ليونيل ريتشي: أتطلع إلى مقاربة موسيقية سعودية أميركية

قال لـ «الشرق الأوسط» إن العُلا أبرزت حب المكان وجمال الإنسان

ريتشي خلال حفلته في مدينة العلا السعودية
ريتشي خلال حفلته في مدينة العلا السعودية
TT

ليونيل ريتشي: أتطلع إلى مقاربة موسيقية سعودية أميركية

ريتشي خلال حفلته في مدينة العلا السعودية
ريتشي خلال حفلته في مدينة العلا السعودية

ما أجمل أن تكتشف شيئاً جديداً من الحبّ والإبداع وجمال الطبيعة الساحرة وإنسانها الودود، أقّل ما أقوله لقد عشقت هذا المكان وإنسانه، هكذا بدأ الأسطورة الفنية الأميركية ليونيل بروكمان ريتشي، إجاباته عن أسئلة «الشرق الأوسط» على مدى نصف الساعة، متطلعاً إلى مقاربة موسيقية سعودية أميركية.
قصة ريتشي الفنية بدأت في منتصف الستينات من القرن الماضي، حيث كان مشغولاً بتأسيس فرقة «سول»، بعد أن اكتشف أنه ليس الرجل المناسب ليصبح كاهناً في عام 1968، ثم وُلدت (الكومودور)، بفضل موهبته الباكرة، حيث لم يكن مثّل اسم الفرقة الأخير نجاحاً كبيراً فحسب، ولكن أيضاً لنغمات Funk المتطورة مثل «Machine Machine» أو الزيارات التي من شأنها أن تملأ أي قاعة رقص في أي مكان في العالم على الفور، بما في ذلك «Brick House» في عام 1974.
يقول ريتشي إن فرقة «The Commodores» كانت دعوة من الراحل دونالد كورتيز كورنيليوس لجعل الناس يرقصون في برنامج «Soul Train»، وفعلوا.

العُلا السعودية
في العُلا كانت الجماهير، مع الطرب، ترى لاعب الساكسفون والمغني والملحن ليونيل ريتشي وهو يصنع لوحة المفاتيح في تلك الليلة، بروح شبابه الأول، ورغم تجاوزه الـ71 عاماً، أثبت أنه كان هدية فنية لمعجبيه ستصبح واضحة بعد بضعة أعوام، من اعتلائه مسرح «مرايا»، لوحة فنية من المستوى الرفيع، وهو يعبّر بنشوة عن تنسمه لشتاء طبيعة العُلا، التي أدهشته بسحرها الأخّاذ، على حدّ تعبيره.
نجح ريتشي في الجمع بين كتابة الأغاني والأداء والإنتاج، حيث تجاوزت مبيعات ألبوماته 100 مليون نسخة، حيث اشتهر في «Hello» و«أغانٍ رومانسية» عن الحب، مؤكداً أن تقديمه إلى معجبيه في السعودية، من مسرح «مرايا»، في محافظة العُلا تجربة لا تُنسى.
ريتشي توقع أن تتاح له الفرصة للتعرّف على الموسيقى والفن السعودي عن قربّ، مؤكداً أن عالم الفن واحد بمشاعر واحدة، ولكن بثراء متعدد المشارب، منوهاً إلى أن ثمة مقاربة وقواسم مشتركة، بين الموسيقى السعودية والفن مع نظيره الأميركي في العموم.
ترجمة والده مشاعره الجيّاشة لوالدته في كل مناسبة احتفائية، بأبيات شعرية ملحَّنة رسّخت في ذهنه العبارات الثلاث «I love you. I want you. I need you»، وانطبعت في وجدانه وأصبحت منصة لانطلاق كتاباته الشعرية، مُقرّاً بأن مجمل أغانيه لا تخرج عن هذه الثلاثية الحالمة.

كلاسيكيات القرن
تحدث ريتشي عن تجربته مع أغنية «Three Times a lady»، إحدى كلاسيكيات الزمن الجميل، كإحدى أجمل 100 أغنية في القرن المنصرم، تغنى بها العديد من كبار الفنانين من أمثال الأسطورة كيني روجرز، واقتبس كلماتها عدد غفير من العاشقين.
ريتشي يعدّ هذه الأغنية بمثابة مفتاح للقلب، لفتح نافذة على الحبّ مباشرةً، وتضمن لمن يطل عبر نافذتها السمو إلى الأعالي مع شريكة حياته، لأنه عندما توصف امرأة بأنها « Three Times a lady » فهذا يعني حقاً أنها أنثى استثنائية.
كان ريتشي يداوم على سماع والده في المنزل، وهو يردد على مسامع أمه عبارات من شاكلة «باحبك... باريدك... إلخ»، وفي الاحتفال بمناسبة عيد زواجهما الـ37 ألقى والده كلمة بهذه المناسبة شكر فيها زوجته أن شاركته السراء والضراء، قبل أن يختمها بتلك العبارات الثلاث «I love you. I want you. I need you»، فرسخت في وجدانه وأصبحت منصة لانطلاق كتاباته الشعرية، مُقرّاً بأن مجمل أغانيه لا يخرج عن هذه الثلاثية الحالمة.

