خيار الجنرالات

سياسيون مخضرمون وعسكريون في سباق الرئاسة المصرية

عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي
TT

خيار الجنرالات

عبد الفتاح السيسي
عبد الفتاح السيسي

يسعى عسكريون مصريون للترشح للرئاسة المصرية المقرر فتح الباب لها خلال شهرين من الآن، لكن ما يسميه البعض «خيار الجنرالات» ربما يتسبب في انفراط العقد وقد يتسبب أيضا في انحصار المنافسة بين عدد من المرشحين المدنيين.
بيد أن هذا يمكن أن يحدث في حالة واحدة فقط، هي عدم ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة. أما إذا ترشح السيسي، فإن مسألة السباق الرئاسي ستكون محسومة تقريبا لصالحه، وفقا لما يقوله سياسيون ومرشحون سابقون.. وفنانون أيضا.
في وسط سوق البضائع السياسية الجيدة والرديئة، يمكن أن تلمس تيارا عاما يعبر عنه خليط من الفنانين المصريين ومحبيهم يرى أن الحل الوحيد في ترشح «السيسي» للرئاسة، بعيدا عن أي تحليلات. وتحظى الأغنية المؤيدة للجيش ولخطوة الإطاحة بمرسي التي قام بها السيسي بشعبية طاغية والتي تقول كلماتها «تسلم الأيادي.. تسلم يا جيش بلادي». ولعب الفنانون في البلاد أدوارا مهمة منذ عهد الملك فاروق مرورا بعبد الناصر والسادات ومبارك ومرسي كما تقول لـ»الشرق الأوسط» بطلة مسرحية «الزعيم» رجاء الجداوي.
وقف الفنانون المصريون ضد سياسات الرئيس المعزول الذي يواجه في الوقت الحالي العديد من التهم بالخيانة والتخابر وإهانة القضاء والتحريض على القتل، ولعب بعضهم دورا لافتا في إنجاح صياغة دستور عصري مع السياسي المخضرم عمرو موسى، والتفوا حول تأييده مع ملايين المصريين أثناء الاستفتاء عليه الأسبوع الماضي.
«إذا لم يترشح السيسي فسنتجه لتأييد الفريق سامي عنان، الرئيس السابق لأركان الجيش المصري». هكذا يقول محمد عبد الله العضو في حملة «مصر بلدنا» التي تدعو منذ ستة أشهر لترشح السيسي. لكن زميله في نفس التكتل يرى أنه في حال عدم ترشح السيسي فإنه سيتجه لتأييد الفريق أحمد شفيق، المرشح السابق للرئاسة أمام مرسي، والذي عمل أيضا كرئيس للوزراء في آخر أيام مبارك وعمل في السابق أيضا كوزير للطيران.
وتوجد تكتلات وحملات أخرى تقول إنها ستضطر لتأييد ترشح مدير المخابرات العامة المصرية السابق، اللواء مراد موافي، رغم أنه حتى الآن أقل الجنرالات حديثا عن هذا الأمر، لكن اسمه بدأ في الأيام الأخيرة يصعد ويملأ الأجواء بقوة، كخيار محتمل للمنافسة على الرئاسة في حال عدم ترشح السيسي، إضافة إلى أسماء لجنرالات آخرين يطمحون في الترشح للرئاسة، من بينهم وكيل المخابرات العامة السابق اللواء حسام خير الله الذي يضع منذ أشهر أرضية لتهيئة خوضه المنافسة عندما تتضح الرؤية، أو كما يقول لـ»الشرق الأوسط» إنه سيترشح «في حال لم يترشح السيسي».
هكذا تبدو خارطة الجنرالات بشكل مبسط، لكن ماذا عن خارطة المدنيين. تقول قيادات في جبهة الإنقاذ التي تضم الأحزاب الرئيسية والتي قادت مع حركات ثورية أخرى الإطاحة بنظام مرسي العام الماضي، إنها لم تقرر بعد من الذي سترشحه للرئاسة، لكن عددا من قياداتها تفضل الفريق أول السيسي، كما يقول لـ»الشرق الأوسط» الأمين العام لحزب التجمع والقيادي في الجبهة أيضا. ويأتي هذا بعد أن أشاع عدد ممن يعملون من داخل الجبهة أنها ربما تدعم المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، لكنها ردت على هذه الشائعات ونفتها في حينه.
