هل يعاني الأدب العربي من «فوبيا» المستقبل؟

معظم الأعمال يسير في أحد اتجاهين: الماضي أو الحاضر

حسن بلاسم
حسن بلاسم
TT

هل يعاني الأدب العربي من «فوبيا» المستقبل؟

حسن بلاسم
حسن بلاسم

يقول أحمد خالد توفيق، الأديب المصري المعروف، في كتابه «دماغي كده»: «الحقيقة أن الناس في مصر محظوظون.. فهم ليسوا بحاجة لقراءة أدب الرعب لممارسة بروفة الموت.. إن الرعب ضيف دائم معهم، خاصة أسوأ أنواعه: الخوف من الغد». من المؤسف حقا أن ينادي أحد الكتاب بإلغاء جنس أدبي من ألفه إلى يائه، ولكن ما يجعل من هذه الكلمات مزحة لا تقبل أن تؤخذ على محمل الجد هو كون قائلها أحد أعمدة أدب الرعب والخيال العلمي في العالم العربي. غير أن الكثير من القراء، وحتى الكتاب، العرب لا مانع لديهم من أخذ كلام توفيق على المستوى الظاهري فقط: لماذا نضيع الوقت في القراءة والكتابة عن المستقبل في مثل هذا الحاضر المزري الذي تمر به منطقتنا؟
ربما مثل هذا الموقف يفسر إلى حد كبير سبب إعراض معظم الكتاب العرب، منذ صدور تحفة نجيب محفوظ «الثلاثية» (1956 - 1957)، عن الكتابة حول المستقبل، إلا في حالات نادرة طبعا. فخط الأحداث في مجمل الأعمال الأدبية العربية يسير بسلاسة في أحد اتجاهين: الماضي أو الحاضر، أو يتأرجح بينهما.
لكن القص العراقي قد يَعِد بما هو جديد. في خطوة طال انتظارها، قامت دار «كوما بريس» الإنجليزية بتكليف القصّاص العراقي حسن بلاسم بتحرير كتاب بعنوان «العراق + 100»، وهو مجموعة قصصية عن عراق المستقبل ستصدر في عام 2015. ستتضمن المجموعة 10 قصص قصيرة بأقلام كتاب عراقيين تدور أحداثها في العراق تحديدا في عام 2103، أي بعد 100 عام بالضبط من الغزو الأميركي لبغداد عام 2003.
يتعين على كل قصة أن لا تتجاوز 6000 كلمة، وأن تدور أحداثها في إحدى مدن العراق أو كردستان العراق. وبحسب الموقع الإلكتروني للناشر، على الكاتب أن يختار مدينة واحدة بعينها ليقدم قصة كاملة عن مستقبل البشر هناك. المساهمون غير مطالبين بالخيال العلمي فقط، وإنما لهم الحرية المطلقة باستخدام أي نمط كتابة يخاطب المستقبل. الكتاب واعد حقا، وإذا ما تم نشره سيكون بالفعل إضافة ثمينة للساحة الأدبية العربية التي تهيمن عليها ظاهرة أشبه بـ«فوبيا» الكتابة عن المستقبل.
لكن ندرة الكتابة الأدبية حول المستقبل في العالم العربي تثير التساؤل التالي: تُرى هل المخيال العربي يمتلك الأدوات اللازمة ليكون على مستوى هذا التحدي؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، إذن ما تفسير غياب هذا النوع من الكتابة عن الساحة العربية خلال نصف القرن الماضي أو أكثر؟ بعبارة أخرى، هل الأدباء العرب بالفعل قادرون على أن يقدموا إسهامات أصيلة للأدب المستقبلي، دون الاعتماد على تراث غربي في مجمله؟
في الحقيقة، ليس الأدب التأملي (أو المستقبلي) غريبا تماما عن الأدب العربي الحديث، وهناك عدة أسماء، كالسوري فرنسيس مراش (1836 - 1873) والمصري توفيق الحكيم (1898 - 1987)، تتبادر إلى الأذهان كأمثلة عن بعض الكتاب العرب الذين تناولوا القضايا السياسية المعاصرة بإطار أدبي مستقبلي (تأملي).
يدرك بلاسم، الذي فاز بجائزة الإندبندنت للأدب الأجنبي لعام 2014، الصعوبات التي تطرحها هذه التجربة الجديدة، إذ يقول في حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»: «الكتابة عن المستقبل نوع جديد بالنسبة للأدب العراقي، لهذا يحتاج الكاتب إلى المزيد من البحث والاكتشاف لتطوير أفكار وتصورات معينة من خلال القص». ولكن في نفس الوقت فإن شغف الكاتب العراقي بمشروعه المستقبلي لا يخفى على أحد، كما أن نبرته الحماسية تشعرك بأنك في حضرة عالِم يشهد ولادة ظاهرة فريدة من نوعها.
