محمد علاوي... تكليف خفض التوتر

TT

محمد علاوي... تكليف خفض التوتر

صور عراقية «انتقالية» في مشهد إقليمي مركب: ليلة 18 فبراير (شباط) الحالي، وفي منزل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، كان قادة الكتل السياسية يكتشفون عن قرب خطة التعافي الإيرانية في العراق؛ محمد توفيق علاوي يرتّب حقائبه الوزارية منفرداً بـ«وجه ناعم»، والرأي العام المحلّي منشغل بمخاوف المكوّنات؛ السُنية والكردية، على حصصها في حكومة محلّ شك.
في طهران؛ الإيرانيون يلتزمون الكتمان بشأن استراتيجيتهم البديلة لما بعد (قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني) قاسم سليماني... هم يفعلون ذلك على الدوام. لكنهم، أيضاً، يطلقون إشارات صغيرة تعني، ولا تعني، شيئاً. في 13 فبراير، وعلى صدر صفحتها الأولى، كتبت صحيفة «صبح نو» أن تكليف علاوي جاء «ثمرة الوحدة في العراق»، بعد توافق كتلتي «سائرون» و«الفتح»، وكان هذا «المانشيت» معززاً بصورة لمقتدى الصدر وهادي العامري، وبينهما علاوي.
وفي بغداد، يحاول الصدر فرض إيقاعه على المشهد العراقي وضمان السيطرة على ما قد يخرج من الحراك الاحتجاجي، وبدا من تغريداته الأخيرة أنّه يرفض تغييراً «يستعدي» المنظومة الشيعية بوصفه ليس فاعلاً خارجها، فظهر أصولياً يدافع عن «ثوابت دينية». وبعد انسحابه من الساحات لتصفيتها ممن وصفهم بـ«المخربين»، تماشياً مع الضمانات التي يبحث عنها، ذهب في التوافق على علاوي المتديّن الكلاسيكي، السلاح الناعم لعبور المرحلة الانتقالية.

وظيفة علاوي
في 19 فبراير الحالي، اعترف الرئيس المكلف، كما تفعل غالبية النخبة السياسية، بأن المظاهرات «غيّرت القواعد السياسية»، وزعم أنها «أثمرت تشكيلة حكومية مستقلّة، للمرة الأولى منذ عقود»، وحدد لنفسه التزامات؛ من بينها «محاكمة مرتكبي الجرائم ضد المتظاهرين»، و«إجراء انتخابات حرّة نزيهة بعيداً عن تأثير المال والسلاح».
ويفتقر علاوي إلى الحضور القيادي، وإلى حد ما هو لا يتطابق مع المعايير التي «يحبّها» الإيرانيون، لكن الأزمة السياسية، والصراع الإقليمي، عَبّدَت له الطريق إلى هذا المنصب. ويقول سياسيون من كتلة «الفتح»، إن «المعايير تغيّرت من رئيس وزراء يحفظ المصالح الاستراتيجية الإيرانية إلى رئيس وزراء يخفّض حدة التوتر».
والهدوء الإيراني «تكتيك» متاحٌ بعد مقتل قاسم سليماني، فطهران لديها استحقاقات ثقيلة ومركبة ما بين البحث عن بديل يدير ملف الحلفاء المحليين في المنطقة، والبحث عن موقع عراقي جديد للتموضع في الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، وقد يشمل هذا إحداث تغييرات ستأخذ وقتاً على مستوى الفاعلين من الشيعة.
ويؤطّر علاوي هذه التحركات بنموذج إعلامي يصدر الغموض، مثل القول إن «أسماء وزرائه في ظرف مغلق لا يمسه أحد»، وإنها «المرة الأولى التي لا تسرب فيها الحقائب إلى وسائل الإعلام قبل إعلانها الرسمي»، كما جرت العادة في العراق منذ نحو 17 عاماً.
على الورق، المُكلّف علاوي ينجز حكومته بإعلانات متواترة عن «استقلال» التكليف، ويعزل نفسه وفريقه عن شبكة المصادر التي اعتادت القفز إلى مكاتب صنّاع القرار، وتسريب ما يتاح وما يتعمد تسريبه، لكن وظيفة علاوي في إطار الأزمة الإقليمية الراهنة تتمثل في إنهاء الاحتجاج على نحو مقبول، رغم أن الحلف الشيعي بات يعرف أن فترة الحكومة المؤقتة تستهدف تقليل الخسائر، والإبقاء على شبكة النفوذ القائمة.

