عضو «السيادة» السوداني لـ«الشرق الأوسط»: «الإخوان» كانوا يخططون لابتلاع الدولة

سليمان قال إن 48 لجنة شكلت لاسترداد الأموال المنهوبة

محمد الفكي سليمان
محمد الفكي سليمان
TT

عضو «السيادة» السوداني لـ«الشرق الأوسط»: «الإخوان» كانوا يخططون لابتلاع الدولة

محمد الفكي سليمان
محمد الفكي سليمان

بدا عضو مجلس السيادة الحاكم في السودان، محمد الفكي سليمان، واثقا في كلامه، عندما تحدث عن فساد مسؤولي نظام الإنقاذ الوطني، الذي أُسقط بثورة شعبية في أبريل (نيسان) الماضي. فهو يرى أن معظم مسؤولي النظام السابق، إن لم يكن جميعهم، تورطوا في قضايا فساد مالي، أو إداري، أو في انتهاكات أمنية أو حقوقية، أو على الأقل منح التسهيلات لكوادر الحزب، أو لأقاربهم، لتمكينهم داخل مؤسسات الدولة وهيئاتها... ويقول إن «حتى البقية التي يظن أنها لم تتلوث بشبهات، فهي فاسدة، لأن النظام كان فاسدا، ووجوده ضمن هذه المنظومة فساد».
وأكد سليمان في حواره مع «الشرق الأوسط» بمكتبه بالقصر الجمهوري بالخرطوم، تشكيل 48 لجنة لاجتثاث آثار النظام السابق، واسترداد مليارات الدولارات المنهوبة في الخارج، وتريليونات الجنيهات السودانية في الداخل، منها 13 تابعة للجنة تفكيك النظام، و35 تابعة للنيابة العامة. وقال إن «اللجان وضعت يدها على مئات العقارات المملوكة لمسؤولين في الحكومات السابقة، مسجلة بأسمائهم أو أسماء المقربين منهم».
وقال سليمان، وهو نائب رئيس لجنة «تفكيك النظام السابق»، التي تعمل على إعادة ممتلكات الدولة والأموال المنهوبة، إن الإسلاميين في السودان، كانوا يخططون لابتلاع الدولة... حتى قبل أن يأتوا إلى السلطة في يونيو (حزيران) 1989. وأضاف: «وضعوا خططاً بعيدة المدى، منذ المصالحة الوطنية الشهيرة في عهد الرئيس الأسبق، جعفر النميري، (1969 - 1983)... ومن وقتها بدأوا في التغلغل في مؤسسات الدولة، لتنفيذ مآربهم».
وتابع: «بعد انقلابهم على النظام الديمقراطي، في 30 يونيو 1989، كانت خطة (التمكين)، جاهزة للتنفيذ، وفق تفاسير سياسية وأسانيد دينية، نابعة من تفسيرهم للمواطنة، وتعني لديهم عناصر حزبهم، وليس غيرهم... ونتيجة لهذا التمكين استأثروا بموارد الدولة، وقاموا بعزل كبار الموظفين في المؤسسات الاستراتيجية واستبدلوا كوادرهم بهم، حتى يتثنى لهم تمرير مخططاتهم... ومن ثم تحول مشروع التمكين، إلى مشروع لتسهيل السرقة».
وقال سليمان إن «لجنة تفكيك النظام السابق، تقع عليها أعباء كبيرة جدا، ومهمة شاقة»، مشيرا إلى تكوين 13 لجنة، تعالج قضايا مختلفة وتعنى بمجالات متعددة، منها ملف إزالة التمكين في الخدمة المدنية، وملف العقارات والممتلكات العامة، ولجنة لاسترداد الأموال المنهوبة في الخارج، وتقدر بالمليارات. وأضاف: «شرعنا في تجهيز الملفات وستأخذ وقتا طويلا، لتأتي ثمارها».
وكشف عن استرداد بعض العقارات في أحياء الخرطوم، وقال: «وجدنا وزيرا يملك 400 عقار، ومسؤولا آخر يملك 300 قطعة سكنية، وثالثا يملك 100، مسجلة بأسماء أبنائهم، وأقربائهم». وتابع: «الأسبوع الماضي استرددنا 28 قطعة أرض وعقارات بحي كافوري الراقي بالخرطوم بحري، وهي عبارة عن وقف مسجلة باسم والد الرئيس المعزول، وقمنا بإعادتها إلى إدارة الأوقاف».
وقال عضو السيادة السوداني: «هناك لجان تعمل على استرداد الأموال بالخارج، ولا توجد تقديرات وأرقام محددة ولكن هنالك معلومات عن أرصدة مالية ضخمة تقدر بالمليارات»، مشيرا في الوقت ذاته لصعوبة تعقبها، «لأنها تحول من مكان لآخر، ومن بلد إلى آخر، كلما اقتربنا من كشفها... لذلك فإن اللجنة تعمل بسرية تامة».
وأضاف: «لدينا اتصالات، مع جهات خارجية، وكلفنا شركات للعمل على استرداد الأموال بالخارج... هذا الأمر مربوط بقوانين وتعاون الدول الأخرى». وأشار إلى أن وزيري العدل والمالية، هما أعضاء في هذه اللجنة، التي يشارك فيها أيضا، شخصيات أخرى لا يمكن الكشف عنهم حفاظا على سرية العمل.

