«سد النهضة»: القاهرة مستمرة في الحشد العربي... ومسؤول أفريقي يدعو لاستئناف المفاوضات

رسالة تضامن مصرية مع حمدوك «قد تسهم» في تقارب الموقف مع السودان

عبد الله بن زايد يتسلم رسالة الرئيس السيسي خلال لقائه مع شكري أمس («وام»)
عبد الله بن زايد يتسلم رسالة الرئيس السيسي خلال لقائه مع شكري أمس («وام»)
TT

«سد النهضة»: القاهرة مستمرة في الحشد العربي... ومسؤول أفريقي يدعو لاستئناف المفاوضات

عبد الله بن زايد يتسلم رسالة الرئيس السيسي خلال لقائه مع شكري أمس («وام»)
عبد الله بن زايد يتسلم رسالة الرئيس السيسي خلال لقائه مع شكري أمس («وام»)

حلّ وزير الخارجية المصري سامح شكري في الإمارات، أمس، ضمن جولة عربية مكوكية، تستهدف حشد الدعم لبلاده في نزاعها مع إثيوبيا بشأن «سد النهضة»، فيما سعى الاتحاد الأفريقي للدخول على خط الأزمة، ودعا رئيس مفوضية الاتحاد، موسى فكي، الذي زار أديس أبابا، أمس، لاستئناف المفاوضات والوصول لـ«اتفاق عادل يستفيد منه الجميع».
وتعثرت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا والسودان، والدائرة منذ نحو 4 أشهر، برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، بعد تخلف إثيوبيا عن حضور اجتماع أخير في واشنطن، نهاية فبراير (شباط) الماضي، كان مخصصاً لإبرام اتفاق نهائي، بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد، الذي تبنيه أديس أبابا منذ 2011. وتتحسب مصر لتأثيراته على حصتها في مياه النيل. ومن بين الدول الثلاث المعنية بالمفاوضات، أبدت مصر وحدها تأييدها لمسودة اتفاق واشنطن، واصفة إياه بأنه «عادل ومتوازن». فيما عدت القاهرة غياب أديس أبابا «متعمداً» بهدف «إعاقة مسار المفاوضات».
وفي إطار جولته التي شملت الأردن والعراق والكويت والسعودية، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، نظيره الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، لتسليمه رسالة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، بشأن تطورات مسار مفاوضات سد النهضة.
ويتعلق مضمون الرسالة بـ«التطلع إلى مواصلة الإمارات دعمها لمصر» في القضية، ولا سيما في إطار القرار العربي الصادر مؤخراً عن الاجتماع الوزاري العربي الأخير في شأن ملف سد النهضة، وفقاً لبيان الخارجية المصرية. ونقل البيان عن وزير خارجية الإمارات تأكيده «مساندة بلاده لمصر ودعم كل ما يصون الأمن القومي المصري». لافتاً إلى «ما تمثله العلاقة مع مصر من أهمية خاصة لبلاده»، وارتباط الأمن القومي لكل من البلدين.
وفي أبو ظبي ذكرت الأنباء أن الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، تلقى رسالة خطية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين.
وتسلم الرسالة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية، لدى استقباله سامح شكري وزير الخارجية المصري، في العاصمة أبوظبي. وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية المشتركة التي تربط بين البلدين، إضافةً إلى آخر مستجدات الأوضاع على الصعيدين الإقليمي والدولي والتطورات الراهنة في المنطقة. ورحب الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان بزيارة وزير الخارجية المصري، مؤكداً عمق العلاقات التي تربط بين الإمارات ومصر والحرص المستمر على تعزيزها وتنمية أوجه التعاون المشترك في المجالات كافة بما يعود بالخير على شعبي البلدين.
من جانبه أشاد شكري بالعلاقات الثنائية المتميزة التي تجمع بين الإمارات ومصر، وتحظى بدعم ورعاية من قيادتي البلدين، مشيراً إلى الحرص المستمر على تعزيز العمل المشترك وتطوير آفاق التعاون في المجالات كافة.
ومن المقرر أن تشمل جولة الوزير المصري كذلك البحرين، وسلطنة عمان.
