لماذا التركيز على تقنية حكم «الفيديو» وترك المشكلات الحقيقية لكرة القدم؟

النقاد في إنجلترا أصابوا الشارع الرياضي بحالة من الفوضى

الحكم دين محاصر بين مدرب بورنموث ولاعب وستهام لتبرير أحد قراراته
الحكم دين محاصر بين مدرب بورنموث ولاعب وستهام لتبرير أحد قراراته
TT

لماذا التركيز على تقنية حكم «الفيديو» وترك المشكلات الحقيقية لكرة القدم؟

الحكم دين محاصر بين مدرب بورنموث ولاعب وستهام لتبرير أحد قراراته
الحكم دين محاصر بين مدرب بورنموث ولاعب وستهام لتبرير أحد قراراته

تخيل لو أن المعلقين الرياضيين والجماهير تحدثوا بانتظام بذات النبرة الواثقة ضد العنصرية الممنهجة مثلما يفعلون ضد قرارات حكم الفيديو المساعد (فار)... بالطبع كانت كثير من المشكلات الكبرى قد تم حلها.
ودعوني أؤكد منذ البداية أنني لا أنتهج موقفاً معيناً حيال تقنية «فار». ولو أن لي مثل هذا الموقف، فبالتأكيد لن أعلن عنه. من وقت لآخر، كنت أتعرض لسؤال في برنامج إذاعي أو تلفزيوني يتطلب ضمنياً التعبير عن وجهة نظر محدد تجاه «فار». ومع هذا، تمكنت في كل مرة من التظاهر بالغضب الشديد تجاه التقنية الجديدة، مثلما يتوافق مع المزاج العام.
في الواقع، الأمر بالغ السهولة لو أنك تدربت عليه قليلاً. ولضمان تقديم أداء جيد عليك الحرص على استخدام أكبر عدد ممكن من الكلمات والعبارات التالية: «مايك رايلي» و«ليس هذا الهدف الذي جرت الاستعانة بالتكنولوجيا من أجله» و«قتل العاطفة»، مع الحرص في الوقت ذاته على التحكم في نبرة صوتك بحيث تعكس حمم غاضبة في داخلك. وأخيراً، تطلق زفرة عميقة وكبيرة في الميكروفون تعبر بها عن يأسك وأن الكيل قد فاض بك، ثم تقول بنبرة مسرحية حزينة: «هذا أمر محزن. صدقني إنه كذلك».
في هذه اللحظة، لو أنك أديت مهمتك على النحو الصائب، فإنه يكاد يكون من المؤكد أن شكواك ستنتشر كالنار في الهشيم عبر شبكات التواصل الاجتماعي؛ حيث سيعلق عليها الناس بكثير من الصور التعبيرية الإيجابية والتعليقات من عينة: «جوناثان ليو يقول الحقيقة!!»، أو «هذا أمر كان يجب قوله»، وهي جملة أصبحت تطلق اليوم على كل ما لا يمت للحقيقة بصلة. وفي عصر يكاد يكون الغضب العاطفة الوحيدة المشروعة فيه، يوفر «فار» فرصة مجانية لإطلاق العنان لهذا الغضب دونما عواقب. إنها فرصة لأن تصب جام غضبك على عدو لا اسم ولا وجه له.
أما آرسين فينغر (مدرب آرسنال السابق والخبير في الفيفا) فله اسم ووجه، وفي الأسبوع الماضي تعرض لانتقادات حادة بعدما لمح على استحياء إلى إمكانية إدخال تعديل طفيف على قانون التسلل لتجنب بعض أكثر قرارات «فار» المثيرة للاستفزاز والغضب.
وأعطى المدرب الفرنسي أرسين فينغر، المدير الجديد لتطوير كرة القدم العالمية في الاتحاد الدولي (فيفا)، انطباعا بشيء من الليونة في تطبيق قاعدة التسلل، حين قال في منتصف الشهر الحالي من العاصمة الألمانية برلين إنه «ربما هناك مجال لبعض من التغيير في قاعدة التسلل»، بحيث يسمح للاعب المهاجم بأن يكمل الهجمة من دون أن ترفع راية التسلل «ما دام أن جزءا من جسمه على نفس خط المدافع الأخير». وتنص القاعدة حاليا على رفع راية التسلل إذا كان أي جزء من جسم المهاجم أمام المدافع الأخير.
ومن هذا التصريح يمكن للمرء تخمين أن فينغر ليس من المستخدمين المنتظمين لشبكات التواصل الاجتماعي، ولذلك ليس من المثير للدهشة أنه تجاهل القاعدة الأولى للحديث عن «فار»: أي هناك حلول، هناك مشكلات فقط، فكل ما يتعلق بـ«فار» يوجد في أسوأ صورة ممكنة، ومع هذا أي حل مقترح لن يزيد الأوضاع السيئة سوى تفاقم.
