«Granaio» أفخم مبنى لأبسط أطباق

أكلات إيطالية في ضيافة العظمة الإنجليزية

مبنى مهيب بعظمته التاريخية
مبنى مهيب بعظمته التاريخية
TT

«Granaio» أفخم مبنى لأبسط أطباق

مبنى مهيب بعظمته التاريخية
مبنى مهيب بعظمته التاريخية

المعروف عن منطقة بيكاديللي - وتحديداً ساحتها – أنها من أهم عناوين السياحة في لندن، إن لم تكن الأهم. لا يمكن أن تزور لندن من دون أن تلقي نظرة على أكثر منطقة حيوية في العاصمة. زوارها من كل بقاع العالم. فيها المطاعم والمسارح والأعمال الفنية، وفيها أيضاً مطعم إيطالي لا يشبه سواه.
يقع مطعم «غرانايو» (Granaio) عند تقاطع السير الأكبر في المنطقة؛ حيث توجد شاشات الإعلانات الأضخم في العالم، وعند تلك الساحة التي يتجمع فيها السياح لالتقاط الصور مع نافورة الماء وتمثال «إيروس» الذي لا يمكن أن تمر بجانبه دون رؤيته، يقف مبنى عملاق بهيبته وفخامته، ولافتة صغيرة من الصعب رصدها، كتب عليها اسم المطعم الذي يشدك بمبناه وديكوره الواضح من مدخله قبل الولوج إليه، وهذا المطعم يبرهن على أن العين تعشق قبل الزيارة أحياناً.
عند دخولك إليه ستعرف أنك في مطعم إيطالي: الموسيقى، واللوحات الضخمة التي تتصدر الجدران، ورائحة الحبق، والبيتزا المخبوزة في فرن تقليدي، وعبق صلصات المعكرونة، مثل الكمأة إلى الطماطم بالثوم.
لأول مرة أزور مطعماً يمكن القول عنه: «ديكوره أهم وأضخم من طعامه»، ولا أقصد أن الأطباق أو النوعية ليست جيدة، ولكن نمط المبنى الأثري الذي يعرف في إنجلترا بالمبنى المدرج على لائحة الإرث التاريخي بدرجة 2، هو من بين أكثر الأبنية اللندنية فخامة، وله تاريخ طويل، وهذا واضح من حجمه الشاسع وسقوفه العالية جداً وجدرانه العملاقة.
يتسع المطعم لـ180 مقعداً، ولـ400 واقف، وهذا باختصار يلخص حجم المطعم الذي يدغدغ نظرك بطبقة الذهب التي تكسو السقف والحجر الذي استعمل في الأرضية، ومدفأة النار الجميلة التي تتصدر الغرفة الخاصة التي تتسع لستين ضيفاً.
طاولات عديدة تحيط بها الكراسي الخشبية، على طراز تلك التي تجدها في الـ«تراتوريا» في إيطاليا. بعضها باللون الأحمر والبعض الآخر باللون الأبيض، وتتدلى من سقف المدخل شتلات زراعية وزهور، وتوضع مكونات إيطالية مثل الطماطم وزيت الزيتون بطريقة عرض جذابة.
إذا كنت تنوي تناول الغداء أو العشاء، فيمكنك ذلك في الغرفة المفتوحة، وفي حال كنت تنوي الاحتفال بمناسبة خاصة مثل أعياد الميلاد أو الخطوبة، فيمكنك ذلك من خلال حجز الغرفة الخاصة التي يفصلها عن المطعم الرئيس باب ضخم من الخشب البني، أشبه بأبواب القلاع أو القصور.
الصعوبة التي واجهتها إدارة المطعم كانت ولا تزال في كون المبنى أثرياً، وبالتالي من الصعب إجراء أي تغيير عليه، لدرجة أنه يمنع وضع لافتة على المبنى من الخارج، ولهذا السبب ترى اسم المطعم بمجرد دخولك إليه.
لائحة الطعام بسيطة جداً، تعتمد على السمك واللحم والباستا والبيتزا والسلطات. حجم البيتزا كبير، فأنصح بطلب نوع واحد من البيتزا مع طبق رئيس آخر، ولا أنصحكم بتناول الخبز قبل الأكل؛ لأنه يأتي على شكل البيتزا، وسيكون من شبه المستحيل تناول البيتزا لاحقاً.
من السلطات اللذيذة التي جربناها: البوراتا، والموتزاريلا، مع الطماطم الإيطالية، ولطالما اعتقدت بأن نوعية تلك الأجبان هي المؤشر الأول لنوعية المطعم.
أغرب شيء في هذا المطعم هو أن مبناه يعطيك الانطباع بأنه مكان يقدم المأكولات الراقية، أو تلك التي تستحق أن تكون مدرجة في «دليل ميشلان»، لتتفاجأ بأن الأطباق بسيطة تعتمد على الإرث الإيطالي وطبخات الأمهات في إيطاليا. والأطباق لا تتناغم في طريقة تقديمها مع الذهب الخالص الذي يعكس بنوره من السقف إلى الطبق.
في النهاية الموقع جميل وسياحي بامتياز، والمطعم يناسب الباحثين عن غداء في منتصف نهار حافل بالزيارات السياحية، أو فترة المساء بعد قضاء اليوم في وسط المدينة.



المفتّقة... حلوى تراث بيروت وتقاليد أهلها

المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
TT

المفتّقة... حلوى تراث بيروت وتقاليد أهلها

المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)
المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية (أ.ف.ب)

في محلّ بمنطقة البسطة المزدحمة في بيروت، يزنُ حسن المكاري علباً بلاستيكية ملأى بالمفتّقة الساخنة، تفوح منها رائحة هذه الحلوى المرتبطة بتراث العاصمة اللبنانية وتقاليد أهلها؛ التي يندر العثور عليها في المتاجر، وينحصر إعدادها ببعض المتاجر المختصة.

وقال المكاري وسط محلّه المتواضع المنخفض السقف ذي الديكور القديم: «أنا موجود في هذا المتجر منذ 50 عاماً، لكننا بدأنا التخصُّص في إعداد المفتّقة قبل 3 عقود».

المكاري يصل إلى محلّه قرابة الخامسة صباحاً لإعداد المفتّقة (أ.ف.ب)

وذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ المفتّقة لا تتمتع بشهرة واسعة خارج العاصمة اللبنانية، إذ إنّ هذا المزيج من الأرزّ والكركم (العقدة الصفراء) وطحينة السمسم والسكّر والصنوبر عبارة عن حلوى متجذّرة في عادات البيروتيين.

وأوضح المكاري (73 عاماً) أنه وشريكه، وهو ابن خاله، دَرَجا أساساً على بيعها وسواها من الحلويات في محلّهما، «وبعد ذلك أصبح الطلب كبيراً» على الحلوى الصفراء التقليدية، فما عادا يستطيعان «تلبية الطلب على الأصناف الأخرى»، مما دفعهما إلى التوقُّف عن بيعها وحصر نشاطهما بالمفتّقة.

وشرح أنّ إعداد هذا الطبق يمر بالمراحل الآتية: «أولاً يجب وضع الكركم، وهو المكوّن الأهمّ، وكذلك الطحينة والسكّر والأرزّ (...)، ثم نترك الطبخة تنضج بهدوء».

وتستغرق العملية نحو 4 ساعات، بعد نقع الأرزّ طوال الليل، ويتطلّب طهوها تحريك المزيج بانتظام. وأشار المكاري إلى أنه يغدو إلى محلّه قرابة الخامسة صباحاً لهذا الغرض.

تحضيرها يتطلب كثيراً من الجهد (أ.ف.ب)

وروى أنّ والده الذي علّمه طهو هذه الحلوى لم يكن في البداية يرغب في بيع هذا الطبق؛ كونه يُعَدّ عادة في المنزل: «كان يقول إنه يحضّر المفتّقة في البيت ويوزّعها على العائلة والجيران، فكيف يمكن أن يبيعها؟ كان يخجل من ذلك ولم يُقدم على الخطوة في أول سنة، لكنه وافق في السنة التالية».

