النظام البيئي العالمي... ينبوع ينضب من عناصر باهظة الثمن

مجموع قيمة خدمات الطبيعة للأرض يفوق 140 تريليون دولار

النظام البيئي العالمي... ينبوع ينضب من عناصر باهظة الثمن
TT
20

النظام البيئي العالمي... ينبوع ينضب من عناصر باهظة الثمن

النظام البيئي العالمي... ينبوع ينضب من عناصر باهظة الثمن

إذا كنتم من المهتمين بالقضاء على التغير المناخي، فهذا يعني أن الوقت قد حان لتخرجوا محفظتكم وتتوجهوا إلى الشاطئ للعثور على أقرب حوت... وتحرير صك له بقيمة مليوني دولار! وهذا أقل ما يمكن أن تفعلوه.

ثمن الحوت
تقوم الحيتان بالكثير من أعمال التنظيف المجانية التي تخلصنا من الفوضى الكربونية، إذ إنها تراكم أطناناً من الكربون في أجسادها الضخمة خلال نموها (ما يعادل استهلاك ألف شجرة وأكثر)، وتأخذها معها إلى قعر المحيط عند موتها، فتزيلها بشكل كامل ونهائي من الجو. وقد وجد الباحثون أيضاً أن براز الحيتان يشكل مأدبة للعوالق النباتية التي تتواجد على مقربة من سطح المحيط، مما يعني أنها تساهم بدورها بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء بكميات موازية لما تمتصه عدة غابات مجتمعة وتحبسها في الأعماق.
في ديسمبر (كانون الأول) الفائت، عمدت مجموعة من اقتصاديي صندوق النقد الدولي إلى احتساب البدل المالي المقدر لهذه الخدمة بناء على سعر ثاني أكسيد الكربون في السوق (بالإضافة إلى سعره في صناعات أخرى تدعمها الحيتان كالسياحة والصيد)، ووجدوا أنه يصل إلى مليوني دولار للحوت الواحد (في حياته)، وإلى تريليون دولار لحيتان العالم مجتمعة.
يُعرف هذا النوع من العلوم المتداخلة الاختصاصات - تحويل الخدمات التي تقدمها مختلف أنواع الكائنات الحية والمنظومات البيئية (الأهوار، والشعاب المرجانية، والغابات، وغيرها) إلى دولارات وجنيهات من الكربون وغيرها من الأرقام الصعبة - باسم «اقتصادات رأس المال الطبيعي». ولا يقتصر هذا الأمر على الكربون فحسب، حيث إن اقتصاديي رأس المال الطبيعي يقيسون أيضاً قيمة «خدمات المنظومات البيئية الأخرى» كإنتاج الغذاء، وتخزين المياه، وتلقيح الزهور، وتنظيف الهواء من السموم، والتربة، والمياه، وحتى الحماية من التآكل والفيضانات.

