طوفان هروب استثماري من الأسهم والسندات

347 مليار دولار مهددة بسبب «كورونا»... واقتصادات شرق آسيا في {وجه المدفع}

شهدت صناديق الأسهم والسندات نزوح 36 مليار دولار (رويترز)
شهدت صناديق الأسهم والسندات نزوح 36 مليار دولار (رويترز)
TT

طوفان هروب استثماري من الأسهم والسندات

شهدت صناديق الأسهم والسندات نزوح 36 مليار دولار (رويترز)
شهدت صناديق الأسهم والسندات نزوح 36 مليار دولار (رويترز)

قال «بنك أوف أميركا» إن المستثمرين تخارجوا من أغلب فئات الأصول، إذ شهدت صناديق الأسهم والسندات نزوح 36 مليار دولار إجمالاً على مدى الأسبوع المنتهي يوم الأربعاء، وذلك وسط مخاوف من ضرر اقتصادي ناجم عن وباء فيروس «كورونا».
تشهد أسواق الأسهم موجة بيع منذ منتصف فبراير (شباط)، مما أفقد السوق نحو 6.5 تريليون دولار من قيمتها، إذ يتزايد عدد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» بوتيرة أكبر.
وقال محللون لدى «بنك أوف أميركا»، الذين يعكفون على البيانات الأسبوعية من «إي بي إف آر» لرصد التدفقات، إنه جرى سحب 23.3 مليار دولار من أسواق الأسهم، وخرج 12.6 مليار دولار من أسواق السندات، وهو أكبر معدل منذ ديسمبر (كانون الأول) 2018. وأظهرت البيانات أيضاً أن المستثمرين العازفين عن المخاطرة سحبوا 5.3 مليار دولار من أسهم الأسواق الناشئة، وهو أعلى مستوى في 30 أسبوعاً.
وفي سياق متصل، انضمت صناديق التحوط الاستثماري التابعة لشركة «بريفان هوارد أسيت مانجمنت» الأميركية لإدارة الثروات إلى الصناديق المنافسة، مثل «غريغ كوفي»، في الاستفادة من الاضطرابات الحالية التي ضربت أسواق المال العالمية على خلفية المخاوف من تداعيات انتشار فيروس «كورونا» المستجد «كوفيد - 19»، بحسب «وكالة بلومبرغ».
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن صندوق الاستثمار «بريفان هوارد إف جي ماستر ماكرو فاند» رفع قيمة أصوله خلال فبراير الماضي، بنسبة 16.6 في المائة، بحسب مصدر مطلع، في حين زادت أصول صندوق التحوط الذي يحمل اسم شركة «بريفان هوارد أسيت مانجمنت» بنسبة 5.2 في المائة، خلال الشهر الماضي، وهو أفضل أداء شهري له منذ مايو (أيار) 2018. وتبلغ قيمة أصول الصندوق نحو 3.2 مليار دولار. كما ارتفعت أصول صندوقي تحوط تابعين للشركة أيضاً خلال الشهر الماضي. وذكرت «بلومبرغ» أن المتحدث باسم الشركة الموجود مقرها في مدينة نيوجيرسي رفض التعليق على هذه المعلومات.
خسائر عالمية
من جهة أخرى، قال «بنك التنمية الآسيوي» في تقرير الجمعة إن تفشي فيروس «كورونا» قد يؤدي إلى خسائر في الاقتصاد العالمي تصل إلى 347 مليارات دولار، في ظل التراجع الحاد في الطلب، والسياحة، وسلاسل التوريدات بالإضافة إلى التداعيات الصحية.
وأودى الداء التنفسي الذي يمكن أن يتطور إلى التهاب رئوي بحياة أكثر من 3200 شخص في أنحاء العالم، وأضر بالأسواق العالمية والاقتصادات.
وقال البنك الذي مقره مانيلا إن انتشار الفيروس قد يقلص الناتج الإجمالي العالمي بين 0.1 و0.4 في المائة، بخسائر مالية من المتوقع أن تصل لما بين 77 و347 مليار دولار.
وقال البنك في تحليل تضمن أفضل وأسوأ التصورات المحتملة إن النمو الاقتصادي قد يتقلص بين 0.3 و1.7 في المائة في الصين، وبين 0.2 و0.5 في المائة في آسيا النامية، عدا الصين.
ووفقاً للتقرير، فإن السيناريو الأفضل يدور عن احتواء سريع لتفشي الفيروس بعد شهرين من القيود التي جرى فرضها أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي. أما السيناريو الأسوأ، فيدور عن تفشٍّ قد يشهد إجراءات احترازية لفترة تصل إلى ستة أشهر.
وقال «البنك الآسيوي للتنمية» إن انتشار فيروس «كورونا» قد يقود إلى تراجعات حادة في الطلب المحلي والسياحة ورحلات الأعمال والتجارة وروابط الإنتاج، فضلاً عن تعطيل الإمدادات، مما سيضر بالنمو في آسيا.
وفي تقديرات أخرى، حذّرت وكالة «ستاندرد آند بورز غلوبال» الجمعة من أن فيروس «كورونا» المستجد قد يتسبب بخسارة تتجاوز أكثر من 200 مليار دولار لاقتصادات دول آسيا والمحيط الهادي هذا العام، ما يخفض النمو إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد، في وقت تعمل الحكومات جاهدة لمكافحة الوباء. وفي أسوأ الاحتمالات، قد تشهد الصين نمواً بأقل من ثلاثة في المائة، بينما قد تواجه اليابان وأستراليا وهونغ كونغ خطر الركود، بحسب تقرير الوكالة.
وأفادت «ستاندرد آند بورز» بأنها تتوقّع بأن تحقق المنطقة نمواً بنسبة 4.0 في المائة هذا العام في وقت تسببت فيه الصدمات المرتبطة بالعرض والطلب بفجوة قيمتها 211 مليار دولار في الاقتصاد. ويأتي الرقم الأخير بالمقارنة مع تقدير بنسبة نمو تبلغ 4.8 في المائة صدرت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ويشكّل أسوأ أداء للمنطقة منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
وقالت الوكالة: «ازدادت قتامة التوقعات لمنطقة آسيا والمحيط الهادي جرّاء تفشّي فيروس (كورونا) المستجد عالمياً. من شأن ذلك أن يتسبب بصدمات في العرض والطلب المحليين في اليابان وكوريا. وسيعني ذلك تزايد ضعف الطلب الخارجي من الولايات المتحدة وأوروبا».
وأشار التقرير إلى أن الاقتصادات تعاني من ضربة مضاعفة جراء تراجع الطلب في وقت يلزم المستهلكون منازلهم خشية العدوى، بينما تراجعت الإمدادات جرّاء إغلاق المصانع. وتوقّع أن ينمو الاقتصاد الصيني، الذي كان يواجه صعوبات في الأساس، حتى قبل أزمة الفيروس، بنسبة 4.8 في المائة هذا العام؛ وهي أسوأ نسبة خلال ثلاثة عقود. لكنه أضاف أنه في أسوأ الحالات: «على فرض وقوع إصابات محلية مع عودة الناس إلى العمل وإعادة فرض بعض القيود على النشاط»، فقد يتراجع النمو إلى 2.9 في المائة فقط.
ومن التوقع أن ينكمش اقتصاد هونغ كونغ، التي شهدت أول ركود العام الماضي منذ 2008. بشكل إضافي. وستكون المدينة، إلى جانب سنغافورة وتايلاند وفيتنام، الأكثر تأثّراً، حيث يساهم قطاع السياحة الذي تعرّض لضربة على صعيد العالم، بمعدل أكثر من عشرة في المائة من النمو.
ومع ذلك، أكدت «ستاندرد آند بورز» أن الاقتصادات ستشهد على الأرجح انتعاشاً في وقت لاحق. وقال التقرير: «يرجّح أن يتأخّر التحوّل في التعافي حتى الربع الثالث في حال ظهرت مؤشرات بحلول الربع الثاني على أنه تم احتواء الفيروس على الصعيد العالمي». وأضاف: «نفترض أن فيروس (كورونا) لن يعطّل بشكل دائم القوة العاملة أو مخزون رأس المال أو الإنتاج، وبالتالي يفترض أن تشغل اقتصادات المنطقة نفس العدد من الناس، وبنفس القدرة الإنتاجية بحلول نهاية 2021 كما كانت لتفعل في غياب الفيروس».
خطوات دعم عاجل
وبدد الانتشار العالمي لفيروس «كورونا» الجديد الآمال في نمو أقوى هذا العام، وسيقلص نمو الناتج العالمي في 2020 إلى أدنى وتيرة له منذ الأزمة المالية في 2008 و2009. حسبما ذكرت كريستالينا غورغييفا مديرة «صندوق النقد الدولي»، يوم الأربعاء.
وقالت غورغييفا إن الصندوق سيتحرك بخطى سريعة جداً للبت في طلبات لقروض من دون فائدة أو بفائدة منخفضة من الدول التي تضررت من الانتشار السريع لفيروس «كورونا»، مشيرة إلى أن «صندوق النقد» لديه 50 مليار دولار لمثل هذه المساعدات جاهزة للصرف السريع. وأكدت الحاجة إلى إجراءات منسقة وفورية من الدول حول العالم لاحتواء انتشار المرض الذي بدأ في الصين.
وقالت: «حان الوقت الآن لأن تكون هناك إجراءات احترازية جاهزة للتنفيذ إذا أصبح تفشي الفيروس أكثر شدة»، مضيفة أن الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والعمال قد يحتاجون إلى مساعدة إذا لم يكون بمقدورهم العودة إلى العمل.
وأشارت غورغييفا إلى أن الانتشار المستمر لفيروس «كورونا» سيخفض النمو العالمي في 2020 عن مستويات العام الماضي، مضيفة أن «صندوق النقد» سيعدل مجدداً بالخفض توقعاته للنمو في الأسابيع المقبلة.
وبدوره يقول «البنك الدولي» إنه يوفر تمويلات عاجلة قدرها 12 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على تحسين الخدمات الصحية ومراقبة الأمراض وتوفير الإمدادات الطبية ورأس المال العامل للشركات.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».