روسيا وتركيا نحو جولة محادثات جديدة حول إدلب

أنقرة ترفض اتهامات موسكو بانتهاك تفاهم سوتشي

عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

روسيا وتركيا نحو جولة محادثات جديدة حول إدلب

عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)

تكتمت موسكو، أمس، على نتائج جولة المحادثات الروسية - التركية التي جرت خلال اليومين الماضيين في العاصمة الروسية، وسط بروز تسريبات أشارت إلى «تحقيق تقدم ملموس، وإن كانت بعض النقاط ما زالت عالقة، وتحتاج إلى مزيد من الحوار».
وعقد الجانبان، أمس، جلسة محادثات قصيرة، بالمقارنة مع الجولة التي انعقدت أول من أمس، واستمرت لأكثر من 5 ساعات، إذ انتهى اللقاء بعد مرور أقل من ساعتين من دون أن يكشف الجانبان تفاصيل عن مجرياته أو نتائجه.
وأثارت تصريحات أطلقها الجانب التركي لاحقاً تكهنات مختلفة، إذ ركزت وسائل إعلام حكومية روسية على تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول احتمال نقل المفاوضات إلى المستوى الرئاسي، في حال فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق، في حين جاء إعلان سياسيين أتراك عن أن أنقرة «أبلغت الجانب الروسي باستعدادها لإطلاق عملية عسكرية لإجبار الحكومة السورية على التراجع عن مواقع شغلتها أخيراً»، ليسلط الضوء على واحدة من أبرز النقاط الخلافية التي عرقلت تحقيق تقدم حتى الآن في المفاوضات بين الجانبين.
ووفقاً لمصدر روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، فقد نجح الجانبان في تحقيق «تقدم ملموس» لجهة الاتفاق على ضرورة الانطلاق من تثبيت وقف النار، وعدم السماح بتقدم أوسع للقوات النظامية نحو مدينة إدلب. ووفقاً للمصدر، فإن موسكو تنطلق من واقع أن «العمليات العسكرية حققت حتى الآن النتائج المرجوة منها، خصوصاً ما يتعلق بفرض السيطرة على الطريق الدولي دمشق - حلب، والسيطرة على المناطق المحيطة بحلب، ما سمح بإعلان هذه المدينة محررة بشكل كامل».
لكن النقطة الأساسية التي ما زالت عالقة تتعلق بأماكن تمركز نقاط المراقبة التركية، وضرورة إعادة نشرها في مناطق أخرى، مع الأخذ بالاعتبار التطورات الميدانية التي حصلت خلال الفترة الأخيرة، وهو أمر ما زالت أنقرة تعارضه، خصوصاً مع مواصلتها التعبئة الإعلامية الواسعة باتجاه تحرك عسكري لإجبار القوات النظامية على الانسحاب.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد لفت الأنظار بتصريحات وصفت بأنها «متفائلة»، أول من أمس، عندما أشار إلى وجود «تفاهم كامل» بين الجيشين الروسي والتركي في إدلب، وأعرب عن أمل في أن ينعكس هذا التفاهم على أجواء محادثات الطرفين. وبدا أن محادثات موسكو مثلت الفرصة الأخيرة للاتفاق، بعدما فشل الجانبان في جولتين سابقتين من المشاورات في تقريب وجهات النظر، خصوصاً على خلفية التصريحات القوية لأنقرة باحتمال إطلاق عملية عسكرية واسعة.
وأبلغ مصدر دبلوماسي «الشرق الأوسط» بأنه «مجرد أن اللقاءات استمرت ليومين، فهذا يعني أن المكلفين من قبل الرئيسين بوتين وإردوغان قد تلقوا تعليمات بالعمل على التوصل لصيغة من الاتفاق، وإجراءات يجب أن تتخذ لاحقاً»، مشيراً إلى أنه «ظهرت خلافات حول الدور الذي يجب أن يقوم به الجيش السوري، وكيفية عودة سيطرة النظام الحالي في دمشق على المناطق التي يتم تحريرها من المسلحين المصنفين إرهابيين، وكذلك هناك اختلاف حول مفهوم بعضهم الآخر من المسلحين، ووضع (الجيش السوري الحر)، والمهام الذي يقوم بها في كثير من مناطق الشمال، بما فيها مناطق التهدئة والمناطق الحدودية التي فيها وجود مكثف للاجئين، ومراعاة رغبة الملايين من السوريين بأن يكون لهم دور في شكل إدارة الأمور في مناطقهم، لذلك فالقضية معقدة، ولكن الاتفاق المبدئي بين الرئيسين على أن الوضع في الشمال وقضية اللاجئين يجب أن تحل بالتوازي مع العملية الشاملة للوضع الانتقالي لنظام الحكم في سوريا، على أساس ما نص عليه قرار مجلس الأمن (2254)، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية والسيادة».
