الانفلات الأمني يحوّل ليبيا إلى معقل للجماعات المتطرفة

«الجيش الوطني» يقتفي أثر الأصولي «أبو يقظان المصري» بعد إعدام عشماوي

TT

الانفلات الأمني يحوّل ليبيا إلى معقل للجماعات المتطرفة

منحت أجواء الانفلات الأمني في ليبيا جماعات إرهابية وتيارات متشددة فرصة كبيرة لدخول البلاد بهدف تنفيذ «عمليات إرهابية»، أو للقتال «ضد أعداء الإسلام». ورغم المحاولات التي بذلتها السلطات الأمنية والعسكرية خلال الأعوام السابقة، سواء في شرق أو غرب ليبيا لطرد هذه الجماعات من بنغازي ودرنة وسرت. إلاّ أن بعض قياداتها وجدت في الحرب على طرابلس «فرصة مواتية» للانتقال من سوريا إلى ليبيا.
واحد من هذه القيادات الأصولية هو أبو يقظان المصري، الذي انخرط في القتال داخل سوريا لنحو ست سنوات مع مصريين آخرين، إلى أن أعلن اللواء أحمد المسماري، المتحدث باسم «الجيش الوطني»، مساء أول من أمس، أن أجهزة الجيش الاستخباراتية رصدت أبو يقظان وهو يقاتل في صفوف قوات «الوفاق» بالعاصمة طرابلس.
و«أبو يقظان» مواطن مصري اسمه الحقيقي محمد ناجي، وهو أحد المتعصبين الذين فروا من مصر إلى سوريا عام 2013، ليتنقل بين الجبهات الإرهابية المقاتلة ضد قوات «الجيش الوطني» السوري، قبل أن يستقر في «جبهة النصرة سابقاً»، التابعة للقاعدة، ومنها إلى جبهة «تحرير الشام».
ولد «أبو يقظان المصري» بمحافظة الإسكندرية عام 1972. وتخرج من كلية الآداب والتربية بجامعة الأزهر، لكنه ظل مشغولاً بالدعوة والخطابة؛ فاتجه لتلقي العلوم الشرعية على أيدي مشايخ أصوليين بمحافظات كفر الشيخ والغربية والإسكندرية. وظل ناجي، أو «أبو يقظان المصري»، يعمل مدرساً لمدة 19 عاماً، قبل أن يترك مصر، أسس خلالها دارا لتحفيظ القرآن الكريم من سبعة فروع، ثم جمعية لرعاية الأسر والأيتام وتدريس العلوم الشرعية، وتمكن بواسطتها من التأثير على شريحة كبيرة من الصغار والشباب بأفكار متشددة، تطالب بالخروج على الحاكم.
وعندما أحكمت السلطات المصرية قبضتها على الجماعات المتطرفة عام 2013. فرّ ناجي إلى سوريا للقتال ضد قوات الرئيس بشار الأسد، واتخذ لنفسه كنية جديدة كباقي العناصر الهاربة، تاركاً وراءه ثلاثة أبناء (بنتين وولدا)؛ وفي المرات الكثيرة التي ظهر فيها «أبو يقظان المصري» بالمنصات الإعلامية التابعة للتنظيمات الإرهابية، كان يقول إنه «متفرغ للعمل الدعوي، والقتال في ميادين الجهاد ضد الطاغية بشار». وقد أفلت من القتل مرات عديدة في سوريا.
واستقطبت الأوضاع الأمنية المنفلتة في ليبيا عددا من الأصوليين المصريين، أشهرهم الإرهابي هشام عشماوي، الذي حكم عليه في مصر بالإعدام بعد أن اعتقله «الجيش الوطني» الليبي، وأخضعه للتحقيق قبل أن يسلمه للقاهرة لاستكمال التحقيق معه في 14 تهمة، من بينها المشاركة في استهداف موكب وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، ومذبحة الفرافرة. أما المتطرف المصري عمر رفاعي سرور فقد قتل على يد «الجيش الوطني» في مدينة درنة، (شمال شرق). لكن زوجته مريم وأولاده الثلاثة ظلوا في ليبيا، وقد تقدم محامي أسرته في القاهرة ببلاغ للنائب العام يتساءل عن مصيرهم.
وكان اللواء أحمد المسماري قد صرح خلال اعتقال الإرهابي المصري هشام عشماوي، بأنه وجد معه زوجة الإرهابي المصري عمر رفاعي سرور وأبناؤها، مبرزا أن «زوجة عمر سرور أكدت مقتله في بداية عمليات درنة العسكرية». وقد راجت وقتها معلومات، تناقلتها وسائل إعلام موالية لجماعة «الإخوان»، التي تعتبرها مصر تنظيماً إرهابياً، تزعم أن «السلطات الليبية سلمت نظيرتها المصرية زوجة عمر سرور وأطفاله، قبل يومين سراً». لكن مصدراً أمنياً ليبيا نفى ذلك في حينه.
وبزغ نجم عمر سرور عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011. عندما شُوهد رفقة والده، القطب الأصولي رفاعي سرور في خيمة نُصبت بميدان التحرير وسط القاهرة، وصعد نجمه تدريجياً مع وصول جماعة «الإخوان» لسدة الحكم. وفي عام 2013 طُلب القبض عليه في القضية المعروفة إعلاميا بخلية «مدينة نصر».
وفرّ سرور عقب خلافات مع قيادات تنظيم «أنصار بيت المقدس» في شبه جزيرة سيناء إلى ليبيا، واستقر بين صفوف ما يعرف بـ«مجلس شورى مجاهدي درنة»، حتى أصبح مفتياً للتنظيم، وكنى نفسه بـ«أبو عبد الله»، وظل هناك إلى أن قُتل في غارة جوية للجيش الوطني الليبي.
واستغرب متحدث إعلامي باسم ميليشيا بالعاصمة طرابلس من التصريح بوجود «أبو يقظان المصري» في ليبيا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «لقد سبق أن أكد بعضهم أن أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم «داعش» السابق، يحارب في طرابلس، إلى أن أعلن عن مقتله في غارة أميركية في سوريا».
واشتهر «أبو يقظان المصري» بالخطاب وإصدار الفتاوى الدموية، وتحدث في لقاءات صحافية، أجرتها معه منصات تابعة للمتشددين، عن أسباب تركه لفصيل «أحرار الشام»، والالتحاق بـهيئة «تحرير الشام»، وتحدث عن أنه تخصص في تدريب شباب الفصائل في معسكرات الانغماسيين بحلب السورية.



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.