حضّت منظمة الصحة العالمية دول العالم، أمس، على الاستعداد لـ«وباء عالمي محتمل»، في وقت دفع تسجيل إصابات ووفيات جديدة في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا إلى جهود أكثر صرامة لتقييد واحتواء فيروس «كورونا» الجديد.
وواصل عدد الوفيات في الصين ارتفاعه، مع تأكيد 150 وفاة إضافية، ما رفع العدد الرسمي للوفيات إلى نحو 2600. وتصرّ السلطات الصينية على أنها احتوت الفيروس، مشيرة إلى تراجع معدّلات الإصابات بفضل إجراءات إغلاق وحجر صحي في بؤرة تفشي المرض أو محيطها، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
لكن انتشار الفيروس تسارع في أجزاء أخرى من العالم خلال الأسبوع الماضي، لتظهر بؤر جديدة في إيران وكوريا الجنوبية وإيطاليا.
وقال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إن على دول العالم «القيام بكل ما هو ممكن للاستعداد لوباء عالمي محتمل»، لكنه شدد على أن الهيئة الدولية لا تعتبر أن الوضع بلغ هذه المرحلة بعد. وقال للصحافيين في جنيف إن «الزيادة المفاجئة في عدد الإصابات في إيطاليا وجمهورية إيران الإسلامية وجمهورية كوريا (الجنوبية) مقلقة للغاية». وتوقّع مسؤولون آخرون في المنظمة بقاء الفيروس «لشهور».
وأسفرت التطورات عن هبوط أسواق الأسهم وأسعار النفط العالمية، بينما لجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ آمن.
وعزّزت السلطات جهودها لاحتواء تفشّي الفيروس، فسعت لإغلاق حدودها، وأصدرت أوامر للناس بالتزام منازلهم، ومنعت سفرهم. لكن خبراء حذّروا من أن الفيروس الذي أطلق عليه رسمياً «كوفيد-19» سينتشر على الأرجح بسهولة أشبه بطريقة انتشار الإنفلونزا الموسمية العادية.
ومن جهته، قال الأستاذ المساعد في مجال علم الأحياء الدقيقة الخليوية لدى جامعة «ريدينغ» في بريطانيا، سايمون كلارك: «يبدو أن الفيروس قادر على الانتقال من شخص لآخر من دون ظهور أي أعراض، ما يجعل مهمة تعقّبه صعبة للغاية، بغض النظر عمّا تقوم به السلطات الصحية».
- عزل عشرات آلاف الأوروبيين
وفي إيطاليا، ارتفع عدد الوفيّات الناجمة عن فيروس «كورونا» إلى 6، فيما زاد عدد الإصابات المؤكدة على 230، محصورة كلّها في مقاطعات الشمال التي بدأت تنعزل عن بقيّة المناطق والبلدان الأوروبية المجاورة بسبب التدابير الصارمة التي فرضتها السلطات المحلّية والوطنية، تحاشياً لانتشار هذا الفيروس الذي يتفشّى بسرعة مقلقة في إيطاليا منذ يوم الجمعة الماضي.
وبعد أن فرضت الحكومة إجراءات الحجر الصحّي الإلزامي على 13 بلدة يزيد عدد سكانها على 60 ألفاً، وكلّفت القوّات المسلّحة بمؤازرة أجهزة الأمن والشرطة في الإشراف على تنفيذها، بدا وسط ميلانو، عاصمة الشمال وكبرى المدن الإيطالية، مقفراً ظهر أمس (الاثنين)، فيما بدأت أقاليم أخرى تفرض الحجر الصحي على القادمين إليها من المقاطعات الشمالية التي يتهافت سكّانها على المحلات والأسواق التجارية للتموّن بكميات كبيرة، تحسباً لإجراءات أكثر تشدداً في الأيام المقبلة.
وكانت بورصة ميلانو قد افتتحت أعمالها صباح أمس بتراجع زاد على 6 في المائة، فيما كانت الحكومة تعلن عن حزمة جديدة من المساعدات للقطاع الاقتصادي الذي بدأت تظهر عليه أعراض الوهن في الشمال، حيث يرتكز الجزء الأكبر من النشاط الصناعي في إيطاليا.
وكان رئيس الدفاع المدني المفوّض الخاص لحالة الطوارئ الصحيّة، آنجيلو بورّيلي، قد أعلن أن الضحيّة السادسة كانت سيّدة في الثامنة والثمانين من عمرها، وكانت تعاني من حالة صحيّة متدهورة على غرار الضحايا الأخرى. وأفاد بأن عدد الإصابات المؤكدة قد زاد على 230، موزّعة كالتالي: لومبارديا (172)، وفينيتو (32)، وإميليا رومانيا (18)، ولازيو (3)، منها 23 في حالة خطرة.