وينطبق هذا القول على عطلة نهاية أسبوع أخرى ببطولة الدوري الممتاز تضمنت حوادث مثيرة للجدل داخل استادات «ستامفورد بريدج» و«تيرف مور» و«كينغ باور»، كان لتقنية «فار» دور البطولة بها. وبطبيعة الحال أثارت هذه الحوادث السيل المعتاد من التنهدات المتحسرة وموجات الغضب المسرحي والموجات المعتادة من الشكاوى والتعبير عن الغضب، كل ذلك في صورة جدال معقد ومحتدم ومستنزف للطاقة يصر جميع المشاركين فيه على أن الأمر في جوهره «بسيط للغاية».
والسؤال هنا: من المستفيد من كل ذلك؟ من ناحية، جميعنا نستفيد من هذا الوضع: فالحديث والجدال وعلامات الاستفهام هي جوهر الأمر كله. ويبدو «فار» عنصراً نموذجياً كبطل لهذه الجدالات إذا ما نظرنا إلى كرة القدم ليس باعتبارها رياضة، وإنما كمسلسل درامي أو منتج ترفيهي، يتمثل هدفه الأكبر في توليد موجة لا نهاية لها من المشاعر وموضوعات للحديث.
من هذه الزاوية، يمكن التأكيد على أن تقنية «فار» حققت نجاحاً مذهلاً، وتمكنت من تحويل حتى أكثر المباريات إثارة للملل والسأم إلى محور مناقشات حية ونابضة بالحياة والإثارة من خلال مجرد إصدار قرار بإلغاء هدف هنا أو هناك. وينطبق الأمر ذاته على مسلسل شهير مثل «لوف آيلاند»، فالهدف الأكبر لا يعدو كونه إثارة موجة مستمرة من الحديث المحموم.
وربما يكمن السبب وراء قدرة أشياء مثل «فار» على استثارة مثل هذه المشاعر القوية أنه يثير في الأذهان شعوراً مألوفاً لدى الغالبية الكاسحة بالانفصال والعزلة عن الحياة الحديثة، بمعنى فكرة أن القرارات التي تؤثر على سعادتك يجري اتخاذها بعيداً عن ناظريك ودون مشاركة منك. مثلاً، زجاجة العصير داخل ثلاجتك تحمل عبارة «أهلاً أيها الجميل!»، ويبدو أن نظام اللوغاريتمات الذي يعتمد عليه موقع «فيسبوك» يعلم على وجه الدقة المكان الذي ستقضي فيه عطلتك التالية، لكنك في الوقت ذاته عاجز عن الحديث إلى إنسان مثلك عندما تجري اتصالاً هاتفياً بالبنك الذي تتعامل معه أو إيجاد حزب سياسي يمثلك عن حق. والآن، ألغى «فار» هدفاً نموذجياً سجله فريقك بسبب لمسة يد! أين من المفترض أن يضع اللاعب يده إذن؟! أين التناغم والاتساق في القرارات؟! لقد ماتت كرة القدم!.
وهنا، لا يمكن للمرء سوى التساؤل فيما بينه ماذا لو أن جزءاً صغيراً فقط من هذا الغضب المشتعل جرى توجيهه نحو المشكلات الأخرى التي تعانيها كرة القدم؛ مشكلات أكثر إلحاحاً، في واقع الأمر: التباين المتنامي في الثروات وملاك الأندية الطفيليين وأزمة التمويل العام والتوجهات الذكورية السامة وتأثير صناعة المراهنة والقمار.
إلا أنه على أرض الواقع هذا حال الكرة الإنجليزية، فهي رياضة وثقافة قامت على أساس المظالم المثيرة للسخرية، والتي يجري النظر في إطارها دوماً لأحدث إهانة تعرض لها فريقك باعتبارها المشكلة الأهم. وفي الوقت ذاته، هناك منظومة معقدة تتشارك فيها رأسمالية القرن الـ21 والمنصات الرقمية لمنح الجماهير منافذ مختلفة ومتنوعة للتعبير عن مظالمهم وسخطهم، لكنها لا تقدم أي شيء على الإطلاق لمحاولة حل هذه المشكلات أو تخفيفها. إنهم حشود من البشر تتحدث دونما نهاية دون أن ينصت لها أحد.
بطبيعة الحال، الأمر أكثر تعقيداً عن ذلك، فثمة صعوبة وراء فرض دقة تكافئ مستوى دقة الجراحين على رياضة دائماً ما اعتمدت قرارات التحكيم فيها على الثقة والشعور والسوابق. في الواقع، من الحقائق التي لا يذكرها أحد أن اللاعب الذي يتعرض لمخالفة بحقه لكن يبقى واقفاً على قدميه لا ينجح في الحصول على قرار باحتساب ركلة حرة من الحكم أبداً. إن أفكار الماضي المشوهة دائماً ما تظهر في طريق التغيير، ويبدو أن الكثيرين يرون أننا كنا أحسن حالاً عندما كان الحكام يرتكبون بعض الأخطاء البسيطة عن حسن نية ولا يسلخهم أحد أحياء بسببها. إن ما نعيشه اليوم باختصار حالة من الفوضى ـ إنها حقاً كذلك.


