شهادات من زمن الرعب العراقي

معرض الفنان سروان بران «الجمال القاسي» بالعاصمة اللبنانية

شهادات من زمن الرعب العراقي
TT

شهادات من زمن الرعب العراقي

شهادات من زمن الرعب العراقي

مشهديات من ملاحم الحروب ومآسيها، بل شهادات من زمن الرعب واغتيال الأحلام، في معرض الفنان العراقي سروان بران، الذي يقام في «غاليري صالح بركات» في بيروت (كليمنصو لغاية 18 مارس/ آذار)، يستعيد فيه مناخات الدراما المفجعة لضحايا الحروب من خلال استحضار شخوص من وقائع الزمن الحاضر وتداعياته وفواجعه، في مجموعة من اللوحات والمنحوتات، يجسدها بمأساوية ملحمية لكأنها أكفان جنائزية للتاريخ المعاصر، حيث يصبح التابوت سريراً ليس للأبدية، بل لأحوال مآسي وجوه الضحايا التي تمشي في دروب الموت وعبثاً تبحث عن خلاصها، فالتاريخ الجديد - القديم للحروب أشبه بركام من وجوه القتلى وأجساد الأسرى والمعتقلين والمحاربين المهزومين، إذ إن الوجوه تستحضر بمرارة قسمات التراجيديا الإنسانية، من نزيف وجراح وصراخ وصمت، تستحضرها ريشة الفنان كجلجلة أو كرؤية تاريخية لحقائق مخضبة بالدم.
من فيزيائية العنف في أعماله السابقة، التي ربط فيها بين الحروب والغرائز الحيوانية للإنسان، يهبط سروان إلى ساحات معركة منتهية للتّو، كي يعكس صدمة نتائجها وآثارها الظاهرة على الوجوه والأجساد. هذا الهبوط إلى الجحيم، لا علاقة له بدانتي إلا من الزاوية الأدبية للبعث الجماعي المسكون بالخوف والقهر والمجهول. هكذا يشرف سروان على «أرض الآباء» التي تتجلى في لوحة جدارية ضخمة (400X 500 سم)، بين رسم وتلصيق، تنقل من منظور علوي مشهداً استعارياً لتيمة «العشاء الأخير»، مقتبسة من ذاكرة الحرب على العراق ومجازر «داعش»، حيث تظهر الصحون الفارغة والخبز المتناثر بين أيدي الجنود العراقيين الذين رضوا بأن يلاقوا حتفهم مقابل وجبة طعام. هذا المنظور العلوي يجعل الأشكال تتدحرج باتجاهنا من الأعلى إلى الأسفل كي تتكشف لنا الكتل البشرية في تدحرج مصائرها وانقلابات تحركاتها، فتتراءى كمزيج من الألوان الترابية المخضبة بالأحمر والأخضر الداكن. في اللوحات الصغيرة يرتسم خط أفق يهتز على أرض سالت دماؤها وتفجرت سواداً، وما تبقّى من الأمل كان يضلّ بين أقدام الموقوفين، الأقدام ذات الأربطة البيضاء، أو يتوكأ على عكازات الأجساد الواهنة. وفي مقابل العشاء الأخير، يرقد تمثال «الجنرال الأخير» (قطعة نحتية من ألياف زجاجية) وهو مسجى في قارب نجاة، حيث تحللت أجزاء من جثته، وبقيت بزّته العسكرية مزينة بالنياشين والأوسمة، تذكيراً بوحشية الزعماء العسكريين.
هل يكون عصر النهايات الحزينة هو عصر الفنان العراقي سروان باران، حيث لا مكان للذكرى، ولا لحكاية حب عابرة، ولا لشرفة مطلة على شمس الصباح، بل مجرد ركام بشري لجنود خسروا معركتهم مع الحياة ومع الأنظمة والسلطة؟ لوهلة نظن أننا إزاء الجنود العائدين من الحرب العالمية الثانية في شريط سينمائي بالأسود والأبيض، فالعدسة مفتوحة على أقصى امتدادها الأفقي في لقطة تذكارية جامعة، لطوابير المعاقين والأسرى المقيدين وهم بالبزات العسكرية المكسوة بألوان الغبار وتراب الأرض. إنها لوحات الحرب بامتياز في أحجام كبيرة تتخطى بمقاييسها ما هو مألوف، حيث للمدى والسعة والضخامة تأثيراتها البصرية، لذا يكون للصفوف الأمامية من طوابير الجنود أهميتها في الظهور والتعبير الجمالي رسماً وتلويناً، أما الصفوف الخلفية فهي تكاد تكون متناسخة عن الشخصيات الأمامية، لأنها في شِبه الحركة أو في شِبه الصمت والظل. إنه ليس تكراراً عددياً فحسب، بل هو تكرار يعتمد عليه سروان كمتلازمة للضعف والخواء والقهر البشري، الذي يتراءى في أعمال مصممة أيضاً على مساحات صغيرة، حيث الكتل البشرية تتقلب في مواجعها، من الوسط إلى الأطراف على حافات عصر الديكتاتوريات والأنظمة القبلية والطائفية. أجساد مرهقة لرجال معصوبي العينين، تم اقتيادهم إلى المجهول. وثمة سجناء ببزات زُرق يقفون بمواجهة الحائط ينتظرون الإعدام بالرصاص، بعد الآن ما من شيء مهم.
إنه الجمال القاسي واللاذع، بل إنه الرعب الإنساني الذي يقربنا من هشاشة الوجود، لدى جيل الانكسارات والهزائم بما تحمله من عواقب نفسية، تتبدى من خلال حركات الجموع التي تتنوع في مقاماتها وإيماءاتها وتموضعاتها في التركيب المشهدي المتقن، الذي لا يبتعد كثيراً عن التأثيرات الشعورية التعبيرية لدى فرانشيسكو دي غويا، ولا الوجوه المصعوقة بالتيار الكهربائي في عصفها المؤلم لدى فرنسيس بيكون. غير أن الغموض الذي يسعى إليه سروان يدفعه إلى تبيان ما تخفيه الملامح من مشاعر، عن طريق الإدغام اللوني بين محو وتمويه وإلماح بتقنية ماهرة بأبعادها الدلالية وفلسفة مضمونها التعبيري. لذا تبدو شخوصه مبهمة متشابهة متطابقة في قدريّتها مستسلمة تمشي في طوابير طويلة، هذا الطابور المتعثّر الخطى على طريقة «الأعمى يقود الأعمى» تأسّياً بالحكاية الشعبية الطريفة في لوحة بيتر بروغل الشهيرة، تنقلب لدى سروان إلى حكاية هذا الخيط الإنساني الواهن الذي يمضي إلى الموت.
سروان بران الانتقائي المتقشف في ألوانه ومواده، الممسك بتلابيب التعبيرات الإنسانية وأصولها الجمالية، استطاع أن يقيم جسراً بين التعبيرية بمؤداها العميق في تاريخ الفن وبين مفاهيم المعاصرة؛ تلك المفاهيم التي تسلط الضوء على مشاهد الحرب الآتية من بؤر التوتر العربي كمادة بصرية مغرية تتصدر مكانها على المنصات الدولية (آخرها المشاركة في بينالي البندقية). وهو السوداوي الذي أعطى للمأساوية معنى جديداً وللقضية الإنسانية إطلالة صادمة. فقد عرف معنى الاقتلاع والغربة والترحال والإقامات المؤقتة. لذا فإن موضوعاته محمّلة بالشجن الوجودي والصراع بين رموز العسكر والسلطة والمقاتلين. جلادون وأشرار وضحايا أبرياء في مجتمع من لون واحد تسوده الذكورية الحادة مع نظرات العيون الحزينة وانحناءات الأجساد المنهكة ومظاهر الثياب العسكرية البالية المكسوة بغبار الهزائم. ثمة حزن عميق ينعطف من لوحة إلى أخرى، ومن منحوتة إلى أخرى، ويصحبنا كي نتأمل شقاء الوجود الإنساني في المعتقلات والسجون وساحات الإعدام والإبادة، نتأمل مغزى الشر الذي ترسخ في وقائع التاريخ المعاصر الملوث بمشيئة صراعات الحروب. كل ذلك يتبدى في لغة جمالية تتخطى الزماني والمكاني، كي تشير في تعبيريّتها إلى عزلة الاعتقال، والمسيرات المرهقة للجنود الهاربين من الجوع والموت، التي ما زال يتردد صداها في ميثولوجيا الذاكرة الجماعية.



وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
TT

وفاة «القبطان» نبيل الحلفاوي عن عمر 77 عاماً

الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)
الفنان نبيل الحلفاوي (إكس)

توفي، اليوم (الأحد)، الفنان المصري نبيل الحلفاوي عن عمر يناهز 77 عاماً، بعد وعكة صحية.

ونعى نجلا الحلفاوي، وليد وخالد، والدهما عبر حسابه الرسمي بموقع «إكس»، وكتبا: «ربنا استجاب لدعاه، ولم يمر بعذاب طويل مع مرض وألم طويل».

وكان الحلفاوي المعروف بين محبيه ومتابعيه على موقع «إكس» بـ«القبطان»، يعاني من أزمة صحية في الصدر، ونُقل إلى المستشفى يوم الثلاثاء الماضي، بعد تدهور صحته.

ووُلد الحلفاوي في القاهرة عام 1947 وتخرَّج في كلية التجارة قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. حقق نجاحاً كبيراً في الدراما التلفزيونية عبر محطات متقطعة من خلال مسلسل «غوايش»، ومن بعده «رأفت الهجان»، ثم «الزيني بركات»، و«زيزينيا»، و«ونوس»، و«لأعلى سعر»، و«القاهرة كابول».

نبيل الحلفاوي وعبد الله غيث في لقطة من مسلسل «لا إله إلا الله» (يوتيوب)

وقدَّم في المسرح «عفريت لكل مواطن»، و«طقوس الإشارات والتحولات»، و«رجل في القلعة»، و«الزير سالم»، و«بيت في الهوا»، و«اضحك لما تموت». وفي السينما شارك في أفلام «الطريق إلى إيلات»، و«اغتيال مدرسة»، و«السفاح»، و«العميل رقم 13»، و«الهروب إلى القمة»، و«ثمن الغربة».

كما اشتهر الحلفاوي أيضاً بين جمهوره بلقب «نديم قلب الأسد»، نسبةً للدور الذي جسَّده لضابط المخابرات المصري في مسلسل «رأفت الهجان». تزوَّج الحلفاوي الممثلة فردوس عبد الحميد وأنجب منها المخرج خالد الحلفاوي، قبل أن ينفصلا ويتزوج مرة ثانية.

ونعى الحلفاوي عددٌ من النجوم عبر موقع «إكس». وكتب الفنان محمود البزاوي: «أرجو من الجميع الدعاء له بالرحمة والمغفرة وقراءة الفاتحة».

ورثاه الفنان أحمد فتحي عبر حسابه على «انستغرام» ،وقال: «ورحل القبطان وداعا الفنان الكبير نبيل الحلفاوي».

ونشرت الفنانة منة فضالي صورة للراحل على حسابها بموقع انستغرام وكتبت :«وداعا الفنان الخلوق نبيل الحلفاوي كنت فنانا على خلق ، حتوحشنا يا قبطان».

كما نعته الفنانة حنان مطاوع، وكتبت :«لا إله إلا الله، رحل واحد من احب واغلي الناس علي قلبي، ربنا يرحمه ويصبر قلب خالد ووليد وكل محبيه».

وكتب الإعلامي اللبناني نيشان: «نبيل الحلفاوي. أَثْرَى الشّاشة بِرُقِيّ وَدَمَغَ في قلوبنا. فَقَدنا قامة فنيَّة مصريّة عربيّة عظيمة».

وكان آخر أعمال الحلفاوي الفنية فيلم «تسليم أهالي» الذي تم عرضه عام 2022، حيث ظهر ضيف شرف في أحداث العمل.