خمس روايات تقتحم «الغيتو» مثيرةً أسئلةً عديدةً (1 - 2): اليهود في الرواية السعودية... كل شيء إلا التطبيع

يهود من نجران عام 1936
يهود من نجران عام 1936
TT

خمس روايات تقتحم «الغيتو» مثيرةً أسئلةً عديدةً (1 - 2): اليهود في الرواية السعودية... كل شيء إلا التطبيع

يهود من نجران عام 1936
يهود من نجران عام 1936

خلال نحو أربع سنوات، صدرت خمس روايات لكتّاب سعوديين (نصفهم كاتبات) تتناول الشأن اليهودي: حياة اليهود، وتاريخهم، وأنماط سلوكهم، من خلال شخصيات يهودية تفتح الباب على مسرح يعجّ بتفاصيل البيئة اليهودية الأقرب إلى الجزيرة العربية، وهي بيئة اليهود اليمنيين. وفي إحدى الروايات تصبح القاهرة مسرحاً لأحداث الاتصال الأول بالعنصر اليهودي.
في الروايات جميعها، يندمج اليهود في حكايات إنسانية تستدعي التعرف على المجتمع اليهودي، ومن خلاله تدور رحى الأحداث لتتناول قضايا إنسانية عامة تقفز من وعي المؤلف لتشّكل حجر الزاوية للقضايا التي تتناولها الرواية: الهوية والصراع القومي، أو قضايا المرأة وذكورية المجتمع. وهي في العموم قضايا يمكن أن تمضي قدماً من دون توظيف العنصر اليهودي الذي يبدو طارئاً في أغلب هذه الأعمال.
الروايات الخمس تبحث عن «تميّز»، وربما وجدت في «الغيتو» اليهودي، عناصر لم تُطرق من قبل لاستلهام فكرة الرواية وبناء مسرحها... لكنّ كون هذه الأعمال صدرت في أوقات متقاربة، فقد أثارت الكثير من الأسئلة... رغم أن مؤلفيها الذين تحدثنا معهم يستبعدون التوظيف السياسي لرواياتهم، ولا يرون أنها تعبّد الطريق لقبول ثقافة التطبيع.
يجادل الروائيون المشاركون في هذا التحقيق، بأن اليهودية كانت جزءاً من التكوين الثقافي للجزيرة العربية، ففي جنوب الجزيرة وغربها، كما في اليمن عاشت قبائل من اليهود، بل إن باحثين جزموا بأنّ التوراة نزلت في جنوب جزيرة العرب، آخرهم الدكتور أحمد بن سعيد قشاش، في كتابه «أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السراة»، الصادر عن أدبي الباحة، ومؤسسة الانتشار العربي، سنة 2018، وفي هذا الكتاب يستشهد المؤلف قشاش بأن علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، ذكر في مجلة «العرب»، أن الموطن الأصلي لبني إسرائيل في جزيرة العرب، كان في منطقة العُلا (ص 293 – 294 من الكتاب).
وقبل ذلك بالطّبع المؤرخ اللبناني د. كمال الصليبي في دراسته الشهيرة «التوراة جاءت من جزيرة العرب»، (1985) مقدماً نظرية مثيرة للجدل، ترى أن عسير هي فلسطين التوراتية... وأنها كانت المكان التاريخي لجميع الأحداث التي وردت في التوراة، وإنّ بني إسرائيل من شعوب العرب البائدة، وقد نشأت الديانة اليهوديّة بين ظهرانيهم.
الروايات الخمس التي صدرت مؤخراً هي: رواية «يهودية مُخَلِّصَة» لسالمة الموشي، صدرت عام 2015. ورواية «مجنون ليلى اليهودية» لحمد حميد الرشيدي، صدرت عام 2016. ورواية «قاع اليهود» لعلي الأمير، صدرت عام 2018. ورواية «غربة يهودية» لرجاء بندر، صدرت عام 2020. ورواية «اللّيدي تالي - الأحساء 1912» لفوزي صادق.
- «يهودية مُخَلِّصَة» لسالمة الموشي
الرواية الأولى للكاتبة سالمة الموشي، صدرت 2015 عن دار (أزمنة)، سبقها كتابان نقديان هما «أيها النقصان من رآك... نساء تحت العرش» و«الحريم الثقافي بين الثابت والمتحول».