وقال المصدر إن «المستجدات تحتاج إلى لقاء في القريب العاجل للرئيسين لاتخاذ القرار بخصوص الرؤية التي وضعها فريق الدبلوماسيين والعسكريين والأمنيين»، في حين أشار مصدر آخر إلى احتمال أن يعقد الطرفان جولة محادثات جديدة، تشكل تمهيداً للقمة المرتقبة، وقال إن بعض النقاط «ما زالت عالقة، وتحتاج إلى إنضاج أكبر»، خصوصاً أن الفكرة المتعلقة بـ«تحديد مفهوم القوى التي يمكن وصفها بأنها إرهابية» ما زالت لم تحسم، لأن موسكو ترى أن كل القوى المرتبطة بـ«جبهة النصرة» تدخل تحت التصنيف الدولي على لائحة الإرهاب، وهذا أمر تطرق إليه الوزير سيرغي لافروف عندما أشار إلى أن عزل الإرهابيين يعد «مفتاح حل مشكلات إدلب».
ونقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن كيريل سيمينوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، أنه «تنشط قوتان متعادلتان تقريباً في إدلب (جبهة النصرة وحلفاؤها في هيئة تحرير الشام) وجماعات المعارضة المسلحة، متحدين بمساعدة تركيا في هيكل واحد: الجيش الوطني السوري، الذي تشكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ولدى كل من الطرفين نحو 20 ألف مسلح».
وأشار الخبير إلى أنه «يبدو أن هناك اتفاقاً بين موسكو وأنقرة على حدود التحرك، وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس إردوغان أعطى دمشق وقتاً حتى نهاية فبراير (شباط).
من جهتها، أعلنت أنقرة أمس، رفضها الاتهامات الروسية سواء الرسمية أو الصادرة من وسائل الإعلام لها بعدم تنفيذ بنود مذكرة تفاهم سوتشي. ووصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشيليك، التصريحات الصادرة عن مسؤولين في روسيا بأنها «مليئة بالأحكام المسبقة».
واتهم تشيليك النظام السوري بخرق وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب نحو 20 ألف مرة. وأكد في مؤتمر صحافي ليل الاثنين - الثلاثاء عقب اجتماع للمجلس التنفيذي للحزب الحاكم برئاسة إردوغان، استمرار مساعي تركيا من أجل الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد في إدلب، ووضع حد للكارثة الإنسانية في المنطقة.
وقال، تعليقا على مباحثات الوفد التركي في موسكو، إننا «أبلغنا الجانب الروسي بشكل واضح وصريح أننا أجرينا التحضيرات العسكرية اللازمة من أجل إعادة النظام إلى حدوده السابقة (حدود اتفاق سوتشي) في حال لم ينسحب».
وأعلنت روسيا الليلة قبل الماضية أن تركيا استأنفت دوريات مشتركة مع الجيش الروسي في شمال شرقي سوريا بعد توقف دام أسبوعين مع استمرار هجوم النظام في إدلب.
إلى ذلك، شنت القوات التركية قصفا مدفعيا على مواقع انتشار القوات الكردية في الشمال السوري، دون الإشارة إلى وقوع إصابات.
كان الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له شنت هجوما حادا بالمدفعية، أول من أمس، على عدد من المناطق التابعة للقوات الكردية، أسفر عن وقوع إصابات.
بالتوازي، أكد السفير الروسي لدى تركيا، أليكسي يرهوف، أنه لا يزال يتلقى تهديدات عبر صفحة السفارة الروسية في أنقرة، بسبب الأحداث الأخيرة في محافظة إدلب شمال سوريا والتي قال في وقت سابق، إنها تسببت في هستيريا معادية لبلاده على شبكات التواصل الاجتماعي التركية.
وقال يرهوف إن مستخدمي الإنترنت يواصلون إرسال الشتائم، والتهديدات . وشدد على أن «مثل هذه التصريحات لا يمكن تجاهلها، لأنها لا تتعلق فقط بالدبلوماسيين شخصياً، ولكن روسيا وجميع ممثليها أيضاً».
والأسبوع الماضي، أبلغت الملحق الصحافي في البعثة الدبلوماسية الروسية، إيرينا كاسيموفا، وكالة نوفوستي، أن السلطات التركية اتخذت تدابير إضافية لحماية السفارة الروسية في أنقرة.



الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
TT

الداخلية السورية تعلن مقتل شخص واعتقال 8 بعملية أمنية ضد خلية لـ«داعش»

من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)
من العملية الأمنية في تدمر عقب هجوم «داعش» (أرشيفية - وزارة الداخلية)

أعلنت السلطات السورية، الثلاثاء، أن قواتها قتلت زعيم خلية مرتبطة بتنظيم «داعش» واعتقلت 8 آخرين، على خلفية الهجوم الدامي الذي استهدف، الأحد، قوات الأمن بشمال البلاد.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الوزارة في بيان إن العملية «استهدفت موقع خلية إرهابية تتبع لتنظيم (داعش) الإرهابي»، وأدت العملية إلى «إلقاء القبض على جميع أفراد الخلية وعددهم 8، وحُيّد (قُتل) العنصر التاسع، متزعم الخلية، أثناء المداهمة».

وأفادت الوزارة بعملية أمنية ثانية بناء على المعلومات التي جمعتها من العملية الأولى، وأسفرت العمليتان عن «ضبط أحزمة ناسفة، وكواتم صوت، وصواريخ من نوع ميم-دال، إلى جانب أسلحة رشاشة».

وقالت الداخلية إن المجموعة المستهدفة «مسؤولة عن تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية التي استهدفت دوريات أمنية وعسكرية في محافظتي إدلب وحلب».

وتأتي هذه العملية بعد هجوم استهدف، الأحد، دورية لإدارة أمن الطرق في ريف إدلب، ما أسفر عن مقتل أربعة من عناصر قوى الأمن الداخلي وإصابة خامس، حسب وزارة الداخلية السورية.

وأفادت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» بأن مسلحين أطلقوا النار على الدورية أثناء تنفيذ مهامها على طريق معرة النعمان جنوب المحافظة.

وتبنى تنظيم «داعش» لاحقاً الهجوم، وفق ما أورده موقع «سايت» المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية.

ويأتي ذلك بعد أيام من استهداف وفد عسكري مشترك في مدينة تدمر وسط سوريا، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان ومدني يعمل مترجماً، إضافة إلى إصابة عناصر من القوات الأميركية والسورية، حسب واشنطن ودمشق.


تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
TT

تسهيلات مصرية لمستثمرين في السياحة بسيناء لتعويض خسائر حرب غزة

أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)
أحد المنتجعات السياحية الفاخرة في مدينة طابا (هيئة تنشيط السياحة)

أقرت مصر حزمة واسعة من التسهيلات لمستثمري منطقة طابا ونويبع، الواقعتين على شاطئ البحر الأحمر بجنوب سيناء، بعد تضرر الأنشطة السياحية هناك على مدار العامين الماضيين، نتيجة الحرب في قطاع غزة والتوترات الأمنية المحيطة بالمنطقة.

وبحسب تصريحات إعلامية لرئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإنه تمت الموافقة من جانب إدارة الهيئة على منح المستثمرين عاماً إضافياً لتأجيل سداد المديونيات، مع وقف المطالبة بالسداد لمدة 18 شهراً دون فوائد، لافتاً إلى أن هذه القرارات جاءت استجابة لمطالب المستثمرين وبعد عدة اجتماعات ميدانية وجولات تفقدية للمنطقة.

وتضمنت حزمة التسهيلات المقررة مد فترة الإعفاء من سداد قيمة الأراضي إلى 3 سنوات بدلاً من عامين، إلى جانب تجميد المديونيات لمدة سنة ونصف السنة دون فرض أي أعباء إضافية.

وأوضح أن المنطقة تعرضت لضغوط استثنائية أدت إلى توقّف غالبية المقاصد السياحية، مشيراً إلى أن عدد الفنادق العاملة حالياً لا يتجاوز 6 فنادق من بين 55 فندقاً مسجلة في المنطقة.

حوافز حكومية لمنتجعات جنوب سيناء في مصر لتنشيط السياحة (هيئة تنشيط السياحة)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أشارت تقارير إعلامية مصرية إلى «إغلاق نحو 90 في المائة من المنشآت السياحية في مدينتي طابا ونويبع الواقعتين بسيناء على شاطئ البحر الأحمر وتراجع معدل الإشغالات الفندقية في منتجع شرم الشيخ ومدن جنوب سيناء نتيجة الحرب على غزة».

