«فيضان الجمهوريين» في أميركا سيطر على أسبوع الإعلام.. وقلل من تناول الإرهاب وإيبولا

التغطية الصحافية البريطانية تعكس المعركة الانتخابية المقبلة للأحزاب

«فيضان الجمهوريين» في أميركا سيطر على أسبوع الإعلام.. وقلل من تناول الإرهاب وإيبولا
TT

«فيضان الجمهوريين» في أميركا سيطر على أسبوع الإعلام.. وقلل من تناول الإرهاب وإيبولا

«فيضان الجمهوريين» في أميركا سيطر على أسبوع الإعلام.. وقلل من تناول الإرهاب وإيبولا

بدأت التغطية الإعلامية الأميركية الأسبوع الماضي بالانتخابات التي شملت كل أعضاء مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ونصف حكام الولايات.
واحتفظ الحزب الجمهوري بالسيطرة على مجلس النواب، واستعاد السيطرة على مجلس الشيوخ. ويتوقع أن يصبح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل (من ولاية كنتاكي). وأفردت صحيفة «واشنطن بوست» ملحقا خاصا. وغطاها تلفزيونا «سي إن إن» المعتدل، و«فوكس» اليميني تغطية مكثفة، مع نشوة النصر من جانب الثاني. وركزت صحيفة «نيويورك تايمز» على أن تيم سكوت، جمهوري من ولاية ساوث كارولينا، صار أول سيناتور أسود ينتخب في ولايات الجنوب منذ الحرب الأهلية قبل قرابة 150 عاما.
وركزت، أيضا، على ميا لاف (38 عاما)، التي ولدت في بروكلين في نيويورك من مهاجرين من هايتي، واعتنقت المسيحية المرمونية، والآن فازت في انتخابات مجلس النواب في ولاية يوتا، وصارت أول سوداء تدخل الكونغرس من الحزب الجمهوري.
واهتمت القنوات التلفزيونية، مع تغطيات مباشرة، بتصويت الناخبين في ولايات ألاسكا، وأوريغون، وواشنطن العاصمة، لإضفاء الشرعية على تعاطي حشيشة الماريغوانا لأغراض ترفيهية. وفي منتصف الأسبوع، عادت أخبار «الحرب ضد الإرهاب» إلى واجهات الصحف الرئيسية وبدايات أخبار القنوات الرئيسية. منها سيطرة منظمة «داعش» على حقول غاز في محافظة حمص السورية. وفي ذكرى عمل إرهابي كبير، هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، افتتح مركز التجارة العالمي رقم واحد ليحل محل سابقه، بعد 13 عاما. وأبرزت صحيفة «شيكاغو تربيون» صورة حزينة، ظلت تتكرر مؤخرا، لضحايا زورق صغير يحمل طالبي اللجوء إلى أوروبا، وقد غرق في البحر الأسود بالقرب من إسطنبول، مما أسفر عن غرق 21 شخصا على الأقل.
ومع نهاية الأسبوع، عادت عناوين كانت غابت في الإعلام الأميركي عن التدخل العسكري الأميركي في العراق منذ «سيرج» (الطوفان)، عندما زاد الرئيس السابق بوش الابن عدد القوات هناك. هذه المرة، زادها الرئيس باراك أوباما. ورغم قلة العدد، 1500 جندي إضافي، بدا وكأن التاريخ يعيد نفسه.
ومن مفارقات التاريخ أن هذا الخبر نشر مع خبر آخر: عبرت أكثر من 30 دبابة روسية الحدود الشرقية من روسيا إلى أوكرانيا مع استمرار القتال المتقطع رغم وقف إطلاق النار في الشهر الماضي. ولم تنس صحيفة «كريستيان سيانس مونيتور» المفارقة، وكتبت: «زيادة قوات وزيادة قوات».
ومع نهاية الأسبوع، عادت أخبار الحروب الأهلية في الشرق الأوسط إلى واجهات الأجهزة الإعلامية الأميركية. المعارك في ليبيا بين القوات الموالية للحكومة والميليشيات الإسلامية، والتي قتلت ما يقرب من 400 شخص في 3 أسابيع.ة واشتعال المواجهة بين الحوثيين و«القاعدة» في اليمن، مع استمرار الحرب الجوية الأميركية ضد «القاعدة» هناك (لا ضد الحوثيين). ويوم الجمعة، أجاز مجلس الأمن قرار وضع الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، في القائمة السوداء بسبب تعاونه مع الحوثيين ضد حكومة اليمن الشرعية. ومعه في القائمة السوداء اثنان من حلفائه الحوثيين.