- تعاون من رموز النظام السابق
وقال سليمان: «تواصلت لجنة الأموال المنهوبة في الخارج، مع بعض رموز النظام المعزول الذين أبدوا الرغبة في التعاون... واستعدادهم للإدلاء بمعلومات حول الأموال بالخارج».
وحول ما إذا كان للجنة اتجاه لتسوية قضية الأموال بالخارج مع بعض الأشخاص، قال: «هذا الأمر متروك للجهات المختصة... واسترداد الأموال بالخارج لها طرق ونماذج متعددة، منها استرداد جزء منها أو عقد تسويات مع البعض الآخر».
وأشار إلى أن النيابة العامة السودانية تعمل أيضا على ملفات كثيرة، وهناك 35 لجنة تعمل في القضايا الكبيرة مثل بيع مؤسسات القطاع العام، والخطوط الجوية السودانية (سودانير)، والخطوط البحرية السودانية، وميدان جامعة الخرطوم، والعقارات المطلة على النيل.
وحول الاتهامات ببطء عمل اللجنة، يقول سليمان: «التأني سببه تجويد العمل، والتأكد من أن الأشياء التي نضع أيدينا عليها، ونتخذ فيها قرارات أو إجراءات، لا نريد أن تحدث فيها مراجعة أو استئناف... والاستعجال سيوقعنا في أخطاء لا نريد لها أن تقع».
وأكد الرئيس المناوب للجنة التفكيك، أن هناك عددا من الملفات على وشك الانتهاء، مثل ملف العقارات والأراضي، لسهولة اكتشافها... وأخرى تحتاج إلى وقت مثل ملف مراجعة ملف موظفي الخدمة المدنية.
وبشأن ملف تفكيك حزب المؤتمر الوطني (المنحل)، أوضح سليمان، أن كل الممتلكات المسجلة باسم الحزب، تم تسلمها... لكن الحزب يستخدم أحيانا واجهات من منظمات وأسماء أشخاص، يصعب الوصول إليها في حينها... على سبيل المثال؛ إذا تحدثنا عن سيارات الحزب، تجد المدون منها نحو 400 سيارة، ولكن ما هو معروف أن الحزب يمتلك آلاف السيارات... فهي مسجلة بأسماء منظمات، أو أشخاص. وكذلك الحال بالنسبة للدور ومقرات الحزب... فما هو مسجل باسم الحزب قمنا بتسلمه، أما ما هو مسجل باسم منظمات أو أشخاص فهذا يحتاج لوقت لتعقبه.
ويقول سليمان: «المؤتمر الوطني دولة داخل دولة... وحصر ممتلكاته مهمة صعبة، ويتعذر حصرها في وقت وجيز، وإذا استطعنا خلال الفترة الانتقالية التي تتجاوز 3 سنوات استرداد جزء كبير منها نكون حققنا إنجازا كبيرا».
وقال سليمان: «هناك تعاون كبير من المواطنين والمتطوعين مع اللجنة، قمنا بافتتاح مكتب بالخرطوم، وفيه نتلقى المعلومات من المواطنين، ونقوم بالتحري فيها. ولدينا متخصصون يعملون على فحص الأوراق وسماع الأقوال ومعرفة قيمتها، وفتح ملفات للقضايا».

