من بون إلى فيينا... البحث عن بيتهوفن الإنسان

خلال احتفال العالم بالذكرى الـ250 لميلاده

المكتبة الوطنية بفيينا تستضيف معرضاً عن بيتهوفن يضم نوتات السيمفونية التاسعة (نيويورك تايمز)  -  تمثال نصفي لبيتهوفن في المنزل الذي شهد مولده في مدينة بون (نيويورك تايمز)
المكتبة الوطنية بفيينا تستضيف معرضاً عن بيتهوفن يضم نوتات السيمفونية التاسعة (نيويورك تايمز) - تمثال نصفي لبيتهوفن في المنزل الذي شهد مولده في مدينة بون (نيويورك تايمز)
TT

من بون إلى فيينا... البحث عن بيتهوفن الإنسان

المكتبة الوطنية بفيينا تستضيف معرضاً عن بيتهوفن يضم نوتات السيمفونية التاسعة (نيويورك تايمز)  -  تمثال نصفي لبيتهوفن في المنزل الذي شهد مولده في مدينة بون (نيويورك تايمز)
المكتبة الوطنية بفيينا تستضيف معرضاً عن بيتهوفن يضم نوتات السيمفونية التاسعة (نيويورك تايمز) - تمثال نصفي لبيتهوفن في المنزل الذي شهد مولده في مدينة بون (نيويورك تايمز)