سالمة الموشي، باحثة في التاريخ، وناشطة ثقافية، وفي مجال تمكين المرأة، وهي عضو الجمعية السعودية للعلوم السياسية.
رغم أن الرواية تحمل اسم (يهودية مُخلّصة)، وتروي قصة فتاة عاشت في بيئة يهودية في اليمن، إلا أن الكاتبة سالمة الموشي، حاولت أن تجعل من الرواية رحلة مضنية للبحث عن الخلاص الروحي، رغم اجتراح الألم، في البدء أهدت الرواية: «إلى الأرواح التي عاشت واختبرت الألم العظيم. أولئك الذين أثمرت شجرة توت على جراحهم الدامية».
اختارت الكاتبة يهود اليمن، ليشكّلوا بيئة الرواية، وتسرد قصة فتاة يهودية اسمها (هوشع)، يرمز اسمها لمعنى «الخلاص»، ومن خلالها تلج إلى مجتمع اليهود اليمني، وتغوص قليلاً في نشأته وفكره وعقائده، والظروف السياسية والاجتماعية التي أدت به للنزوح عن اليمن بعد نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل 1948، مشيرة إلى الهجرات السريّة التي موّلتها ونظّمتها بريطانيا وأميركا ونجحت في نقل 49 ألفاً من اليهود إلى فلسطين.
تعود الرواية إلى قالبها الإنساني الروحي، فتفجّر خليطاً من المشاعر المتضاربة حول الذات والبحث عن الخلاص، وتتناول في الضمن قضايا المجتمع والمرأة، وتوّظف الكاتبة بطلة السرد (مجد) التي أحبّت شاباً اسمه (غيث) لكي تصبح الصوت الذي ينبعث من معاناة الأنثى الصغيرة (هوشع)، التي تقاوم ذكورية المجتمع وسطوة رجال الدين، وتحفر في الموروث اليهودي، حيث تتخذ طائفة «الشماسون» وهم من يهود السفارديم، موقفاً ذكورياً متعصباً، فهم يؤمنون بأن الأنثى هبة ناقصة، وأن ولادتها إيذان بالشر، وتصاحبها حين تأتي للدنيا تسع لعنات... وغير ذلك.
- «قاع اليهود» لعلي الأمير
«قاع اليهود»، رواية كتبها الروائي السعودي علي الأمير، خلال عامي 2016 و2017 وصدرت في 2018 عن دار النابغة في مصر، وتقع في 384 صفحة، يدور معظمها في حي قاع اليهود، وهو حي قديم في صنعاء، وتدور حول بطل الرواية (خالد)، وهو طالب سعودي، أبوه من جازان وأمّه من اليمن، يملك والده مستوصفاً في جازان وآخر في عسير، وحلمه أن يراه طبيباً، لكن يفشل في الحصول على قبول في الجامعات السعودية، فيتوجه لدراسة الصيدلة في صنعاء.
ولبعده عن رقابة والده، اندفع مستعيناً بالمال وبوسامته خلف ملذّاته وأهمل دراسته، وقد وقع في غرام ثلاث فتيات: (منيرة)، الأثيرة عند (الفندم) المتنفّذ في البلد، والذي ترفض الإفصاح عنه فيبقى اسمه مجهولاً في الرواية، ومنه كانت تستمد نفوذها، مقابل استخدامه لها في الإيقاع بخصومه.
الثانية (صبريّة)، فتاة (شيعيّة) تنتمي للطبقة الفقيرة، وتسكن حي قاع اليهود. أما الثالثة فهي (لوزة)، (اليهودية)، أسرتها هي الأسرة الوحيدة التي بقيت في حي القاع، لذلك ظل أفرادها يتكتّمون على يهوديتهم. تعمل (لوزة) مع (منيرة) في فرقة الرقص في الأعراس، وفي مشغلها الخاص بفساتين العرائس، تتظاهر بالإسلام أمام منيرة وأمام حبيبها خالد، لكنها لا تتحفّظ أمام خالد في إبداء تعاطفها مع اليهود.
عندما يكتشف خالد يهوديتها، لم يتأثر حبه لها، بل يقرّر عدم مفاتحتها بما عرف، احتراماً لرغبتها. بعد اعترافها له بيهوديتها، أصبحت تتحدث براحة حول معاناة قومها في موطنهم اليمن، حيث لم يجدوا في وطنهم سوى التمييز، في المهن والتعليم.
