ألمانيا تتعهد دعم السودان وتستنكر معاقبته على أفعال نظام البشير

لقاء حمدوك وشتاينماير تناول أهمية إعادة هيكلة الجيش السوداني

البرهان وفرانك - فالتر شتاينماير خلال لقائهما في القصر الجمهوري بالخرطوم أمس (إ.ب.أ)
البرهان وفرانك - فالتر شتاينماير خلال لقائهما في القصر الجمهوري بالخرطوم أمس (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا تتعهد دعم السودان وتستنكر معاقبته على أفعال نظام البشير

البرهان وفرانك - فالتر شتاينماير خلال لقائهما في القصر الجمهوري بالخرطوم أمس (إ.ب.أ)
البرهان وفرانك - فالتر شتاينماير خلال لقائهما في القصر الجمهوري بالخرطوم أمس (إ.ب.أ)

دعا الرئيس الألماني فرانك - فالتر شتاينماير، في الخرطوم أمس، إلى محاسبة من تسبب في المشاكل الاقتصادية في السودان، واستنكر محاسبة الحكومة الانتقالية على ما فعله النظام المعزول، واعتبر ذلك عملية غير عادلة، في إشارة ضمنية إلى وجود السودان ضمن قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب لدعم وإيواء النظام المعزول الجماعات الإرهابية.
ووصل الرئيس الألماني إلى الخرطوم وبرفقته وفد من رجال الأعمال الألمان وممثلين عن شركات استثمارية، إلى جانب وزير التنمية غيرد مولر، الذي يزور السودان للمرة الثانية خلال شهر، في زيارة تعد الأولى من نوعها لرئيس ألماني منذ أكثر من نصف قرن، ومسؤول غربي منذ أكثر من ثلاثة عقود؛ وذلك للدعوة لبدء الاستثمار في السودان «دون إضاعة أي وقت»، إثر إلغاء البرلمان الألماني قانوناً يحظر الاستثمار في السودان منذ انقلاب عمر البشير في 1989.
وفور وصوله، دخل المسؤول الألماني في مباحثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس مجلس السيادة السوداني، وينتظر أن يتضمن جدول الزيارة لقاءات مع قادة سياسيين وتنظيمات مجتمع مدني، إضافة إلى زيارة لمتحف السودان، وهيئة الكهرباء السودانية، ولا سيما أن وفده يضم ممثلين عن شركة «سيمنز» ذات الشهرة الكبيرة في مجال الطاقة.
وقال الرئيس فرانك فالتر شتاينماير في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، بالخرطوم أمس، إن على مجلس السيادة تحقيق العدالة ومحاسبة مَن تسبب في المشاكل الاقتصادية في السودان وعزله عن العالم، بيد أنه قال إن ذلك يتطلب وقتاً طويلاً.
وانتقد شتاينماير استمرار السودان ضمن لوائح العقوبات الدولية بعد التغيير الذي شهدته البلاد، بقوله «ليس من العدل أن يحاسب (الآخرون) بهذا الفعل»، وذلك في إشارة إلى بقاء السودان ضمن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وعدم مسؤولية الحكومة الانتقالية عنها، وأضاف «ندعم السودان والتغيير السياسي الذي يشهده، مع وعينا بصعوبته، ونأمل في أن ينجح في العبور بالبلاد للديمقراطية»، وتابع «يجب على العالم الاعتراف بأهمية الوقوف بجانب السودان».
وتعهد الرئيس شتاينماير بدعم جمهورية ألمانيا الاتحادية عملية التغيير في السودان، مشيراً إلى قرار برلمان بلاده برفع الحظر الاقتصادي عن السودان لفتح الباب أمام تطوير العلاقات بين البلدين، وأضاف «هناك موارد متوافرة لدعم هذا المشروع»، واستطرد «سوف نبحث مجالات التعاون المختلفة بين ألمانيا والسودان؛ لأننا ندعم عملية التغيير السياسي ونعرف أن هناك صعوبات تقف في الطريق».
وتأكيداً لاهتمام بلاده بالتغيير في السودان، قال شتاينماير، إن زيارة وزيري الخارجية والتعاون التنموي الألمانيين للسودان، كان الهدف منها بحث سبل دعم السودان، ولا سيما في مجالات التدريب المهني والتقني، وأضاف «ألمانيا لها خبرات جيدة في هذا المجال يمكن أن يستفيد السودان منها».
من جهته، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، للصحافيين في المؤتمر الصحافي المشترك مع ضيفه، إن الزيارة تؤكد حرص البلدين على تعزيز علاقتهما، وتفتح الباب أمام شراكة استراتيجية بين برلين والخرطوم.