ومن المقرّر أن يُعقد اليوم اجتماع مهم بين الحكومة الإيطالية والمفوّضة الأوروبية للشؤون الصحية، ستيلّا كيرياكيديس، ووفد رفيع المستوى من منظمة الصحة العالمية، لتقييم الوضع في إيطاليا، والاتفاق على إجراءات تحول دون انتشار الإصابات في المحيط الأوروبي.
وفي حين تحاول السلطات الإيطالية تطمين المواطنين، وتدعوهم إلى الهدوء وعدم الانجرار وراء الإشاعات، والتقيّد بالتدابير الوقائية التي تعممها الأجهزة الرسمية ووسائل الإعلام منذ أيام، شهدت مناطق عدّة حوادث عنصريّة ضد مواطنين صينيين أو آسيويين، أو حتى مهاجرين أفارقة.
وما يزيد من مستوى القلق الذي تملّك المجتمع الإيطالي أن الخبراء ما زالوا يتحدثون عن «المريض صفر» الذي لم تُحدّد هويّته بعد، ويُعتقد أنه الذي نقل الفيروس إلى المصابين الذين لم يذهب أي منهم إلى الصين في الأشهر الأخيرة.
وبالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها سلطات المناطق التي انتشر فيها الفيروس منذ نهاية الأسبوع الماضي، بإغلاق المدارس والجامعات وإلغاء المباريات الرياضية واحتفالات الكرنفال، دعت الحكومة موظّفي القطاعين العام والخاص من الذين يعيشون ويعملون خارج مناطق انتشار الفيروس، وكانوا مؤخراً في هذه المناطق، أن يخضعوا طوعاً لفحوصات طبية للتأكد من وضعهم الصحي.
وفي البرلمان، شوهدت أمس أوّل نائبة ترتدي القناع الصحّي خلال مناقشة أزمة فيروس كورونا في مجلس النواب. وقالت تيريزا بالديني التي تنتمي إلى حزب «إخوان إيطاليا» اليميني المتطرف المعارض: «على جميع النوّاب وأعضاء الحكومة والمسؤولين الذين يتواصلون مع مجموعات من المواطنين أن يتخذوا أقصى تدابير الوقاية الصحيّة».
وفي مطار جزيرة موريشيوس، فرضت السلطات المحلية إجراءات الحجر الصحي على نحو 40 راكباً إيطالياً كانوا على متن طائرة تابعة لشركة «أليطاليا»، تبيّن أنهم من سكّان مقاطعتي لومبارديا وفينيتو، وخيّرتهم بين الامتثال للإجراءات أو العودة إلى إيطاليا.
وفي مدينة ليون الفرنسية، أخضعت السلطات حافلة إيطالية لتدابير الحجر الصحي بعد الاشتباه بإصابة أحد ركّابها بفيروس كورونا.
- كوريا الجنوبية... بؤرة جديدة
ومن جهة أخرى، شهدت كوريا الجنوبية ارتفاعاً سريعاً في عدد الإصابات منذ ظهرت مجموعة من الإصابات وسط طائفة دينية في مدينة دايغو (جنوب) الأسبوع الماضي. وتم تسجيل أكثر من مائتي إصابة، وحالتي وفاة إضافيتين، في كوريا الجنوبية أمس، ما رفع إجمالي عدد الإصابات إلى أكثر من 830، وهو أكبر عدد حتى الآن يتم تسجيله خارج الصين.
وتوفي 8 أشخاص بالفيروس في كوريا الجنوبية، حيث أعلن الرئيس مون جاي - إن، في عطلة نهاية الأسبوع، رفع درجة التأهّب من الفيروس إلى أعلى درجة (أحمر). وفي إطار جهود احتواء الفيروس، تم تمديد عطل المدارس على الصعيد الوطني، بينما صدرت أوامر لسكان مدينة دايغو، البالغ عددهم 2.5 مليون، بالتزام منازلهم. وأعلنت السلطات في هونغ كونغ أنها ستمنع دخول الواصلين من كوريا الجنوبية، عدا سكانها العائدين، اعتباراً من اليوم (الثلاثاء). وأعلنت منغوليا في وقت سابق كذلك منع هبوط الرحلات القادمة من كوريا الجنوبية.