب من سفن المنظمات غير الحكومية تنفيذ عملية إنقاذ واحدة فقط في كل مرة تخرج فيها إلى عرض البحر. ولكن المنظمات تقول إن هذا البند يعرض حياة المهاجرين الآخرين المنكوبين للخطر.

كما يتعين على هذه المنظمات إنزال المهاجرين في موانئ بعيدة، ما يزيد من وقت وتكاليف العودة إلى البحر للقيام بعمليات إنقاذ أخرى.

منذ عام 2017، انضمت إيطاليا والحكومة الليبية المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس إلى اتفاق حول المهاجرين أقره الاتحاد الأوروبي رغم ما يثيره من جدل.

وبموجب الاتفاق، توفر إيطاليا التدريب والتمويل لخفر السواحل الليبي لمنع قوارب المهاجرين من المغادرة أو إعادة تلك التي دخلت البحر إلى ليبيا.

مقبرة بحرية

يعد العبور من شمال أفريقيا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، أخطر طريق للهجرة في العالم. وتقول المنظمة الدولية للهجرة إن ما لا يقل عن 2526 مهاجرا غرقوا أو فُقدوا في البحر في 2023، وإن العدد لا يقل عن 1116 منذ مطلع العام.

وسجلت المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 17 ألف قتيل أو مفقود منذ العام 2014.

وانخفض عدد المهاجرين الذين يعبرون منطقة وسط البحر المتوسط بنحو الثلث هذا العام، وفقا لوكالة فرونتكس الأوروبية المسؤولة عن مراقبة الحدود.

لكن المهاجرين يختارون سلوك طرق جديدة خطرة، بحسب كريستو، مستشهدا بالزيادة المسجلة خلال العام الحالي في عمليات المغادرة من أفريقيا إلى اليونان أو جزر الكناري في المحيط الأطلسي، وهو ما أدى إلى «مزيد من الوفيات».

وأعرب كريستو عن أسفه لأن الاتحاد الأوروبي «فشل في تقديم حلول جماعية»، إذ إن معظم الأموال المخصصة للهجرة تُنفق على التدابير الأمنية بدلا من التدابير الإنسانية.

وقال إنهم يلجأون إلى «مزيد من المسيَّرات ويبنون مزيدا من الأسيجة وينشرون مزيدا من حرس السواحل... بدلا من التحلي بحس إنساني ومعاملة الناس بكرامة إنسانية».