خدمات الطبيعة
تتراكم هذه القيم لتسجل أرقاماً خيالية حقاً. فقد أوردت ورقة بحثية مؤثرة أعدها عام 2014 الاقتصادي الأسترالي روبرت كوستانزا أن مجموع قيمة هذه الخدمات يفوق 140 تريليون دولار أميركي. وفيما يلي، سنضيئ على أبرز التفاصيل التي وردت في هذه الورقة:
منذ ظهور مصطلح «رأس المال الطبيعي» عام 1973 على يد الاقتصادي الألماني إيرنست فريتز شوماخر، تحول هذا المجال إلى أداة مهمة للناشطين البيئيين تساعدهم في إقناع القادة السياسيين ورواد الأعمال بالاستثمار في حماية البيئة. وورد في تقييم أعدته الأمم المتحدة عام 2017. أن أكثر من 50 دولة معظمها في أوروبا وجنوب أميركا (الولايات المتحدة ليست واحدة منها)، تُشرك اليوم اقتصادات رأس المال الطبيعي في القرارات التي تتخذها بشأن سياساتها البيئية.
وحديثاً، حاز اثنان من الباحثين الذين يقودون مجال اقتصادات رأس المال الطبيعي على جائزة تايلور للإنجاز البيئي، التي تعتبر الوسام الأعلى في مجال البحث البيئي وتُعرف بـ«جائزة نوبل للبيئة». وإلى جانب الجائزة، يحصل كل فائز على منحة مالية بقيمة 100 ألف دولار. ومن أبرز الأسماء التي حازت على هذه الجائزة في السنوات السابقة نذكرُ عالم الأحياء إدوارد أوسبورن ويلسون، والباحثة المتخصصة في قردة الشمبانزي جين جودال، والكاتب وعالم الأحياء جارد دايموند، وعالم المناخ في جامعة ولاية بنسلفانيا ميخائيل مان الذي تحول رسمه البياني الذي يظهر ارتفاع الحرارة العالمية والمعروف بـ«عصا الهوكي» إلى «الرسم البياني الأكثر جدلاً في عالم العلوم». أما الأسماء الفائزة لهذا العام فتضم غريتشن ديلي، مديرة مركز حفظ الأحياء في جامعة ستانفورد، وبافان سوخداي، خبير اقتصادي ورئيس الصندوق العالمي للطبيعة. وكان سوخداي الباحث الرئيسي لتقرير أعدته الأمم المتحدة عام 2008. وجد أن العالم كان يخسر ما يقارب أربعة تريليونات دولار من رأسماله الطبيعي سنوياً نتيجة قطع الأشجار، وتلوث المحيطات، وغيرها من النشاطات الضارة بالبيئة. أما دايلي، ففي رصيدها العديد من الكتب التي تحدثت عن رأس المال الطبيعي، إلى جانب تأسيسها مشروع رأس المال الطبيعي التابع لجمعة ستانفورد، الذي قدم أبحاثاً حول قيمة الثروات الطبيعية من كينيا إلى كوستاريكا ونيبال.
رأس المال الطبيعي
ترى هيذر تاليس، أحد أبرز علماء منظمة الحفاظ على الطبيعة والتي جمعها بدايلي تعاون علمي وثيق، في رأس المال الطبيعي «مفهوماً ثورياً حقيقياً» وتقول إنه «حول نمط التفكير القائم حول الحفاظ على الطبيعة من شيء غير مدرج في اقتصادنا إلى عنصر أساسي في الاقتصاد».
تساعد هذه الأنواع من الحسابات أيضاً الشركات في تحديد كيف يمكن للتغير المناخي، والتلوث، وغيرها من التأثيرات المناخية أن تؤثر على النتيجة النهائية لأعمالها.
ففي عام 2018 مثلاً، استخدمت الحكومة المكسيكية والشركات المحلية العاملة في صناعة السياحة الشاطئية اقتصادات رأس المال الطبيعي في إطلاق برنامج تأمين لحماية الشعاب المرجانية المعروفة بإمكاناتها الكبيرة في جذب السياح وحماية الشواطئ والفنادق، والطرقات، وغيرها من البنى التحتية الأساسية من الأعاصير. يهدف هذا البرنامج إلى السماح للحكومة بالمشاركة في دفع تكاليف هذه الحماية، من خلال تقديمها التعويضات للشركات المحلية عند تضرر الشعاب المرجانية جراء الأعاصير أو أي أضرار أخرى. في الوقت الحالي، يركز اقتصاديو رأس المال الطبيعي جهودهم على مبادرات حفظ الثروة المائية المدعومة من الشركات والوكالات التي تعتمد على المياه النظيفة في عملها كالمصانع الكهربائية، ومصانع صناعة البيرة، والنظام المائي لمدينة نيويورك.
شبهت تاليس هذا الأمر «بشراء علاج شافٍ بدل الإنفاق المتواصل على شراء ضمادات للجروح». ولفتت تاليس إلى إمكانية الربط بين الفكرة وبين الرسالة الأخيرة التي أعدها لاري فينك، الرئيس التنفيذي لـ«بلاك روك»، واحدة من أكبر شركات العالم المتخصصة في إدارة الثروات. وحذر فينك في رسالته من أن «الأدلة المقدمة على المخاطر المناخية تُجبر المستثمرين على إعادة تقييم الفرضيات الأساسية حول التمويل العصري».

موازنة البيئة
ولكن هذا المجال لا يخلو من الخلافات، حيث إن باحثين وخبراء بيئيين بارزين يؤكدون أن رأس المال الطبيعي اختزالي بشكل خطير، معتبرين أن تسعير الحيتان والأراضي الرطبة (الأهوار) يشوه القيمة الحقيقية للطبيعة ويشتت الاهتمام عنها. كما أن هذا الأمر قد يؤدي إلى نتائج عكسية في الحالات التي يكون فيها المشهد الطبيعي أو الكائن الحي ذا قيمة اقتصادية متواضعة، أو حتى يتميز بأسلوب حياة معاكس للمصالح البشرية، كالأراضي الرطبة مثلاً التي يمكن أن تساهم في نشر الأمراض المعدية، أو بعض الحيوانات المتوحشة التي تقتل البشر أو تدمر الممتلكات.
من جهته، يرى أدريان فوغل، عالم رئيسي في مشروع رأس المال الطبيعي، أن علماء رأس المال الطبيعي يظهرون اهتماماً متزايداً بتجاوز الأرقام الدولارية إلى مقاييس ملموسة أكثر، كأعداد الحيوات التي يساهم الهواء والمياه النظيفان في إنقاذها، أو توقع التأثيرات التي قد تطول المحاصيل جراء التلوث والتغير المناخي. ويعتبر فوغل أن الخطوة التالية تتمثل في مساعدة عدد أكبر من الحكومات والشركات التي تستخدم أفكار رأس المال الطبيعي في الموازنة بين النمو الاقتصادي وحفظ البيئة. وأخيراً، يختم الباحث في مشروع رأس المال الطبيعي بأن «تسعير كل شيء بالدولار ليس الجواب النهائي. نحن بحاجة إلى الذهاب أبعد من تحديد الكمية والفهرسة إلى دمج هذه القيم في سياسات فعالة».
- «كوارتز»، خدمات «تريبيون ميديا».



143 مليون أميركي يشربون «مواد كيميائية أبدية» من مياه الصنبور

143 مليون أميركي يشربون «مواد كيميائية أبدية» من مياه الصنبور
TT
20

143 مليون أميركي يشربون «مواد كيميائية أبدية» من مياه الصنبور

143 مليون أميركي يشربون «مواد كيميائية أبدية» من مياه الصنبور

أصدرت «مجموعة العمل البيئي» غير الربحية للتو تحديثاً لقاعدة بيانات مياه الصنبور الخاصة بها، حيث وجدت أن ما يقرب من نصف سكان أميركا يشربون مياهاً تحتوي على ما يُعرف باسم «المواد الكيميائية الأبدية PFAS»، كما كتبت غريس سنيلينغ (*).

وتكرس «مجموعة العمل البيئي» مهمتها لمراقبة الإعانات الزراعية والمواد الكيميائية السامة وملوثات مياه الشرب. وظلت تعمل على إنشاء قاعدة بيانات مياه الصنبور منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، مع إصدارها آخر تقرير في عام 2021.

بيانات حديثة

ولإنشاء أحدث قاعدة بيانات لها، قامت «مجموعة العمل البيئي» بمراجعة بيانات جودة المياه مما يقرب من 50 ألف مؤسسة أميركية لضخ المياه بين عامي 2021 و2023. وحددت 324 ملوثاً - مثل النترات والزرنيخ ومنتجات التطهير الثانوية - في مياه الشرب في جميع أنحاء البلاد، «بمستويات يمكن اكتشافها في جميع أنظمة المياه المجتمعية تقريباً».

مستويات تلوث تهدد المعايير الصحية

في كثير من الحالات، يشير التقرير إلى أن هذه المستويات القابلة للكشف تقل عن الحدود القانونية التي حددتها وكالة حماية البيئة، لكنها مع ذلك تتجاوز «المعايير الصحية» التي وضعها فريق العمل البيئي نفسه.

وعلى الرغم من الجهود الفيدرالية الأخيرة لتنظيم PFAS في مياه الصنبور، وجدت المجموعة أن نسبة كبيرة من الأميركيين يستهلكون مواد كيميائية أبدية على أساس يومي.

ويقول سيدني إيفانز، كبير المحللين العلميين في فريق العمل البيئي: «السبب وراء نشرنا هذه القاعدة البيانات هو أن الناس يدركون أن مياه الشرب الخاصة بهم تحتوي على ملوثات. وحتى ولو كانت ضمن الحدود القانونية تماماً، توجد الملوثات في معظم الحالات بتركيزات مرتبطة بالضرر الصحي».

مواد كيميائية أبدية في الماء

ما هي المواد الكيميائية الأبدية في مياه الصنبور؟ PFAS، أو مواد البيرفلوروألكيل والبولي فلوروألكيل perfluoroalkyl and polyfluoroalkyl substances، هي فئة من المواد الكيميائية الاصطناعية المستخدمة عادة في السلع الاستهلاكية مثل المقالي غير اللاصقة والأقمشة المقاومة للبقع.