الرواية تنقب من خلال الكتب والمناقشات عن بداية وجود اليهود في اليمن قبل ثلاثة آلاف عام، وقبل ذلك إلى خروج موسى عليه السلام باليهود من عبودية فرعون، وقصة سليمان عليه السلام سنة 1000 ق.م، وعلاقته ببلقيس، والسبي البابلي، وزمن اللعنات في 600 ق.م على يد نبوخذ نصر، وصولاً إلى الصراع اليهودي المسيحي في اليمن، ومحرقة نجران في الأخدود، وانتهاءً بعصرنا الحاضر وترحيل يهود اليمن إلى إسرائيل، عبر جسرٍ جوي من عدن، أطلق عليه «بساط الريح»، فقد فيه يهود اليمن 600 طفل في إسرائيل.
- «غربة يهودية» لرجاء بندر
تقع هذه الرواية في 176 صفحة، من القطع المتوسط، وصدرت عن نادي جازان الأدبي، بالتعاون مع الدار العربية للعلوم (ناشرون)، 2020.
وهي الرواية الأولى للشابة رجاء بندر، لم يسبق لها أن أصدرت أي عمل أدبي قبل هذه الرواية. و«غربة يهودية» تروي قصة فتاة وُلدت لأم يمنية يهودية وأب عربي مسلم من جنسية أخرى، يفترقان بعد زواج دام ثلاث سنوات. يترك الزوج طفلته التي تترعرع لدى أمها في بيئة يهودية، وتنشأ وفق التعاليم اليهودية وتعتنقها كدين. لكن وفاة الأم تدفع الأب إلى العودة واصطحاب ابنته إلى بلده حيث مجتمع آخر وحياة مختلفة.
في قراءته النقدية لهذه الرواية يقول علي الأمير: «نَحَت الكاتبة في هذه الرواية منحى الواقعيّة السحريّة، من خلال مزجها للواقع بالفنتازيا بالعجائبيّة بالأسطورة. فعلى صعيد الواقع نقلتنا من طرق ترابيّة في قرية بيت بوس في اليمن، إلى شوارع وأرصفة وإشارات مرور في مدينة عبد الله والد عفراء، التي تجمع بين المدينة والقرية... أصرّت الكاتبة على عدم التصريح باسم هذه المدينة، كإصرارها على عدم الإفصاح عن جنسية عبد الله وعائلته الذين تتكون منهم شخصيات الرواية، وتركت لنا معرفة المكان الذي دارت فيه حوادث الرواية، بعد انتقالها السريع إليه، قادمة من اليمن».
تنتقل بطلة الرواية، وهي شابة يهودية للعيش في بيئة إسلامية بعد وفاة أمها (أم عفراء) في قرية «بيت بوس» في اليمن، فهي في سنّ الـ19 تبدأ التعرف على والدها وبيئتها الجديدة.
تبدو ملامح (جازان) المنطقة المحاذية لليمن شاخصة في فضاء الرواية، حيث انتقل إليها عبد الله وابنته عفراء، وتصبح دون أن تذكرها الكاتبة مسرحاً جديداً لأحداث الرواية.
هذه الرواية أيضاً اشتغلت على ثيمات اجتماعية، كحال النساء، والصراع بين القيم القديمة والحياة المعاصرة، وعلاقات الرجال بالنساء التي تهيمن عليها الذكورية غالباً، إضافةً إلى الأمراض التي تفشّت في منطقتها كالأنيميا الحادة ومتلازمة داون.
الموضوع اليهودي في الرواية ليس صلباً، فالرواية تتناول قصة فتاة من اليمن وأمها (عفراء وأم عفراء)، صادف أنهما من مجتمع يمني محلي ينتمي أفراده لطائفة يهودية، سوى ذلك فهما يمنيتان في أغلب تفاصيل حياتهما.
أما الميزات الخاصة بالمجتمع اليهودي في اليمن، فالرواية أغفلتها عموماً، كحرصهم على حماية هويتهم من الذوبان في المحيط الإسلامي، سواء بالتعليم الخاص أو عدم الترحيب بالزواج المختلط وغير ذلك.
- «مجنون ليلى اليهودية» لحمد حميد الرشيدي
مؤلفها الروائي والناقد والشاعر السعودي حمد حميد الرشيدي، صادرة عن مؤسسة الانتشار العربي ببيروت، وتقع في 502 صفحة من الحجم المتوسط، وصدرت عام 2016.
