دمى «بينوكيو» ترسخ الأسطورة القديمة في أزقة روما

أشهر أنف في العالم أصبح أيقونة يفخر بها الإيطاليون

دمية بينوكيو في محلات التذكارات بروما ({الشرق الأوسط})
دمية بينوكيو في محلات التذكارات بروما ({الشرق الأوسط})
TT

دمى «بينوكيو» ترسخ الأسطورة القديمة في أزقة روما

دمية بينوكيو في محلات التذكارات بروما ({الشرق الأوسط})
دمية بينوكيو في محلات التذكارات بروما ({الشرق الأوسط})

من منا لا يتذكر «بينوكيو» وأنفه الخشبي الذي يزداد طولا في كل مرة يكذب فيها؟.. هذه الأسطورة القديمة التي تمت ترجمتها لأعمال تلفزيونية خالدة أصبحت أيقونة لدى الإيطاليين، الذي يعدون «بينوكيو» رمزا لتراثهم الأدبي العريق، ويفخرون بأن مخترع هذه القصة هو كاتب من جذور إيطالية، مما جعل دمية «بينوكيو» تتحول اليوم إلى منتج إيطالي شهير، ومعلم يستحق الاقتناء لدى زوار وسياح إيطاليا.
تمتلئ أزقة روما بالمحلات الصغيرة التي تتخصص بتصنيع دمى «بينوكيو»، بأحجام وأوزان مختلفة، على اعتبار أنها لعبة للأطفال أو تحفة فنية بالإمكان وضعها داخل المنزل، حيث يسوق لها أصحاب الدكاكين بهذه الطريقة اللافتة، في حين يعمد بعضهم إلى توظيف الدمية على هيئة «ميدالية» للمفاتيح، أو كدمية محشوة بالقطن للأطفال الصغار.
وفي أحد الدكاكين التي تستقطع جزءا من مساحتها لصناعة دمى «بينوكيو»، يتحدث لـ«الشرق الأوسط» شاب إيطالي يمتلك هذا المحل بمعية أخيه الأكبر الذي يعمل معه، واصفا هذه الدمية بأنها «رمز إيطالي»، متحدثا بإنجليزية ضعيفة محاولا أن يظهر القيمة الكبيرة التي يمثلها «بينوكيو» مما جعلهما يعتاشان على هذا الإرث القديم، ويعتبرانه مصدر الرزق الأبرز لهما.
يضاف إلى ذلك ظهور صورة «بينوكيو» بشكل لافت في محلات بيع الهدايا التذكارية «سوفونيرز»، حيث تظهر مرة مطبوعة على الأكواب الخزفية، ومرة على قطع المغناطيس التي يتم لصقها على أبواب الثلاجات، وفي مرات كثيرة تظهر صورة «بينوكيو» مطبوعة على قمصان «التي شيرت»، إلى جانب الأقلام والدفاتر ومذكرات التدوين.
وقد تستمد أسطورة «بينوكيو» هالتها الكبيرة وأهميتها من أحداث تلك الأسطورة القديمة التي تصور هواجس الإنسان ونشدان الخلاص من عذاباته، وذلك في إطار محاولات «بينوكيو» لمجاهدة نفسه في ترك الكذب كي يستطيع التحول إلى صورة بشرية بدلا من كونه مجرد دمية خشبية، وهذه القصة رغم بساطتها فإن الكثير من الأفلام الكرتونية التي أنتجت في حقبة الثلاثينات من القرن الفائت استلهمت أحداثها من قصة «بينوكيو» الإيطالية.
ولا يبدو ذلك غريبا إذا ما علمنا أن قراء «بينوكيو» في إيطاليا وحدها أصبحوا نحو 35 مليون طفل، وباتت كتب الأطفال الإيطالية الأدبية الأكثر مبيعا، وهذا دفع الإيطاليين إلى إعزاز من قيمة «بينوكيو» في محاولات تبرز تعطشهم لتحويل هذه الأسطورة القديمة إلى وجه دعائي ينافس شخصيات ديزني الشهيرة، وهو ما يبدو واضحا من خلال صورة «بينوكيو» التي تتصدر تذكارات الهدايا والأدوات المكتبية المصنعة في إيطاليا والتي تستهدف السياح بالدرجة الأولى، إذ يبدو واضحا تركيز أهالي روما على استثمار شهرة «بينوكيو» عبر الوجود في الأماكن السياحية التي يقصدها زوار روما بكثرة، خصوصا ساحة «سبانيش ستيبس» الشهيرة وأزقة نافورة «تريفي» وساحة «نافونا»، وذلك من خلال بيع دمى «بينوكيو» والمقتنيات المتعلقة بها في المتاجر الصغيرة والأكشاك التي تحيط بهذه الأماكن، مما يسهل عملية تسويقها وبيعها للسياح.
ومن الجدير بالذكر أن رواية «بينوكيو» كُتبت من قبل الإيطالي كارلو ورنزيني (المعروف باسمه المستعار، كارلو كولودي)، في الفترة بين 1881 و1883، وبدأ ورنزيني كتاباته كصحافي في أول الأمر، ثم اتجه إلى أدب الطفل في عام 1875، وتمثل «بينوكيو» أشهر أعماله، حيث تمت ترجمتها إلى أكثر لغات العالم، وتحولت إلى عشرات الأفلام، منها ما أنتجته «ديزني» بالرسوم المتحركة في عام 1940.
واحتفى التلفزيون الإيطالي بهذا العمل في مسلسل من 5 حلقات، مدة الحلقة ساعة، وتم عرضه في عام 1972، بحسب ما تفيد موسوعة (ويكيبيديا)، كما قامت الكثير من شركات الرسوم المتحركة التلفزيونية بتحويل الرواية إلى مسلسلات كارتونية تعلم الأطفال القيم الإنسانية والفضيلة، وقد اشتهرت هذه الرواية، خصوصا في النصف الثاني للقرن الـ20 بعد تطور وسائل الإعلام والاتصال.
و«بينوكيو» هو شخصية وهمية وبطل الرواية الرئيسي لرواية مغامرات «بينوكيو»، وهو عبارة عن مجسم منحوت من خشب الصنوبر، لكنه يظل يحلم بأن يتحول إلى صبي حقيقي، وقد ظهر في القصة الكثير من التعديلات في وسائل أخرى وبما يناسب معطيات الواقع المعاصر، إلا أن فكرة الكاذب الذي يطول أنفه مع كل كذبة ظلت مسيطرة على الكثير من القصص والأعمال التلفزيونية المرتبطة بالأطفال.
وقد يعزز من الاهتمام من قيمة «بينوكيو» تلك القيم الأخلاقية السامية التي تنادي بها القصة، حيث تطلب أن يلتزم بالصدق والوفاء والشجاعة والإيثار كي يتحول من دمية خشبية إلى مخلوق بشري، وهو ما يكرس من مفهوم العزيمة في نفوس الأطفال وقيمة الفضائل الأخلاقية، حيث تنتهي فصول الرواية حين يصحو «بينوكيو» ويجد نفسه تحول إلى صبي صغير من لحم ودم، ثم تبتهج وترقص شخوص الرواية فرحا بهذا الإنجاز.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».