موسكو تجدد دعمها مواصلة العمليات لتقويض «بؤر الإرهاب» في إدلب

TT

موسكو تجدد دعمها مواصلة العمليات لتقويض «بؤر الإرهاب» في إدلب

بالتزامن مع إعلان موسكو سعيها إلى مواصلة الحوار مع أنقرة بهدف التوصل إلى آليات للتهدئة في محافظة إدلب، جددت وزارة الخارجية الروسية تأكيد دعمها تحركات الجيش السوري النظامي ضد «بؤر الإرهاب»، وحذر نائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين من أن بلاده «لن تتصالح أبدا مع بقاء مصادر الخطر في المنطقة»، مشدداً على استمرار «حرب لا هوادة فيها على الإرهابيين».
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، أمس، أن الوزير سيرغي شويغو أجرى محادثات هاتفية مع نظيره التركي خلوصي أكار ركزت على الوضع في سوريا عموماً، وسبل تهدئة التوتر في إدلب على وجه الخصوص. وتجنبت الوزارة الكشف عن مضمون المحادثة، لكنها قالت في بيان إن الطرفين أجريا نقاشاً تفصيلياً للوضع.
وجاءت هذه المحادثة على خلفية الإعلان عن توجه وفد روسي إلى أنقرة في غضون أيام، لاستئناف المحادثات بعد ثلاث جولات عقدت في أنقرة وموسكو وفشلت في تقريب وجهات النظر. ويعد الإعلان عن الجولة الجديدة من المفاوضات بعد اتصال هاتفي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان مساء أول من أمس، إشارة إلى «عزم موسكو وأنقرة على مواصلة الحوارات حتى التوصل إلى آليات مشتركة لمواجهة الموقف الناشئ، وعدم السماح بانزلاق الموقف بينهما إلى توسيع مساحة الخلاف»، وفقا لمصدر روسي.
وينتظر أن تقرر موسكو قبل حلول موعد الجولة المقبلة موقفها من الدعوة الأوروبية لعقد قمة تجمع زعماء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا في الخامس من الشهر المقبل. علماً بأن الكرملين كان أعلن في وقت سابق أن موسكو «لا تستبعد عقد القمة إذا رأت الأطراف الأربعة ضرورة لها».
في غضون ذلك، جاءت تصريحات فرشينين لتؤكد على الموقف الروسي الداعم لتحركات الجيش السوري في إدلب، وقال نائب الوزير الذي يعد المسؤول المباشر في الخارجية عن الملف السوري، إن موسكو «حاولت جاهدة المحافظة على قرار وقف النار، والتزمت الحكومة السورية بالقرار بدعم من جانبنا». لكنه زاد أن «نظام التهدئة يشمل فقط القوى المعتدلة والحكومة السورية»، في إشارة كررتها موسكو أكثر من مرة في السابق حول أن نظام وقف النار لا ينسحب على «جبهة النصرة» والقوى المتحالفة معها.
وقال فيرشينين إن «الإرهابيين في إدلب لا يزالون يعدون بعشرات الآلاف، وقد واصلوا تنفيذ هجمات بشكل متزايد على المناطق المجاورة وخصوصا على حلب». وأوضح أن «الإرهابيين» كانوا الشهر الماضي «على بعد 10 - 15 كلم من حلب» وقصفوا المدينة من أنظمة صواريخ إطلاق متعددة «بشكل أعمى، أي أن القصف طال المناطق السكنية». وزاد أن قاعدة «حميميم» الروسية تعرضت بدورها إلى ثماني هجمات باستخدام طائرات مسيّرة منذ التاسع من الشهر الماضي، مشيراً إلى أن موسكو تضع سلامة جنودها وضباطها على رأس لائحة اهتماماتها.
وأوضح الدبلوماسي الروسي أنه في هذه الظروف «لم يكن هناك أي شك في ضرورة دعم قوات الحكومة السورية التي تبذل جهوداً للقضاء على الإرهابيين في محافظة إدلب». وزاد: «لا يمكننا سوى أن ندعمهم، لأن الأمر يتعلق بتصرفات الحكومة الشرعية في سوريا وعلى أراضيها وضد الإرهابيين».
