موسكو ترفض التهديدات التركية وتحذر من «أسوأ سيناريو» في إدلب

مساعٍ روسية إيرانية لترتيب قمة ثلاثية في طهران الشهر المقبل

TT

موسكو ترفض التهديدات التركية وتحذر من «أسوأ سيناريو» في إدلب

حذرت روسيا من انزلاق الوضع في إدلب إلى مواجهة واسعة على خلفية تهديدات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بشن عملية عسكرية لإجبار القوات النظامية السورية على التراجع عن مواقع شغلتها خلال الأسابيع الأخيرة في محافظة إدلب.
وأكد الكرملين على أهمية مواصلة الحوارات الروسية التركية، بالتزامن مع توجيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتهامات جديدة لأنقرة بانتهاك اتفاق سوتشي. وفي إشارة حازمة برفض التهديدات العسكرية التركية، قال الوزير إن «الوضع على الأرض لن يعود إلى ما كان عليه قبل 18 شهراً».
وبرزت السجالات الروسية التركية مجدداً بعد انتهاء جولة محادثات جديدة في موسكو بين الطرفين، من دون التوصل إلى تفاهم حول آليات التعامل مع الوضع في إدلب. وفي حين اكتفت موسكو بتأكيد اتفاق الطرفين على مواصلة الحوار، من دون أن تتحدث عن النقاط العالقة، فإن التصريحات النارية التي صدرت عن الجانب التركي، وخصوصاً في إطار التلويح بعملية عسكرية قريبة، دفعت الكرملين إلى تغيير لهجته. وحذر الناطق الرئاسي ديمتري بيسكوف من الانزلاق نحو التصعيد العسكري، ورأى أن هذا سيكون «أسوأ سيناريو» لتطور الوضع في منطقة إدلب.
وقال إن بلاده عازمة على مواصلة الاتصالات مع أنقرة بغرض تقليص التوتر. وأشار إلى عدم وجود خطط لإجراء محادثات على المستوى الرئاسي حالياً، لكنه ترك الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال، مشيراً إلى قدرة الجانبين على «ترتيب محادثات على هذا المستوى بشكل سريع إذا دعت الحاجة».
في غضون ذلك، شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على ضرورة أن تقوم تركيا بتنفيذ اتفاقيات سوتشي الخاصة بإدلب، وقال إن جولة المحادثات الأخيرة لم تصل إلى نتائج محددة. وعكست لهجة لافروف عودةً إلى توجيه الاتهامات إلى أنقرة، التي حمّلها مسؤولية تعثر الحل في إدلب. وقال الوزير إن الجانب التركي فشل في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي المتعلقة بالفصل بين المعارضة والإرهابيين في الإطار الزمني المحدد، وقال إن موسكو «لا تطلب من أنقرة أكثر من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه». وأضاف أن الاتفاق الروسي التركي «لم ينص أبداً على تجميد الوضع في إدلب، وترك حرية التصرف للإرهابيين هناك». موضحاً: «لم يقدم أي طرف وعوداً بعدم مواجهة الإرهابيين».
وفي إشارة هي الأولى التي تصدر من جانب روسيا رداً على مطالب أنقرة بعودة جيش النظام السوري إلى المواقع التي كان يشغلها قبل بدء العمليات العسكرية، أكد لافروف أنه «لا يمكن الحديث عن العودة إلى الوضع ما قبل سنة ونصف السنة في إدلب»، في إشارة إلى النجاحات الميدانية للجيش، الذي تمكن من استعادة مناطق واسعة في محافظة إدلب، وإحكام السيطرة على حلب، وفتح الطريق الدولية الواصلة بين دمشق وحلب. ولفت لافروف إلى أن «الجماعات الإرهابية في إدلب واصلت خلال الفترة الماضية استفزازاتها عبر القصف على قاعدة حميميم الروسية وعلى المدنيين والجيش السوري، وما يقوم به الجيش السوري هو الرد على هذه الاستفزازات، وروسيا تدعمه في هذه التحركات». مشدداً على أن «الجيش السوري يقوم بعملياته على أرضه لاستعادة بسط نفوذ الحكومة عليها». وقال الوزير الروسي إن موسكو مستعدة للعمل مع أنقرة على أي مستويات، بما فيها المستوى الأعلى، لكنه لا يرى حالياً أي مؤشرات على إعداد لقاء بين رئيسي روسيا وتركيا.
تطرق لافروف الذي كان يتحدث في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الأردني أيمن الصفدي عقده الطرفان في ختام محادثاتهما، أمس، إلى «دعم موسكو للمبادرة الأردنية بتنفيذ بعض المشروعات الخاصة بإعادة إعمار جنوب سوريا»، وأشاد بالتعاون الروسي الأردني في دفع مبادرة إعادة اللاجئين السوريين. وأوضح أن المركز الروسي الأردني المشترك، الذي تم تشكيله قبل عدة سنوات في عمان بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين «حقق إنجازات ملموسة، وإن لم تكن كبيرة جداً». داعياً الأطراف الدولية إلى تقديم الدعم لهذه الجهود الإنسانية بعيداً عن الاعتبارات السياسية. وقال لافروف إن روسيا بذلت جهوداً كبيرة لمساعدة السوريين في مخيم الركبان، قرب الحدود الأردنية، «لكن المسلحين هناك منعوا وصول المساعدات». وأضاف أن واشنطن التي تدعم المسلحين، تستغل قضية مخيم الركبان ذريعة للإبقاء على وجودها العسكري في سوريا.
وأكد الصفدي من جانبه أن «الشعب السوري يستحق العيش بكرامة، ولا بد من إنهاء الكارثة السورية والتوصل إلى حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها، ويعيد الأمن والاستقرار وينهي الإرهاب والإرهابيين، حتى تستعيد سوريا مكانتها وتتهيأ الظروف التي تسمح بالعودة الطوعية للاجئين». ولفت الصفدي إلى ضرورة وجود دور عربي جماعي فاعل لحل الأزمة السورية. وفيما يتعلق بمصير مخيم الركبان للنازحين السوريين قرب الحدود الأردنية، قال الصفدي إن الأردن «قدم مساعدات إنسانية مطلوبة لسكان المخيم، لكن الوضع الآن في سوريا تغير، وليس الركبان مسؤولية أردنية، بل مسؤولية الحكومة السورية والمجتمع الدولي».
إلى ذلك، كشفت روسيا عن احتمال عقد قمة ثلاثية للأطراف الضامنة لاتفاقات أستانا، في طهران، لمناقشة الوضع في سوريا عامة، وذكرت أن انعقادها مرهون بالموافقة التركية على موعدها ومكانها وجدول أعمالها.
وأعلن نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، أن ترتيبات تجري لعقد قمة ثلاثية حول التسوية السورية لرؤساء روسيا وإيران وتركيا، فلاديمير بوتين وحسن روحاني ورجب طيب إردوغان، مشيراً إلى أنها قد تنعقد في طهران أوائل مارس (آذار) المقبل، إذا وافقت أنقرة. وأوضح أن الإيرانيين عرضوا عقد اجتماع ثلاثي لقادة الدول الضامنة لاتفاقات أستانا، و«أنا أفهم أن ثمة توافقاً روسياً إيرانياً، بأن التوقيت مناسب لنا. والآن يعتمد كل شيء على الاستعداد والاتفاق مع شريكنا التركي».
على صعيد آخر، أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا أن الجيش الأميركي أرسل منذ مطلع العام إلى شمال شرقي سوريا 13 قافلة عسكرية دخلت من العراق، وشملت أكثر من 300 شاحنة محملة بالأسلحة. وقال مسؤول المركز، أوليغ غورافلوف، إن هذه المعدات الحربية والأسلحة، استخدمت ضد العسكريين الأتراك والسكان المدنيين. وأوضح أن القوافل شملت أكثر من 80 عربة مدرعة، وأكثر من 300 شاحنة بمختلف طرازات الأسلحة والذخيرة والمعدات الحربية.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».