هي رواية خيالية، توظّف الأحداث التاريخية وتسقطها على الواقع في قوالب أدبية، وهي تسرد قصة شاب سعودي من أصول بدوية هاجرت أسرته إلى الشام في ظروف اقتصادية قاسية مرّت بها الجزيرة العربية، ثم نشأ في العاصمة الرياض في حياة ثرية وتيسّر له السفر إلى القاهرة للدراسة وهناك تدور أحداث الرواية.
يحمل بطل الرواية تصوراً سلبياً عن اليهود ودورهم في الصراع مع العرب، تصورٌ استقاه من التاريخ ثم من الصراع العربي مع الحركة الصهيونية، لذلك تحوّلت بطلة الرواية «ليلى شالوم اليهودية» إلى عنصر تحريك للقضايا القومية التي آمن بها بطل الرواية الشاب السعودي (شاكر)، ووجد في قصة الحبّ العاصفة بين ليلى فائقة الجمال، وشاب يمني يحمل اسم (إبراهيم)، هام بها عشقاً حتى سلبته لبّه، شكلاً من الاستدراج السياسي والحضاري... ولذلك تستيقظ لديه كوامن الصراع الثقافي بين العرب واليهود.
حاول شاكر الفرار من الوقوع في هوى ليلى، وكان يقاومه بضراوة: «سألتني ليلى كأنها تريد أن تستشفّ المزيد من شخصيتي الجامدة والمحيّرة والغامضة (...): أنت شخص غريب فعلاً يا شاكر! قلت لها بعد أن أمعنت النظر في عينيها النجلاوين الساحرتين قليلاً، مشيحاً بوجهي عنها مجدداً كي لا يفتنني سحرهما (الفرعوني) الفتاك الذي لا ينجيني منه سوى آي من القرآن الكريم: لا تعاتبيني يا ليلى على عدم فعلي لما تقومي أنتِ بفعله... ليلى! (...) أرجوكِ أنا شخص متزوج وأب ومن عائلة عربية مسلمة ومحافظة».
تمرّ الرواية على أحداث في مصر بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) عام 2011، والتي تسببت في عودته إلى مدينته الرياض.
- «اللّيدي تالين - الأحساء 1912» لفوزي صادق
تتميز رواية «اللّيدي تالين» لمؤلفها فوزي صادق بأنها الرواية الوحيدة من بين الروايات الأخيرة التي تناولت شأن اليهود، في أنها تنقّب عن اليهود الذين كان يعيش بعضهم في الأحساء شرقي السعودية، وتدور أحداثها في كواليس حارة اليهود بالهفوف، في الأحساء.
الرواية من المنتظر أن تشق قريباً طريقها نحو المكتبات، بعد أن تمّ طبعها، وهي أيضاً تروي قصة حبّ فتى من الأحساء لفتاة يهوديّة.
‏تتحدث الرواية عن حارة اليهود التي قدمها العشرات من العوائل اليهودية المهاجرة والتي استوطنت الأحساء مع سيطرة العثمانيين، كما تصف مقبرة اليهود التي تقع في أرض مرتفعة خارج السور الذي يطوّق الحارة، ويوجد شريط ‏طويل من النخيل من الشمال من حارة اليهود حتى عين «أم خريسان» الشهيرة.
وخلف حارة اليهود يعيش بعض المهاجرين المنبوذين في صناديق وعشش، وهم بعض العوائل التي ليس لها أصل مثل الغجر والنساء اللاتي قدمن في السفن أو عن طريق البر، ويمنع دخولهم السور إلى البلدة القديمة أو حارة اليهود، فهم يقبعون خارج السور يعملون في مهن وضيعة كالتحميل، كما أنهم متهمون بنشر الرذيلة، ولذلك جرى وشمهم بوشم خلف الكف يميزهم حـتـى لا يختلطوا بالناس.
تقع الرواية في 320 صفحة وهي تصدر عن مركز الأدب العربي.
وصدر لفوزي صادق مجموعة من الأعمال الروائية والقصصية، مع كتب تتضمن مقالات، حيث صدرت له روايته «حريمستان»، وقبلها رواية «2012»، ورواية «أميرة إبليس»، ورواية «سري للغاية»، ورواية «عش العفاريت»، وكتاب «رسائل من كشكول الحياة».


