جمع الحديد من الركام «مهنة شاقة» للصغار والكبار في مناطق المعارضة

«الشرق الأوسط» تتحدث إلى عاملين فيها شمال سوريا بحثاً عن لقمة العيش

سوري يخرج الحديد من بناء مدمر في ريف ادلب (الشرق الاوسط)
سوري يخرج الحديد من بناء مدمر في ريف ادلب (الشرق الاوسط)
TT

جمع الحديد من الركام «مهنة شاقة» للصغار والكبار في مناطق المعارضة

سوري يخرج الحديد من بناء مدمر في ريف ادلب (الشرق الاوسط)
سوري يخرج الحديد من بناء مدمر في ريف ادلب (الشرق الاوسط)

بات استخراج الحديد المستعمل وإصلاحه وبيعه في الأسواق السورية، من المهن التي لاقت رواجاً كبيراً بين السوريين مؤخراً، بسبب نسبة الدمار الكبير الذي طال مباني المدن والقرى السورية نتيجة القصف والغارات الجوية والنسبة الكبيرة للحديد المستعمل فيها، ورغبة كثير من السوريين وأصحاب الدخل المحدود في شرائه للترميم أو بناء منزل جديد نظراً لرخص ثمنه مقارنة بالحديد الجديد المستورد.
«أبو عبدو»؛ من ريف حماة وصاحب ورشة عمال لاستخراج الحديد المستعمل من ركام المباني المدمرة؛ يقول: «مع عدم توفر فرص العمل في المناطق المعارضة وتدهور أوضاعنا المعيشية، وجدت أن مهنة استخراج الحديد المستعمل من المباني المدمرة نتيجة القصف والغارات الجوية وبيعه، وسيلة لتحصيل المال لسد حاجة أسرتي قبل 6 سنوات». ويضيف: «في البداية كنت أعمل بمفردي طيلة ساعات النهار باستخراج الحديد المستعمل من المباني المدمرة من خلال تكسير الكتل الإسمنتية من أسقف مدمرة وأعمدة بمطرقة كبيرة تزن 10 كيلوغرامات وأسافيل ومعدات يدوية أخرى، وذلك بعد تعهد سقف المنزل من صاحبه بمبلغ معين من المال نتفق عليه، وبعد استخراج الحديد، أذهب إلى المركز الرئيسي الذي كان في مدينة خان شيخون آنذاك، وأبيع الكمية المستخرجة التي كانت تتراوح بين الطن وأكثر قليلاً، وأعود مرة أخرى لمبنى مدمر آخر وأتفق مع أصحابه إما بالتعهد أو مشاركة بجزء معين من الحديد».
ومع الأيام، طوّر عمله وشكل ورشة من 30 عاملاً وبمعدات أفضل من السابق، مثل آلات رفع هيدروليكية محلية الصنع ومعدات أخرى... و«تابعت العمل بنطاق أوسع مع ازدياد نسبة الدمار التي طالت وما زالت تطال المباني السكنية في مناطق ريف حماة وشمال سوريا، وحالياً نستخرج بشكل يومي نحو 3 أطنان من الحديد المستعمل ونقوم ببيعه على شكل كتل غير مستوية للمراكز المنتشرة في الشمال السوري، وتقوم هذه المراكز بتسويته، لبيعه للمواطنين الذين يرغبون في بناء غرفة أو أكثر بدلاً من الخيام».
ولم تكن مهنة العمل بتجارة الحديد المستعمل قبل اندلاع الحرب السورية رائجة لقلة توفره، وكان اعتماد السوريين في بناء منازلهم حينها يقتصر على الحديد الجديد والمستورد وذي الجودة، فضلاً عن أنه كان متوفراً بكثرة في الأسواق السورية وبأسعار كانت تناسب الجميع، وكانت تتراوح أسعار الطن منه بين 40 و45 ألف ليرة سورية حينها.
أما اليوم؛ فقد وصل سعره إلى 450 ألف ليرة سورية، وهذا السعر لا يتوفر إلا مع قلة قليلة من السوريين، نظراً لتدهور الوضع المعيشي وتفشي حالة الفقر بين الناس، وذلك دفع بكل سوري يرغب الآن في بناء منزل أو غرفة أو ترميم ما دمرته الآلة العسكرية، إلى شراء الحديد المستعمل.
ويعود الأمر إلى الكميات الكبيرة المتوفرة بالأسواق المستخرجة من المباني المدمرة في المدن السورية، ويتم طرحها في الأسواق بعد تسوية الحديد وإعادته صالحاً للاستعمال إلى حد كبير، وبيعه بأسعار تتراوح حول 200 ألف ليرة سورية للطن.