قصة بداية
وعن اكتشافه موهبته الفنية قال ريتشي في حواره لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف بنبرة تعكس مدى فرحته وهو يتجول في ذلك الجزء من السعودية: «لا أنسى كيف كنت أعشق أن أقلّد وأحاكي بعض أصوات كبار الفنانين في ذلك الزمن البعيد وأحاول أن أحفظ بعض الأغنيات التي كانت تُردد على أسماع الناس قبل 50 عاماً».
ويزيد: «أعتقد أن هذا ما دفعني أيضاً لاكتشاف قدراتي الموسيقية البدائية، حينما أجد فرصة خلوة مع نفسي، وحينما استمع لي بعض أعضاء الأسرة وبعض الأصدقاء كالوا لي باقات الثناء والإعجاب، حتى ترجمتُ ذلك عملياً لدى انضمامي لفرقة (كومودور) التي كنت أحد مؤسسيها».
وأضاف ريتشي: «رغم أن فرقة (كومودور) كانت من أفضل فرق (الآر آند بي) في السبعينات، ولكن كان هناك نداء داخلي يرافقني دوماً بأن أشقّ طريقي كفنان، ربما أنْ أُبرز إمكانات فنية بشكل خاص ببصمة خاصة، وقد كان بالفعل، بعد أن وجدت محاولاتي الفنية في أول ألبوم أصدرته يحمل اسمي صدى منقطع النظير».
يعتقد ريتشي أن أغنية «ترولي» وجدت جماهيرية عالية جداً وقتها، وربما كان ذلك سبباً في أن يحقق بموجبها المركز الأول في لائحة فنّ الولايات المتحدة الأميركية، ولكن كانت هناك أغنيات أخرى شكّلت عقداً فريداً في مسيرته لأنها وجدت جماهيرية عالية جداً أيضاً، مثل أغنية «هالو».

غناء للإنسانية
ليونيل ريتشي كان هو الفنان الذي افتتح أغنية «We are the world» التي شارك فيها عدد كبير من كبار المغنين الأميركان في حملة لإغاثة جوعى أفريقيا في منتصف الثمانينات، تلك الأغنية الشهيرة كانت فكرة مايكل جاكسون، وكتب كلماتها معه لينويل ريتشي وقام بتلحينها وإخراجها أعظم المبدعين، منهم كوينسي جونز، وأدّاها في احتفال ختام الأولمبياد بلوس أنجليس عام 1984 حيث غنّى ريتشى وأبدع.
وعن افتتانه بموسيقى «الهيب»، يقوا ريتشي: «إنما هي شيء من الفن، ولكن الجذور الأفريقية أيضاً تتمتع بالحسّ الموسيقي العميق مع شيء من الصخب، أحببت أن أكون شعبياً، وهذا ما كنت أكافح من أجله».

أوسكار هوليوود
وعن طريقه إلى هوليوود، قال ريتشي: «لن أنسى ذلك اليوم الذي هاتفني فيه مركز (كينيدي أونورز) وآخر يقول: (خمن ماذا؟ ستكون يداك وقدماك على شارع هوليوود)... وأنا أفكر في نفسي، ماذا يحدث؟ هل يحاولون إصدار إعلان؟ هل سأغادر المدينة؟ هل هذا هو الوداع؟ فكانت تلك الفرصة الهوليوودية الكبيرة».
وأضاف: «هناك حيث التأثيرات والتراث والتعامل مع شروط كان هناك ممر جميل، في قلب هوليوود حيث كان بمثابة شرف نادر لموسيقي غير ممثل، على الرغم من الفوز بجائزة الأوسكار، بسبب الأغنية الأصلية لـ(قل أنت، قل لي) -من (الليالي البيضاء)- في عام 1986، فالرحلة ماضية وجميلة ومتصالحة».
وتابع: «بالفعل كانت هناك ذاكرتي الأولى لهوليوود هي الذهاب إلى هذا المكان، ورؤية جميع الممثلين المشهورين وأيديهم وأرجلهم. وكنت الطفل في توسكيجي، ألاباما، كنت لا تريد قرب إسمنت جديد. كم هو مثير للسخرية أننا هنا بعد مرور مائة عام، ويداي وقدمي في شيء سيستمر لفترة من الوقت». ويزيد ريتشي: «ولكن رغم كل الأوسمة المهنية التي حصلت عليها في السنوات الأخيرة، ما زلت أتنفس الموسيقى وأمارس الطرب وأغني للحب والجمال والرومانسية». وعلى ذكر تجربته السينمائية، أخذ ريتشي يستذكر أعماله من خلال «سكوت جوليين» في عام 1977، و«الحمد لله أنه يوم الجمعة» في عام 1978، يليه في عام 1990 فيلم «الجري مع الليل»، وفي عام 1991 فيلم وثائقي بعنوان «الحقيقة».
تجاوز ريتشي في مبيعاته حاجز الـ100 مليون نسخة في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي جعله في قمة الفنانين الأكثر مبيعاً في العالم حتى اليوم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».