تحذيرات من رفض «حزب الله» تدخل «النقد الدولي» لحل الأزمة المالية

TT

تحذيرات من رفض «حزب الله» تدخل «النقد الدولي» لحل الأزمة المالية

تضيق الخيارات أمام الحكومة اللبنانية للخروج من الأزمة المالية والاقتصادية، التي تدفع بالبلاد إلى مزيد من الانهيار. وما ضاعف من خطورة الوضع، رفض «حزب الله» تدخّل صندوق النقد الدولي في إدارة الأزمة وإيجاد الحلول لها، خوفاً من أثمان سياسية تترتّب على البلد وعلى وضعية الحزب ونفوذه داخل السلطة.
وأعلن نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، أول من أمس (الثلاثاء)، معارضة حزبه أي دور لصندوق النقد في إدارة الأزمة المالية في لبنان، وقال في تصريح: «لا نقبل أن نخضع لأدوات استكبارية في العلاج، يعني أننا لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة». لكنه استطرد قائلاً: «لا مانع من تقديم الاستشارات، وهذا ما تفعله الحكومة اللبنانية».
وفاقم موقف «الحزب» المخاوف من تسريع وتيرة الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد، فيما أكد النائب السابق فارس سعيد لـ«الشرق الأوسط»، أن الحزب «يطرح اعتماد الاقتصاد المقاوم، وسلخ لبنان عن النظام الاقتصادي العالمي». وحذر من «خطاب (الحزب) الداعي إلى إلحاق الاقتصاد اللبناني بالاقتصاد الإيراني، وهذا برز بوضوح في خطاب أمين عام الحزب (حسن نصر الله) الأخير، الذي دعا فيها إلى مقاطعة الأميركيين وبضائعهم، وإيجاد مجتمع مقاوم للولايات المتحدة والغرب. وهذا أقصر الطرق إلى زوال لبنان»، مستغرباً صمت رئيس الجمهورية ميشال عون والحكومة حيال هذه المواقف، التي «تزيد عزلة لبنان».
وتركت تصريحات نعيم قاسم آثاراً سلبية على الدائنين الأجانب، وقال ستيفن ريتشولد، مدير المحفظة في «ستون هاربور إنفستمنت بارتنرز» التي تحوز بعض السندات الدولية اللبنانية، إن «(حزب الله) معارض بشدة لصندوق النقد، مما يجعل الوضع صعباً للغاية، ويعني أنه سيكون على لبنان أن يبلغ نقطة يصبح الوضع عندها سيئاً لفترة أطول».
وعدّ الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور سامي نادر أن «موقف (حزب الله) الرافض تدخل صندوق النقد هو الذي يسيّس الأزمة». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الخيار الوحيد المتاح أمام لبنان لوقف الانهيار، يكمن في اللجوء إلى صندوق النقد الدولي». وقال: «إذا سلمنا جدلاً أن الحكومة اللبنانية بدأت الآن بالإصلاحات الاقتصادية، فهذا لا يكفي لأن البلد يحتاج إلى سيولة، وحتى المصارف لم تعد لديها السيولة إذا فكرت الحكومة في أن تلجأ إليها، كما أن دول الخليج العربي ليست بوارد ضخّ الأموال والودائع إلى (مصرف لبنان) في ظلّ الوضع السياسي القائم، وسيطرة (حزب الله) على مؤسسات الدولة».
وأمام تخوّف «حزب الله» من فرض شروط سياسية على لبنان، من قبل صندوق النقد الدولي، أوضح كبير المصرفيين في بنك «بيبلوس» الدكتور نسيب غبريل، لـ«الشرق الأوسط»، أن صندوق النقد «لا يفرض إجراءاته على السلطات اللبنانية، لكن على لبنان أن يباشر فوراً بالإصلاحات الواجب اعتمادها، وأن يقدّم مشروعه الذي سيتفاوض مع الصندوق على أساسه، ويسعى لإيجاد قواسم مشتركة تسمح بتقديم الدعم المالي له». وقال غبريل: «ليس صحيحاً أن صندوق النقد يشترط على لبنان زيادة الضريبة على القيمة المضافة (TVA) ورفع الدعم عن الكهرباء وتحرير سعر صرف الدولار، بل هناك مفاوضات ستجرى على أساس الإصلاحات المقدمة من الجانب اللبناني، وإذا اقتنع الصندوق بهذه الإصلاحات، فقد يعمد إلى ضخ 9 مليارات دولار تحتاجها الأسواق والمصارف بشكل فوري».
وأعلن صندوق النقد الدولي، الثلاثاء، أن فريقاً من خبرائه أجرى على مدى 5 أيام محادثات قيّمة مع السلطات اللبنانية بخصوص خططها للتعامل مع تحديات الديون والاقتصاد، وأنه على أهبة الاستعداد لإسداء مزيد من المشورة الفنية.
وتبقى الحلول معلّقة رهن الخيار والقرار الذي سيعتمده لبنان للتعامل مع أزمته. وذكّر الخبير الاقتصادي سامي نادر بأن «الدول الأوروبية، التي تعهدت بتقديم الدعم للبنان من خلال مؤتمر (سيدر)، أعلنت ألّا خيار للبنان إلا بصندوق النقد الدولي، لأن الاقتصاد يحتاج إلى ضح سيولة في خلال أيام أو أسابيع قليلة»، عادّاً أن «لبنان يتجه إلى مرحلة قاتمة جداً، ما لم يغيّر (حزب الله) موقفه ومقاربته للحل». أما عن الأثمان السياسية التي قد تترتّب على لبنان وعلى وضع «الحزب» بالذات جراء اللجوء إلى صندوق النقد، فلم يخف سامي نادر أن «هناك دولاً كبرى لها فاعلية ونفوذ في صندوق النقد الدولي». وقال: «لا يستطيع لبنان أن يطلب 15 مليار دولار تقريباً، ثم يذهب لبنان إلى حرب مدمرة، أو أن يتخذ مواقف معادية من الدول الغربية المؤثرة»، عادّاً أن «حياد لبنان عن صراعات المنطقة هو أحد أبرز شروط المجتمع الدولي لدعم الاقتصاد». ولا يختلف اثنان على أن الكرة باتت الآن في ملعب الحكومة اللبنانية، بعد النصائح التي قدمها خبراء صندوق النقد.
ونبّه الدكتور نسيب غبريل، إلى أن «تجاهل هذه النصائح وعدم التعامل معها، يعني أن هوية الاقتصاد اللبناني، القائمة على القطاع الخاص والمبادرة الفردية والاقتصاد الحرّ، باتت مهددة»، عادّاً أن «عدم الأخذ بتوصيات صندوق النقد، سيدفع نحو مزيد من سيطرة القطاع العام على القطاع الخاص، وهذا سيؤدي إلى مزيد من الانكماش في الاقتصاد اللبناني ويرفع تكلفة القطاع العام على الخزينة ويزيد من العجز، وبالتالي من الانهيار».



تمسك نتنياهو بـ«فيلادلفيا»... هل يفاقم التوترات مع مصر؟

TT

تمسك نتنياهو بـ«فيلادلفيا»... هل يفاقم التوترات مع مصر؟

جانب من الحدود بين قطاع غزة ومصر التي تعرف بـ«محور فيلادلفيا» (أرشيفية - د.ب.أ)
جانب من الحدود بين قطاع غزة ومصر التي تعرف بـ«محور فيلادلفيا» (أرشيفية - د.ب.أ)

تأكيد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تمسكه بالبقاء في محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، يثير تساؤلات بشأن تداعيات ذلك على مسار التوترات مع القاهرة التي بدأت منذ سيطرة إسرائيل على المحور في مايو (أيار) الماضي، وسط رفض مصري وتلويح باتخاذ ما يحفظ أمنها القومي.

تصريحات نتنياهو الجديدة تأتي وسط مفاوضات بشأن الهدنة في قطاع غزة قال إنها «تشهد تقدماً»، ومحاكمته بتهم فساد، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» «محاولة للضغط من أجل مكاسب في محادثات صفقة الرهائن»، عادّين أنها رسالة للداخل الذي يحاكمه لكسب مزيد من التعاطف، بينما تشير المهلة التي تحدث عنها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إلى ضرورة إبرام صفقة قبل 20 يناير (كانون الثاني) المقبل موعد تنصيبه.

و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية السلام» الموقعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979. ومنذ اندلاع حرب غزة بات نقطة أزمة بين القاهرة وتل أبيب، خاصة بعد احتلاله من جانب الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

فلسطينيون مهجرون بفعل القصف الإسرائيلي على طول محور فيلادلفيا بين مصر وغزة في رفح (أرشيفية - أ.ب)

نتنياهو تحدث في كلمة عشية إدلائه الثلاثاء بشهادة لأول مرة في محاكمته المتعلقة بتهم فساد، قائلاً إن «هناك تقدماً (بمفاوضات غزة) لكنها لم تنضج بعد»، محملاً «حماس» مسؤولية تأخر إبرام الصفقة.

وشدد على أنه «مصمم على مواجهة الضغوط وعلى تحقيق أهداف الحرب والانتصار الحاسم»، مؤكداً ضرورة مواصلة السيطرة على محور فيلادلفيا لكون هذا الأمر مهماً لضمان عدم حصول عمليات «تهريب أسلحة»، وهو اتهام عادة ما نفته مصر مراراً، وقالت: «هي تصريحات الغرض منها التغطية على فشله في القطاع».

ولم يوضح تلك الضغوط، في حين بدأت، الثلاثاء، أولى جلسات استماع محاكمة نتنياهو في شهادته بقضايا فساد تلاحقه، في جلسات قد تستغرق عدة أسابيع، وذلك بعد مرور أكثر من 4 سنوات على بدء الادعاء مرافعاته، و7 سنوات على بدء التحقيقات بها، ورفض طلبات تأجيله؛ ليكون أول رئيس وزراء في السلطة يدلي بشهادته في محاكمة فساد عامة خاصة به.

وفي اعتقاد الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن تصريحات نتنياهو استعراضية مع محاكمته، ويريد منها إرسال رسائل لخصومه بالداخل الإسرائيلي، وأنه على «استعداد أن يفاقم التوتر مع مصر ويعرقل اتفاق الهدنة إذا استمرت إجراءات محاكمته بعدّه يريد أن يروج نفسه منتصراً وليس ملاحقاً قضائياً».

يتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني الدكتور أيمن الرقب، في أن نتنياهو يريد أن يبقى دائماً منتصراً لا ملاحقاً قضائياً، موضحاً أنه خرج بخطابه ليعدد ما يراه إنجازات، وحديثه عن المحور رسالة غير مباشرة لمصر من باب المناكفة ومحاولة الحصول على مكاسب أكبر في المفاوضات الجارية، في ظل وضعه الصعب حالياً الذي يجعله يقول ويفعل أي شيء يجعله مستمراً سياسياً وعسكرياً.

جندي إسرائيلي يسير نحو مدخل نفق يؤدي إلى مصر في قطاع غزة بممر فيلادلفيا بجنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

وسبق أن صرح نتنياهو في سبتمبر (أيلول) بتمسكه بالبقاء في محور «فيلادلفيا»، واتهم القاهرة بغضها الطرف عن تهريب الأسلحة، ورد عليه مصدر مصري رفيع المستوى عبر قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية، قائلاً إن تلك التصريحات «رسالة استباقية لواشنطن برفضه أي مقترحات لوقف إطلاق النار بغزة وإجهاض لجهود التهدئة والإفراج عن الأسرى»، متهماً إياه بـ«ترويج أكاذيب لتبرير فشله في السيطرة على تهريب السلاح من إسرائيل للقطاع»، وتلته مواقف عربية وإسلامية رسمية مؤيدة لمصر رافضة لحديث رئيس الوزراء الإسرائيلي.

وفي رسالة حازمة، بحسب إعلام إسرائيلي وقتها، تفقد رئيس أركان الجيش المصري، الفريق أحمد خليفة، عقب تصريحات نتنياهو «إجراءات التأمين على الحدود مع قطاع غزة»، وأكد أن «رجال الجيش قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل»، داعياً مقاتلي إحدى نقاط خط الحدود الدولية القريبة من فيلادلفيا إلى «ضرورة تفهمهم لمهامهم المكلفين بها التي تعتمد على اليقظة العالية والقدرة على التعامل مع جميع المواقف الطارئة»، وفق بيان للمتحدث باسم الجيش المصري العقيد غريب عبد الحافظ، آنذاك.

ولم تتراجع مصر عن مطالبها بشأن المحور، وجدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال لقاء بالقاهرة في 2 ديسمبر (كانون الأول) الحالي مع نائبة السكرتير العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، «رفض مصر الوجود العسكري الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معبر رفح وبمحور فيلادلفيا»، وفق بيان صحافي لوزارة الخارجية المصرية آنذاك.

وبحسب اللواء سمير فرج، فإن الأمر محسوم بأن البقاء الإسرائيلي في المحور مخالف لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مضيفاً أن «القاهرة دولة كبيرة وتدرك ألاعيب نتنياهو جيداً ولها مطلب معلن وواضح بشأن فيلادلفيا ومعبر رفح، وعلينا أن ننتظر وسنرى تطورات تلك التصريحات الأيام المقبلة».

ويستبعد الرقب أن يقود حديث نتنياهو إلى توتر أكبر مع مصر مقارنة بالوضع القائم منذ سيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر رفح والمحور منذ مايو الماضي، خاصة أن هناك مهلة زمنية محددة من ترمب لن يتخطاها رئيس الوزراء الإسرائيلي.

والأسبوع الماضي، قال ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الشرق الأوسط سيواجه «مشكلة خطيرة» إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل تنصيبه في 20 يناير المقبل، وأكد مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الاثنين، أنه «لن يكون من الجيد عدم إطلاق سراح» الرهائن المحتجزين في غزة قبل المهلة التي قررها، آملاً في التوصل إلى اتفاق قبل ذلك الموعد، وفق «رويترز».

ويعتقد الرقب، أن تلك المهلة ستكون خطاً لن يتجاوزه نتنياهو ضمن ضغوط أميركية أيضاً من إدارة جو بايدن التي تريد ذلك الاتفاق قبل نهاية ولايته، عادّاً أن التصريحات قد تكون ضغطاً لا أكثر على الداخل الإسرائيلي دون أن تمس مسار الهدنة الذي اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه «متقدم».

ولا يستبعد اللواء فرج، إبرام صفقة هدنة وشيكة خاصة بعد تحذير ترمب، لكن عادة وفي ظل ألاعيب نتنياهو فإن «الشيطان يكمن في التفاصيل»، داعياً إلى التمهل في حسم الموقف خاصة في ظل التصريحات الجديدة من رئيس الوزراء، التي تستهدف توسيع مكاسبه بأي اتفاق.