67 مليون فرنسي يعيشون حجراً بالغ التشدد

الأمن الفرنسي انتشر في شوارع باريس أمس لفرض قواعد «الحجر» (إ.ب.أ)
الأمن الفرنسي انتشر في شوارع باريس أمس لفرض قواعد «الحجر» (إ.ب.أ)
TT

67 مليون فرنسي يعيشون حجراً بالغ التشدد

الأمن الفرنسي انتشر في شوارع باريس أمس لفرض قواعد «الحجر» (إ.ب.أ)
الأمن الفرنسي انتشر في شوارع باريس أمس لفرض قواعد «الحجر» (إ.ب.أ)

لم تعرف فرنسا، في زمن السلم، وفي تاريخها الحديث، حجراً مشدداً كالذي فرضته سلطاتها ليل الاثنين إلى الثلاثاء في محاولة منها لإبطاء التفشي المثير للقلق، لا بل الهلع، لوباء «كوفيد - 19». ذلك أن 67 مليون فرنسي مدعوون للبقاء في منازلهم والامتناع عن الخروج، إلا لأسباب «وجيهة» كالذهاب إلى العمل أو الرجوع منه أو التبضع من مخازن الأغذية أو شراء الدواء.
ومنذ منتصف نهار أمس، توقفت الحركة في البلاد بنسبة مرتفعة للغاية، مع إغلاق المدارس والجامعات والمواقع السياحية والمسارح ودور السينما والمطاعم والمقاهي، وحتى الحدائق العمومية كما فعلت بلدية باريس. وأصدرت وزارة الداخلية تعميماً يفيد بأن أي مواطن أو مقيم يرغب في مغادرة منزله، ملزَم بأن يحمل شهادة موقّعة يبرر فيها خروجه، وإلا فإنه يتعرض لدفع غرامة يمكن أن تصل إلى 135 يورو.
ومن أجل تطبيق هذه التدابير بالغة الصرامة التي تجعل فرنسا تقتدي بما سبقتها إليه إيطاليا وإسبانيا، فإن وزارة الداخلية عمدت إلى تعبئة 100 ألف رجل شرطة ودرك ونشرهم في أنحاء الجمهورية كافة، بحيث يشكّلون «الجيش» الذي أراده الرئيس إيمانويل ماكرون لخوض «الحرب» التي تحدّث عنها في كلمته المتلفزة الأخيرة ليل أول من أمس، إلى الفرنسيين، والتي كرّرها ست مرات.
وللتدليل على حراجة الموقف، تكفي الإشارة إلى أن 35 مليون مواطن شاهدوا رئيسهم يتوجه إليهم عبر الشاشة الصغيرة، حيث قرّعهم من جهة بسبب «خفّتهم» في التعاطي مع التوصيات الحكومية. وأنهض، من جهة أخرى، عزيمتهم بتأكيد أن فرنسا «ستخرج منتصرة» من حربها مع هذا العدو «غير المرئي» ومن «نوع جديد». أما رسالة ماكرون الثالثة، فكانت الدعوة إلى الاتحاد والالتحام والتحلي بحس المسؤولية والتشديد على أهمية التقيد بالتوصيات التي فصّلها لاحقاً كريستوف كاستانير، وزير الداخلية. ومقابل هذه الدعوات، ركّز ماكرون على أنّ همّ الدولة الأوحد اليوم هو محاربة الفيروس القاتل، الذي أودى حتى ظهر أمس بحياة 148 شخصاً وأصاب 6650 في فرنسا.
والمقلق أن تفشّيه يقوى أكثر فأكثر، حيث إنه أصاب 1200 شخص في 24 ساعة، وهو أعلى رقم منذ وصوله إلى الأراضي الفرنسية ما يبرر التدابير الحكومية المتخطية بأشواط ما تسمى «المرحلة الثالثة» من مواجهة الفيروس. واستعانت الحكومة بوحدات متخصصة من الجيش في قطاع الصحة لإنشاء مستشفى ميداني شرق فرنسا، وهي المنطقة الأكثر تعرضاً للفيروس. كذلك، أصدرت وزارة الداخلية قراراً «يصادر» سيارات النقل «تاكسي» وبعض الفنادق لوضعها بتصرف المستشفيات، التي تعاني من دفق لا يتوقف من المصابين بالفيروس أو الحالات المشتبه بها.
