الحوثيون يحوّلون «كورونا» إلى أداة قمع ويفاقمون معاناة اليمنيين

ابتزاز للمسافرين وإغلاق كلي للمنافذ مع المناطق المحررة

متسوقون ومارة في سوق وسط صنعاء أمس (رويترز)
متسوقون ومارة في سوق وسط صنعاء أمس (رويترز)
TT

الحوثيون يحوّلون «كورونا» إلى أداة قمع ويفاقمون معاناة اليمنيين

متسوقون ومارة في سوق وسط صنعاء أمس (رويترز)
متسوقون ومارة في سوق وسط صنعاء أمس (رويترز)

لم تشأ الميليشيات الحوثية أن تفوت تداعيات انتشار فيروس «كورونا» المستجد في بعض دول العالم، دون أن تحولها إلى أداة قمعية جديدة للتضييق على اليمنيين وزيادة معاناتهم بذريعة الخوف من انتشار الفيروس في مناطق سيطرتها.
يقول يمني فضل ترميز اسمه بـ«محمد. خ» وهو أحد سكان صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد في مقدوري الآن أن أزور أبي وأمي في المناطق المحررة في مدينة تعز بسبب قرار الحوثيين تعليق الانتقال بين المناطق المحررة والأخرى الخاضعة للجماعة».
ويضيف: «كنت أتجشم مشقة السفر نحو 12 ساعة للوصول إلى مدينة تعز المحاصرة. أما الآن بعد قرار الجماعة، فقد أصبحنا عبارة عن أسرى في معتقل كبير».
ويرى آخر، وهو من سكان صنعاء أيضاً، رمز اسمه بـ«سليم. غ» أن المسألة لا علاقة لها بحرص الميليشيات الحوثية على سلامة السكان كما تزعم، ولكنها تستثمر الأمر سياسياً لتلميع صورتها، خصوصاً أن الحكومة الشرعية قد اتخذت جميع الخطوات المطلوبة لمنع انتشار الوباء إلى اليمن عبر المنافذ الجوية والبحرية، مضيفاً: «لو كانت الجماعة حقّاً تخاف على السكان لكانت صرفت رواتب الموظفين، وتوقفت عن نهب المستشفيات والمساعدات الإنسانية الطبية، ولكانت اتخذت تدابير لوقف تفشي الأمراض الأخرى مثل الكوليرا».
ويؤكد مسافرون يمنيون في عدن أنهم بعد منع الحوثيين للتنقل بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لهم باتوا «بحكم المحتجزين»، بعيداً عن عائلاتهم في صنعاء أو إب أو غيرها المناطق.
وتتهم مصادر محلية الجماعة الحوثية بأنها حولت نقاط التفتيش التي أقامتها بين المحافظات وما تسميه مناطق الحجر الصحي في مناطق سيطرتها، إلى وسائل جديدة لابتزاز المسافرين.
ففي حين تزعم أنها لن تسمح بمرور المسافرين، إلى مناطق سيطرتها، إلا بعد مرور أسبوعين، أكد أشخاص وصلوا إلى صنعاء في اليومين الأخيرين أنهم دفعوا أموالاً للمشرفين الحوثيين في تلك النقاط مقابل السماح لهم بالانتقال.
ويعتقد عاملون في القطاع الصحي، في صنعاء، أن الجماعة تحاول تقديم نفسها، على أنها دولة مستقلة في مناطق سيطرتها، سعياً للحصول على المزيد من المساعدات الأممية.
ويستدلون بقيام المشرفين الحوثيين منذ أكثر من أسبوعين بسحب أغلب الكميات من الكمامات والوسائل الطبية الأخرى ذات العلاقة بالحماية من انتشار الفيروس المستجد من الصيدليات تمهيدا لبيعها في السوق السوداء.
فعوضاً عن شراء الكمامة من قبل السكان بنحو 20 ريالاً أصبحت تباع بخمسة أضعاف السعر، ولأن المسألة تختص بالمكسب أولاً، دفعت الجماعة بالعشرات من النساء إلى مصنع الغزل والنسيج في صنعاء للقيام بخياطة الكمامات، ومن ثم بيعها بأسعار مرتفعة، وفق ما يقوله العاملون في القطاع الصحي.
ويتهم سكان صنعاء الجماعة الحوثية بأنها «تستغل الوباء العالمي فقط لأهداف سياسية واقتصادية، وقتالية، أيضاً»، مستدلين على ذلك بعدم توقف الجماعة عن إقامة الفعاليات الطائفية والتجمعات الحاشدة لاستقطاب المجندين، على الرغم من تعليق الدراسة وإغلاق صالات المناسبات.
