في بداية انتشار فيروس «كورونا المستجد» في الصين في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، استبعد القادة الإيرانيون أن يؤثر الفيروس على بلادهم. ولكن بمرور الأيام أصبحت إيران من بين أكثر الدول تضرراً من «كورونا» خارج الصين، وذلك بعد أن أعلنت السلطات الإيرانية في أواخر فبراير (شباط) الماضي، عن تفشيه في البلاد وسط اتهامات بالتعتيم.
وحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، فقد تعاملت إيران مع «كورونا» بالفخر وجنون العظمة والسرية والفوضى.
فقبل أسبوعين فقط أكد قادة إيران بفخر وثقة أن عدوى فيروس «كورونا» التي تجتاح الصين لن تكون مشكلة في بلادهم، بل وتفاخروا بتصدير أقنعة الوجه لشركائهم التجاريين الصينيين.
ويقول الأطباء والممرضون إنه بعد ظهور الفيروس في البلاد، قامت قوات الأمن بتحذيرهم من الإدلاء بأي معلومات ونصحتهم بالتزام الهدوء، وذلك وفقاً لمقابلات هاتفية أجرتها «نيويورك تايمز» مع عدد من العاملين في مجال الصحة بإيران، والذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من السلطات الإيرانية.
وأشار العديد من هؤلاء العاملين الصحيين إلى أن موظفي الأمن المتمركزين في كل مستشفى منعوهم من الكشف عن أي معلومات حول المعدات الناقصة أو المرضى أو الوفيات المرتبطة بالفيروس.
وقالت ممرضة في إحدى مدن شمال غربي إيران إنها تلقت رسالة من جهاز الأمن تحذّرها من أن مشاركة المعلومات حول المرضى المصابين تعد «تهديداً للأمن القومي» و«تشجيعاً للخوف العام»، مشيرة إلى أن الرسالة حذّرتها من أن مثل هذه الجرائم «سيتم التعامل معها بسرعة من قِبل لجنة تأديبية».
بالإضافة إلى ذلك، قال اختصاصي بارز في علم الأمراض إنه تم تهديد موظفي المختبر الذين يختبرون فيروس «كورونا» بالتحقيق والاعتقال إذا قدموا أي معلومات إلى وسائل الإعلام.
وتابع الاختصاصي: «هذا سلوك مشين. بتحويل هذا الأمر إلى قضية أمن قومي، فإنهم يمارسون المزيد من الضغط على الأطباء والممرضين ويخلقون بيئة من الفوضى والخوف».
من جهته، قال الدكتور محسن بصيري، الطبيب الإيراني الذي يعيش حالياً في مدينة هيوستن الأميركية، إن عدداً من زملائه الأطباء الموجودين في إيران أخبروه بأن رجال الأمن أجبروهم على تزوير شهادات وفاة خاصة ببعض مرضى «كورونا» وطلبوا منهم أن يُرجعوا سبب الوفاة إلى أمراض أخرى.
وقال الدكتور بصيري: «ليست لديهم الوسائل أو المعدات أو الأموال أو الإدارة أو ثقة الجمهور لمكافحة وباء بهذا الشكل».
وصرح غلام علي جعفر، وهو مشرع من محافظة غيلان، بالقرب من بحر قزوين، لوسائل الإعلام الإيرانية أول من أمس (الاثنين)، بأن أكثر من 20 شخصاً في دائرته الانتخابية قد ماتوا وأن المستشفيات قد وصلت إلى طاقتها الكاملة وترفض استقبال المرضى الآن.
وأكد جعفر أن السلطات قامت بتزوير سبب الوفاة في بعض الحالات، وأوضح قائلاً: «بناءً على الأرقام والشهادات والأدلة التي تلقيناها، فإن عدد القتلى والمصابين أعلى بكثير مما تم الإعلان عنه. المسؤولون لدينا لا يكشفون عن الحقيقة الكاملة حول الوضع». ووصف جعفر الأرقام الرسمية بأنها «مزحة».
وقد أثار أحمد عميربادي فرهاني، وهو مشرع من قم، شكاوى مماثلة الأسبوع الماضي، وكتب على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن الموظفين في مستشفيين هما «كامكار» و«فوغاني»، كانوا يقومون بتزوير شهادات الوفاة بأوامر من السلطات.