حتى صباحي نفسه يبدو أنه لم يحسم أمره بشأن ترشحه من عدمه. ويبدو الأمر بالنسبة له ولكثير من المرشحين المدنيين المحتملين، مرتبكا برمته. ورغم أن صباحي يعلن بين وقت وآخر أنه سيترشح ليحقق برنامجا يعكس أحلام المصريين، إلا أنه في اللقاءات التي تجمعه أحيانا ببعض قادة الجيش يقول إنه لو ثبت له أن السيسي سيترشح وسيتبنى برنامجا مشابها لبرنامجه الانتخابي المفترض فإنه سيعيد التفكير في أمر رغبته في المنافسة على الرئاسة.
يقول صباحي، وهو ناصري ويقود حاليا ما يسمى بـ{التيار الشعبي» الذي يضم ثوريين ومجموعات من الشباب المتحمس لبناء مستقبل يليق بدولة مثل مصر، إن الدستور الجديد يحقق العدالة والكرامة الاجتماعية للمواطنين، ويحتاج لمن يحول مواده ونصوصه إلى حقائق على الأرض ويبث فيها الحياة لتحقيق مستقبل أفضل للشعب، ولهذا يرى أنه سينافس على الرئاسة لتنفيذ نصوص الدستور، لكنه يربط هذا بشرط هو أن يحظى بتوافق من شباب الثورة، ويعود ليقول إنه في حال توافق شباب الثورة على مرشح آخر سأدعمه، مشيرا إلى أن السيسي لم يعلن ترشحه للرئاسة رسمياً حتى الآن.
ومن المرشحين المدنيين الكبار الآخرين هناك اسم عبد المنعم أبو الفتوح، المحتمل أن يخوض المنافسة، وهو إخواني سابق، ويرأس حزب «مصر القوية» ويواجه تيارا مصريا عاما كارها لجماعة الإخوان والمرتبطين بها. وهاجم حزب أبو الفتوح خريطة المستقبل التي أدت للإطاحة بمرسي في الثالث من يوليو (تموز) 2013، ورفض الدستور الجديد الذي وافق عليه غالبية المصوتين المصريين في الاستفتاء الأخير، رغم أن الحزب نفسه لم يكن مقتنعا بسياسات مرسي في أيامه الأخيرة.
وفي آخر حديث له مع «الشرق الأوسط» علق أبو الفتوح على قرار ترشحه من عدمه بأنه يرتبط بالظروف المقبلة والمناخ العام وبقرار حزبه. ويدعم أبو الفتوح بقايا مما يمكن أن يطلق عليه تيار الإسلام السياسي الوسطي، ومجموعات من شباب الثورة وبعض الحركات الثورية الأخرى. وفي حال ترشحه يتوقع أن يلتف حوله أيضا أعضاء الأحزاب الإخوانية والسلفية والجهادية المؤيدة للرئيس السابق.
وسواء أراد أو لم يرد، يظهر وجه عمرو موسى، من بين وجوه المدنيين ممن يمكن أن يثير خيال الناخبين من جديد. وخاض موسى الانتخابات الرئاسية في عام 2012، لكن فرصه كانت متواضعة بسبب حالة الاستقطاب في ذلك الوقت، لكن يبدو أنه حقق مكاسب كبيرة في الشهور الأخيرة حين حاز على إعجاب كثير من المصريين من خلال رئاسته وإنجازه بنجاح للجنة أعمال الدستور الجديد. وفي حال عدم ترشح السيسي فإن اسم موسى سيكون واحدا من بين الأسماء القوية المطلوب ترشحها للرئاسة.