من الشارع المزدحم، يطلب الزبائن عبر نافذة المتجر ما يريدون شراءه من حاويات المفتّقة أو الصواني المنتشرة على الطاولات في كل زوايا المحلّ.

ومن هؤلاء إيمان شهاب (55 عاماً) التي جاءت لشراء المفتّقة لوالدتها التي كانت تتولّى بنفسها في الماضي إعداد هذا الطبق في منزلها.

المفتّقة طبق تراثي بالنسبة إلى البيروتيين (أ.ف.ب)

وقالت المرأة البيروتية العاملة في إدارة الموارد البشرية إنها تشتري المفتّقة لأن والدتها «أصبحت كبيرة السنّ ولا تقوى على التحريك»، مذكرة بأن تحضيرها «يتطلب كثيراً من الجهد».

وأبرزت أن المفتّقة طبق «تراثي بالنسبة إلى البيروتيين». وأضافت: «هذه المحال (كمتجر المكاري) هي الوجه القديم لبيروت الذي نحبّه ونريد أن نتذكره دائماً (...). لدينا حنين إليها ونحبّ الأشياء التي كان أجدادنا يحبّونها».

وعلى بُعد بضعة أحياء صاخبة، في شارع بربور، يحافظ سمير المكاري (35 عاماً) على تقاليد العائلة.

ففي محله الحديث الديكور، حيث يبيع أيضاً حلويات عربية مثل البقلاوة، يعمل الشاب بعناية على إعداد مزيج الماء والكركم والأرزّ في قدر نحاسية كبيرة خلف المنضدة، ويحرّكه بملعقة طويلة ذات مقبض خشبي.

وفي وعاء آخر، يخلط السكّر والطحينة والصنوبر بعد أن يَزِنها. ثم يمزج لاحقاً كل شيء.

وأفاد الأب ونجله بأنّ البيروتيين كانوا يعدّون المفتّقة مرة واحدة فقط في السنة، وتحديداً في آخر أربعاء من أبريل (نيسان)، حين كانت عائلات العاصمة، مع اعتدال الطقس الربيعي، تقصد شاطئ الرملة البيضاء العام الشهير، بمناسبة ما يُعرف بـ«أربعاء أيوب».

وقال الوالد: «كانت كل عائلة تمكث في عرزال (خيمة) من قصب، وتنام فيها، وفي اليوم التالي تعدّ المفتّقة، وتتنافس الأُسَر على تحضير الألذ طعماً».

حسن مكاري يعدّ المفتّقة منذ عقود (أ.ف.ب)

وشرح الابن أنّ «أربعاء أيوب» هو «لاستذكار شخصية أيوب الوارد ذكرها في كتابَي العهد القديم والقرآن، وهو مثال للصبر الذي يحتاج إليه أيضاً مَن يعدّ المفتّقة كونها تستلزم وقتاً وجهداً».

وعلى جدار المحلّ الذي يديره الشاب مع شقيقه، عُلِّقَت صور عدّة، إحداها لجدّه الراحل خلال العمل، والأخرى لوالده في محلّ البسطة.

وقال سمير المكاري إنه يطبخ المفتّقة مرتين في اليوم أحياناً، تبعاً لحجم المبيع، مشيراً إلى أنّ بعض الزبائن يشترونها مثلاً بمناسبة زيارة لأُناس في مناطق خارج بيروت لم يتذوّقوها من قبل.

وأضاف: «في البداية، كان البيروتيون فقط يأتون لشرائها، ولكن في الوقت الراهن بات اللبنانيون من كل المناطق يبتاعونها»، وكذلك يحضر زبائن من اللبنانيين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم، وفق الوالد.

وفي المتجر الأصلي، أعرب المكاري الأب عن سعادته لأنّ عائلته تحافظ على التقليد. وقال: «المفتّقة تراث قديم يعود إلى أجدادي وتناقلناها من جيل إلى جيل».