- من أين لك هذا؟
وحول الأسس التي يقوم عليها قانون تفكيك النظام السابق، الذي صدر الشهر الماضي، يقول عضو مجلس السيادة، إن «قانون تفكيك النظام المعزول يقوم على فلسفة (من أين لك هذا)... نقوم برصد الظواهر البارزة ونتتبعها لنعرف مصدرها... على سبيل المثال إذا وجدنا لدى أحد موظفي الدولة 100 عقار، ثمنها مليار دولار... نقوم من جانبنا بوضع يدنا على هذه العقارات، وعلى الموظف أن يثبت لنا من أين حصل على هذه الأموال».
ويضيف سليمان: «معظم أموال الدولة وعقاراتها حولت لأشخاص وفقا لإجراءات إدارية ونهب منظم... بعض قيادات النظام السابق اعترفوا بأنهم استولوا على أموال الدولة، ووضعوا أبناءهم في الصفوف الأولى، حتى انهارت الخدمة المدنية». (في إشارة للاعترافات التي سجلها مسؤولو النظام السابق في جلسات سرية أذاعتها قناة العربية).
وبسؤاله عما كان يتداول بأن دولا وعدت بإعادة أموال سودانية منهوبة منها ماليزيا، قال: «ليس لدي علم، لكن هناك مجهودات تمت... الدول التي بيننا وبينها اتفاقيات، أو الاتفاقيات التي تجمع الدول تحت مظلة الأمم المتحدة، يمكن أن نتعاون معها بصيغة أو بأخرى». وقال إن الأموال المنهوبة غير معروفة، لأن كثيرا من المستندات تم إخفاؤها... كانت هناك فوضى كبيرة ونهب لأموال البترول، وسرقت أموال طائلة من إنتاج الذهب، وتم تهريبها للخارج تحت غفلة القانون، وتم أيضا استدانة مئات الملايين من الدولارات كقروض، واختفت مستندات وبقي الدين... وعندما انفصل الجنوب، تم إخفاء كثير من المستندات عن الجنوبيين حتى لا يعرفوا حقوقهم المالية.

- نسب الفساد
وفي سؤال حول نسب الفساد في عهد الإنقاذ الوطني، قال سليمان: «لا يوجد مسؤول في النظام المعزول غير فاسد... هم فاسدون بنسبة مائة في المائة... النظام كله فاسد، وبالتالي لا يعفى أي أحد من الفساد». وأضاف: «نسبة الفساد تتفاوت بينهم... هناك فاسد يقوم بسرقة ونهب الأموال عيانا بيانا، وآخر يبدو نزيها، ولكنه يوافق على تعيين شخص غير كفء في منصب ما... وبالتالي فهو فاسد، ويتستر على الفاسدين. وهناك آخرون محسوبون على هذا الوضع الفاسد، فهم أيضا فاسدون».
ويقول سليمان: «من أكبر المفارقات أن تجد وزيرا يملك 400 قطعة أرض في أرقى الأحياء بالعاصمة الخرطوم، أو تجد عقارا ضخما أو بناية من عدة طوابق، مؤجرة لأحد منتسبي النظام، بـ100 دولار في الشهر، أو أقل من ذلك».
وأكد أن كل الترسيات المالية التي تمت بالفساد إبان النظام المعزول سيتم فتحها من جديد مثل ملف (القطط السمان)، وستتم مراجعة أي ملف فساد، ولن يغلق أي ملف إلا بعد استرداد كامل أموال السودانيين، خصوصا الموجودة داخل البلاد.



المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.


مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لاستقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد التوقيع على اتفاقيات سلام تهدف إلى إنهاء التوتر القائم في منطقة «شرق الكونغو»، معرباً عن استعداد بلاده لبذل «كل جهد ممكن لمساندة مسار التسوية».

وتلقى السيسي اتصالاً هاتفياً، الأربعاء، من نظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، تناول مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وتطرق إلى مستجدات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية.

ورحب السيسي خلال الاتصال بالتوقيع على اتفاق «الدوحة للسلام» الشامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو (حركة 23 مارس)، كما أعرب عن دعم مصر الكامل لاتفاق السلام الموقع في واشنطن ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مؤكداً أنه يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.

وأكد الرئيس المصري «استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن، بما في ذلك توفير المحافل اللازمة للأطراف المعنية، دعماً لمسار تسوية النزاع»، وفقاً لبيان الرئاسة المصرية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مراسم توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

من جانبه، نقل البيان المصري عن الرئيس الكونغولي «تقديره لمساندة مصر لجهود السلام والاستقرار في بلاده وفي المنطقة، واتفق الرئيسان على ضرورة تكثيف الجهود لتذليل أي عقبات قد تواجه تنفيذ اتفاقيات السلام».

ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسا رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن مطلع الشهر الحالي، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو ثلاثة عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

ويعد الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار أُبرمت في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، إضافة إلى إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو (تموز) الماضي.

وأشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية إلى أن الرئيسين اتفقا خلال اتصال، الأربعاء، على أهمية تعزيز التشاور والتعاون الثنائي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأكد السيسي تطلعه لاستضافه نظيره الكونغولي لمواصلة تعزيز التعاون بين البلدين، فيما ثمَّن تشيسكيدي الزخم الذي تشهده العلاقات مع مصر، مُعبراً عن تقديره للدعم الذي تقدمه لبلاده في مختلف القطاعات.

وفي مطلع هذا الأسبوع، قالت الخارجية المصرية إنها «تتابع بقلق بالغ التطورات المتسارعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما تشهده بعض المناطق من تدهور في الأوضاع الإنسانية الذي يفرض تحديات عاجلة على المدنيين»، مؤكدة دعمها المستمر لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الكونغولية.

وشددت مصر، وفق بيان للخارجية، السبت، على أهمية التهدئة ووقف أي تصعيد ميداني بما يسهم في خلق بيئة مواتية للحوار واستعادة الاستقرار؛ مؤكدة الالتزام باتفاق واشنطن للسلام بوصفه إطاراً أساسياً لبناء الثقة وتخفيف التوتر.

كما أكدت مصر ضرورة وقف الأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، مشددة على الحاجة إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني ومنع مزيد من التدهور.


«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
TT

«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل

استبقت حكومة الوحدة الليبية المؤقتة نتائج الحوار الأممي المهيكل بالتأكيد على «أولوية الاستفتاء على الدستور»، معلنة إجراء تعديلات وزارية قريبة، تزامناً مع تأكيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، دعم فرنسا للانتخابات.

وقالت حكومة الوحدة المؤقتة، التي رحبت بانطلاق الحوار المهيكل، إنها ستُعلن خلال الأيام القريبة المقبلة عن تعديلات حكومية إصلاحية، تشمل سدّ الشواغر الوزارية، وتهدف إلى رفع مستوى الكفاءة، وتعزيز الأداء المؤسسي، وتوسيع دائرة التوافق بما يدعم متطلبات المرحلة المقبلة.

وأكدت «الوحدة» في بيان لها، مساء الثلاثاء، أن جوهر المرحلة لا يرتبط بتعدد المسارات أو تسمياتها، بقدر ما ينصرف إلى تحقيق الهدف الوطني، المتمثل في إجراء الانتخابات، بوصفها الاستحقاق الذي ينتظره الليبيون لتجديد الشرعية، ووضع حد لحالة عدم اليقين السياسي، مشدّدةً على أن توجهها الأساسي يتمثل في الاستفتاء على مشروع الدستور أولاً، ومؤكدة أنها تتعاطى بإيجابية مع الاختراق، الذي طرأ على حالة الجمود السابقة، وعبّر عن ذلك شخصيات فاعلة، الأمر الذي يفضي إلى الذهاب المباشر نحو الانتخابات التي أصبحت اليوم محل إقرار من مختلف الأطراف، بعد أن ظلت لفترة موضع نقاش، بما يعكس تحولاً واضحاً في مقاربة الحل السياسي.

وعدّت «الوحدة» أن استمرار الخلاف حول القوانين الانتخابية، إن لم يُحسم، فإنه يكرّس الحاجة إلى الاحتكام إلى أسس دستورية واضحة، تُبنى عليها العملية الانتخابية، وتضمن قابليتها للتطبيق، وهو ما أكدت عليه المفوضية العليا للانتخابات بإعلان جاهزيتها متى توفرت هذه الأطر القانونية السليمة.

كما جدّدت الحكومة التزامها بدعم كل ما من شأنه الدفع نحو الانتخابات ضمن مسار وطني مسؤول، يحفظ وحدة الدولة، ويعكس الإرادة الشعبية، ويجنب البلاد الدخول في مراحل انتقالية إضافية.

في سياق ذلك، أوضح وزير الدولة للاتصال بحكومة الوحدة، وليد اللافي، أن التعديلات الوزارية المرتقبة ستركز على اختيار وزراء أكفاء، وتراعي المناطق الجغرافية دون استثناء، مشيراً إلى أنها ستشمل وزارات سيادية وخدمية، وتمثيلاً أكبر للشباب.