- آلات محلية لتسوية الحديد
أبو سعيد؛ من مدينة حماة، لجأ قبل سنوات إلى منطقة سرمدا بالقرب من الحدود التركية وافتتح مركزاً لتسوية وبيع الحديد المستعمل، يقول: «مع تدفق كميات كبيرة من الحديد المستعمل المستخرج من ركام المباني المدمرة عن طريق أرباب الورش المختصة بذلك، قام كثير من أصحاب المراكز بتطوير العمل بها من خلال معدات وآلات محلية الصنع تتمثل في آلات تسوية وتجليس وقطع ولف، تعمل على محركات الديزل عبارة عن عجلتين من الحديد الصلب يمر من خلالها قضيب الحديد الملتوي وتقوم بشكل تلقائي بتسويته، بينما آلات أخرى تقوم بقطع الأجزاء الأكثر التواءً ولا يمكن تسويتها بهذه الآلات؛ حيث يقوم عمال بتسويتها يدوياً وتحويلها لمستلزمات بناء أخرى صالحة للأعمدة وغيرها، بينما كنا سابقاً نعتمد على الأيدي العاملة في تسوية الحديد المستعمل، وكنا نواجه صعوبات كبيرة ومخاطر تلحق بالعمال، فضلاً عن المصاريف والتكاليف الكبيرة التي تلحق بكميات الإنتاج». وساهم توفر الحديد المستعمل في الأسواق بشكل كبير في تخفيف تكاليف البناء على الناس الذين يقومون ببناء المنازل والمحال التجارية في المناطق الحدودية مع تركيا. ويشير إلى أنه دائماً يحافظ على عنصر المساعدة لهم من خلال بيعهم الحديد بأقل الأرباح وأقرب إلى سعر التكلفة، آخذاً أوضاعهم المادية الصعبة بعين الاعتبار.
وعن كميات الحديد المستخرجة، يقول أبو سعيد: «لو نظرنا إلى مساحات الدمار التي طالت المدن والقرى السورية، فإننا نستطيع تقدير الحديد المستعمل المتوفر بالأسواق؛ حيث يردنا بشكل يومي أكثر من 10 أطنان، والكمية ذاتها إلى مراكز أخرى تعمل في المجال نفسه».
وحاول محمد الياسين، وهو من سراقب، رسم الفرحة على ملامح خطيبته عندما أعلمها بأنه استطاع جمع تكاليف زواجه بها من خلال العمل بمهنة أشبه بـ«الأشغال الشاقة». يقول إنه اضطر إلى العمل في تسوية الحديد المستعمل منذ سنة تقريباً، لعدم توفر فرصة عمل في مجال آخر، وتخصص على آلة القطاعة، مرتدياً طيلة ساعات اليوم قفازات مصنوعة من الكتان حتى لا تتأذى يداه أثناء وضع الحديد على الآلة واستخراجه، بأجر يومي بقيمة 3 آلاف ليرة سورية.
الذي فرض عليه العمل في هذه المهنة، التي وصفها بالشاقة، هو جمع مبلغ 500 ألف ليرة سورية لتوفير تكاليف زواجه (أساس منزل بسيط) بخطيبته، التي تنتظره منذ نحو عامين. يقول إنه قطع وعداً على نفسه بأن يرسم الفرحة على وجهها عندما يعلمها بأنه جمع المبلغ المطلوب لتكاليف الزواج، والذي بقي أمامه عام كامل على جمعه.
في المقابل، وجد مصطفى، ابن الخامسة عشرة من ريف حماة الشرقي، في هذه المهنة التي فاقت عمره وقدراته الجسدية، فرصة عمل بين عمال وصلت أعمارهم إلى 60 عاماً، على آلة تسوية قضبان الحديد المستعملة بأجر يومي قيمته 1500 ليرة سورية، لتحقق له أقصى أحلامه الحالية، بعدما غيّب الموت والده وعدّ نفسه عائل أسرة مسؤولاً عن توفير ثمن ربطة الخبز وبعض المواد الغذائية لإخوته الصغار يومياً، إلى جانب ثمن دواء أمه التي تشكو من مرض السكري منذ سنوات.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.