حتى من يزور فيينا بشكل عرضي، لا يسعه إلا أن تجذب أنظاره المنتجات المرتبطة بالموسيقار موتسارت في المدينة.
فيبرز وجه موتسارت من أغلفة الحلوى المغطاة بالشوكولاته المسماة «موتسارت كاجلين»، كما أن المقاهي تقدم كعكات موتسارت، وتبيع محلات الهدايا التذكارية سلاسل مفاتيح تحمل صوره أيضاً، وكذلك أيضاً الدمى ولعب الأطفال التي تحمل اسمه، حتى إن الباعة الجائلين خارج المعالم السياحية الرئيسية يبيعون تذاكر لحفلات سياحية لموسيقى شتراوس وبالطبع أيضاً موتسارت.
ولا يمكنك إلا أن تتساءل: ماذا عن بيتهوفن؟ من الرائع حقاً مشاهدة المدينة التي قضى فيها موتسارت آخر عقد من حياته تحتفل به بالكثير من المظاهر. لكن بيتهوفن قضى أيضاً آخر 35 عاماً من حياته هنا، وكانت فيينا هي التي كتب أو عرض فيها معظم أعماله الرئيسية، بما في ذلك السيمفونيات التسع جميعها، وقد غيّر بالفعل أفكارنا عن الموسيقى والفن والعبقرية. لكن خارج المتاحف وقاعات الحفلات الموسيقية في الأحياء الراقية، فإن آثاره أقل وضوحاً بكثير.
لكن لماذا؟ لا شك أن بيتهوفن هو أكثر الملحنين شهرة والأكثر أداءً في العالم. فموسيقاه وقصته فيما يتعلق بكيفية مقاومة اليأس لأنه فقد سمعه، وقام بتأليف رائعة موسيقية بعد أخرى، لا يزال يشكل مصدر إلهام. لكنه ربما يكون رجلاً صعب المراس. وإذا كانت أسطورة موتسارت المعاصرة قد لقيت رواجاً من فيلم «أماديوس» عام 1984 الفائز بجائزة «أوسكار»، فإن فيلم «إمورتال بيلافد» أو «الحبيب الخالد» الذي يروي السيرة الذاتية لبيتهوفن، لم يحظَ بالقدر نفسه من الشهرة.
لكن قصة بيتهوفن يجري سردها هذا العام لجيل جديد. فيتم الاحتفال بالذكرى الـ250 لميلاده عام 1770 في جميع أنحاء العالم، حيث تقوم قاعات الحفلات بتنظيم حفلات ماراثونية لموسيقاه، كما أن المتاحف تدشن معارض مع إصدار مجموعات مغلفة لأعماله الكاملة على أسطوانات مدمجة من جانب شركات تسجيلات، مثل «وارنر كلاسيكس» و«دويتشه جرامافون». لذلك يبدو الوقت مناسباً للبحث عن بيتهوفن الإنسان.
بداية من منزله في مدينة بون الألمانية؛ حيث وُلِد لعائلة من الموسيقيين وملامح نشأته إلى الأماكن في فيينا وحولها حيث عاش وعمل، يمكن تحسس ملامح اليأس والانتصار.
- الهوس بـ«بيتهوفن» في بون
من المنطقي البدء بمدينة بون، ليس فقط نظراً لنشأته فيها، ولكن لأنها أيضاً ربما تضم أفضل متحف لبيتهوفن وهو «بيتهوفن هاوس»... محل ميلاده.
ولا أحد يستطيع أن يتهم بون بالتغاضي عن ابنها الشهير، حتى وإن لم تكن طفولته هناك سعيدة.
فلا يمكنك ألا تجد ملمحاً له هناك بصرف النظر عن طريقة وصولك: ففي محطات القطارات في بون هناك لافتات تفتخر بأنها مسقط رأس بيتهوفن، كما يمكنك مشاهدة لافتات «BTHVN 2020» ترفرف على الطرقات. وتبيع منصات الملابس التذكارية القمصان المطبوع عليها اسم وصور بيتهوفن. كما يقف نصب بيتهوفن البرونزي المهيب في ساحة «مونستربلاتز»، الذي ساعد الملحن المجري وعازف البيانو فرانز ليزت على دفع ثمنه، وهو أحد أبرز معالم المدينة. كما تنتشر تماثيل بيتهوفن الصغيرة في كل مكان.
ومن فندق بيتهوفن المتواضع، ولكن الممتع، يمكن السير إلى «بيتهوفن هاوس». وهناك، وفي فناء داخلي مرصوف بالحصى، وجدت نفسي عند باب المنزل الذي وُلد فيه بيتهوفن عام 1770، في أحضان عائلة موسيقية بارزة.
إن المتحف، الذي تم تجديده للاحتفال بذكرى ميلاده، هو مستودع موسيقي رائع. إنه يعرض آلة الأرغن الموسيقية التي عزف عليها كطفل في قداس مبكر في كنيسة قريبة، وآلة الفيولا التي لعب بها، وآخر بيانو كبير له.
ولا يرتدي بيتهوفن نظارة في صوره المشهورة، لذلك شعرت بالدهشة لرؤية نظارة. ثم كانت هناك أبواق الأذن التي استخدمها (للتغلب على مشكلة الصمم)، والتي صنعها المخترع يوهان نيبوموك مالزيل له لكي تلتصق بأذنيه.
لم أستطع إلا أن أبتسم في محل بيع الهدايا. فلم يقدم فقط تماثيل بيتهوفن الرصينة والتسجيلات والكتب العلمية، ولكن أيضا شوكولاته بيتهوفن، ولعب الأطفال المطاطية التي تحمل اسم بيتهوفن.
- رحلة فيينا
وجمع معرض مهم يستمر حتى شهر أبريل (نيسان) في بوندينسكونستال بعض القطع الأثرية الأكثر أهمية في حياة بيتهوفن، تحت سقف واحد، بطريقة تسلط الضوء على أسطورة بيتهوفن، وتثير تساؤلات عنها في الوقت نفسه.
ولفهم كيف عاد بيتهوفن أخيراً إلى فيينا، فقد ركبت قطاراً في قطار إلى باد جوديسبيرج، وهي منتجع صحي سابق.
وهناك، في لا ردوتي، توجد قاعة رقص أنيقة، وقابل فيها بيتهوفن، المؤلف الموسيقي جوزيف هايدن في عام 1792، وأظهر له مقطوعة موسيقية كان قد كتبها. ووافق هايدن الذي كان ربما أكبر ملحن على قيد الحياة في ذلك الوقت، حيث كان موتسارت قد توفي في العام السابق لذلك، على تعليمه في فيينا.
- أكبر أزماته
ولم يكن هناك أي شك حول من أين تبدأ في فيينا، فلقد كانت هايليغنشتات، القرية التي بقي بيتهوفن فيها في عام 1802 وواجه هناك واحدة من أكبر الأزمات في حياته. وكتب حينها يقول: «أيها الرجال الذين يفكرون أو يقولون: إنني خبيث أو عنيد أو خاطئ، كم أنتم تسيئون الحكم عليّ».
هذه الرسالة، التي تم اكتشافها بعد وفاته، ومن المفترض أنها لم ترسل لأحد أبداً، هي المفتاح لفهم الطريق من الخزي إلى اليأس إلى التصميم، بعد أن فقد سمعه. وكتب بيتهوفن يقول: «آه، كيف يمكنني أن أعترف بوجود عيب في الحاسة الوحيدة التي يجب أن تكون أكثر كمالاً بالنسبة لي من الآخرين»، محاولاً بذلك التعبير علن ألمه النفسي الشديد عندما فقد سمعه.
وأضاف: «هذه الأحداث دفعتني إلى اليأس تقريباً، فإنني أوشكت على أن أنهي حياتي، ولم يكن سوى فني هو الذي أعاقني».
وفي قصر لوبكويتز المزخرف، الذي كان في السابق منزلَ راع رئيسي، والآن متحف «ثييتر ميوزيم»، قمت بزيارة القاعة التي ربما شهدت أولى البروفات الخاصة لسيمفونية «إيروكيا». وفي كتاب «بيتهوفن: الكرب والانتصار»، وصف جان سوافورد كيف كان الضيوف يستمعون «والعازفون يتعثرون من خلال أغرب موسيقى سمعها أي منهم على الإطلاق». وفي مسرح دير فين، في الجهة المقابلة للشارع الموجود فيه الفندق الذي نزلت به، قدم بيتهوفن لأول مرة السمفونيتين الخامسة والسادسة، خلال الليلة نفسها، في حفل طويل ملحمي عام 1808.
- وفاته
وأخيراً، وصلتُ إلى الموقع الذي تُوفّي فيه بيتهوفن في 26 مارس (آذار) 1827، عن عمر 56 عاماً. فالمبنى المقام في مدينة «شوارتس سبيرانير شتراسه»، لم يعد موجوداً، ولكن توجد مكانه لوحتان تدلان على أثره. وبعد وفاته، قام بعض الزوار بقص خصلات من شعره كتذكار، لا تزال تجذب آلاف الدولارات في المزادات العلنية حالياً. واصطفّ المشيعون في الشوارع لجنازته، واستغرق الأمر نحو ساعة ونصف الساعة للوصول إلى موكب بالقرب من كنيسة الثالوث المقدس، حيث أُقيمت جنازته. وسرت بعد ذلك إلى مقبرة بيتهوفن الأولى في فارينغ، التي دُفن فيها أيضاً شوبرت، الذي توفي بعد فترة قصيرة بعد بيتهوفن. لكن رفات كلا الملحنين نقلت لاحقاً عام 1888 إلى المقبرة المزخرفة المركزية في المدينة، ولم يتم نقلهما منها حتى الآن.
ومقبرة «فينرينغ» هي الآن «شوبرت بارك». وعندما زرتُها، كانت مليئة بالأطفال يلعبون وأشخاص يتنزهون برفقة كلابهم، ولا يكادون يلتفتون إلى شاهدي القبرين اللذين تُركا في ركن هادئ.
- خدمة «نيويورك تايمز»



من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
TT

من سيارة «ليرة» إلى «تاكسي طائرة»... هشام الحسامي شعارُه «صُنع في لبنان»

المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)
المهندس هشام الحسامي وأول طائرة تاكسي صُنعت في لبنان (حسابه الشخصي)

تكبُر أحلام الشاب اللبناني المهندس هشام الحسامي يوماً بعد يوم، فلا يتعب من اللحاق بها واقتناص الفرص ليُحقّقها. منذ نحو العام، أطلق إنجازه الأول في عالم التكنولوجيا، فقدّم سيارة «ليرة» الكهربائية العاملة بالطاقة الشمسية، لتكون المنتج النموذج لتأكيد قدرة اللبناني على الابتكار.

اليوم، يُطوّر قدراته مرّة أخرى، ويُقدّم أول تاكسي طائرة، «سكاي ليرة»، من صنع محلّي؛ تأتي ضمن سلسلة «ليرة» ومزوَّدة بـ8 محرّكات. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها أول طائرة من نوعها في العالم العربي مصنوعة محلّياً. فمعظم طائرات التاكسي في الإمارات العربية وغيرها، تُستَورد من الصين. رغبتُ من خلالها التأكيد على إبداعات اللبناني رغم الأزمات المتلاحقة، وآخرها الحرب».