وبينما كاد الإعلام الأميركي يهمل قرار السويد بالاعتراف بدولة فلسطين (على خطى وزارة الخارجية الأميركية) التي قالت إن القرار سابق لأوانه، تظل مناظر الاشتباكات في القدس، وخصوصا يوم الجمعة حول مسجد الصخرة، تستمر في القنوات التلفزيونية الرئيسية. مع فيديو مباشر في «سي إن إن» عن الفلسطيني الذي قاد سيارته نحو حشد من الناس في محطة السكك الحديد الخفيفة في القدس، ثم خرج من السيارة، واعتدى على ناس باستخدام قضيب حديدي، قبل أن تقتله الشرطة.
و تميزت التغطية الأسبوعية للصحف بعدد من التحقيقات الصحافية، مثل المراقبة والتنصت الذي تقوم به الأجهزة الأمنية، وهذا جاء في صحيفتي «التايمز» و«الغارديان»، وهذه جاءت لتعكس الانتماءات السياسية والآيديولوجية للصحف، خصوصا مع اقتراب الانتخابات العامة البريطانية المزمع عقدها في مايو (أيار) المقبل.
وكل منها من موقعه المنحاز للأحزاب الرئيسة المتصارعة، فقد أبرزت الصحف الخلافات والانشقاقات الداخلية للأحزاب. صحيفة «الديلي تلغراف»، المنحازة أكثر لليمين في داخل حزب المحافظين الحاكم، وكذلك «التايمز»، المحافظة أيضا، لكنها أكثر انفتاحا، ركزتا على التململ داخل حزب العمال والانقلاب الذي قد يحدث ضد زعيمه إيد ميليباند، قبل الانتخابات.
كما تناولت التغطية التقارير التي نشرتها أخيرا بعض مراكز البحث العلمي حول الهجرة القادمة من دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا من دول شرق أوروبا التي انضمت أخيرا للاتحاد. وتناولت بالأرقام التكلفة على خزينة الدولة. لكن عكست التغطية لهذه القضية الشائكة والتي استخدمتها الأحزاب بعضها ضد بعض في حملتها الانتخابية تفسير الصحف لهذه الأرقام التي جاءت مختلفة، وكأن الصحف تتكلم عن مواضيع لا يمت بعضها لبعض بشيء. تحت عنوان «المملكة المتحدة ستكسب 20 مليارا من المهاجرين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي»، قالت «الغارديان» بأن «المهاجرين إلى المملكة المتحدة سيدرون على اقتصادنا أكثر من 20 مليار جنيه إسترليني، ولن يكونوا عبئا على خزينة الدولة كما يعتقد البعض».
أما صحيفة «الديلي تلغراف» اليمينية فجاء عنوانها ليعكس موقفها السياسي المعادي للهجرة، وقالت على صفحتها الأولى: «120 مليارا تكلفة سياسة حزب العمال تجاه الهجرة»، متهمة بذلك المعارضة بأنها ستفتح أبوابها للمهاجرين. كما أعطت الصحيفة مساحات واسعة على صفحتها الأولى للذكرى المائة للحرب العالمية الأولى، وقالت بأن أكثر من 4 ملايين زاروا برج لندن الذي فرش بورود الخشخاش.
صحيفة «الغارديان» تناولت أيضا النظام الصحي البريطاني وإهدار الأموال في العلاج مثل الأشعة وغيرها التي لا داعي لها، وكذلك تحقيقا مطولا مبنيا على تصريحات لقاضية بريطانية حول الفساد في الاتحاد الأوروبي.
وتناولت صحيفة «التايمز» قضايا التنصت واختراقات الأجهزة الأمنية لمكاتب المحاماة في بريطانيا ممن أسندت إليهم الدفاع في قضايا تخص النواحي الأمنية. «الغارديان» أبرزت قضية الليبيين من الذين استضافتهم بريطانيا بعد الثورة لتدريبهم في معسكراتها، إلا أنها قررت إرجاعهم إلى بلادهم بعد أن اتهم عدد كبير منهم القيام باعتداءات جنسية. وأبرزت صحيفة «الإندبندنت» الخلافات بين الائتلاف الحاكم، في قضايا الجريمة والسجون.