مركبات مسرطنة

في السنوات الأخيرة، ارتبطت هذه المواد بزيادة خطر الإصابة بالسرطان، وتأخر النمو، وانخفاض الخصوبة، وغيرها من التأثيرات الصحية. ولجعل الأمور أسوأ، فإن هذه المواد الكيميائية مستمرة: فهي تدوم لآلاف السنين في كل مرة، ويصعب تدميرها، وهي موجودة بالفعل في دم معظم الأميركيين.

في أبريل (نيسان) الماضي، وضعت وكالة حماية البيئة أول حدود فيدرالية على الإطلاق لستة أنواع من PFAS في مياه الشرب. وكانت «الحدود هي: أقل من قطرة ماء في ألف حمام سباحة من الحجم الأولمبي. وهو ما يشير إلى سمّية المواد الكيميائية». ووضعت أمام أنظمة ضخ المياه العامة مهلة حتى عام 2027 لاستكمال مراقبة هذه المواد «الأبدية»؛ لأن إزالتها عملية شاقة من المتوقع أن تتطلب مليارات الدولارات كل عام.

انتشار متزايد في شبكات المياه

بشكل عام، ارتفع تركيز PFOS في إمدادات المياه الوطنية بمرور الوقت: إذ بينما أظهرت قاعدة بيانات مياه الصنبور لعام 2021 التابعة لمجموعة العمل البيئي وجود المواد في 28 ولاية (929 مرفقاً يخدم 28 مليون شخص)، فهي الآن موجودة في 45 ولاية (4486 مرفقاً يخدم 104 ملايين شخص). ومن المتوقع أن تزداد هذه الأرقام مع استمرار الاختبار.

وقالت تاشا ستويبر، الباحثة البارزة في «مجموعة العمل البيئي»: «كلما زاد عدد الاختبارات التي نجريها على PFAS، زاد عدد الأماكن التي نجدها فيها».

تراجع الاهتمام بالبيئة في أميركا

أصبح مصير تنظيم PFAS في مياه الصنبور غامضاً نسبياً الآن؛ نظراً لأن الكثير من المعينين حديثاً من قِبل الرئيس دونالد ترمب في وكالة حماية البيئة لديهم تاريخ في معارضة لوائح الحد من مستوياتها. بالإضافة إلى ذلك، تتضمن تبدو أجندة مشروع 2025 المحافظة تبدو وكأنها تدعو إلى اتخاذ عدد أقل من اللوائح التنظيمية الكيميائية.

ويقول إيفانز: «مع الإدارة الجديدة، فإن الكثير من هذه الحماية لمياه الشرب معرضة للخطر... هناك احتمال أن يتم رفع حدود مستويات (PFAS) الفيدرالية، أو أن اللوائح يمكن أن تتراجع، وهو ما نعتقد أنه سيكون خطوة كبيرة إلى الوراء لمثل هذا الفوز الكبير الذي رأيناه لصحة البيئة على مدى السنوات القليلة الماضية».

توصيات للجمهور بمرشحات تصفية المياه

كيف يمكنني اختبار وتصفية مياهي؟ تسمح قاعدة بيانات مياه الصنبور التابعة لمجموعة العمل البيئي للمستخدمين بالبحث حسب نظام المياه المحلي لاكتشاف أي ملوثات تم الإبلاغ عنها. وسيوصي موقع المجموعة الإلكتروني بمرشح مياه مناسب بناءً على النتائج.

كما اختبرت مجموعة العمل البيئي عدداً من مرشحات المياه لاقتراح أفضل الخيارات لإزالة «المواد الأبدية»، وهي المرشحات filters التي تستخدم الكربون المنشَّط activated carbon، وراتينج التبادل الأيوني ion exchange resin، والتناضح العكسي reverse osmosis هي كلها خيارات محتملة أثبتت فاعليتها.

ويقول إيفانز، إن المسؤولية عن هذه الملوثات الأبدية يجب أن تقع على عاتق الأنظمة التي تخلقها وتنظمها، وليس على عاتق الأميركيين العاديين. ويضيف: «لا ينبغي أن تقع على عاتق الفرد مسؤولية ضمان سلامة مياه الشرب التي يشربها».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»