يقول بلاسم: «أنت تكتب عن حياة شبه مجهولة تقريبا، ولا تتكئ على تجربتك الشخصية (في الماضي والحاضر) فحسب. الكتابة عن المستقبل رائعة ومثيرة، محاولة لفهم أنفسنا ومخاوفنا وآمالنا عن طريق كسر قيد الزمن. وكأنك تحلم بمصير الإنسان».
بلاسم الذي أشاد النقاد بمجموعته القصصية الأولى «مجنون ساحة الحرية»، وذلك للجرأة التي اتسمت بها على مستوى الصورة واللغة، يصف «العراق + 100» بـ«مشروع صغير يحاول أن يحرك تجربة (التنوع) في الأدب»، كما يشكو من افتقار العالم العربي إلى التنوع في الكتابة الأدبية: «لا يوجد لدينا مثلا وعلى نطاق واسع أدب جريمة، خيال علمي، فنتازي... إلخ. مثلما لا يوجد تنوع وشفافية في حياتنا بشكل عام. نحن عبَدة الشكل والفكرة الواحدة!».
لكن الكتابة عن المستقبل لا تخلو كذلك من التحديات. يقول الكاتب البريطاني جيمس غراهام بالارد (1930 - 2009)، الذي يعتبره النقاد مؤسس ما بات يعرف بـ«الموجة الجديدة» في أدب الخيال العالمي، إن الكتابة عن المستقبل هي «الشكل الأدبي الوحيد الذي ينظر إلى الأمام»، لذلك لن يكون سهلا على الكتاب المشاركين في «العراق + 100» القيام بتلك النقلة نحو المستقبل، خصوصا أن غالبية النتاج الأدبي العربي المعاصر ما زالت عالقة بين الماضي أو الحاضر، وتستند إلى شخصيات «تنظر إلى الوراء»، حسب تعبير بالارد.
يتفق بلاسم مع هذه الرؤية، إذ يؤكد على أن الكتابة الإبداعية في العالم العربي هي في أمسّ الحاجة إلى تحرير الخيال والتجديد على مستوى التقنيات المستخدمة، وأولها التخلي عن اللغة المنمقة التي لا تزال إلى اليوم «تزين» غالبية نتاج المبدعين العرب. «الكتابة عن المستقبل بحاجة إلى جرأة وتأمل وبحث ودراية بما يحدث من حولنا في العالم! تصل إلينا في الحقيقة قصص كثيرة، لكنها أغلبها لا يلبي الشروط المطلوبة، وبعضها كسول يفتقر إلى البحث والصبر. فتخيل الحياة بعد 100 سنة لا يحتاج إلى الاتكاء على اللغة الشعرية وتجربة الكاتب الشخصية فحسب، بل إلى الانتقال بالمخيلة إلى شواطئ جديدة».
على الرغم من احتفاء الغرب الحار بنتاج بلاسم، فإن عدة أصوات عربية عابت على الكاتب العراقي استخدامه اللغة «البذيئة» على حد قولها، كما مُنعت كتبه في الكثير من البلدان العربية للسبب ذاته. برأيي، من الأمور التي ساهمت في إهمال الجوانب المستقبلية في أدبنا العربي هو انشغال، لا بل هوس، مدارس النقد الأدبي العربية بقياس قدرات الكتاب اللغوية، الأمر الذي أحال الأدب العربي، بشكل أو بآخر ومع الأسف، إلى ساحة لاستعراض العنتريات اللغوية. لكن بلاسم يبدو مصمما على كسر هذه العادة، فقد صرح الكاتب العراقي خلال حفل إطلاق مجموعته القصصية الثانية «المسيح العراقي» في مدينة نيوكاسل البريطانية عام 2012 بالقول: «لست معنيا بالحفاظ على (جمال اللغة العربية)».
إن مشاريع مثل «العراق + 100» يجب أن تحظى بالدعم والتقدير، إذ إن غايتها، أولا وأخيرا، تحفيز الكتاب على تخيل مستقبل منطقتهم التي تعيد النزاعات الدائرة رسم حدودها باستمرار. فالعرب هم في أشد الحاجة لأن يقرأوا ويكتبوا عن أسوأ كوابيسهم، كما يقول توفيق.
يبقى القول إن تحاشي الكتاب العرب تناول المستقبل لطالما كان من أكثر الأمور غموضا، بالنسبة لي على الأقل. فجدران القمع والرقابة التي تضغط بشدة على العقل العربي هي بحد ذاتها بيئة مثالية للكتابة عن المستقبل، ذلك الفضاء الخالي من التابوهات التي تثقل كاهل الماضي والحاضر.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.