ويتزامن إصرار الجماعة على إقامة هذه الفعاليات ذات الصبغة الطائفية في صنعاء وغيرها من المحافظات، مع استغلالها لانتشار الفيروس في العالم، من أجل استقطاب المزيد من المجندين للقتال في صفوفها، بحجة أن ذلك هو السبيل الوحيد لحمايتهم من الإصابة بالمرض، وفق ما أفادت به مصادر محلية في صنعاء.
وكانت الجماعة تجاهلت كل التدابير الحكومية، وأعلنت من جهتها إغلاق جميع المنافذ وإيقاف الرحلات من وإلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية لمدة أسبوعين، في سياق زعمها مواجهة فيروس «كورونا».
وهددت الميليشيات في تعميم صادر عن «الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري» الخاضعة لها في صنعاء شركات النقل وشركات تأجير السيارات، بأنها ستعاقب مَن يخالف توجيهاتها.
ومع استياء السكان من القيود الحوثية على تنقلاتهم بين المحافظات، على الرغم من عدم تسجيل أي حالة مؤكدة مصابة، وفق ما أعلنته الصحة العالمية والحكومة الشرعية، حذر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني من استغلال الجماعة الانقلابية لما وصفه بـ«حالة الفوبيا العالمية من فيروس كورونا لفرض المزيد من التضييق على المواطنين، وتصفية حساباتها مع الرافضين لمخططها الانقلابي والمحافظات المحررة، وفي المقدمة محافظة تعز التي عززت الميليشيات من حصارها بحجة الإجراءات الاحترازية».
وقال الوزير اليمني في تصريحات رسمية(الأربعاء) «مرتزقة إيران (في إشارة إلى الجماعة الحوثية) يتخذون من فيروس كورونا والإجراءات الاحترازية لمواجهته مبرراً لتنفيذ أحكامهم العرفية على المواطنين، وتشديد قبضتهم الأمنية وتقييد الحريات والتضييق على حركة المدنيين بين المحافظات، وتحويل مناطق سيطرتهم إلى سجن كبير، في استغلال بشع وقبيح لهذا الوباء العالمي».
وأشار الإرياني ‏إلى تناقض ميليشيات الحوثي الصارخ بقوله: «في الوقت الذي تتحدث فيه عن إجراءات احترازية لمواجهة فايروس (كورونا)، تحشد كل يوم المواطنين بالترغيب والترهيب لعقد اللقاءات والتنظيم لإحياء فعالياتها السياسية والدينية والتحشيد لجبهات القتال في مختلف المحافظات بمناطق سيطرتها».
وكانت الحكومة اليمنية استنفرت كل طاقتها لمنع انتشار الفيروس إلى البلاد، وعلقت الرحلات عبر المنافذ البحرية والجوية والبرية، وعلّقت الدراسة في المدارس والجامعات.
وقال رئيس الحكومة معين عبد الملك في خطاب وجهه إلى الشعب: «ينبغي عدم التهاون أو الاستهتار بخطورة هذا المرض، في ظل سرعة انتشاره وضرره وعدم توفر لقاح أو علاج ناجع حتى الآن مع ضعف نظامنا الصحي جراء الحرب والنزاعات ومحدودية الموارد».
وأوضح أن حكومته اتخذت تدابير عدة منها «تعليق الرحلات الجوية من وإلى اليمن، وكذا إغلاق المنافذ البرية والبحرية لمدة أسبوعين، بدءاً من مساء الثلاثاء الموافق 17 مارس (آذار)، فضلاً عن الحركة التجارية وتشديد إجراءات السلامة البحرية وإجراءات الفحوصات للطواقم قبل دخول السفن إلى الموانئ، وكذا تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية العامة والخاصة مبدئياً لمدة أسبوع، إضافة لتخصيص ميزانية طارئة لقطاع الصحة».
وكشف عن أن وزارة الصحة قامت بتجهيز المنافذ البرية والبحرية بوسائل الفحص اللازم، وتجهيز 11 فريقاً صحياً للعمل في 11 منفذاً جوياً وبرياً وبحرياً في حين يجري تجهيز 12 مركزاً للعزل والحجر الصحي في المحافظات المختلفة، وتدريب كادر طبي للعمل في المراكز المختلفة.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.