«سد النهضة»: مواصلة الضغط خيار مصر بعد تغيب إثيوبيا عن اجتماع واشنطن

القاهرة أعلنت تمسكها بـ«المسار الأميركي»... وتحرك برلماني لبحث البدائل

TT

«سد النهضة»: مواصلة الضغط خيار مصر بعد تغيب إثيوبيا عن اجتماع واشنطن

عصف انسحاب إثيوبيا، مما كان يُتوقع لها أن تكون الجولة الأخيرة لمحادثات «سد النهضة» في واشنطن، بمسار المفاوضات الدائرة، منذ نحو 4 أشهر، برعاية أميركية. وبحسب مراقبين، فإن الخيار الأجدى لمصر حالياً هو مواصلة الضغط على إثيوبيا، عبر واشنطن، لتوقيع الاتفاق.
وكان مقرراً أن تستضيف وزارة الخزانة الأميركية اجتماعاً في واشنطن أمس واليوم (الجمعة)، يضم وزراء الخارجية والري لمصر وإثيوبيا والسودان، ورئيس البنك الدولي، لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق ملء وتشغيل السد، الذي تبنيه أديس أبابا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتتحسب القاهرة من تأثيره على حصتها من المياه، التي تعتمد عليها بأكثر من 90 في المائة. وبالفعل حضر وفدا مصر والسودان؛ تأكيداً على رفض مقترح إثيوبيا بالتأجيل. وأعلنت أديس أبابا، أول من أمس، عدم مشاركتها في المفاوضات الثلاثية، التي تشمل مصر والسودان، بزعم «عدم انتهاء مشاوراتها الداخلية مع الجهات المعنية»، فيما ردت القاهرة بتأكيد «تمسكها بالمسار التفاوضي، الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي»، على أمل التوصل لاتفاق نهائي.
ولم يبدُ انسحاب أديس أبابا «مفاجئاً»، في ظل إشارات إثيوبية طوال الأيام الماضية، تؤكد عدم نيتها توقيع الاتفاق النهائي، وحديثها عن «قضايا عالقة ما زالت بحاجة إلى مفاوضات حولها». وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن «الدبلوماسية المصرية تفضل عدم الانزلاق في المساعي الإثيوبية لهدم المسار الأميركي، والدخول في مسارات أخرى، تمنحها الفرصة لإهدار مزيد من الوقت، وفرض سياسة الأمر الواقع. والقاهرة تفضّل مواصلة الضغط، من خلال واشنطن، خصوصاً أنه جرى الاتفاق على غالبية بنود الاتفاق النهائي».
وأوضحت المصادر أن إثيوبيا طالبت مصر، عبر رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين، الذي التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في القاهرة الأحد الماضي، بتأجيل التوقيع، لكن طلبها وُوجه بالرفض من القاهرة.
وتقدمت داليا يوسف، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري (البرلمان)، بسؤال موجّه لرئيس مجلس الوزراء ووزيري الخارجية والري، بشأن خطة مصر البديلة بعد إعلان إثيوبيا عدم المشاركة في مفاوضات واشنطن.
وعدّت البرلمانية المصرية، أمس، أن تصريحات الجانب الإثيوبي «تملص واضح من اتفاق المبادئ الموقّع عام 2015، وتعمد واضح لاستمرار الأزمة دون حل حتى تفرض الأمر الواقع على الدولة المصرية». ودعت الحكومة إلى «موقف حاسم، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع والمماطلة في المفاوضات، خصوصاً أنها (إثيوبيا) لم تتوقف يوماً عن بناء السد».
وكانت إثيوبيا قد عزت عدم مشاركتها في اجتماع واشنطن، إلى أنها أخطرت وزارة الخزانة الأميركية بأنها «غير قادرة على التفاوض في الوقت الحالي»، وفق بيان لوزارة المياه والطاقة الإثيوبية، مؤكدة «عدم انتهائها من المناقشات التي تجريها محلياً مع الجهات المعنية بشأن السد». وردت وزارة الخارجية المصرية ببيان، أمس، أكدت فيه أنها «ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي، خاصة أن الهدف من الاجتماع الراهن في واشنطن وفق ما سبق أن اتفقت عليه الدول الثلاث هو وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق ملء وتشغيل السد».
ويعتقد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والري المصري الأسبق، أن «إثيوبيا - من خلال اعتذارها - تمارس دورها في المناورة وفق سيناريو مخطط ومتفق عليه، علماً بأنها تعتزم بدء ملء السد في يوليو (تموز) المقبل». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «واشنطن تعهدت بحل الخلاف على لسان رئيسها ترمب، ومن ثم ليس لنا (مصر) الآن سوى الضغط على الإدارة الأميركية لاتخاذ موقف يثبت حيادها وجديتها».
وإذا ما تعثر اتفاق واشنطن، قال علام، فإن «مصر تمتلك أوراقاً عدة؛ من بينها تحييد دور الولايات المتحدة، وترويج مصر لقضيتها بما يمكّنها من تحقيق أمنها المائي وعدم التفريط في حقوقها».
وسبق أن بشّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال زيارته إلى أديس أبابا، الأسبوع الماضي، بالتوصل إلى اتفاق، لكنه لمّح إلى تأجيله، قائلاً: «لا يزال هناك قدر كبير من العمل، لكنني متفائل بأنه يمكننا خلال الأشهر المقبلة حل هذا».
واتفقت الدول الثلاث على نحو 90 في المائة من القضايا فيما تركزت الخلافات في 10 في المائة فقط؛ بحسب وزير الموارد المائية السوداني ياسر عباس.
وثمة عوامل دفعت بإثيوبيا للتخلف عن اجتماع واشنطن، كما يشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حمدي عبد الرحمن؛ «أهمها صراع الانتخابات العامة في أغسطس (آب) المقبل، كون السدّ أصبح، في ظل أجواء انقسام كبيرة تشهدها البلاد، عامل توحيد يرتبط بالدعاية الانتخابية». ونوه بصعوبة «تصور وجود اتفاق نهائي قبل نهاية هذا العام ومعرفة نتائج الانتخابات العامة ومن يفوز ‏فيها». ولا تزال القيادة السياسية الإثيوبية تنظر إلى دعوة مصر المجتمع ‏الدولي وإشراك كل من الولايات المتحدة والبنك الدولي، على أنها «تصعيد متعمد»، بحسب الخبير السياسي، الذي يعتقد أن «إثيوبيا تنظر إلى ‏الخلاف على أنه مسألة فنية يمكن حلها بين الدول الثلاث، وأن الأمر لا يتعدى وضع مبادئ توجيهية تقنية ‏لتنظيم الملء الأول والتشغيل السنوي للسد، وأنها تريد أن تتنصل من الالتزام بأي اتفاقات ملزمة فيما يتعلق بالحصص المائية».
وهناك خياران للحل الدبلوماسي، كما يوضح؛ «الأول اتفاقية ملزمة بين الدول الثلاث. والثاني اتفاق إطاري لدول حوض النيل والذي لم توافق عليه مصر والسودان وهو يضمن إدارة المياه والسدود في جميع الدول النهرية مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح دول المصب»، مستبعداً «استخدام القوة».
بدوره، وصف الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية، في كلية الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، موقف إثيوبيا بـ«الهروب»، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أنها «تمارس دورها المعتاد في المناورة وتسعى للتنصل بأعذار داخلية غير حقيقية، كما أن موقفها يشير إلى عدم وجود نية حسنة منذ البداية للوصول إلى حل، وما كان يتم هو فقط مجرد مجاراة لعملية التفاوض وليس تفاوضاً حقيقياً».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.