ويقول حسين إمام، القيادي في ائتلاف شباب الثورة في جنوب القاهرة إن موسى تعرض في الانتخابات الرئاسية السابقة لهجوم قاده الإسلاميون ووصفوه خلالها بأنه من نظام مبارك لسبب بسيط وهو أنه كان وزيرا للخارجية في تسعينيات القرن الماضي. ويضيف أن موسى لفت الأنظار إليه أخيرا ليس كونه رجل دولة يمكن الاعتماد عليه في هذه المرحلة التي تمر بها مصر، ولكن لأنه أثبت بجداره أنه «سياسي مخضرم ومحنك»، ولديه خبرة بالواقع المحلي المصري والواقع الإقليمي والدولي، بحكم عمله لسنوات كأمين عام للجامعة العربية. لكن حتى موسى نفسه يرى أن الرجل الأصلح لقيادة مصر هو الفريق أول السيسي.
وبالعودة إلى الجنرالات مرة أخرى، تجد بعض الأسماء تخرج فجأة إلى النور قبل أن تتوارى مرة أخرى في الظل. ويبدو هذا انعكاس لحالة عدم اليقين الجارية في البلاد، بسبب تأخر السيسي في إعلان موقف واضح بشأن ترشحه أو عدم ترشحه للرئاسة، على ما يبدو. ويقول الفريق خير الله إن تأخر السيسي يؤثر على من يفكرون في الترشح، لأنهم غير قادرين على البدء بالترويج لأنفسهم أم بمساندة السيسي، مشددا على أن الجيش المصري لا يعرف صراع الجنرالات.
وبنجاح الاستفتاء على الدستور خرج العديد من الجنرالات والطامحين في الرئاسة للتهنئة بما أنجزه المصريون من التفاف حول الاستحقاق الأول لخريطة الطريق. وأعلن الفريق عنان ترحيبه بنتيجة الاستفتاء مؤكدا أنها أظهرت معدن الشعب العظيم ورغبته في بناء دولة الحرية، والمساواة، والديمقراطية، وقال إن مصر «في انتظار رجل الدولة الذي يقود السفينة في بحر عاصف، ولا تنتظر الزعيم الخارق الذي يحقق المعجزات».
ويطل الفريق شفيق على المصريين كل عدة أسابيع عبر وسائل الإعلام ليذكرهم بنفسه على ما يبدو كونه يعيش خارج البلاد منذ الحملة التي شنها ضده الإسلاميون عقب خسارته للانتخابات أمام مرسي. لكن شفيق لديه أنصار وحزب في الداخل ساهموا بقوة في الإطاحة بالإخوان الصيف الماضي مع قوى حزبية وثورية أخرى، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
أما السيسي نفسه فيبدو أن أمر ترشحه للرئاسة لن يكون قرارا سهلا. فالبلاد تعاني من مشاكل اقتصادية وأمنية واجتماعية عميقة. ومنذ «ثورة 25 يناير 2011» خسرت خزانة الدولة مليارات الدولارات، وفقد ملايين المصريين وظائفهم خاصة في قطاع السياحة الحيوي، إلى جانب المخاوف التي أصبح ينشرها أعداء السيسي بأنه ربما سيعتمد على أنصار الرئيس الأسبق مبارك في قيادة الدولة في حال فوزه بالرئاسة، خاصة كبار رجال الأعمال والفنانين والإعلاميين الذين يقال إنهم أسهموا بشكل واسع في دعم «ثورة 30 يونيو 2013» التي أطاحت بحكم الجماعة.