في غضون ذلك، أظهر تقرير أممي تفضيلاً واسعاً بين الليبيين لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة. وطبقاً للتقرير، الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، حول نتائج المشاورات العامة للحوار المهيكل، فقد أكد 86 في المائة ممن شاركوا في استطلاع عبر الإنترنت جاهزيتهم للتصويت فوراً، فيما أكد أكثر من 70في المائة أن مشاركتهم تؤثر فعلياً.

ووصف التقرير الأزمة الجوهرية في ليبيا، بأنها أزمة سياسية ناجمة، عما وصفه بانقسام مؤسسي وجهوي عميق، وسلطات متنافسة، وغياب سلطة تنفيذية واحدة ذات شرعية وطنية، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد والأمن والحوكمة.

وعدّ انتشار السلاح عقبة أساسية أمام الانتخابات والسلام الدائم، وحدّد الأولويات الأساسية في القطاع الأمني بنزع سلاح التشكيلات المسلحة، وإعادة إدماجها، وإنشاء جيش ومؤسسات أمنية موحدة، مع تأكيد السيطرة المدنية، وتحقيق أمن مرتكز على الحقوق وفي خدمة المواطن.

كما تحدث التقرير عن «سلطة سياسية شرعية واحدة، تسيطر فعلياً على الجيش والأمن»، بالإضافة إلى «أطر قانونية ومعايير مهنية واضحة تُطبق بعدالة، وحوافز مالية وضوابط مشفوعة بعقوبات لتشجيع الاندماج والالتزام».

وكانت البعثة الأممية قد أصدرت وثيقة «الإطار المرجعي» الرسمي للحوار، الذي يحدد منصة شاملة تضم 120 إلى 124 مشاركاً ليبياً، يمثلون تنوعاً جغرافياً واجتماعياً، مع نسبة لا تقل عن 35 في المائة للنساء، بالإضافة إلى مشاركة الشباب وذوي الإعاقة.

ويركز الحوار على أربعة مسارات رئيسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، مع دمج حقوق المرأة بوصفه موضوعاً مشتركاً.

ويعتمد على مبادئ الملكية الليبية، والشمول، والشفافية، وبناء التوافق، ويستمر لمدة 4 إلى 6 أشهر، بهدف إصدار توصيات توافقية ملموسة لمعالجة جذور النزاع، وتهيئة الانتخابات.

اجتماع صالح ورئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)

وتعهد أعضاء الحوار المهيكل، وفقاً لمدونة قواعد السلوك، التي أصدرتها البعثة الأممية أيضاً بوضع المصلحة الوطنية أولاً، والنزاهة، ورفض الضغوط أو المزايا المادية، واحترام الآراء، وتجنب التمييز أو المضايقة، والحفاظ على سرية المداولات.

في المقابل، أكد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي بدأ زيارة مفاجئة إلى العاصمة الفرنسية باريس، لم يسبق الإعلان عنها، في لقائه، مساء الثلاثاء، مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل بيفيه، أن حل الأزمة الليبية يتطلب تضافر الجهود الدولية لمساعدة الشعب الليبي في التعبير عن إرادته الحرة في انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وحذّر من أن قيام البعثة الأممية بفتح مسارات إضافية «سيعقد هذا المسار، ولن يكون لها أثر فعلي إيجابي على ملف التسوية السياسية».

ونقل صالح عن يائيل التزام فرنسا بدعم ومساندة الشعب الليبي في تحقيق رغبته في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.

وكان صالح نقل عن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاروشيه، في اجتماعهما تأييده لمقترحاته بشأن حل الأزمة الليبية من خلال الوقوف مع الشعب الليبي، وحقه في اختيار رئيسه وبرلمانه عن طريق الانتخابات المباشرة، لافتاً إلى قيام مجلس النواب بواجباته كاملة في إصدار قانوني انتخاب الرئيس ومجلس الأمة، وتقديم لجنة (6 + 6) المشتركة مع مجلس الدولة، نتائج أعمالها، التي قال وفقاً لعبد الله بليحق، الناطق باسم صالح، إنها نالت رضا مختلف الأطراف، ودعم مجلس الأمن الدولي.

كما أكد صالح، خلال لقائه مع بول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، دعم فرنسا لمجلس النواب الليبي ومساعيه لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، مشيداً بمخرجات لجنة (6 + 6) بوصفها خطوة توافقية مهمة بشأن القوانين الانتخابية، مشيراً إلى ضرورة استمرار اللجنة في مهامها.