قرون من الحكايات والتاريخ في متحف دار الكتب بمصر

بعضها نُقش على بيضة وأخرى دُونّت بذيل سنجاب

صندوق للمصحف الشريف مصنوع من الفضة الخالصة تم إهداؤه للملك فاروق  -  مجسم للكرة الأرضية يعود للقرن التاسع عشر
صندوق للمصحف الشريف مصنوع من الفضة الخالصة تم إهداؤه للملك فاروق - مجسم للكرة الأرضية يعود للقرن التاسع عشر
TT

قرون من الحكايات والتاريخ في متحف دار الكتب بمصر

صندوق للمصحف الشريف مصنوع من الفضة الخالصة تم إهداؤه للملك فاروق  -  مجسم للكرة الأرضية يعود للقرن التاسع عشر
صندوق للمصحف الشريف مصنوع من الفضة الخالصة تم إهداؤه للملك فاروق - مجسم للكرة الأرضية يعود للقرن التاسع عشر

على سطح بردية تعود للقرن الأول الهجري، يمكنك بصعوبة قراءة أمر إداري يُفيد بإعفاء تجار القمح من الضرائب في بغداد بالعراق، وبجوارها رسالة لرجل يبيع بيته لزوجته كتبها على سطح من الجلد الأحمر باللغتين العربية والقبطية، وأخرى تُبرز عقد زواج يُفيد أن الزوجة قد تسلمت دينارين قيمة مهرها، تعود للقرن الثالث الهجري.
حكايات لا حصر لها يكتنزها الورق القديم في متحف «دار الكتب» وسط العاصمة المصرية القاهرة، تتراوح بين حكايات العامة المكتوبة على ورق زهيد، وحتى مخطوطات الملوك المكتوبة بحروف من الذهب الخالص، مروراً بنفائس مؤلفات رجال العلم والتاريخ والأدب، وخرائط المحاربين والرحّالة، وحتى دُرر المصاحف الشريفة النادرة ونسخها المزخرفة.
ويستقبل المتحف حالياً وفوداً علمية ومتخصصين في مجال العمل المتحفي من دول أجنبية وعربية، على غرار اليابان وألمانيا للاطلاع على أبرز ما يضمه المتحف من مقتنيات نادرة وتاريخية.
المتحف مُلحق بمبنى دار الكتب المصرية المُحتفظ بطرازه المعماري المُستوحى من الطراز المملوكي، ومع صعود الدرج وصولاً إلى الطابق الأول الذي يقع فيه المتحف تستقبلك صورة للأديب العالمي نجيب محفوظ، وتمثال للخديو إسماعيل، وآخر لعلي باشا مبارك الذي لُقب بـ«أبو التعليم في مصر»، الذي تستهل يمنى خالد، أمينة متحف دار الكتب والمرشدة السياحية، من سيرته حديثها لـ«الشرق الأوسط» لا سيما دوره في الإشراف على ما كان يُعرف بـ«الكتبخانة الخيديوية» التي أصدر الخديو إسماعيل عام 1870 قراراً بإنشائها، تقول «جمعت الكتبخانة تحت إشراف علي باشا مبارك في هذا الوقت مخطوطات وكتب نادرة من المساجد والزوايا وغيرها، وكانت الكتبخانة كانت في البداية تشغل طابقاً أرضياً في سراي الأمير مصطفى فاضل باشا في حي الجماميز بالقاهرة، حتى وضع الخديو عباس حلمي الثاني حجر الأساس لمبنى الدار بميدان باب الخلق»، وهو المبنى الكائن حالياً بمنطقة باب الخلق وسط العاصمة المصرية ويضم المتحف.
يحتفظ المتحف بإضاءة منخفضة نسبياً، ويرجع ذلك لحساسية المخطوطات القديمة، التي تحافظ درجة الإضاءة الخافتة على بنيتها، لا سيما أنها معروضات غاية في القدم، يبدأ تاريخها من القرن الأول الهجري، ومن اللافت أيضاً في زيارة المتحف هو أن مسار الجولة به يبدأ من الطابق الثالث «الأخير» هبوطاً إلى الطابق الأول.
تُشير يمنى خالد في بداية الجولة بالطابق الثالث بالمتحف، لما تصفها بالمحتويات التي تروي قصة الكتابة منذ قدم التاريخ، وهي تضم نماذج من أسطح الكتابة من البردي والورق، مروراً بأدوات صقل الورق وتجهيزه، والأصباغ والألوان التي تقول عنها يمنى: «استخدم الأوائل الأصباغ المُستخرجة من نقيع النباتات كالعُصفر والكركم والكركديه والنيلة التي يستخرج منها اللون الأزرق الداكن، ودودة القرمز، وحتى الأحجار الكريمة والذهب والفضة التي كانوا يطحنوها حتى يستخرجوا منهم ألواناً».
تمر قصة الكتابة التي تضمها محتويات المتحف بأدوات الكتابة مثل أقلام البوص وسكين التقليم ودواة الأحبار، تشير يمنى لعجائب الكتابة في الزمن القديم: «هنا فرشاة معروضة مصنوعة من ذيل سنجاب كانت تستخدم لكتابة الخطوط الدقيقة للغاية».
بالمرور في طرقات المتحف، تلتفت لكتب نادرة غاية في الأهمية والدلالة منها كتاب «القانون في الطب» لابن سينا، و«كتاب الحُميّات» لابن ماسويه، وخريطة مُعلقة تبرز فتوح الإسكندر الأكبر مرسومة بالنحاس، وخرائط قديمة للبحر الأحمر والميت، وكرة أرضية مُجسمة تُبرز علاقة الأرض بمواقع النجوم والأبراج الفلكية، ويمكن عليها رصد أبراج مثل برج العقرب المرسوم على الكرة الأرضية بوضوح التي تعود لعام 1803.
في أقسام التاريخ والأدب عناوين كتب نفيسة مثل النسخة النادرة لـ«كتاب الأغاني» للأصفهاني الذي يضم أخباراً وأشعاراً متصلة بالتراث العربي الجاهلي، وتتضاعف نفائس المعروضات مع الوصول للطابق الأول الذي يضم نسخاً نادرة للمصحف الشريف، منها نسخة نادرة مكتوبة على الرق بالخط الكوفي تعود للقرن الثاني الهجري، وأخرى نادرة مكتوبة بخط النسخ ومُطعمة بزخارف نباتية على الطراز الكشميري، ومصاحف أندلسية كبيرة، وفي الواجهة صندوق ضخم للمصحف الشريف وزنه 150 كيلوغراماً مصنوعاً من الفضة الخالصة، وهو إهداء من أحد ملوك الهند للملك فاروق، وصندوق آخر مُطعم من الأحجار الكريمة على شكل مسجد قبة الصخرة، علاوة على النسخة الأصلية من صحيح البخاري، وبردة الإمام البوصيري، وحُليات نبوية شريفة.
وتشير يمنى خالد، إلى واحدة من عجائب مقتنيات المتحف، وهي عبارة عن ثلاث حبّات قمح تقول: «نقف أمام تلك الحبّات عاجزين عن الوصف، فواحدة من تلك الحبّات مكتوب عليها أسماء أبرز من حكم مصر بداية من عمر بن الخطاب وحتى الملك فؤاد مروراً بكليبر والسلطان الغوري وغيرهم، وحبّة ثانية مكتوب عليها بعض الآيات القرآنية التي كُتبت بهذا الخط بالغ الدقة بشعرة قطة»، وإلى جوارها بيضة مكتوب عليها إنجازات الخديو إسماعيل كاملة.



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».