ويقول أحد الناشطين من شباب الثورة إنه توجد تحركات في الشارع ستبدأ من يوم 22 الشهر الجاري، انطلاقا من ميدان طلعت حرب القريب من ميدان التحرير الشهير، لرفض ظهور رجال مبارك في المرحلة الجديدة، مشيرا إلى أن هذه التحركات ستستمر حتى يوم 25 الجاري للاحتفال بالذكرى الثالثة لـ»ثورة» يناير، لكن مصادر أمنية ترى أن هذه التحركات تقف وراءها جماعة الإخوان وعدد من أنصارها، وأن قيادات من الجيش سوف تلتقي مع شباب الثورة لتوضيح مخططات الإخوان الساعية لإحداث وقيعة بين شباب «يناير» وأجهزة الدولة خاصة القوات المسلحة والشرطة، خلال تنفيذ باقي استحقاقات خارطة المستقبل من انتخابات رئاسية وبرلمانية. ويتطلب ترشح السيسي البالغ من العمر 59 سنة، للرئاسة، الاستقالة من موقعه كوزير للدفاع لأن قانون مباشرة الحقوق السياسية يمنع العسكريين من الترشح أو الانتخاب طالما كانوا في الخدمة. وهذه الاستقالة ينبغي أن تكون قبل نهاية هذا الشهر حتى يتسنى له تسجيل اسمه في كشوف الناخبين لهذه السنة. وتقول التسريبات إن الفريق صدقي صبحي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، ربما يخلف السيسي في موقعه. ويعد صبحي البالغ من العمر 57 سنة، ومن مواليد محافظة المنوفية (شمال القاهرة)، أحد المقربين من قائد الجيش وواحدا من رجاله الموثوق فيهم.
ويقول عبد النبي عبد الستار، المتحدث باسم حملة «كمل جميلك» التي تدعو السيسي للترشح للرئاسة، وتضم في صفوفها ضباطا متقاعدين من الجيش والشرطة وعددا من السياسيين والناشطين إن المصريين يربطون بين الأمن والأمان ووجود السيسي كرئيس للدولة. ويضيف لـ»الشرق الأوسط» أن «السيسي نفسه يربط نزوله لانتخابات الرئاسة بنزول الناس بكثافة في الاستفتاء، وهو ما حدث وأصبح عليه أن يستجيب للإرادة الشعبية المطالبة برئاسته للدولة».
وإلى جانب السياسيين والحراك الثوري، أسهم الفنانون والمثقفون في دق المسامير في نعش حكم الإخوان حين أوقفوا حفلات في دار الأوبرا وأعلنوا أمام جمهور العروض الموسيقية أنه حان وقت التغيير في مصر لإنقاذ البلاد من الحكم الظلامي. ونفذوا إضرابا واعتصاما في مقر وزارة الثقافة استمر أكثر من شهر ولم ينته إلا بعزل مرسي.
ويقول الفنان أحمد بدير، الذي أدى العديد من الأدوار السينمائية والمسرحية والتي ظهر في بعضها كرجل عسكري يقدس تطبيق القانون والدقة في العمل إن ما قام به المصريون من التفاف حول الدستور إنجاز عظيم يتطلب اكتماله بترشح السيسي للرئاسة. ويضيف الفنان بدير قائلا لـ»الشرق لأوسط»: «أقول للشعب المصري لقد أثبت أنك أعظم شعوب الدنيا قاطبة وأنك شعب خالد كخلود النيل واستطعت أن تقيم ثورتين في ثلاث سنوات واستطعت أن تخرج في 30 يونيو بأكبر ثورة شعبية عرفها العالم في الميادين والشوارع بأكثر من 33 مليون متظاهر».
ويتابع بدير موضحا أن المصريين، وهم مقبلون على تنفيذ باقي استحقاقات خريطة المستقبل، استطاعوا «في ظل جماعة إرهابية وتنظيم دولي إرهابي وتكالب الدول ضد مصر، أن يقهروا كل هؤلاء، وأن ينجزوا دستورا عظميا لمصر المستقبل، رغم كل هذه الظروف»، مشيرا إلى أن الإقبال على الاستفتاء عليه جاء بصورة غير مسبوقة و»لم يحدث في تاريخ الدساتير أن جرى التصويت بهذه النسبة»، وإذا أرادوا السيسي رئيسا فسيأتون به عبر صناديق الانتخاب.
