مناضلات وسياسيات جزائريات برزن إبان الثورة... وبعد الاستقلال

لم يعرف تاريخ النضال السياسي للمرأة الجزائرية بروز عدد كبير من النساء، خاصة بعد الاستقلال. ولقد تقدمت لويزة حنّون كل المناضلات اللواتي مارسن السياسة، وهي الوحيدة التي دفعت حريتها لقاء أفكارها السياسية ومواقفها من النظام وخياراته.
يحتفظ تاريخ الجزائر المعاصر باسم جميلة بوحيرد بصفتها إحدى الأيقونات البارزة لثورة التحرير، ورمزاً لشجاعة المرأة الجزائرية وصلابتها. ومن ثم، بعد الاستقلال سيطر رجال الثورة على الحكم، ولم يتركوا أي هامش للنساء اللواتي شاركن في حرب التحرير، لتسيير شؤون الدولة.
وبذلك اختفت بعض الأسماء النسائية اللائي ذاع صيتهن في «معركة الجزائر العاصمة»، التي نقلت الثورة من الأرياف والجبال إلى المدينة، معقل السلطة الاستعمارية.
وحقاً، ظلّت المرأة المناضلة مختفية طوال حكم الرئيس هواري بومدين (1965ـ 1979)، إلى أن جاء الرئيس الشاذلي بن جديد (1980ـ1992)، الذي اختار لأول مرة تعيين امرأة في الوزارة، هي زهور ونيسي التي تولت وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة رئيس الوزراء أحمد عبد الغني (1982).
وعُرفت ونيسي بنضالها من أجل «القضية النسوية»، وعلى عكس نساءٍ جئن بعدها إلى السياسة، لا يعرف لها مواقف معارضة لسياسات الحكومة. وهي أيضاً من مؤسسي «الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات» و«اتحاد الكتاب الجزائريين»، و«اتحاد الصحافيين الجزائريين».
أضف إلى ذلك، أنها كانت أول امرأة تطلق مجلة تهتم بشؤون المرأة. بل، لقد كانت بالنسبة للحكومة في ثمانينات القرن الماضي، «الواجهة النسائية للمرأة العربية المعاصرة». وونيسي كاتبة متميزة، في رصيدها الكثير من المؤلفات. وتعد «الرصيف الناعم» أول رواية باللغة العربية لكاتبة جزائرية.
في نهاية الثمانينات، برزت امرأة ثانية هي خليدة تومي، التي عُرفت مناضلةً علمانيةً مدافعةً عن تحرّر المرأة، ومنادية بإلغاء قانون الأحوال الشخصية، الذي كان بالنسبة لكثيرين مجحفاً في حق المرأة، خاصة إذا أصبحت في وضع المطلقة. ونجح النضال في هذا المجال في تغيير الكثير من بنوده.
وقادت تومي تنظيمات نسائية عدة علمانية التوجه، ومع بداية التعددية السياسية عام 1989، التحقت بحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» وأصبحت في وقت وجيز أحد وجوهه البارزة. ثم انتخبت برلمانية في صفوفه. وازدادت شهرتها بفضل المواجهات ذات الطابع الآيديولوجي، التي خاضتها ضد التيار الإسلامي و«التيار العروبي»، المسيطر - حسب قولها - على أجهزة الدولة.
وأعجب عبد العزيز بوتفليقة بنضال وأفكار تومي أو «الشقراء»، كما يسميها أصدقاؤها، عندما وصل إلى الحكم عام 1999، فقرّر خطفها من حزبها المعارض، وتمكن من إقناعها بدخول حكومته وحصل الطلاق مع حزبها. وأمضت تومي 12 سنة كاملة وزيرةً للثقافة، وكانت مدافعةً شرسة عن سياسات بوتفليقة. غير أنها تنحت من الحكومة عام 2015. وبعد سقوط الرئيس بوتفليقة العام الماضي، فتح القضاء ملفات فساد تخص الكثير من المسؤولين فاستدعتها النيابة منذ شهرين، ووجهت لها تهمة «تبديد أموال عمومية» ووضعتها في الحبس الاحتياطي.
وللعلم، ترأست تومي مجموعة سياسيين دافعوا عن لويزة حنّون عندما سُجنت في أبريل (نيسان) الماضي.
وكانت معها ضمن المجموعة، زهرة ظريف بيطاط، المحامية المناضلة المسنة – وأرملة الرئيس الراحل والمناضل الكبير رابح بيطاط – التي اشتهرت إبّان الثورة بتفجير القنابل في حانات الأوروبيين بالجزائر العاصمة.
والثلاثة أثرن جدلاً عام 2015 عندما طَلبن، مع أشخاص آخرين، مقابلة بوتفليقة للتأكد من أنه هو فعلاً مَن يدير دفة الحكم؛ إذ كان مريضاً منسحباً من الشأن العام منذ 2013، وقد جلب ذلك لهن سخطاً شديداً من جانب رجال النظام.
في المقابل، ضمت أحزاب إسلامية كـ«حركة مجتمع السلم» و«حركة النهضة»، ويسارية مثل «جبهة القوى الاشتراكية»، أيضاً قياديات في البرلمان وفي الهياكل الحزبية، غير أنهن لم يتقدمن الصفوف، ولم تكن لديهن «الكاريزما» التي اتصفت بها حنّون التي تقود «حزب العمال» منذ تأسيسه مطلع تسعينات القرن الماضي.