يتمتّع هذا الابتكار بجميع شروط الأمان والسلامة العامة (هشام الحسامي)

أجرى الحسامي دراسات وبحوثاً ليطّلع بشكل وافٍ على كيفية ابتكار الطائرة التاكسي: «بحثتُ بدقّة وكوّنتُ فكرة كاملة عن هذا النوع من المركبات. خزّنتُ المعلومات لأطبّقها على ابتكاري المحلّي. واستطعتُ أن أقدّمها بأفضل جودة تُضاهي بمواصفاتها أي تاكسي طائرة في العالم».

صمّم ابتكاره ونفَّذه بمفرده: «موّلتها بنفسي، وهي تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، كما تستطيع قَطْع مسافة 40 كيلومتراً من دون توقُّف».

يهدف ابتكاره إلى خلق مجال صناعي جديد في لبنان (هشام الحسامي)

لا يخاطر هشام الحسامي في إنجازه هذا، ويعدُّه آمناً مائة في المائة، مع مراعاته شروط السلامة العامة.

ويوضح: «حتى لو أُصيب أحد محرّكاتها بعطل طارئ، فإنها قادرة على إكمال طريقها مع المحرّكات الـ7 الأخرى. كما أنّ ميزتها تكمُن في قدرتها على الطيران بـ4 من هذه المحرّكات».

ولكن مَن هو المؤهَّل لقيادتها؟ يردّ: «قيادتها بسيطة وسهلة، ويستطيع أيٌّ كان القيام بهذه المَهمَّة. الأمر لا يقتصر على قبطان طائرة متخصّص، ويمكن لهذا الشخص أن يتعلّم كيفية قيادتها بدقائق».

يحاول هشام الحسامي اليوم تعزيز ابتكاره هذا بآخر يستطيع الطيران على نظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»: «سيكون أكثر تطوّراً من نوع (الأوتونومايس)، فيسهُل بذلك طيرانها نحو الموقع المرغوب في التوجُّه إليه مباشرة».

صورة لطائرة تاكسي أكثر تطوّراً ينوي تصميمها (هشام الحسامي)

صمّم المهندس اللبناني الطائرة التاكسي كي تتّسع لشخص واحد. ويوضح: «إنها نموذج أولي سيطرأ عليه التطوُّر لاحقاً. إمكاناتي المادية لم تسمح بالمزيد».

من المُنتَظر أن يعقد الحسامي اجتماعاً قريباً مع وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال بلبنان، جورج بوشيكيان، للتشاور في إمكان الترويج لهذا الابتكار، وعمّا إذا كانت ثمة فرصة لتسييره ضمن ترتيبات معيّنة تُشرف عليها الدولة؛ علماً بأنّ الطائرة التاكسي ستُطلَق مع بداية عام 2025.

أطلق هشام الحسامي عليها تسمية «سكاي ليرة»، أسوةً بسيارة «ليرة»، وأرفقها بصورة العلم اللبناني للإشارة إلى منشئها الأصلي: «إنها صناعة لبنانية بامتياز، فكان من البديهي أن أرفقها بالعَلَم».

وهل يتوقّع إقبال اللبنانيين على استخدامها؟ يجيب: «الوضع استثنائي، ومشروعات من هذا النوع تتطلّب دراسات وتخصيصَ خطّ طيران لتُحلِّق من خلاله؛ وهو أمر يبدو تطبيقه صعباً حالياً في لبنان. نصبو إلى لفت النظر لصناعتها وبيعها لدول أخرى. بذلك نستطيع الاستثمار في المشروع، وبالتالي رَفْع مداخيلنا وأرباحنا بكوننا دولة لبنانية»، مؤكداً: «من خلال هذا الابتكار، يمكن للبنان أن ينافس نوعَها عينه الرائج في العالم. فكلفة صناعتها تتراوح بين 250 و300 ألف دولار عالمياً، أما في لبنان، وبسبب محلّية صناعتها وتجميع قطعها، فكلفتها أقل. نستطيع بيعها بأسعار لا تزيد على 150 ألف دولار».

المواد الأولية لصناعة «الطائرة التاكسي» مؤمَّنة في لبنان. وحدها القطع الإلكترونية اللازمة تُستَورد من الخارج: «بذلك يكون بمقدورنا تصدير التكنولوجيا الخاصة بنا».