مقالات ذات صلة

توجيه اتهامات لنيوكاسل وأستون فيلا بسبب شجار جماعي

رياضة عالمية الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم (رويترز)

توجيه اتهامات لنيوكاسل وأستون فيلا بسبب شجار جماعي

وجَّه الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم اتهامات إلى فريق نيوكاسل يونايتد ومدربه المساعد جاسون تيندال وأستون فيلا والمحلل الأداء الرئيسي له فيكتور مانتس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أنتونين كينسكي (إ.ب.أ)

كينسكي: انطلاقتي مع توتنهام أمام ليفربول أبعد من أحلامي

اعترف أنتونين كينسكي، حارس المرمى الجديد لفريق توتنهام الإنجليزي لكرة القدم، بأن ظهوره الأول في المباراة التي فاز فيها فريقه على ليفربول 1 - صفر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة عالمية أصبح نادي بريستول سيتي رابع نادٍ بدوري البطولة الإنجليزية للسيدات يشارك في تجربة السماح للجماهير بتناول المشروبات الكحولية في المدرجات خلال المباريات (نادي بريستول)

4 أندية إنجليزية للسيدات تسمح بتناول الكحول في المدرجات

أصبح نادي بريستول سيتي رابع نادٍ بدوري البطولة الإنجليزية للسيدات لكرة القدم يشارك تجربة السماح للجماهير بتناول المشروبات الكحولية في المدرجات خلال المباريات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
رياضة سعودية بافيل نيدفيد في صورة بملعب نادي الشباب (نادي الشباب)

بافل نيدفيد: ألوان نادي الشباب تعكس «اللون الذي أفضّله»

أبدى التشيكي بافيل نيدفيد، المدير الرياضي الجديد لنادي الشباب، سعادته البالغة لوجوده في منصبه الجديد مع «الليث»، مقدماً شكره لمحمد المنجم رئيس النادي.

هيثم الزاحم (الرياض)
رياضة عالمية أنجي بوستيكوغلو (رويترز)

مدرب توتنهام للإنجليز: احموا قدسية اللعبة من الـ«فار»

تساءل أنجي بوستيكوغلو، المدير الفني لفريق توتنهام الإنجليزي لكرة القدم، عن سبب عدم استجواب الجمهور الإنجليزي تقنية «حكم الفيديو المساعد (فار)».

«الشرق الأوسط» (لندن)

بطولة إيطاليا: إنتر للنهوض من كبوة الديربي... ويوفنتوس للعودة إلى سكة الانتصارات

لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
TT

بطولة إيطاليا: إنتر للنهوض من كبوة الديربي... ويوفنتوس للعودة إلى سكة الانتصارات

لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)
لاعبو ميلان وفرحة تخطي الجار اللدود إنتر (أ.ب)

يسعى إنتر حامل اللقب إلى النهوض من كبوة الديربي وخسارته، الأحد الماضي، أمام جاره اللدود ميلان، وذلك حين يخوض (السبت) اختباراً صعباً آخر خارج الديار أمام أودينيزي، في المرحلة السادسة من الدوري الإيطالي لكرة القدم. وتلقى فريق المدرب سيموني إينزاغي هزيمته الأولى هذا الموسم بسقوطه على يد جاره 1-2، بعد أيام معدودة على فرضه التعادل السلبي على مضيفه مانشستر سيتي الإنجليزي في مستهل مشواره في دوري أبطال أوروبا.

ويجد إنتر نفسه في المركز السادس بثماني نقاط، وبفارق ثلاث عن تورينو المتصدر قبل أن يحل ضيفاً على أودينيزي الذي يتقدمه في الترتيب، حيث يحتل المركز الثالث بعشر نقاط بعد فوزه بثلاث من مبارياته الخمس الأولى، إضافة إلى بلوغه الدور الثالث من مسابقة الكأس الخميس بفوزه على ساليرنيتانا 3-1. ويفتقد إنتر في مواجهته الصعبة بأوديني خدمات لاعب مؤثر جداً، هو لاعب الوسط نيكولو باريلا، بعد تعرّضه لإصابة في الفخذ خلال ديربي ميلانو، وفق ما قال بطل الدوري، الثلاثاء.