واعترض متحدث باسم وزارة الصحة على هذه الاتهامات، مشيراً إلى أن أي تباين بين التقديرات المحلية والأرقام الرسمية قد لا يعكس سوى تأخر زمني خلال التأكد من نتائج الاختبارات.
وانتقد عبد الرضا فاضل، رئيس الجامعة الطبية في محافظة غلستان بشمال إيران، وزارة الصحة والسلطات الإيرانية لعدم اعترافها بإحصائية محافظته، مؤكداً وجود 594 حالة مؤكدة بها.
وقال فاضل خلال مؤتمر صحافي عُقد يوم الأحد الماضي، إن «الوزارة أكدت أن عدداً كبيراً من الحالات تعاني فقط من مشكلات في التنفس، في حين أنها كانت تعاني من أعراض الفيروس».
ويقول الخبراء إن سياسة التزام السرية تعكس جنون العظمة الذي تعاني منه إيران، حيث إن كل ما يهمها هو صورتها ومكانتها العامة والخوف من استغلال أعدائها هذه المعلومات ضدها.
إلا أن هذه السياسة تسببت في تدمير ثقة الشعب الإيراني في السلطات.
وأكد التقرير أن انتشار الوباء في إيران بشكل سريع يوضح ما يحدث عندما تقوم دولة ذات موارد محدودة بالتقليل من تفشي مرض ما والتعتيم على المعلومات المتصلة به لتجد بعد ذلك صعوبة كبيرة في احتوائه.
ويبدو أن سياسات الفخر وجنون العظمة استمرت حتى بعد انتشار الفيروس، فقد تباهى مسؤولو الصحة الإيرانيون في البداية ببراعتهم في مجال الصحة العامة، وسخروا من الحجر الصحي بوصفه «أسلوباً قديماً» للتعامل مع الفيروسات، بل زعم الرئيس حسن روحاني قبل أسبوع أنه بحلول يوم السبت الماضي، ستعود الحياة إلى طبيعتها في البلاد.
ولكن بحلول أمس (الثلاثاء)، أعلنت وزارة الصحة الإيرانية ارتفاع عدد حالات الوفاة الناجمة عن الفيروس في البلاد إلى 77 حالة، من بينهم مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، وارتفاع عدد الإصابات إلى 2336 حالة، بينهم ما يقرب من ثلاثين مسؤولاً من الحكومة وأعضاء بالبرلمان.
واضطرت السلطات الإيرانية إلى اتخاذ عدد من الإجراءات لاحتواء الفيروس في الأيام الماضية، في محاولة منها لحفظ ماء وجهها.
فقد اقترحت وزارة الصحة إرسال 30 ألف جندي ومتطوع لمنازل المواطنين لتطهيرها، الأمر الذي انتقده الأطباء والسياسيون الإيرانيون قائلين إن هؤلاء الجنود والمتطوعون غير المدربين هم أكثر عرضة لنشر الفيروس من احتوائه.
من جهته، حذر المدعي العام محمد علي جعفري، من أن الأشخاص الذين يحتكرون ويهرّبون الأقنعة الطبية وغيرها من معدات الصحة العامة سيواجهون عقوبة الإعدام.
وقررت الحكومة إغلاق المدارس والجامعات وتعليق الأنشطة الثقافية والرياضية الكبرى وقلّصت ساعات العمل، كما أعلنت السلطات، أمس، أنها أفرجت مؤقتاً عن أكثر من 54 ألف سجين، أظهرت الفحوصات خلوهم من الفيروس، على أمل التقليل من العدوى في السجون الإيرانية المزدحمة.
لكن لم يتضح من الإعلان عدد السجناء الذين تم اختبارهم بالفعل، بالنظر إلى النقص الحاد في معدات اختبار الفيروس في البلاد، وهو الأمر الذي جعل من الصعب أيضاً تخمين مدى انتشار الفيروس في إيران.
وتوقعت إحدى الدراسات الكندية قبل أسبوع أن إجمالي عدد الإصابات الحقيقي في البلاد قد يكون أكثر من 18000.
التفاخر والسرية و«جنون العظمة» تحكم تعامل إيران مع «كورونا»
التفاخر والسرية و«جنون العظمة» تحكم تعامل إيران مع «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة