السراج ينسحب من محادثات جنيف... و«الجيش الوطني» يسقط طائرة «تركية»

الأمم المتحدة تناشد أطراف النزاع استئناف الحوار بعد قصف ميناء طرابلس

رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج يتفقد ميناء طرابلس بعد تعرضه لهجوم أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج يتفقد ميناء طرابلس بعد تعرضه لهجوم أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

السراج ينسحب من محادثات جنيف... و«الجيش الوطني» يسقط طائرة «تركية»

رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج يتفقد ميناء طرابلس بعد تعرضه لهجوم أول من أمس (أ.ف.ب)
رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج يتفقد ميناء طرابلس بعد تعرضه لهجوم أول من أمس (أ.ف.ب)

زادت الأحداث المتسارعة والهدنة الهشة في طرابلس من تعقيد المشهد السياسي والعسكري أكثر في ليبيا، في وقت يحاول فيه غسان سلامة، رئيس بعثة الأمم المتحدة، إنقاذ محادثات جنيف التي تواجه شبح الانهيار مجددا بين حكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، وقوات «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر.
ودخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة بإعرابها على لسان سفيرها في ليبيا ريتشارد نورلاند، عقب اجتماعه أمس مع مصطفى صنع الله، رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، عما وصفته بقلقها العميق إزاء الهجمات التي استهدفت ميناء طرابلس التجاري، أول من أمس، لافتا إلى أنها لم تحقق شيئا إيجابيا باستثناء منع وصول الوقود الحيوي للاستخدام المدني، وهو مما يضاعف من معاناة الشعب الليبي.
وقال بيان للسفارة الأميركية إن «العمليات العسكرية الأحادية الجانب، والهجمات الاستفزازية ضد البنية التحتية المدنية، والانتهاكات المتهوّرة لحظر الأسلحة من قبل أطراف أجنبية، تتعارض مع تطلعات جميع الليبيين للمضي قُدماً نحو مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً».
بدوره، اعتبر السراج، الذي أعلن انسحاب حكومته من محادثات جنيف، أن الحديث عن استئناف مفاوضات السلام «تجاوزته الأحداث على الأرض». وأضاف مخاطبا الصحافيين في ميناء طرابلس: «يجب أن تكون هناك أولا رسالة واضحة من كل الأطراف الدولية التي تحاول أن تتحدث معنا».
وتابع السراج في بيان له أمس: «نعلن تعليق مشاركتنا في المحادثات العسكرية، التي تجري في جنيف حتى يتم اتخاذ مواقف حازمة مع (المعتدي) وانتهاكاته». لافتا إلى أنه «سيكون لنا رد حازم على هذه الخروقات بالشكل والتوقيت المناسبين»، كما لفت إلى «تجدد انتهاك الهدنة باستهداف مرافق مدنية في طرابلس، بعدما قصفت الميليشيات المعتدية ميناء طرابلس البحري، الذي يعد شريان الحياة لعدد من مدن ليبيا».
كما لوّح المجلس الأعلى للدولة، الموالي لحكومة السراج في طرابلس باحتمال مقاطعته لجولة المحادثات السياسية المرتقبة قبل نهاية الشهر الحالي في جنيف، إذ أعلن الناطق الرسمي باسمه في تصريح مقتضب أنه «في ظل استمرار خرق اتفاقات وقف إطلاق النار، واستهداف العاصمة طرابلس، فإن المجلس سيناقش في جلسته السبت المقبل إمكانية ذهاب وفده للمشاركة في حوار جنيف، من عدمه».
بدورها، أعربت بعثة الأمم المتحدة عن أملها باستئناف الحوار بعد قصف الجيش الوطني لميناء طرابلس، ودعت في بيان لها أمس إلى وقف التصعيد والأعمال الاستفزازية، وخاصة توسيع رقعة القتال، وقالت إنها ترجو من الجميع «العودة للحوار سبيلاً وحيداً لإنهاء الأزمة».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أن المبعوث الأممي يحاول إقناع وفد طرابلس بالبقاء في جنيف، واستئناف محادثات غير مباشرة، في محاولة لمنع انهيار المحادثات.
وكانت قيادة الجيش قد أعلنت في بيان لها، أصدرته في وقت متأخر من مساء أول من أمس، مسؤوليتها عن قصف ميناء طرابلس البحري، وذلك في تصعيد جديد في معركتها للسيطرة على العاصمة. مشيرة إلى أنه «جاء نظراً للخروقات المتكررة، وإطلاق النار من قبل الجماعات الإرهابية، التي خرجت عن سيطرة السراج وزمرته». وقالت إنها أعطت أوامرها لتوجيه ضربة عسكرية على مستودع أسلحة وذخيرة داخل ميناء طرابلس، بهدف إضعاف الإمكانيات القتالية للمرتزقة، الذين وصلوا من سوريا لمساعدة عناصر الجماعات المسلحة المتحالفة مع مقاتلي تنظيم «داعش» و«القاعدة».
وتجنب البيان الإشارة إلى تدمير سفينة أسلحة تركية، كان المركز الإعلامي لغرفة «عمليات الكرامة»، التابع له، قد أعلن تدميرها بعد رسوها في ميناء طرابلس، قبل أن يتراجع ويقول في بيان مقتضب إن النيران اشتعلت فيها، دون أي تفاصيل إضافية.
كما أعلن «الجيش الوطني» في بيان لشعبة إعلامه الحربي أن منصات دفاعه الجوي أسقطت طائرة تركية مُسيّرة، أقلعت من قاعدة معيتيقة العسكرية، بعد أن حاولت استهداف تمركزات لوحدات الجيش في محاور العاصمة.
من جانبها، توقعت وزارة الخارجية بحكومة السراج فشل الخطة المقترحة من الاتحاد الأوروبي بشأن حظر تدفق الأسلحة إلى ليبيا، وقالت إنها ستفشل بشكلها الحالي خاصة على الحدود البرية والجوية بالمنطقة الشرقية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.