وأفاد إنتر بأنّ لاعب وسط منتخب إيطاليا تعرّض لتمزق عضلي في فخذه اليمنى، مضيفاً أنّ «حالته ستقيّم من جديد الأسبوع المقبل». وذكر تقرير إعلامي إيطالي أنّ باريلا (27 عاماً) سيغيب إلى ما بعد النافذة الدولية المقررة الشهر المقبل، ما يعني غيابه أيضاً عن المباراتين أمام النجم الأحمر الصربي (الثلاثاء) في دوري أبطال أوروبا، وتورينو متصدر ترتيب الدوري.

«كانوا أفضل منا»

وأوضحت صحيفة «غازيتا ديلو سبورت»، التي تتخذ من ميلانو مقراً لها، أن إينزاغي حاول تخفيف عبء الخسارة التي تلقاها فريقه في الديربي بهدف الدقيقة 89 لماتيو غابيا، بمنح لاعبيه فرصة التقاط أنفاسهم من دون تمارين الاثنين، على أمل أن يستعيدوا عافيتهم لمباراة أودينيزي الساعي إلى الثأر من إنتر، بعدما خسر أمامه في المواجهات الثلاث الأخيرة، ولم يفز عليه سوى مرة واحدة في آخر 12 لقاء. وأقر إينزاغي بعد خسارة الدربي بأنهم «كانوا أفضل منا. لم نلعب كفريق، وهذا أمر لا يمكن أن تقوله عنا عادة».

ولا يبدو وضع يوفنتوس أفضل بكثير من إنتر؛ إذ، وبعد فوزه بمباراتيه الأوليين بنتيجة واحدة (3 - 0)، اكتفى «السيدة العجوز» ومدربه الجديد تياغو موتا بثلاثة تعادلات سلبية، وبالتالي يسعى إلى العودة إلى سكة الانتصارات حين يحل (السبت) ضيفاً على جنوا القابع في المركز السادس عشر بانتصار وحيد. ويأمل يوفنتوس أن يتحضر بأفضل طريقة لرحلته إلى ألمانيا الأربعاء حيث يتواجه مع لايبزيغ الألماني في مباراته الثانية بدوري الأبطال، على أمل البناء على نتيجته في الجولة الأولى، حين تغلب على ضيفه أيندهوفن الهولندي 3-1. ويجد يوفنتوس نفسه في وضع غير مألوف، لأن جاره اللدود تورينو يتصدر الترتيب في مشهد نادر بعدما جمع 11 نقطة في المراحل الخمس الأولى قبل استضافته (الأحد) للاتسيو الذي يتخلف عن تورينو بفارق 4 نقاط.

لاعبو إنتر بعد الهزيمة أمام ميلان (رويترز)

من جهته، يأمل ميلان ومدربه الجديد البرتغالي باولو فونسيكا الاستفادة من معنويات الديربي لتحقيق الانتصار الثالث، وذلك حين يفتتح ميلان المرحلة (الجمعة) على أرضه ضد ليتشي السابع عشر، قبل رحلته الشاقة جداً إلى ألمانيا حيث يتواجه (الثلاثاء) مع باير ليفركوزن في دوري الأبطال الذي بدأه بالسقوط على أرضه أمام ليفربول الإنجليزي 1-3. وبعد الفوز على إنتر، كان فونسيكا سعيداً بما شاهده قائلاً: «لعبنا بكثير من الشجاعة، وأعتقد أننا نستحق الفوز. لا يمكنني أن أتذكر أي فريق آخر تسبب لإنتر بكثير من المتاعب كما فعلنا نحن».

ويسعى نابولي إلى مواصلة بدايته الجيدة مع مدربه الجديد، أنطونيو كونتي، وتحقيق فوزه الرابع هذا الموسم حين يلعب (الأحد) على أرضه أمام مونتسا قبل الأخير، على أمل تعثر تورينو من أجل إزاحته عن الصدارة. وفي مباراة بين فريقين كانا من المنافسين البارزين الموسم الماضي، يلتقي بولونيا مع ضيفه أتالانتا وهما في المركزين الثالث عشر والثاني عشر على التوالي بعد اكتفاء الأول بفوز واحد وتلقي الثاني ثلاث هزائم. وبعدما بدأ مشواره خليفة لدانييلي دي روسي بفوز كبير على أودينيزي 3-0، يأمل المدرب الكرواتي إيفان يوريتش منح روما انتصاره الثاني هذا الموسم (الأحد) على حساب فينيتسيا.