هل الانتخابات المبكرة مأزق؟
«هل تثير الانتخابات المبكرة قلقنا؟ لا... إنها مخرج من هذا الصداع الذي امتد أشهراً»؛ يقول عضو في تحالف «الفتح» كان حاضراً في اجتماع الكتل السياسية بمنزل الحلبوسي. وعلى ما يبدو، فإن غالبية الكتل السياسية ليست لديها موانع من إجرائها، في مقاربة لافتة لأحد أهم مطالب المحتجين.
بعد ساعات من ذلك الاجتماع، أصدرت كتل سياسية بيانات تقاسمت جميعاً عدوى الصياغة: «طالبنا الحكومة الجديدة أن يتضمن برنامجها إعلاناً واضحاً وصريحاً لموعد الانتخابات المبكرة على ألا يتجاوز السنة من تاريخ تشكيلها».
وستكون مهمة المُكلف، في حال نجاح التكليف والتشكيل، ضمان إجراء الانتخابات «مبكراً»، ما دامت الأرضية القانونية للتصويت لا تزال بيد مشرعين من الطبقة السياسية الحالية، وحتى مع الضغوط الشعبية لسَنّ قانون يوسع دائرة المشاركة، فإن هذه العملية لا تزال تخضع لمناورات بيد الفاعلين الأساسيين؛ إذ سيكون من المحال تشريع قانون انتخابات لا يخدمها، بينما يبدو صعباً تشغيلها بمفوضية لا تتماثل مع المصالح الأساسية.
ولا يمكن في هذه الزاوية من الأزمة، تجاهل الاحتجاج، لا سيما حين يتعلق الأمر بالانتخابات التشريعية والظروف التي تضمن سلامتها وتمثيلها العادل، كما يقول الناشطون في ساحات التظاهر، لكن اللافت أن مؤشرات أظهرتها دوائر احتجاجية في بغداد والمحافظات عن تغذية هذا الحراك بحراك سياسي «أكثر نضجاً»، ورغم أن هذه المؤشرات لا ترقى إلى أن تكون ناضجة بالفعل، تعبّر عن مخاوف الحراك الشعبي من مواجهة خاسرة بشأن الانتخابات المبكرة.

خسائر الهدوء الإيراني
الاستراتيجية الإيرانية لن تمر من دون التضحية بفاعلين على الأرض في المشهد العراقي. فمنذ مقتل سليماني لا يبدو أن طهران متعجّلة في إعداد حساباتها، على الأقل إنها تدرك حجم ما تكبدت بعد فقدان «ماسك الأرض» من بيروت إلى دمشق وبغداد.
وتشير الوقائع إلى أن إيران اقتنعت بضرورة أن تمنح بغداد هامش حرية لتسوية «الفوضى» وتقديم وجوه «ناعمة» تُبرد الأزمة، وأن هذه التسوية تتطلب تحييد «الراديكاليين» عن محور الصراع، وقد يعبر عن هذا انكفاء قيادات فصائل عن الظهور، غير أن التحوّل سيكلّف لاعبين كباراً الكثير. ويقوم توازن القوى على «توازن رعب» بين الفصائل الشيعية في العراق، ومع التحولات الراهنة سيضطر بعضهم إلى مواجهة خسائر حتمية على مستوى النفوذ، وقد تتحول إلى لحظات صدام بأشكال مختلفة لن يكون بوسع «خافض التوتر» المكلف السيطرة عليها.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».