«الصحة العالمية»: انتشار الفيروس بلغ نقطة «حاسمة»

إغلاق مدارس وتقييد السفر في سباق مع الزمن لكبح تمدده

مستشفى متنقل في ليما لعزل المصابين بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
مستشفى متنقل في ليما لعزل المصابين بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية»: انتشار الفيروس بلغ نقطة «حاسمة»

مستشفى متنقل في ليما لعزل المصابين بـ«كورونا» (أ.ف.ب)
مستشفى متنقل في ليما لعزل المصابين بـ«كورونا» (أ.ف.ب)

قال المدير العام لـ«منظمة الصحة العالمية»، تيدروس أدهانوم غبريسوس، إن انتقال فيروس كورونا الجديد («كوفيد - 19») في دول مثل إيران وإيطاليا وكوريا الجنوبية أوصل العالم إلى مفترق طرق، حيث يمكن احتواء تفشي الفيروس، أو خروجه عن السيطرة.
وقال غبريسوس في مؤتمر صحافي بجنيف: «إننا في مرحلة حاسمة»، مضيفاً أن «هذا الفيروس له إمكانية انتشار وبائية». وذكر أن أي دولة تفترض أنها لن تتعرض لفيروس «كورونا» الجديد ترتكب «خطأ قاتلاً»، وأن على الدول الغنية التي قد تظن أنها في وضع أكثر أماناً أن تتوقع مفاجآت. وتابع: «هذا ليس وقت الخوف. هذا وقت اتخاذ إجراءات لمنع العدوى وإنقاذ الأرواح».
من جهته، قال مايك ريان المدير التنفيذي لـ«برنامج الطوارئ الصحية»، في المنظمة، إن إيران، التي أصبح بها أعلى معدل وفيات بالمرض خارج الصين حتى الآن، قد تواجه معدل تفشٍّ أسوأ مما هو موجود الآن. وأضاف أن المنظمة تُجري محادثات أيضاً مع المنظمين بخصوص مصير دورة الألعاب الأولمبية المقرر إجراؤها في اليابان، يوليو (تموز).
وأضاف المدير العام لـ«منظمة الصحة العالمية»: «يتعين ألا تفترض دولة أنها لن تشهد حالات إصابة. سيكون ذلك خطأ قاتلاً، بمعنى الكلمة». وتابع: «لو أخذنا إيطاليا مثلاً، وهي عضو بمجموعة الدول السبع (الصناعية)، فإنها مفاجأة حقيقية. بالتالي فإنه حتى في كثير من الدول المتقدمة الأخرى، هناك بعض المفاجآت، يجب أن تتوقع بعض المفاجآت».
ورداً على سؤال عن بلوغ معدل الوفيات في إيران نحو 10 في المائة بين حالات الإصابة المؤكدة، قال ريان إن ذلك مؤشر على أن المرض ربما انتشر في إيران بشكل يفوق ما نشرته الإحصاءات الرسمية.
وبينما يواصل الفيروس العابر للقارات تمدده، أغلقت حكومات الدول الموبوءة المدارس، وألغت فعاليات جماهيرية، وشرعت في تجهيز مستلزمات طبية، في سباق مع الزمن لاحتواء الانتشار السريع. وللمرة الأولى، تخطى عدد حالات الإصابة الجديدة في أنحاء العالم العدد المسجل في الصين، حيث ظهر المرض قبل شهرين في سوق غير مرخصة لكائنات برية، لكنه يتراجع هناك بعد حملة احتواء صارمة، كما ذكرت وكالة «رويترز».
وثار قلق خاص في اليابان، التي ارتفع بها عدد حالات الإصابة إلى مئتين، بعد اكتشاف إصابة مرشدة سياحية بالفيروس، للمرة الثانية، وهي واحدة من حالات شبيهة قليلة للغاية في أنحاء العالم.
وأوقفت طوكيو التجمعات الكبيرة والأحداث الرياضية لأسبوعين، وقررت إغلاق المدارس لعطلة الربيع مبكراً، لكّنها لا تزال تخطط للمضي قدماً في تنظيم «أولمبياد 2020»، الذي سيمثل إلغاؤه أو نقله إلى مدينة أخرى ضربة كبيرة لليابان.
وبلغ عدد الإصابات في الصين أكثر من 78500، فضلاً عن وفاة 2746. وانتشر الفيروس في 44 بلداً آخر، مسجّلاً 3246 حالة إصابة و51 وفاة.
وتحجم «منظمة الصحة العالمية» حتى الآن عن وصف الفيروس بالوباء، رغم احتوائه على كل أركان التعريف العلمي، وهو عدوى واسعة الانتشار في منطقة كبيرة. وأطلقت أستراليا إجراءات طوارئ، ورفعت تايوان مستوى الاستجابة للوباء إلى أعلى درجة، بعد يوم من تكليف الرئيس الأميركي دونالد ترمب نائبه مايك بنس بالاستجابة الأميركية للأزمة الصحية العالمية التي تلوح في الأفق.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مستشفى بباريس توفي فيه مواطن فرنسي يبلغ من العمر 60 عاماً، ليصبح ثاني شخص يلقى حتفه بسبب المرض في البلاد: «نواجه أزمة. هناك وباء في الطريق».
وحذرت ألمانيا أيضاً من وباء وشيك.
وذكرت تقارير إعلامية أن الدنمارك أكدت أول حالة إصابة لرجل عاد من عطلة تزلج على الجليد في إيطاليا، وأعلنت إستونيا أول حالة إصابة لرجل عائد من إيران. وارتفع عدد الإصابات بالفيروس في كوريا الجنوبية إلى 1261، فضلاً عن وفاة 12 شخصاً، بينما أعلنت سنغافورة أن طالباً يبلغ من العمر 12 عاماً كان من بين ثلاث حالات إصابة جديدة أمس، ليصل العدد الإجمالي للمصابين إلى 96 شخصاً.
ولا يوجد علاج للفيروس الذي يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالتهاب رئوي، وقد تستغرق جهود تطوير مصل له 18 شهراً. وتراجعت الأسواق العالمية لليوم السادس على التوالي مما بدد أكثر من 3.6 تريليون من قيمتها السوقية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