وأوضح، أن مباحثاته مع الرئيس الألماني تناولت سبل التعاون والدعم الألماني، ويتضمن المساندة على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ومساعدة السودان من خلال الدور الذي يمكن أن تلعبه من خلال مشاركتها في مجموعة «أصدقاء السودان» ودعم اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى المساعدة في تحقيق السلام.
ووصف البرهان زيارة فالتر بأنها «تاريخية»، وعنوان لبداية التغيير الذي دفعه «شعب السودان» في إحداث التغيير، وتابع «من المكاسب التي تحققت من خلال التغيير، أن السودان بدأ العودة للمجتمع الدولي، وأن النظرة إليه بدأت تتغير».
وقال البرهان، إن ألمانيا أبدت من خلال المباحثات استعدادها للوقوف مع السودان ودعم ثورته، وجهده الشعبي لعبور المرحلة التي يعيشها بأمان للوصول إلى حكومة ديمقراطية، وأضاف «العلاقات مع ألمانيا كانت متميزة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ونسعى لإعادتها كما كانت في السابق».
من جهته، قال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، عقب مباحثاته مع شتاينماير، إن قرار ألمانيا رفع الحظر التنموي عن السودان، يعد تأسيساً لعلاقة قوية بين البلدين. وأضاف «نطمح لمزيد من التعاون في مجالات كثيرة، ومن بينها الطاقة، الكهرباء، التعدين، التعليم، الإعلام».
وقطع حمدوك بأن ما حدث في السودان «ثورة عميقة» وتغيير بث الأمل في الشعب السوداني وشعوب الإقليم، ووصف الشراكة بين المدنيين والعسكريين، بأنها «نموذج يؤسس لبناء ديمقراطية راسخة». ونفى المسؤول السوداني توقيع أي اتفاقيات مع ألمانيا في هذه الزيارة؛ استناداً إلى أن الزيارة سبقتها زيارات لوزير الخارجية الألماني ومسؤولين ألمان آخرين، تم الاتفاق خلالها على الكثير من المشاريع، بيد أنه قال «هناك مشاريع تم النقاش حولها»، وتتعلق بإعادة هيكلة الجيش السوداني باعتبارها عملية ضرورية من أجل بناء الديمقراطية والسلام في السودان. وأوضح حمدوك بأن بلاده غنية وليست في حاجة إلى هبات وصدقات، وقال «نطمح في شراكات مع الدول الأوروبية وألمانيا وجذب القطاع الخاص للعمل في السودان».
ودعا حمدوك ألمانيا إلى لعب دور في إقناع المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي بدعم السودان، لانتشال اقتصاده من عنق الزجاجة الموجود فيه، بالاعتماد على الزراعة التي لم تستغل منذ الاستقلال بالشكل المطلوب.
في حين أوضح الرئيس الألماني في مؤتمر صحافي آخر مع رئيس الوزراء السوداني، أعقب مباحثاتهما، أن آخر زيارة لرئيس ألماني للسودان كانت في 1985، وقال «أنا هنا لأقول إننا سعداء بالتغيرات في السودان والتي تهتم بها الرأي العام الألماني»، وأضاف «يجب أن يفخر الشعب السوداني للإطاحة بنظام أذله وعانى منه كثيراً». وتوقف شتاينماير عند ما أسماه «تحديات» تواجه السودان، وقال «وضع اقتصاد السودان صعب، وهو في حاجة إلى الوصول للمؤسسات المالية الدولية»، وتابع «أبلغت رئيس الوزراء بإمكان الاعتماد على ألمانيا، وتناولنا الإمكانات الاقتصادية المتاحة، ويجري العمل على تحسين الوضع بشكل دائم، وألمانيا مستعدة لدعم السودان».
وأوضح، أن الهدف من زيارته للسودان هو إقناع الأوروبيين للنظر للسودان بشكل أفضل، نافياً توقيع أي اتفاقيات في الزيارة، وقال «الزيارة أتت احتراماً لشعب السودان». ومنحت ألمانيا قبل أيام الحكومة السودانية مبلغاً قدره 80 مليون يورو، في شكل مساعدات عاجلة للحكومة الانتقالية بهدف استثمارها في مجالات توفير الوقود والطاقة والبنى التحتية.
وتسعى ألمانيا من أجل استثمارات في مجالات التدريب والزراعة والمياه في السودان، إضافة إلى دعم مجالات تعزيز دور المرأة والشباب، باعتباره «بلداً أساسياً في قلب أفريقيا».
ويعول السودان على الاستثمارات الألمانية، باعتبارها خطوة لفتح الباب أمام المزيد من الاستثمارات الغربية، وخطوة تشجع دول الاتحاد الأوروبي للاستثمار فيه، والإسهام في إزالة العقوبات التي تعوق نموه الاقتصادي.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».