ولفت فرشينين إلى أن قوات الحكومة السورية «قامت بتحرير جزء من أراضي المنطقة المنزوعة السلاح في محافظة إدلب، لكن مهمتها هي وقف الهجمات الإرهابية، وليس الوصول إلى المنطقة الحدودية». وحملت هذه العبارة أول إشارة طمأنة لتركيا، لجهة أن موسكو لا ترغب في توسيع مساحة المعركة ووصولها إلى المنطقة الآمنة التي أقامتها تركيا. وأوضح أن «الواقع الحالي يشير إلى أن جزءاً من المنطقة المنزوعة السلاح تم تحريره عملياً، لكن فهمنا هو أن تحرك قوات الحكومة السورية لم يهدف إلى الوصول إلى الحدود، وعندما يقصف الإرهابيون ثاني أكبر مدينة في البلاد، فهذا الدافع الأساسي للقوات الحكومية».
في الوقت ذاته، نبه فيرشينين إلى إن روسيا «لن تتصالح أبدأ مع وجود إرهابيين في محافظة إدلب»، وقال إن هذه الأطراف «لم تكن طرفا في أي هدنة». وشدد الدبلوماسي على أن «الشيء الرئيسي هو تجنب وقوع خسائر بين المدنيين ومواصلة القتال الذي لا هوادة فيه ضد الإرهابيين». وقال إن «الجماعات الإرهابية تمنع المدنيين من مغادرة إدلب لاستخدامهم كدروع بشرية».
وزاد أنه تم إنشاء عدد من الممرات إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة لكن «الإرهابيين لا يسمحون للمواطنين بالوصول إليها، إنهم يستخدمون سكان المدينة كدروع لحماية أنفسهم». ورغم ذلك قال فيرشينين إن روسيا تعتقد أن المفاوضات مع تركيا بشأن الوضع في محافظة إدلب يجب أن تستمر. وزاد أنه منذ توقيع اتفاق سوتشي في خريف العام قبل الماضي لم تنقطع الاتصالات بين الجانبين بهدف تنفيذ الاتفاق، و«هذه المفاوضات، كما نعتقد، يجب أن تستمر»، مشيراً إلى أن أهمية هذه الاتصالات تكمن في أنها تسعى لمنع انزلاق التوترات في محافظة إدلب إلى «وضع أكثر خطورة».
إلى ذلك، صعدت وسائل الإعلام الروسية لهجة حملاتها على تركيا، في إطار التحذير من أن أنقرة «لم تعد شريكاً كاملاً لروسيا في مسار أستانة» واتهامها بأنها «من خلال التعزيزات العسكرية ونقل أسلحة نوعية ومعدات قتالية إلى المسلحين في إدلب، تضع القوات الروسية في وضع خطر كبير»، في إشارة إلى معطيات عن قيام أنقرة بنقل مضادات جوية إلى سوريا وتسليمها إلى بعض الفصائل الموالية لها.
وكتب خبير روسي بارز أمس محذراً من خطورة ما وصفه بـ«مغامرة إردوغان»، وقال إن «محاولات أنقرة لحل مشكلة إدلب عبر السعي لإعادة قوات الأسد إلى المواقع التي كانت تشغلها قبل شهرين، أو وقف الهجوم السوري ورسم خط جديد فاصل كلها باءت بالفشل».
ورأى أن الرئيس التركي «ألقى بورقته الأخيرة على الطاولة عبر التهديد بشن عملية واسعة، وبإرسال الفصائل السورية قبل يومين إلى عملية هجومية في بلدة النيرب»، وأنه بذلك «يحاول تخويف السوريين، وابتزاز روسيا عبر التلويح بقطع محتمل للعلاقات الروسية - التركية».
ولفت إلى أن «مغامرة إردوغان فشلت» لأن موسكو لم تكتف بتوضيح ثمن قطع العلاقات بالنسبة لتركيا، مثلاً، من خلال لقاء وزير الدفاع سيرغي شويغو عدو تركيا في ليبيا المشير خليفة حفتر، ولكن عبر التحذير الروسي أيضاً من «أسوأ سيناريو» وهي العبارة التي قالها الناطق باسم الكرملين، ورأى فيها خبراء روس إشارة إلى أن «رسالة موسكو لأنقرة هي أنها لو ذهبت نحو عملية عسكرية واسعة فلن تواجه فقط الجيشين السوري والإيراني إنما الجيش الروسي أيضا».
وقالت صحف روسية إن إردوغان «وجد نفسه في وضع محرج، فإذا لم يبدأ الحرب في إدلب وسلّم المحافظة للأسد، فسوف يخسر الكثير. سيخسر، مثلاً، شعبيته. وسيتهم القوميون الأتراك إردوغان بالضعف والتخلّي عن الطموحات التركية العظيمة. أما إذا أطلق عملية عسكرية في إدلب، فلن يخسر الكثير، إنما كل شيء، أي سلطته، وسمعته. ويمكن للجيش التركي، بالطبع، سحق الجيش السوري، لكنه لن يستطيع مواجهة تحالف سوري - إيراني - روسي على الأراضي السورية».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.