ومنذ ظهر أمس، أي منذ أن دخل الحظر حيز التنفيذ، خيّمت أجواء غريبة على البلاد. ففي باريس، فرغت الساحات من روادها والشوارع من المارة والطرق من السيارات. والازدحامات الوحيدة ظهرت، كما في الأيام الأخيرة، أمام محال المواد الغذائية والصيدليات والمخابز. وأصدرت وزارة الداخلية لائحة مفصلة لما هو متاح وما هو ممنوع.
كذلك، أبرزت على موقعها نماذج للشهادة التي يتعيّن على كل شخص خارج من منزله أن يحملها. ومن الذين يتمتعون بأكبر قدر من حرية الحركة، الأطباء والممرضون والصحافيون. وقال أحد الرياضيين الذي كان يركض في غابة بولونيا الواقعة على مدخل باريس الغربي، إن رجال الشرطة أوقفوه وطلبوا منه العودة إلى منزله لأنه يمارس رياضته «بعيداً عن مسكنه».
وعملياً، لا يتعين أن يبتعد أكثر من 500 متر عن بيته، ولا يحق له الجري أو ركوب الدراجة الهوائية مع أفراد عائلته أو أصدقائه، حتى إن الغداءات العائلية قد مُنعت. لكن التعميم الحكومي سمح لأصحاب الكلاب إخراجها في نزهات لا تتجاوز الشارع أو الحي الذي يسكن فيه أصحابها. وحثّت وزارة الصحة المواطنين على الإقلال من الاحتكاكات التي يجب ألا تزيد على الخمسة في اليوم.
وبيّنت ريبورتاجات القنوات الإخبارية المناطق السياحية الرئيسية فارغة تماماً، كما في مدينة نيس الواقعة على الساحل المتوسطي، حيث بدا ما يسمى «متنزه الإنجليز» حزيناً من غير زواره، كما بدت مدينتا دوفيل وبياريتز على الشاطئ الأطلسي مقفرتين.
وأمس، انتشرت وحدات الشرطة في شوارع المدن منذ الظهيرة لتطبيق التدابير الحكومية، فيما عمدت وحدات الدرك، خارج المدن، إلى إقامة حواجز متنقلة للسؤال عن دوافع التنقل وطلب إبراز الشهادة الضرورية. وكان اللافت مسارعة الآلاف من سكان العاصمة والمدن الرئيسية، مثل ليون ومارسيليا، إلى الرحيل باتجاه الأرياف هرباً من الانحباس في شقق المدن الضيقة مع الأطفال والأولاد المحرومين من مدارسهم.
وتفيد المشاهدات بأن الفرنسيين المعروفين، كما بقية الشعوب اللاتينية، باستخفافهم بالممنوعات، أنهم يتقبلون هذه المرة بطيبة خاطر القرارات الحكومية ويعملون بوحيها. وقال جان دانيال لونورمان، وهو مهندس متقاعد متقدم في السن، إن ما يعيشه اليوم «يذكّره» بفترة الحرب، حيث كان الناس يتهافتون على المخابز والمخازن الغذائية صباحاً، ويسارعون بعدها إلى العودة إلى منازلهم لاحترام قوانين منع التجول.
وفي كلمته، أفاد ماكرون الذي لم يستخدم أبداً كلمة «حجر»، بأن العمل بالقواعد الجديدة سيدوم أسبوعين قابلين للتمديد. إلا أن الفرنسيين لا يصدقون رئيسهم، وقناعتهم بأن فترة تقييد تحركاتهم ستدوم أسابيع إن لم تكن شهوراً، إذ لا أحد يصدق السيطرة على «كوفيد - 19» خلال أسبوعين.
يبقى أن الضحية السياسية الأولى للفيروس كانت الانتخابات المحلية، التي أعلن ماكرون إرجاءها إلى زمن لم يحدده، فيما اقترح رئيس حكومته إدوار فيليب، تأجيلها إلى 21 يونيو (حزيران) المقبل، «إذا سمحت الظروف» بذلك.
وفي سياق موازٍ، فصّلت الحكومة خطتها لمواكبة الشركات والمؤسسات مادياً واقتصادياً، في مرحلة بالغة الصعوبة. وأكد ماكرون أن الدولة «مستعدة للدفع»، ورصدت 300 مليار يورو لضمان القروض التي ستحتاج إليها الشركات المتوقفة أعمالها. وتقدر وزارة الاقتصاد أن فرنسا ستعرف انكماشاً اقتصادياً قد يزيد على 2%.

لذا، فإن ماكرون يجهد لتعبئة الاتحاد الأوروبي لإطلاق خطة جماعية لمواجهة «كورونا» وتمدده، ولكن أيضاً لاستيعاب تبعاته الاقتصادية. وجرت، أمس، قمة لقادة الاتحاد الأوروبي عبر دوائر تلفزيونية مغلقة للتفاهم عليها، حيث بدا أن التدبير الأول هو إغلاق حدود الاتحاد الخارجية، فيما تحولت أوروبا إلى بؤرة انطلاق وتفشٍّ لـ«كوفيد - 19».


مقالات ذات صلة

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

أميركا تفرض قيوداً على شركتين صينيتين لأسباب تتعلق بحقوق الأويغور

الولايات المتحدة تضيف شركتين صينيتين إلى إحدى قوائم القيود التجارية (إ.ب.أ)
الولايات المتحدة تضيف شركتين صينيتين إلى إحدى قوائم القيود التجارية (إ.ب.أ)
TT

أميركا تفرض قيوداً على شركتين صينيتين لأسباب تتعلق بحقوق الأويغور

الولايات المتحدة تضيف شركتين صينيتين إلى إحدى قوائم القيود التجارية (إ.ب.أ)
الولايات المتحدة تضيف شركتين صينيتين إلى إحدى قوائم القيود التجارية (إ.ب.أ)

أضافت الولايات المتحدة شركتين صينيتين إلى إحدى قوائم القيود التجارية، اليوم (الثلاثاء)، بسبب مزاعم تمكينهما ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، مع مواصلة الرئيس الأميركي جو بايدن الضغط على بكين في الأيام الأخيرة من إدارته.

ووفقاً لـ«رويترز»، ذكرت وزارة التجارة، التي تشرف على سياسة التصدير، في وثيقة، أنها أدرجت شركة «تشوجانغ يونيفيو تكنولوجيز» إلى قائمة الكيانات «لأنها تمكن انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك عن طريق المراقبة باستخدام التقنية العالية التي تستهدف عامة السكان والأويغور وأفراد الأقليات العرقية والدينية الأخرى».

وأُضيفت شركة «بكين تشونجدون سكيوريتي تكنولوجيز غروب» الصينية المحدودة إلى القائمة لبيعها منتجات «تمكن مؤسسة الأمن العام الصينية من ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان».

ولم ترد شركة «يونيفيو» بعد على طلب للتعليق. ولم يتسنَّ الوصول إلى شركة «بكين تشونجدون سيكيوريتي» من أجل التعليق.

وتستخدم الولايات المتحدة منذ سنوات قليلة ماضية قائمة الكيانات لمعاقبة الشركات الصينية التي تتهمها بالمساعدة في قمع الصين للأويغور وغيرهم من الأقليات، بما في ذلك شركة المراقبة بالفيديو الصينية «هيكفيجن» في 2019.

وتجبر إضافة أي شركة إلى قائمة الكيانات الموردين الأميركيين للشركة المستهدفة على استصدار ترخيص يصعب الحصول عليه قبل الشحن إلى تلك الشركات. وأُضيفت 6 كيانات أخرى في روسيا وميانمار اليوم أيضاً.