وقال بدير، الذي لعب أشهر أداروه من خلال شخصية «الصول عبد العال» في مسرحية «ريا وسكينة» إن الشعب مقبل على انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية.. «وانتهى عهد شراء أصوات الناخبين بالزيت والسكر، بعد أن قال أكثر من 90 في المائة نعم للدستور. ولهذا يستطيع هذا الشعب أن يختار رئيسا، وليكن هذا الرئيس هو من يحظى بشبه إجماع شعبي عليه، وهو الفريق أول عبد الفتاح السيسي». وأضاف أن «الشعب يحب السيسي ويرى فيه أملا ونموذجا للمصري الذي يحب ويعشق تراب بلده ووقف مع الشعب في أحلك الأوقات واستطاع أن ينصر الشعب على قوى الظلام ويقهر الجماعات الإرهابية، ولم يجبر أحد الشعب على أن يطالب بالسيسي إلا موقفه الوطني العظيم تجاه بلده».
ويتابع قائلا عن مشاهداته في أيام الاستفتاء على الدستور الأسبوع الماضي وما اقترن بها من ترجيحات بشأن من سيقود مصر في الفترة المقبلة: «من الطفل للرجل المسن ومن المرأة العجوز مرورا بالشباب والفتيات، لو سألتهم كلهم يقولون لك إن السيسي هو الرئيس القادم».
لماذا كل هذا الالتفاف الشعبي حول السيسي؟ يقول بدير: «لأن الرجل، إضافة لمواقفه العملية السابقة، قال في آخر خطاب له إنه يستيقظ الساعة الخامسة صباحا، وسأل إن كان الشعب لديه استعاد لذلك. وأرى أن الشعب مستعد للعمل الجاد مع السيسي لإعادة بناء مصر.. هو لم يعد الشعب بأنه سيأتي له بـ200 مليار دولار كما وعد الرئيس السابق المصريين، بينما اتضح بعد ذلك أنها وعود غير قابلة للتحقق»، مشيرا إلى أن «السيسي لم يعدنا بوعود رنانة، ولا وعود خلابة بلا أساس، ولكنه طلب من الشعب أن يعمل وهذا هو المطلوب منا بعد الاستفتاء».
ويدور الحديث حول موائد السياسيين والمثقفين والفنانين عن احتمال عدم ترشح السيسي ودخول آخرين من الجيش والمدنيين حلبة المنافسة. لكن الفنان بدير يعود ويعلق قائلا: «نحن ليس لدينا رفاهية أن نجرب في منصب الرئيس مرة أخرى، بعد تجربة انتخابات 2012. ولا نريد أن نأتي برئيس يحظى بـ51 في المائة من أصوات الناخبين، فيخرج عليه الـ49 في المائة في الشوارع. من أجل تجنب هذا نحن نختار السيسي ولا نريد تجارب أخرى فاشلة على هذا الموقع، ولذلك أقول للفريق أول السيسي إن ترشحه للرئاسة إرادة شعبية.. الرئاسة تضحية في مثل هذه الظرف الصعبة التي تمر بها البلاد وهي ليست مغنم ولا مطمع بل شقاء وتعب وترميم للجراح، وهو بوطنيته ومصريته وإنسانيته وحبه لبلده، أعتقد أنه سيرضخ لإرادة الشعب المصري».
ويزيد أحمد بدير قائلا عن المنافسين الطامحين في الترشح للرئاسة: «أعتقد أن كل الطامحين في خوض الانتخابات الرئاسية، سواء من عسكريين سابقين أو من مرشحين مدنيين سابقين، لن يقفوا في وجه التيار الشعبي المطالب بالسيسي رئيسا». ويمكن لموجة عارمة من المطالبات الشعبية الداعية لترشح السيسي، أن تتكسر على صخرة «عدم ترشحه» وتتفرق في أمواج متلاطمة في شوارع وميادين القاهرة والمحافظات، لتعيد القلاقل إلى البلاد مرة أخرى، كما حدث في فترتي حكم المجلس العسكري السابق ومرسي، عقب رحيل نظام مبارك، ما أدى لسقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى. وبدت أغنية «تسلم الأيادي» التي وضعها عدد من المطربين والموسيقيين، كلحن ونشيد يردده المصريون ويعبر عن مرحلة جديد تبحث عن جنرال قوي لقيادة البلاد. وتتردد الأغنية في سيارات الأجرة وفي الشوارع والحواري وحفلات الزفاف وأعياد الميلاد.