مقالات ذات صلة

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)
ثقافة وفنون العالم الجغرافي والمحقق اللغوي الكويتي د. عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب لهذا العام

معرض الكويت الدولي للكتاب ينطلق غداً... وعبد الله الغنيم «شخصية العام»

ينطلق غداً (الأربعاء) معرض الكويت الدولي للكتاب في دورته الـ47، بمشاركة 544 دار نشر، من 31 دولة، منها 19 دولة عربية و12 أجنبية.

«الشرق الأوسط» (الكويت)
كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
TT

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان
أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد. كشفت أعمال التصنيف العلمي الخاصة بهذه اللقى عن مجموعة من القطع العاجية المزينة بنقوش تصويرية، منها عدد كبير على شكل أسود تحضر في قالب واحد جامع. كذلك، كشفت هذه الأعمال عن مجموعة من القطع المعدنية النحاسية المتعدّدة الأحجام والأنساق، منها 4 قطع على شكل أسود منمنمة، تحضر كذلك في قالب ثابت.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، وتنقسم حسب نقوشها التصويرية إلى 3 مجموعات، فمنها ما يمثّل قامات أنثوية، ومنها ما يمثّل قامات آدمية مجرّدة يصعب تحديد هويتها الجندرية، ومنها ما يمثّل بهائم من الفصيلة السنورية. تزين هذه البهائم قطع يتراوح حجمها بين 3 و4.5 سنتيمترات عرضاً، حيث تحضر في تأليف تشكيلي ثابت، مع اختلاف بسيط في التفاصيل الجزئية الثانوية، ويوحي هذا التأليف بشكل لا لبس فيه بأنه يمثّل أسداً يحضر في وضعية جانبية، طوراً في اتجاه اليمين، وطوراً في اتجاه اليسار. يغلب على هذا الأسد الطابع التحويري الهندسي في تصوير سائر خصائصه الجسدية، من الجسم العضلي، إلى الرأس الكبير، إلى الأرجل الصغيرة. نراه فاتحاً شدقيه، رافعاً قائمتيه الأماميتين، وكأنه يستعدّ للقفز، ويظهر ذيله من خلفه وهو يلتف ويمتد إلى أعلى ظهره.

ملامح الوجه ثابتة لا تتغيّر. العين دائرة كبيرة محدّدة بنقش غائر، يتوسّطها ثقب يمثّل البؤبؤ. الأذنان كتلتان مرتفعتان عموديتان، والأنف كتلة دائرية موازية. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان في بعض القطع عن أسنان حادة مرصوفة بشكل هندسي. تحدّ الرأس سلسلة من النقوش العمودية المتوازية تمثل اللبدة، وهي كتلة الشعر الكثيف الذي يغطي الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة، تعلوها سلسلة من النقوش الغائرة تمثل الفراء. يتبنى تصوير القائمتين الخلفيتين نسقين متباينين؛ حيث يظهر الأسد جاثياً على هاتين القائمتين في بعض القطع، ومنتصباً عليها في البعض الآخر. في المقابل، تظهر القائمتان الأماميتان ممدّدتين أفقياً بشكل ثابت. أرجل هذه القوائم محدّدة، وهي على شكل كف مبسوطة تعلوها سلسلة من الأصابع المرصوفة. الذيل عريض للغاية، وتعلو طرفه خصلة شعر كثيفة تماثل في تكوينها تكوين أرجله.