وتلقت مصر دعماً عربياً، عبر قرار لمجلس وزراء الخارجية العرب، الأسبوع الماضي «رفض المساس بالحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل، أو الإضرار بمصالحها»، باعتباره «جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي العربي». لكن القرار العربي أثار خلافاً بين مصر والسودان، الذي تحفظ عليه، مبرراً ذلك بـ«عدم التشاور مع حكومة السودان قبل إيداعه جدول أعمال المجلس الوزاري»، وهو الموقف الذي ووجه باستنكار مصري، وقالت الخارجية إنها أبلغت السودان بمشروع القرار، لكنها «لم تتلق أي تعليقات».
وبدا أن القاهرة تسعى إلى احتواء خلافها مع السودان بخصوص مفاوضات سد النهضة، من خلال زيارة خاطفة أجراها رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، للخرطوم، مساء الاثنين، كان عنوانها «الاطمئنان على رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك بعد تعرضه لمحاولة اغتيال». والتقى اللواء كامل، رئيس وزراء السودان؛ حيث أبلغه «تضامن وتحيات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي». وأكد رئيس المخابرات المصرية، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط (الرسمية) «دعم مصر، حكومة وشعباً للسودان وشعبه في مواجهة الإرهاب الغاشم، ومساندتها لمسيرة السودانيين في طريق تحقيق طموحاتهم».
كما التقى كامل رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه الأول الفريق محمد حمدان دقلو، مؤكداً «دعم مصر التام للسلطة الانتقالية في السودان، والحرص على المساعدة في تلبية طموحات شعبه».
ووفقاً للإفادة المصرية، تطرق اللقاء إلى بحث عدد من الموضوعات المشتركة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. ويعتقد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن زيارة رئيس جهاز المخابرات، قد تعيد التقارب بين البلدين فيما يتعلق بمفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، مشيراً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنه في الغالب جرى تشاور في الملف بهدف إزالة أي سوء فهم واستيضاح المواقف، بجانب القضايا الأمنية.
من جهته، أجرى وزير خارجية إثيوبيا، جيدو أندارجاشيو، أمس، محادثات مع موسى فكي محمد، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، تناولت مفاوضات سد النهضة، ووفقاً لوكالة الأنباء الإثيوبية، فإن فكي أكد أن «التفاوض يجب أن يتوصل إلى صفقة عادلة يستفيد منها جميع أصحاب المصلحة».
فيما أكد أندارجاتشاو ضرورة أن تكون المفاوضات بشأن سد النهضة متماشية مع مبدأ الاستخدام العادل والمنصف والمعقول للموارد الطبيعية العابرة للحدود.
وكانت أديس أبابا قد أعلنت بدء تخزين 4.9 مليار متر مكعب من مياه نهر النيل في مشروع «سد النهضة» في شهر يوليو (تموز) المقبل. وهو الإعلان الذي قوبل برفض وتحذير مصري.
وقال محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية المصري، في تصريحات تلفزيونية مساء أول من أمس، إن «الجانب الإثيوبي لا يريد الاتفاق على سنوات ملء السد، والقرار لم يتخذ لعدم وجود إرادة سياسية إثيوبية لذلك»، مؤكداً أن الفريق الإثيوبي لم يطرح أي بديل في الاتفاق... «عايزين يشغلوا السد دون اتفاق». وأوضح أن الجانب السوداني كان مهتمّاً بأمان السد والتأثيرات البيئية والاجتماعية، ووافق على كل حرف في الاتفاق الأخير، ومصر وقعت بالأحرف الأولى على الاتفاق؛ لكن السودان لم يوقع، وتعجب من ذلك قائلاً: «إثيوبيا والسودان شاركا بأفكار كثيرة لصياغة الاتفاق والمقترحات وكانا إيجابيين».
وعبَّر عبد العاطي عن تفاؤله بانتهاء المفاوضات إلى اتفاق، قائلاً: «كل عقدة ولها حل، وسيحدث اتفاق بين الدول الثلاث».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.