«التايمز» تناولت في وسط الأسبوع الخلافات الداخلية في حزب المحافظين، وتحت عنوان «وزيرة الداخلية توجه نيرانها إلى منافسيها في حزب المحافظين»، عكست بداية اصطفاف سياسي تحضيرا لما بعد الانتخابات في مايو (أيار) المقبل. كون وزيرة الداخلية قد تصبح أحد المنافسين على قيادة الحزب إذا خسر ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الحالي المعركة الانتخابية لصالح المعارضة العمالية.
وكذلك أبرزت صحيفة «التايمز» في مقال على الصفحة الأولى أن بريطانيا قد تعيد قواتها إلى العراق. وتحت عنوان «القوات البريطانية في طريق العودة إلى العراق» قالت الصحيفة إن بريطانيا ستعود إلى العراق من أجل دعم المهمة الجديدة للقوات الأميركية في المنطقة لمقاتلة قوات «داعش».
«الديلي تلغراف» كتبت تحت عنوان «إفشال مؤامرة إرهابية في يوم الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى» تقول إن قوات الأمن قامت باعتقال 4 إسلاميين مشكوك بهم في التخطيط لهجوم في الذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى. وقالت الصحيفة بأن الـ4 كانوا يخططون للقيام بهجوم مسلح يوم الأحد ضد شخصيات خلال يوم الذكرى.
علقت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية يوم الأربعاء الماضي على مطالبة هيئة الاستخبارات البريطانية لشركات الإنترنت الأميركية بالتعاون الوثيق مع هيئات الاستخبارات في مواجهة تنظيم داعش. وورد في الصحيفة أن المتطرفين التابعين لتنظيم داعش يستخدمون الإنترنت وتطبيقاته المتنوعة للترويج لأنفسهم وتجنيد المقاتلين، وكذلك في ممارسة الإرهاب. ولكن في الوقت ذاته أشارت الصحيفة إلى أن باقي العالم يستخدمون الإنترنت للتعبير عن اشمئزازهم من أفعال هذا التنظيم، وكذلك يدافعون عن مبادئهم الليبرالية التي نشأ عليها الإنترنت في الأساس.
وأضافت الصحيفة أنه «يتعين على هيئة الاستخبارات البريطانية حمايتنا، «ولكنها أكدت أن مراقبة الإرهابيين المحتملين على الإنترنت يعد إجراء مبالغا فيه. وتابعت الصحيفة أنه إذا كانت هناك أسباب مشروعة لوضع حدود أمام حرية التواصل على الإنترنت، فلا بد حينئذ من أن تكون هناك حدود أيضا أمام المراقبة الشاملة لأجهزة الاستخبارات».
وأبرزت الصحف وبلا استثناء قضية التعهدات المالية تجاه الاتحاد الأوروبي في عدد الجمعة. وبينت الصحف ما يحاول وزير الخزانة البريطاني جورج أوزبورن التوصل له، وهو صفقة «أفضل» لبلاده، قبل محادثات مع نظرائه بالاتحاد الأوروبي بشأن خلاف يتعلق بالإسهامات الجديدة المطلوبة من لندن في موازنة الاتحاد. وتعتبر قضايا الموازنة بمثابة حقل ألغام سياسي داخل الاتحاد الأوروبي الذي يعتمد بشكل كبير على التمويل من أعضائه الذين يبلغ عددهم 28 دولة. ولكن استعداد هذه الدول للإسهام في ميزانية الاتحاد تراجع في ظل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها وتصاعد النزعات المناهضة للكتلة الأوروبية في الفترة الأخيرة، وهذا ما عكسته الصحف في تغطيتها التي تعتبر أيضا كرة سياسية تركلها القوى السياسة لصالح حملاتها الانتخابية.
وطلب من بريطانيا الشهر الماضي الإسهام بملياري يورو إضافية (5.‏2 مليار دولار) في موازنة الاتحاد الأوروبي بحلول ديسمبر (كانون الأول) المقبل في إطار مراجعة حسابية أخذت في الاعتبار تحسن أداء الاقتصاد البريطاني بشكل أفضل من المتوقع.



كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
TT

كاتدرائية «نوتردام» في باريس تعود إلى العالم في احتفالية استثنائية

صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)
صورة داخل كاتدرائية «نوتردام دو باري» بعد إنجاز ترميمها (إ.ب.أ)

قبل 861 عاماً، نهضت كاتدرائية «نوتردام دو باريس» في قلب العاصمة الفرنسية. ومع مرور العقود والعصور تحوّلت إلى رمز لباريس، لا بل لفرنسا. ورغم الثورات والحروب بقيت «نوتردام» صامدة حيث هي، في قلب باريس وحارسة نهر السين الذي يغسل قدميها. إلا أن المأساة حلّت في شهر أبريل (نيسان) من عام 2019، عندما اندلع حريق هائل، التهمت نيرانه أقساماً رئيسة من الكاتدرائية التي انهار سقفها وتهاوى «سهمها»، وكان سقوطه مدوياً.

منظر للنافذة الوردية الجنوبية لكاتدرائية نوتردام دو باريس(رويترز)

حريق «نوتردام» كارثة وطنية

وكارثة «نوتردام» تحوّلت إلى مأساة وطنية، إذ كان يكفي النظر إلى آلاف الباريسيين والفرنسيين والسياح الذين تسمّروا على ضفتي نهر السين ليشهدوا المأساة الجارية أمام عيونهم. لكن اللافت كانت السرعة التي قررت فيها السلطات المدنية والكنسية مباشرة عملية الترميم، وسريعاً جدّاً، أطلقت حملة تبرعات.

وفي كلمة متلفزة له، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى شد أزر مواطنيه، مؤكداً أن إعادة بناء الكاتدرائية و«إرجاعها أجمل مما كانت» ستبدأ من غير تأخير. وأعلن تأسيس هيئة تشرف عليها، وأوكل المهمة إلى الجنرال جان لويس جورجولين، رئيس أركان القوات المسلحة السابق. وبدأت التبرعات بالوصول.

وإذا احتاجت الكاتدرائية لقرنين لاكتمال بنائها، فإن ترميمها جرى خلال 5 سنوات، الأمر الذي يعد إنجازاً استثنائياً لأنه تحول إلى قضية وطنية، لا بل عالمية بالنظر للتعبئة الشعبية الفرنسية والتعاطف الدولي، بحيث تحوّلت الكاتدرائية إلى رابطة تجمع الشعوب.

وتبين الأرقام التي نشرت حديثاً أن التبرعات تدفقت من 340 ألف شخص، من 150 دولة، قدّموا 846 مليون يورو، إلا أن القسم الأكبر منها جاء من كبار الممولين والشركات الفرنسية، ومن بينهم من أسهم بـ200 مليون يورو. ومن بين الأجانب المتبرعين، هناك 50 ألف أميركي، وهو الأمر الذي أشار إليه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وكان أحد الأسباب التي دفعته للمجيء إلى فرنسا؛ البلد الأول الذي يزوره بعد إعادة انتخابه في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

متطوعون يضعون برنامج الحفل على المقاعد قبل الحفل (أ.ف.ب)

منذ ما يزيد على الشهر، تحوّلت الكاتدرائية إلى موضوع إلزامي في كل الوسائل الإعلامية. وخلال الأسبوع الحالي، حفلت الصحف والمجلات وقنوات التلفزة والإذاعات ببرامج خاصة تروي تاريخ الكاتدرائية والأحداث الرئيسة التي عاشتها في تاريخها الطويل.

وللدلالة على الأهمية التي احتلتها في الوعي الفرنسي، فإن رئيس الجمهورية زارها 7 مرات للاطلاع على التقدم الذي حققه المهنيون والحرفيون في إعادة البناء والترميم. وإذا كانت الكاتدرائية تجتذب قبل 2012 ما لا يقل عن 12 مليون زائر كل عام، فإن توقعات المشرفين عليها تشير إلى أن العدد سيصل العام المقبل إلى 15 مليوناً من كل أنحاء العالم.

المواطنون والسياح ينتظرون إفساح المجال للوصول الى ساحة الكاتدرائية (أ.ف.ب)

باريس «عاصمة العالم»

خلال هذين اليومين، تحوّلت باريس إلى «عاصمة العالم»، ليس فقط لأن قصر الإليزيه وجّه دعوات لعشرات من الملوك ورؤساء الدول والحكومات الذين حضر منهم نحو الخمسين، ولكن أيضاً لأن الاحتفالية حظيت بنقل مباشر إلى مئات الملايين عبر العالم.

وقادة الدول الذين قدّموا إلى «عاصمة النور» جاءوا إليها من القارات الخمس. وبسبب هذا الجمع الدولي، فإن شرطة العاصمة ووزارة الداخلية عمدتا إلى تشكيل طوق أمني محكم لتجنب أي إخلال بالأمن، خصوصاً أن سلطاتها دأبت على التحذير من أعمال قد تكون ذات طابع إرهابي. وإذا كان الرئيس الأميركي المنتخب قد حظي بالاهتمام الأكبر، ليس لأنه من المؤمنين المواظبين، بل لأنه يُمثل بلداً له تأثيره على مجريات العالم.

