صالح بن ناصر يبوح بذكريات الإعلام والرياضة بالسعودية خلال نصف قرن

كتاب يرصد السيرة والتحولات في تاريخ المملكة الحديث

الملك سلمان بن عبد العزيز وصالح بن ناصر
الملك سلمان بن عبد العزيز وصالح بن ناصر
TT

صالح بن ناصر يبوح بذكريات الإعلام والرياضة بالسعودية خلال نصف قرن

الملك سلمان بن عبد العزيز وصالح بن ناصر
الملك سلمان بن عبد العزيز وصالح بن ناصر

لم يكن دافع للدكتور صالح أحمد بن ناصر من تسجيل قصة حياته، لكنه أيقن أن ذكرياته في مكة والرياض والقاهرة وأميركا دراسة وعملاً بكل محطاتها المتعددة والمتباينة، وقربه من صناع القرار، يمثلان رصداً لتاريخ وطنه، وهو ما دفعه إلى تسجيل ذلك في كتاب صدر قبل أيام عن الدار العربية اللبنانية في بيروت وعنونه بـ«قصة حياتي - 50 عاماً بين الإعلام والرياضة والشباب»، يقع الكتاب في 10 فصول يمثل كل فصل منها قصة تستحق التوقف عندها تحكي تاريخاً يمتد عدة عقود.
الفصل الأول يتناول مكة المكرمة مسقط رأس المؤلف التي ولد بها عام 1943. ونشأ في حارة جرول التي تعد منطقة تاريخية وواحدة من أعرق أحياء مكة، وشهد الحي في العهد السعودي أول مسرح في البلاد، كما تحدث في هذا الفصل عن دراسته المرحلة الابتدائية في المدرسة الخالدية، والتحاقه بالمعهد العلمي السعودي الذي افتتح عام 1926 في عهد الملك عبد العزيز، ويعد أول مدرسة حكومية تنشأ في عهد الملك عبد العزيز. وفي الفصل الثالث تحدث المؤلف عن رحلته إلى الرياض ودراسته في جامعة الملك سعود ثم ذهابه إلى القاهرة لتكملة الدراسة الجامعية، بعد دراسته عاماً واحداً في جامعة الملك سعود وحصوله على البكالوريوس في قسم الاجتماع بكلية الآداب 1963.
ثم تحدث في الفصلين الرابع والخامس عن قصة الرياضة والشباب في بلاده التي كانت تابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وعمل بها مساعداً لمدير إدارة التعاون، ثم مدير رعاية الشباب فيها، ثم مديراً عاماً للتنمية والخدمة الاجتماعية، مستعرضاً التطورات التي حدثت في هذا القطاع، ودراسته في أميركا مبتعثاً من الوزارة للدراسة العليا، طارحاً ذكريات عن حلاوة الغربة مع أبناء الوطن.
الفصل السادس تناول تجربته في وزارة الإعلام التي التحق بها في عهد الوزير الدكتور محمد عبده يماني عام 1976، وكيلاً مساعداً لشؤون الإذاعة والتلفزيون، حيث أشار الدكتور بن ناصر إلى قصة إذاعة أخبار مجلس الوزراء لأول مرة، وأشار إلى الحس الإعلامي عند الملك فهد، موضحاً أنه «كان يتمتع بحس إعلامي مستنير، وكان يتابع بنفسه برامج التلفزيون باستمرار، وكان يكسر كل قواعد البروتوكول، كان عند الضرورة وعندما تعن له فكرة أو رأي في برنامج أو خبر يريد أن نقدمه بطريقة معينة، أو تنبيه عاجل يتصل بي مباشرة ويبلغني تعليماته، وكم كان هذا الرجل كبيراً في خُلقه وتواضعه عندما يتصل بي بود يخجلني في أوقات متأخرة بالليل، فيبدأ بالاعتذار على الاتصال في هذا الوقت المتأخر، فأقول له: إننا تحت أمركم ورهن إشارتكم يا طويل العمر في أي ساعة من ليل أو نهار».
وذكر بن ناصر قصصاً لأخطاء وقع فيها التلفزيون السعودي؛ «منها ما حدث ذات مرة أن ظهرت لقطة من أغنية أثناء بث مباشر بموسم الحج، ووقعنا في حرج كبير، وذهب المشايخ واشتكوا ضدنا، فحضرت مع الوزير محمد عبده يماني، وكان ذلك بحضور الملك فهد الذي كان ولياً للعهد آنذاك، واستطاع الملك فهد - رحمه الله - أن يلم الخلاف بطريقة مرضية للطرفين».