عُثر على سائر هذه القطع العاجية في قبور حوت مجموعة كبيرة من اللقى شكّلت في الأصل أثاثها الجنائزي. للأسف، تبعثر هذا الأثاث، وبات من الصعب تحديد موقعه الأصلي. كانت القطع العاجية مثبّتة في أركان محدّدة، كما تؤكد الثقوب التي تخترقها، غير أن تحديد وظيفتها يبدو مستحيلاً في غياب السند الأدبي الذي من شأنه أن يكشف عن هذه الوظيفة الغامضة. تحضر الأسود إلى جانب القامات الآدمية، والأرجح أنها تشكّل معاً علامات طوطمية خاصة بهذه المدافن المحلية.

تمثّل القطع العاجية تقليداً فنياً شاع كما يبدو في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية

إلى جانب هذه القطع العاجية، يحضر الأسد في 4 قطع معدنية عُثر عليها كذلك ضمن أثاث جنائزي مبعثر. تعتمد هذه القطع بشكل أساسي على النحاس، وهي قطع منمنمة، تبدو أشبه بالقطع الخاصة بالحلى، واللافت أنها متشابهة بشكل كبير، ويمكن القول إنها متماثلة. حافظت قطعتان منها على ملامحها بشكل جلي، وتظهر دراسة هذه الملامح أنها تعتمد نسقاً مميزاً يختلف عن النسق المعتمد في القطع العاجية، بالرغم من التشابه الظاهر في التكوين الخارجي العام. يحضر هذا الأسد في كتلة ناتئة تبدو أشبه بالقطع المنحوتة، لا المنقوشة، ويظهر في وضعية جانبية، جاثياً على قوائمه الـ4، رافعاً رأسه إلى الأمام، ويبدو ذيله العريض في أعلى طرف مؤخرته، ملتفاً نحو الأعلى بشكل حلزوني. العين كتلة دائرية ناتئة، والأذن كتلة بيضاوية مشابهة. الفكان مفتوحان، ممّا يوحي بأن صاحبهما يزأر في سكون موقعه. اللبدة كثيفة، وتتكون من 3 عقود متلاصقة، تحوي كل منها سلسلة من الكتل الدائرية المرصوفة. مثل الأسود العاجية، تتبنى هذه الأسود المعدنية طابعاً تحويرياً يعتمد التجريد والاختزال، غير أنها تبدو أقرب من المثال الواقعي في تفاصيلها.

يظهر هذا المثال الواقعي في قطعة معدنية من البرونز، مصدرها موقع سمهرم، التابع لمحافظة ظفار، جنوب سلطنة عُمان. عُثر على هذه القطعة في ضريح صغير يعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، واللافت أنها وصلت بشكلها الكامل، وتتميز بأسلوب يوناني كلاسيكي يتجلّى في تجسيم كتلة الجسم وسائر أعضائها. يظهر الأسد واقفاً على قوائمه الـ4، مع حركة بسيطة تتمثل في تقدم قائمة من القائمتين الأماميتين، وقائمة من القائمتين الخلفيتين، وفقاً للتقليد الكلاسيكي المكرّس. يحاكي النحات في منحوتته المثال الواقعي، وتتجلّى هذه المحاكاة في تجسيم مفاصل البدن، كما في تجسيم ملامح الرأس، وتبرز بشكل خاص في تصوير خصلات اللبدة الكثيفة التي تعلو كتفيه.

يبدو هذا الأسد تقليدياً في تكوينه الكلاسيكي، غير أنه يمثّل حالة استثنائية في محيطه، تعكس وصول هذا التقليد في حالات نادرة إلى عمق شمال شرقي شبه الجزيرة العربية.