لكن في المقابل، تأسف الفرنسيون لأن البابا فرنسيس اعتذر عن تلبية الدعوة. والمثير للدهشة أنه سيقوم بزيارة جزيرة كورسيكا المتوسطية الواقعة على بُعد رمية حجر من شاطئ مدينة نيس اللازوردية، في 15 الشهر الحالي. والمدهش أيضاً أنه منذ أن أصبح خليفة القديس بطرس في روما، «المدينة الخالدة»، فإنه زار فرنسا مرتين، ثانيها كانت لمدينة مرسيليا الساحلية. بيد أنه لم يأتِ إلى باريس إطلاقاً. ووفق مصادر واسعة الاطلاع، فإن قرار البابا أحدث خيبة على المستويين الديني والرسمي. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى حدث تاريخي رئيس، وهو أن بابا روما بيوس السابع، قدم إلى باريس يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) من عام 1804، لتتويج نابليون الأول إمبراطوراً.

وتمثل لوحة الرسام الفرنسي الشهير لوي دافيد، التي خلد فيها تتويج بونابرت، ما قام به الأخير الذي لم ينتظر أن يضع البابا التاج على رأسه، بل أخذه بيديه ووضعه بنفسه على رأسه، وكذلك فعل مع الإمبراطورة جوزفين.

احتفالية استثنائية

لم يساعد الطقس مساعدي الاحتفالية الذين خططوا لأن تكون من جزأين: الأول رسمي، ويجري في ساحة الكاتدرائية الأمامية؛ حيث يلقي الرئيس ماكرون خطابه المقدر من 15 دقيقة، وبعدها الانتقال إلى الداخل للجزء الديني. وكان مقدراً للمواطنين الـ40 ألفاً، إضافة إلى 1500 مدعو حظوا بالوجود داخل الكاتدرائية، أن يتابعوا الحدث من المنصات التي نصبت على ضفتي نهر السين، إلا أن الأمطار والعواصف التي ضربت باريس ومنطقتها أطاحت بالبرنامج الرئيس، إذ حصلت كل الاحتفالية بالداخل. بيد أن الأمطار لم تقض على شعور استثنائي بالوحدة والسلام غلب على الحاضرين، وسط عالم ينزف جراء تواصل الحروب، سواء أكان في الشرق الأوسط أم في أوكرانيا أم في مطارح أخرى من العالم المعذب. وجاءت لحظة الولوج إلى الكاتدرائية، بوصفها إحدى المحطات الفارقة، إذ تمت وفق بروتوكول يعود إلى مئات السنين. بدءاً من إعادة فتح أولريش لأبواب «نوتردام» الخشبية الكبيرة بشكل رمزي.

كاتدرائية «نوتردام» السبت وسط حراسة أمنية استعداداً لإعادة افتتاحها (إ.ب.ى)

وسيقوم بالنقر عليها 3 مرات بعصا مصنوعة من الخشب المتفحم الذي جرى إنقاذه من سقف الكاتدرائية الذي دمرته النيران، وسيعلن فتح الكاتدرائية للعبادة مرة أخرى. ونقل عن المسؤول عن الكاتدرائية القس أوليفييه ريبادو دوما أن «نوتردام»، التي هي ملك الدولة الفرنسية، ولكن تديرها الكنيسة الكاثوليكية «أكثر من مجرد نصب تذكاري فرنسي وكنز محبوب من التراث الثقافي العالم، لا بل هي أيضاً علامة على الأمل، لأن ما كان يبدو مستحيلاً أصبح ممكناً»، مضيفاً أنها أيضاً «رمز رائع».

الأرغن الضخم يحتوي على 8 آلاف مزمار تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام (أ.ف.ب)

كذلك، فإن تشغيل الأرغن الضخم الذي تم تنظيفه وتحضيره للمناسبة الاستثنائية، تم كذلك وفق آلية دقيقة. ففي حين ترتفع المزامير والصلوات والترانيم، فإنه جرى إحياء الأرغن المدوي، الذي صمت وتدهورت أوضاعه بسبب الحريق. ويحتوي الأرغن على 8 آلاف مزمار، تم ترميمها وتنظيفها من غبار الرصاص السام. وقام 4 من العازفين بتقديم مجموعة من الألحان بعضها جاء مرتجلاً.

إلى جانب الشقين الرسمي والديني، حرص المنظمون على وجود شق يعكس الفرح؛ إذ أدت مجموعة من الفنانين الفرنسيين والأجانب لوحات جميلة جديرة بالمكان الذي برز بحلة جديدة بأحجاره المتأرجحة بين الأبيض والأشقر وزجاجه الملون، وإرثه الذي تم إنقاذه من النيران وأعيد إحياؤه.

وبعد عدة أيام، سيُعاد فتح الكاتدرائية أمام الزوار الذي سيتدفقوة بالآلاف على هذا المعلم الاستثنائي.

حقائق

846 مليون يورو

تدفقت التبرعات من 340 ألف شخص من 150 دولة قدموا 846 مليون يورو لإعادة ترميم نوتردام