خبراء روس يشككون في «صمود» الاتفاق

TT

خبراء روس يشككون في «صمود» الاتفاق

سيطر الترقب في موسكو أمس، في اليوم الأول بعد التوصل إلى الاتفاق الجديد حول إدلب مع الجانب التركي، ومع إعراب المستوى الرسمي عن ارتياح لوضع آلية مشتركة لتخفيف التوتر ومنع انزلاق الوضع نحو مزيد من التصعيد الميداني، برز تشكيك من جانب خبراء في قدرة الاتفاق على الصمود، بسبب التعقيدات الكثيرة على الأرض ولعدم وضع آليات مشتركة لضبط تنفيذ بنوده.
وبدا أن الاهتمام الأساسي انصبّ على مراقبة مدى التزام الأطراف بقرار وقف النار بدءاً من منتصف ليلة أمس (الجمعة)، وفقاً للاتفاق. ونقلت وكالة أنباء «نوفوستي» الحكومية عن مصدر عسكري أن «أطراف النزاع أبدت التزاماً بشكل عام بالهدنة». ولم تعلق موسكو رسمياً على تقارير إعلامية تحدثت عن وقوع انتهاكات خلال ساعات النهار، لكنّ المصادر الروسية لفتت إلى أن فصائل المعارضة استغلت الساعات الأخيرة قبل بدء سريان الهدنة لشن هجمات مركّزة استهدفت طريق «دمشق – حلب»، ما أسفر عن تدمير ما لا يقل عن 5 سيارات.
ولفتت «نوفوستي» إلى أنه كان ملاحظاً أن الفصائل المدعومة من أنقرة شنت هجومات عنيفة على مناطق في سراقب في أثناء المحادثات في موسكو بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب إردوغان.
وحملت هذه الإشارات مقدمات إلى أن موسكو تراقب بدقة آليات التطبيق للاتفاق، مع بروز آراء حول أن الاتفاق لن يكون قادراً على الصمود طويلاً، وأنه «يشكّل تهدئة مؤقتة سعى إليها الطرفان لتخفيف التوتر»، وفقاً لأندريه بوكلانوف السفير السابق ومستشار رئيس مجلس الفيدرالية (الشيوخ) الروسي. وقال بوكلانوف إن الاتفاق حال دون انزلاق الوضع في إدلب نحو مواجهة عسكرية شاملة.
لكنه شدد في الوقت ذاته، على أنه «لا يزال يتعين عمل الكثير، وعلى وجه الخصوص، تحديد ماهية الإجراءات التي ستُتخذ ضد الاستفزازات المحتملة».
مشيراً إلى أنه «حتى الآن ليس واضحاً ما سيجري لاحقاً... ليس واضحاً ماذا سيكون الجواب إذا بدأت الاستفزازات فجأة، وأيضاً العديد من التساؤلات الأخرى. الوضع المتأزم في الوقت الحالي تم إيقافه إلى حد ما عن الانزلاق نحو مواجهة عسكرية، لكن لم يتم التوصل إلى تسوية، والوضع لا يزال يحتفظ بطابعه المتفجر».
كانت مباحثات، الخميس، بين رئيسي روسيا وتركيا بشأن تفاقم الوضع في إدلب قد أفضت إلى إبرام وثيقة مشتركة، أكدت التزام الطرفين مجدداً بـ«صيغة آستانة»، وأعلنت تطبيق وقف لإطلاق النار اعتباراً من منتصف ليلة الجمعة. واتفق الجانبان على القيام بدوريات مشتركة على الطريق السريع «M4».
ورأت مصادر تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أن المشكلة الرئيسية في الاتفاق غياب آليات واضحة للتطبيق، والتباين في كثير من الحالات بين موسكو وأنقرة حول تأويل الاتفاقات التي يتم التوصل إليها. ووفقاً لخبير عسكري فإن وقف النار «يجب ألا يشمل المجموعات المصنفة إرهابية، لكنّ هذه نقطة خلافية مع تركيا خصوصاً بسبب التداخل في كثير من الحالات بين الفصائل المعتدلة والقوى الأكثر تشدداً». وكان لافتاً أمس، على هذا الصعيد أن الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أكدت أن «السلطات السورية الشرعية لها الحق في مواصلة استهداف الإرهابيين ومواجهة أي استفزازات تصدر عنهم».
وكان تطبيق اتفاق سوتشي الموقّع بين الطرفين صيف عام 2018 قد واجه المعضلة ذاتها، إذ أكدت موسكو أكثر من مرة خلال الأشهر الأخيرة أنه «لا ينسحب على الإرهابيين»، ورأت أن هذا يبرر مواصلة تنفيذ الضربات الجوية على مواقع المعارضة كما يبرر عمليات الجيش السوري في المنطقة.
وتطرقت وسائل الإعلام الروسية إلى جانب مهم يشكّل ثغرة في اتفاق إدلب الجديد، وأشار بعضها إلى أن نقاط المراقبة التركية ستبقى بموجب الاتفاق داخل الأراضي التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية، وسيكون ممنوعاً على السوريين استهدافها. ومن جهة أخرى، لم يتردد إردوغان خلال المؤتمر الصحافي مع بوتين أول من أمس، من الإشارة إلى أنه اتفق مع الجانب الروسي على أن أنقرة سيكون لها حق الرد بقوة على أي انتهاك جديد من جانب النظام. ولفت خبراء إلى أن هذا الوضع ليس مثبتاً بالنص في الاتفاق، لكنه يعكس مجدداً أن ثمة اتفاقات ضمنية بين الطرفين، جزء كبير منها قد يكون خاضعاً لتأويل كل طرف للاتفاق.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.