«صندوق النقد» ينصح بخطة إنقاذية ويدعو لبنان لاستعادة مصداقيته دولياً

TT

«صندوق النقد» ينصح بخطة إنقاذية ويدعو لبنان لاستعادة مصداقيته دولياً

أكد مسؤول لبناني شارك في جانب من اللقاءات التي عقدتها بعثة صندوق النقد الدولي مع أركان الدولة، وحاكمية مصرف لبنان، ولجنة المال، والموازنة النيابية، وعدد من الوزراء، أن البعثة لم تسمح لنفسها بأن تُبدي رأيها في سداد الحكومة اللبنانية لسندات الـ«يوروبوند» التي يستحق سدادها في التاسع من مارس (آذار) المقبل. وقال المسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «البعثة لم تقل بدفع قيمة هذه السندات أو عدم دفعها باعتبار أن هذه المسألة من وجهة نظرها، سيادية بامتياز ولن تتدخل فيها لا من قريب أو بعيد، ويعود للجهات اللبنانية الرسمية المعنية بها اتخاذ القرار النهائي».
ولفت المسؤول اللبناني، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أن «مهمة بعثة الصندوق استشارية فنّية»، قائلاً إن «الحكومة اللبنانية طرحت عليها مجموعة من الأسئلة حول الوضعين الاقتصادي والمالي الذي أخذ يتدحرج باتجاه مزيد من الانهيار، ولقيت منها أجوبة صريحة وواضحة لا لبس فيها».
وكشف المسؤول نفسه، عن أن بعثة الصندوق لم تتبرّع بطرح أسئلة غير تلك التي طرحها عليها أركان الدولة ووزيرا المال والاقتصاد، ونُقل عن البعثة قولها، إن «أهل البيت أدرى من غيرهم بمشكلاته وأزماته التي يمر فيها، ونحن من جانبنا نجيب عن الأسئلة التي طرحها علينا الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وحسان دياب، والتي تتعلق برمتها بالصعوبات الكبيرة التي يواجهها البلد».
وأبدت بعثة الصندوق استعدادها لمساعدة لبنان لـ«يكون في مقدوره التغلُّب على مشكلاته التي وصلت إلى مكان لم يعد يُحتمل، وهذا باعتراف صريح من كل المسؤولين الذين التقيناهم؛ شرط أن يبادر لبنان إلى مساعدة نفسه».
وصارحت كل من يعنيهم الأمر - كما يقول المسؤول نفسه - بأن الأزمة الكبرى التي يرزح تحت وطأتها لبنان، تكمن في أن يبادر إلى استعادة صدقيته لدى المجتمع الدولي بعد أن اهتزّت، وتكاد تكون مفقودة بسبب عدم التزامه بالتعهدات التي قطعها على نفسه أمام المشاركين في مؤتمر سيدر، الذي أُريد منه وبرعاية فرنسية مباشرة مساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية، وأيضاً في الاجتماعات التي عقدتها مجموعة أصدقاء لبنان.
ونفى هذا المسؤول أن تكون بعثة الصندوق قد أوصت في لقاءاتها بوصفة اقتصادية ومالية يمكن أن تُسهم في إنقاذ لبنان في حال التزم بها وسارع إلى تنفيذها. وقال، إن الحكومة ليست في حاجة إلى من يوصيها بذلك فهي تعرف المشكلات وكانت تعهدت برزمة من الإصلاحات الإدارية والمالية، لكنها بقيت حبراً على ورق.
وأكد، أن بعثة الصندوق وإن كانت فضّلت عدم الدخول في تفاصيل الأزمات التي تحاصر لبنان وباتت في حاجة إلى حلول جذرية، لكنها في المقابل حرصت على استحضار مسلسل من الأزمات التي مر بها عدد من الدول مع أنها مماثلة للأزمة الراهنة في لبنان، وقد بدأت تتجاوزها رغم أنها وقعت في أخطاء يُفترض بالحكومة أن تتفادى الوقوع فيها.
وقال المسؤول نفسه، إن بعثة الصندوق نصحت الحكومة بضرورة مبادرتها إلى وضع خطة جدّية ومبرمجة أساساً للبدء في عملية الإنقاذ، وأن تقوم بتنفيذها فوراً، شرط أن يتوافر لها الانسجام ويتأمّن فريق عمل واحد.
واعتبر أن اكتفاء الحكومة ببيان «إعلان النيّات» للتأكيد على رغبتها بتحقيق الإصلاحات الإدارية والمالية لم يعد كافياً لأن المجتمع الدولي لن يتعامل معها بإيجابية انطلاقاً من التزامات لبنان السابقة التي لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ واقتصرت على الوعود.
وأكد، أن بعثة الصندوق تنتظر من لبنان أن يُقرن التزاماته هذه المرة بأفعال فورية. وقال، إن إصلاح قطاع الكهرباء يتصدّر اهتمامها، شرط أن يقوم على تأمين الحلول الدائمة لا المؤقتة بغية وقف استنزاف خزينة الدولة التي تعاني من عجز غير مسبوق يؤدي إلى ارتفاع منسوب خدمة الدين.
في هذا السياق، كشف عن أن بعثة الصندوق سألت عن التأخُّر في تشكيل الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وفي تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، رغم أن الحكومة السابقة كانت التزمت بهما بناءً لتوصية أقرها المجلس النيابي في جلسة لهيئته العامة.
ورأى المسؤول نفسه، أن بعثة صندوق النقد تنتظر من الحكومة أن تتقدّم بخطة جدّية قابلة للتنفيذ فور إعدادها، شرط أن يلتزم بها لبنان، وهذا ما يُفسح في المجال أمام البعثة لمناقشتها وتطويرها إذا اقتضى الأمر، وعندها يمكن أن نبحث في وضع برنامج لتقديم مساعدة مالية للبنان تبادر إلى التحرُّك على المستويين الدولي والإقليمي لتأمين الدعم لهذا البرنامج.
لذلك؛ فإن الكرة الآن في ملعب الحكومة، فهل تتمكن من وضع خطة جدّية اليوم قبل الغد؛ لأن عامل الوقت لم يعد لمصلحة إنقاذ لبنان من الانهيار الذي يتموضع حالياً في قعر البئر.
هذا بالنسبة إلى الخطة المطلوبة من الحكومة، أما بخصوص سداد المستحقات الخاصة بسندات الـ«يوروبوند»، علمت «الشرق الأوسط» أن البحث ليس محصوراً في خيار من اثنين، الدفع أو عدم الدفع، وإنما في خيار يقع في منتصف الطريق بين هذين الخيارين، وهذا ما سيقرره مجلس الوزراء فور انتهاء الفريق الاستشاري الذي استعانت به الحكومة من إعداد مطالعته، وإن كان الخيار الراجح حتى الآن يقوم على سداد الفوائد المترتبة على هذه السندات. ويبقى السؤال: هل ستحسم الحكومة أمرها وتتجاوز حالة التردُّد والإرباك بوضع خطة إنقاذية واضحة المعالم تبادر إلى تنفيذها فوراً بعد الوقوف على مشورة صندوق النقد، مع أنها تُدرك بأن لا مفر من اتخاذ تدابير موجعة ليس لخفض الإنفاق فحسب، وإنما لوقف الانهيار، وبالتالي كيف سيتعامل معها «الثنائي الشيعي»، وتحديداً «حزب الله»؟ وهل ينظر إليها من زاوية أن لبنان بات في عهدة وصاية الصندوق، أم أنه سيتكيّف مع هذه التدابير باعتبار أن البدائل معدومة وبعيدة المنال؟



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم