لبنان يوقف الرحلات إلى إيران ودول أخرى موبوءة

وزير الصحة قال إن «للقرار تداعيات سياسية»... والسلطات تلاحق «مروجي معلومات مغلوطة»

مطار بيروت خالياً من الركاب (أ.ب)
مطار بيروت خالياً من الركاب (أ.ب)
TT

لبنان يوقف الرحلات إلى إيران ودول أخرى موبوءة

مطار بيروت خالياً من الركاب (أ.ب)
مطار بيروت خالياً من الركاب (أ.ب)

بدأت السلطات اللبنانية بملاحقة مروجي معلومات قالت إنها غير صحيحة، وتم تناقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على تفشّي وباء «كورونا» وعجز الدولة عن احتوائه ومنع انتشاره، ولم تتأخر الأجهزة الأمنية في تنفيذ مضمون كتاب وزير الصحّة حمد حسن، الذي طالب فيه بـ«ملاحقة الذين يبثّون معلومات مغلوطة ومضللة»، عن هذا الوباء وأماكن انتشاره.
وفي أول خطوة لتنفيذ ما جاء في طلب الوزير حمد الذي سماه «حزب الله» لتولي وزارة الصحة، استدعى قسم المباحث الجنائية المركزية، رئيس «التجمع من أجل السيادة» الإعلامي نوفل ضو، إلى جلسة تحقيق تعقد عند الساعة العاشرة من صباح الاثنين المقبل في قصر العدل في بيروت، وذلك على خلفية تغريدة انتقد فيها ضو بشدّة موقف الوزير حمد حسن، الذي سبق أن رفض وقف الرحلات الجوية بين لبنان وإيران، وذلك قبل أن تصدر الحكومة قراراً أمس بوقف الرحلات من وإلى إيران، إضافة إلى إيطاليا وكوريا الجنوبية والصين. ووقف دخول الأشخاص القادمين من دول تشهد انتشاراً للفيروس مثل فرنسا ومصر وسوريا والعراق وبريطانيا وإسبانيا.
وكان ضو نشر في تغريدته تصريحاً نقلته صحيفة لبنانية عن وزير الصحّة حمد حسن يقول فيه: «تعليق الرحلات الجوية بين إيران ولبنان قرار تتخذه الحكومة وله اعتبارات سياسية». وتساءل ضوّ: «هل من وقاحة وتبعية واستهتار بصحة اللبنانيين أكثر من هذا الكلام، لا سيما بعدما اعترفت إيران بتفشي فيروس كورونا في كلّ مدنها؟، أين من يصفون أنفسهم بالمعارضة؟».
وأعلن ضو عن تلقيه اتصالاً من قسم المباحث الجنائية لاستجوابه الاثنين، وقال: «لن ترهبوني ومتمسك بمواقفي السياسية بمواجهة حكومة تابعة لإيران». وأكد ضو في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «استدعاءه يندرج ضمن محاولات إسكات وإلغاء كل صوت عربي في لبنان». وأضاف: «نحن ندافع عن وجه لبنان العربي وهويته العربية، ولأننا نرفض محاولات إلحاق لبنان بإيران ثقافياً وطبياً واجتماعياً يريدون قمعنا»، لافتاً إلى أن «المغردين والناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي عادة ما يجري استدعاؤهم إلى مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، أما الآن فانتقل الأمر إلى قسم المباحث الجنائية». وأكد «إننا ماضون في مقاومتنا لمخطط إلحاق لبنان بالمشروع الإيراني، وليفعلوا ما يشاءون».
وبينما دعا مصدر قضائي إلى «عدم إصدار أحكام مسبقة على التحقيقات التي تجري في هذا الشأن»، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «القضاء ليس بوارد فيه استهداف الإعلام أو التضييق على حريته، بل على العكس هناك تقدير لدور الإعلام الحرّ والمسؤول في مواكبته للتطورات الصحية التي يعيشها البلد نتيجة تفشّي وباء كورونا». وقال المصدر إن «الاستماع إلى إعلامي أو ناشط أو حتى أي مواطن لا يعني إدانة له أو قمعاً لحريته، بل للوقوف على صحّة المعلومات المتداولة والتعاطي معها بمسؤولية».
وطالت عمليات التضييق كثيرا من الإعلاميين والناشطين، وفي هذا الإطار تلقى ناشر موقع «جنوبية» الإخباري الصحافي علي الأمين، اتصالاً من رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ انتقد فيه ما نشره موقع «جنوبية» من معلومات عن «إدخال عشرات المصابين بفيروس كورونا إلى مستشفى الرسول الأعظم التابعة لـ«حزب الله» وإحاطة هذه المسألة بتكتم شديد. وذكر الأمين أن محفوظ اعتبر أن «الخبر مدسوس، وكان يفترض ذكر المصدر الذي استقيت منه المعلومات».
ورأى الأمين في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «كلّ الكوارث التي تصيب الإعلام والإعلاميين لم يحرّك المجلس الوطني للإعلام ساكناً تجاهها، بينما استفزّه خبر عن مستشفى الرسول الأعظم وكلّ ما له علاقة بإيران»، معتبراً أن «هذه المؤسسات باتت أداة بيد فريق، أكثر من دورها الحقيقي في حماية الحريات الإعلامية».
وشدّد الأمين على أن «ما يحصل من تضييق على مؤسسات إعلامية وعلى صحافيين وناشطين، يقع ضمن سياسة كمّ الأفواه، التي تنسجم مع حالة التكتم والغموض التي يعتمدها (حزب الله)». وقال: «ليست شتيمة إذا قلنا إن مستشفى الرسول الأعظم يحوي مصابين بالكورونا، علما بأن وزير الصحة هو من دعا المستشفيات إلى أن تجهّز نفسها لاستقبال مصابين». وأضاف: «إذا كان كلامنا غير صحيح، فلماذا لا يفسحون المجال لوسائل الإعلام لزيارة مستشفى الرسول الأعظم؟، ولماذا لا يسمحون للإعلام بأن يصور الطائرات القادمة من إيران؟» ولفت الأمين إلى أن «هذا السلوك المعتمد مع الإعلام بكل ما يخص إيران، يستكمله (حزب الله) بإجراءات الملاحقة القضائية، وبتحويل الأجهزة الأمنية الرسمية أداة بيد سلطة حزبية لقمع الإعلاميين والناشطين».
وأثارت هذه الإجراءات حالة استياء عارمة في الأوساط الإعلامية، وأشار تجمّع «إعلاميون من أجل الحرية» في بيان، إلى أن «ترهيب الإعلام وقادة الرأي، عبر الأساليب البوليسية وسياسة كمّ الأفواه، لن يحول دون كشف الحقائق للرأي العام». وقال: «قبل أيام صدر بيان تهويلي وتهديدي من المجلس الوطني للإعلام قصد به ترهيب موقع (جنوبية) وناشره الصحافي علي الأمين، واليوم (أمس) تم استدعاء الإعلامي نوفل ضو إلى قسم المباحث الجنائية بسبب انتقاده أداء وزير الصحة وتغليبه الاعتبارات السياسية على الصحية، لعدم اتخاذ قرار بوقف الرحلات الجوية بين لبنان وإيران». ودعا «إعلاميون من أجل الحرية» رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى «التحرك السريع لوقف هذه التعقبات»، معتبراً أن «السلطة ومن وراءها من قوى الأمر الواقع يحاولون استعمال الأجهزة الأمنية والقضائية، للإطباق على الحريات وكمّ الأفواه»، مطالباً الجسم الإعلامي والمدني بـ«مواجهة النزعة السلطوية للقمع».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.