وعلى مائدة أخرى من موائد السياسيين تحدث القيادي المعروف في جبهة الإنقاذ جورج إسحاق لـ»الشرق الأوسط» عن الزخم السياسي الجديد الذي اتسم هذه المرة بوجود العديد من أصوات الفنانين داخله مع قرب اختيار رئيس للبلاد، سواء كمتحدثين أو مغنيين أو متبرعين ومتطوعين للعمل العام في الظروف الصعبة. ويقول اسحاق: بداية من الفنان سيد درويش ودوره في ثورة 1919 إلى عبد الحليم حافظ ودوره في عهد عبد الناصر كان للفنانين دورهم البارز في توجيه الرأي العام. وأعتقد أنهم يكونون أكثر حساسية بشأن المستقبل، لأن الفنانين والمبدعين لا يمكن أن يعملوا في ظروف فيها اضطرابات، ولذلك فهم أكثر الناس رغبة في الاستقرار، مشيرا إلى أن الكثير من الفانين «شعروا بخطر المرحلة (في عهد مرسي) فبدأوا في الاحتجاج لأنهم كانوا يرون أن الثقافة في مصر تنهار»، مشيرا إلى أن الفنان المصري يظهر دوره حين يكون الوطن في خطر ويكون موقفه واضحا وبارزا.
ويربط المصريون بين نجاح الدستور والتطلع لترشح السيسي. وتحدثت الفنانة رجاء الجداوي، التي لعبت أدوارا مسرحية كامرأة قريبة من دائرة الحكم خاصة في مسرحية «الزعيم» مع الفنان عادل إمام، عن وجود الفنانين والمثقفين مع ملايين المصريين، من أجل تغيير البلاد إلى الأفضل، مشيرة إلى موقفهم اللافت في الأيام الأخيرة من حكم جماعة الإخوان، ومشاركتهم من خلال الأغاني ومن خلال الاعتصام في مقر وزارة الثقافة مع المثقفين والكتاب. وأعربت عن أنه كان لهم فضل كبير في خروج الدستور المصري الجديد بهذا الشكل العصري، ويبحثون مع باقي المصريين عن رئيس مخلص لقيادة الدولة.
وتضيف أن الدستور خرج بهذه الطريقة لأنه جرى بقيادة رجل حكيم وهو السيد عمرو موسى والحوار الهادئ في اللجنة التي ترأسها، ولم نسمع عن خلافات حادة ولم نسمع عن تبادل للألفاظ المرفوضة أو تنابذ بين أعضاء لجنة صياغة الدستور. حتى الخلافات كانت هادئة جدا وأدت لخروج الدستور بطريقة هادئة، وعبرت عن كل أطياف الشعب.
وتقول الجداوي عن كاريزما الرئيس التي ترى أنه يصلح لقيادة البلاد في هذه المرحلة: أنا أرى أن أي واحد يحب مصر بإخلاص ويدافع عنها وينتمي لأرضها ويحبها بلا غرض شخصي أهلا وسهلا به. ليست لدي مسميات مسبقة.. هل أقول السيسي؟ أهلا وسهلا به، فقلبه ينبض بحب مصر وأسلوبه الهادئ وبصوته الذي كله ثقة ووصل لقلوب الناس. أتمنى أن يكون موجودا لقيادة مصر عن طريق رغبة شعبية جماعية، وإذا هو رشح نفسه فأهلا وسهلا به.
ويقول أحمد رسلان، البرلماني السابق والذي يقود تكتلا من القبائل والعائلات المصرية المؤثرة في الانتخابات، لـ»الشرق الأوسط»: كل المؤشرات تتجه لأن يكون السيسي رئيسا لمصر. بينما يرى سياسيون آخرون أن عدم ترشح السيسي ربما يفتح الباب لانقسامات في مصر بين الطامحين في الرئاسة، خاصة بين الجنرالات السابقين.



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.