«والحقيقة أن مثل هذا الموقف تكرر عدة مرات، وكان الملك فهد - وهو يتابع كل شيء - يعالج هذه المواقف المحرجة والأخطاء غير المقصودة بحكمته ودرايته، ويتحمل عنا مسؤولية بعضها. فقد حدث مثلاً أن أرسلنا مذيعة سعودية لإجراء مقابلة مع سفير دولة كبرى للحديث في موضوع مهم، فلما حدث اعتراض على ذلك واشتكانا بعضهم، رد الملك فهد بأن ذلك تم بتعليمات مباشرة منه»، مضيفاً: «وذات مرة في ليلة 29 رمضان، كان التلفزيون يبث صلاة التهجد في الحرم المكي، وفجأة ظهرت على الشاشة أثناء دعاء التهجد أغنية لوردة الجزائرية فيما أظن، لمدة ثوانٍ. ولكن ذلك أثار زوبعة وسبب لنا حرجاً كبيراً، وتمت الشكوى ضدنا».
ويضيف: «اتصل بي الملك فهد، بعد دقائق من الحدث. وتوجست أن يوبخني بشدة، ولكنه - رحمه الله - كان حكيماً يملك نفسه عند الغضب. قال لي بحزم: يا صالح الخطأ يتكرر، أحرجتمونا مع المشايخ ومع الناس. قلت له: يا طويل العمر صدقت ونعتذر. إنه الخطأ نفسه، ضغطة زِرّ غير مقصودة من الفني في غرفة البث المباشر. فقال لي: كم عدد الفنيين الذين لديك على مثل هذه الأزرار؟ قلت: طال عمرك نحو 6، وهم جميعاً أكفاء تدربوا تدريباً ممتازاً. وعرضت عليه أن نعاقب من قام بهذا الفعل، فوافق».
وتناول المؤلف تطور الإذاعة والتلفزيون في وزارة محمد عبده يماني خلال الأعوام من 1975 إلى 1983، مشيراً في هذا الصدد إلى أن من أول إنجازات وزارة يماني إنشاء محطتين أرضيتين في كل من الرياض والطائف للاتصال عبر الأقمار الصناعية العالمية، تتيحان للتلفزيون القدرة على استقبال بث الشبكات الدولية، وأصبح ممكناً في آخر سنة 1976 بث شعائر الحج والصلوات في رمضان والأحداث المحلية المهمة إلى العالم الإسلامي والعالم أجمع، ولم يهدأ بال الوزير يماني حتى تم تحقيق إنجاز كبير؛ وهو استئجار قناة كاملة من «منطقة الأقمار الصناعية» (انتل سات) على القمر الصناعي الكائن فوق المحيط الهادي، ومن أجل ذلك تم تأمين 9 محطات أقمار أرضية وزعت على مناطق المملكة، بهدف ربط المحطات التلفزيونية العاملة مع محطة تلفزيون الرياض.
وفي الفصل السابع من الكتاب تناول فيه تطور الرياضة السعودية من خلال مرحلتين عدهما العصر الذهبي للرياضة السعودية لتولي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز رئاسة رعاية الشباب وعمل المؤلف مستشاراً له، معدداً الإنجازات التي تحققت للرياضة السعودية في تلك الفترة، مورداً قصصاً عن استضافة المملكة لكأس العالم للشباب وأول احتراف سعودي والمكانة الدولية للأمير فيصل بن فهد وكسر الصورة النمطية عن السعودية في أميركا عام 1994، وميلاد بطولة القارات، والمناسبات الرياضية التي شهدها عصر الأمير فيصل بن فهد.
وأبرز المؤلف بن ناصر في هذا الصدد العلاقة المميزة بين الملك سلمان بن عبد العزيز أمير الرياض آنذاك والأمير فيصل بن فهد، موضحاً بالقول: «كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - أمير الرياض آنذاك - بحق رجل المهمات الصعبة، وما لا يعرفه الكثيرون أنه كانت هناك علاقة مميزة بينه وبين الأمير فيصل بن فهد أكثر من العلاقة التي تجمع العم بابن أخيه، وكلاهما - والحق يقال - صاحب رأي راجح، وبُعد نظر، وكان الملك سلمان همزة وصل بيننا وبين بعض الشخصيات الرياضية عندما تحدث خلافات».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».