الدكتور يسري الشرقاوي، مستشار الاستثمار الدولي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة، عدّ التسهيلات المالية التي تقدمها الحكومة المصرية لمساندة المشروعات السياحية المتعثرة خطوة مهمة، لكنها لا تمثل حلاً كاملاً في مواجهة تداعيات الظروف الجيوسياسية الراهنة، مشدداً على ضرورة تبني استراتيجية متعددة المحاور.

وقال الشرقاوي، لـ«الشرق الأوسط»: «تُعد السياحة أحد أهم المصادر للعملة الصعبة في مصر، وكان تأثير الظروف الجيوسياسية على مناطق سيناء، خصوصاً المناطق الجنوبية المتضررة جغرافياً، تأثيراً مباشراً وحاداً».

وتابع: «اليوم، تنظر الحكومة المصرية إلى عام 2026 بوصفه عاماً مرتقباً للهدوء النسبي والاستقرار، وهو العام الذي سيأتي أيضاً بعد شهور من الافتتاح الكامل للمتحف المصري الكبير، والتدابير المتخذة تهدف إلى جعل عام 2026 عاماً ذهبياً لقطاع السياحة إذا ما تلاشت التأثيرات الخارجية»، مؤكداً أن الحلول المالية المطروحة حالياً ستسهم في سداد الفواتير الكبيرة المستحقة على أصحاب المشروعات السياحية المتعثرة في سيناء، ومتوقعاً المزيد من المساعدات التدريجية في هذا الصدد.

وبحسب تصريحات رئيس الهيئة العامة للتنمية السياحية في مصر، مصطفى منير، فإن الهيئة حرصت على جمع مطالب المستثمرين، وإقرار ما يدعم استمرارية النشاط في المنطقة التي تمثل أحد أهم المقاصد في جنوب سيناء.

واستقبلت مصر، وفق بيانات رسمية 15.7 مليون سائح خلال عام 2024، ما يُعدّ أعلى رقم تحققه البلاد في تاريخها. كما أعلنت زيادة أعداد السائحين خلال الربع الأول من العام الحالي 2025 بنسبة 25 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم التحديات الجيوسياسية التي تواجهها المنطقة.

ودعا الشرقاوي إلى ضرورة تدخل أوسع من الحكومة على 3 محاور متزامنة لضمان جذب أعداد أكبر من السائحين؛ أولها المحور الدبلوماسي والسياسي، عبر استمرار الجهد المكثف، ممثلاً في وزارة الخارجية وتحت توجيهات القيادة السياسية، لضمان التحسن التدريجي المستقر في الظروف الجيوسياسية وتلاشي أثرها، إلى جانب الترويج النوعي، من خلال إعداد وزارة السياحة والآثار المصرية برامج ترويجية جاذبة تستهدف إعادة تثبيت الرؤية الآمنة لأسواق السياحة الدولية تدريجياً، خاصة للوافدين إلى سيناء.

وتابع: «كما يجب أن يكون هناك ترويج مدعوم للسياحة الداخلية للحفاظ على نسب الإشغال داخل هذه المنطقة، فلا يمكن لأي منطقة في العالم أن تتجاوز جميع الآثار إلا إذا تضافرت الأيدي الداخلية مع الدعم الخارجي».


«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«الخط الأصفر» يشعل التوترات بين مصر وإسرائيل

منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)
منظر عام لكتلة خرسانية تمثل «الخط الأصفر» الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج وسط قطاع غزة (أرشيفية - أ.ف.ب)

في وقت تحدث فيه إعلام إسرائيلي عن زيادة وتيرة التوتر بين مصر وإسرائيل في الفترة الحالية، بسبب ممارسات حكومة بنيامين نتنياهو في قطاع غزة، قال مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأجهزة المصرية رصدت ما تقوم به إسرائيل من مخالفات لاتفاق شرم الشيخ، وأعدت به ملفاً وأبلغت به واشنطن للتأكيد على أن القاهرة ملتزمة ومصرة على تنفيذ الاتفاق».

ووفق عسكريين سابقين بمصر، فإن «القاهرة ترى في ممارسات إسرائيل بغزة محاولة للتملص من خطة ترمب المتفق عليها، واللجوء لترسيخ وجود عسكري إسرائيلي دائم فيما يعرف بالخط الأصفر بغزة، مما يهدد الأمن القومي المصري».

و«الخط الأصفر» هو خط تقسيم يفصل قطاع غزة إلى جزأين، وفقاً لخطة السلام الموقعة بشرم الشيخ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بحضور الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وهي الخطة التي تهدف إلى إنهاء حرب غزة. ويفصل الخط الأصفر 47 في المائة من الأراضي في المنطقة الغربية التي يسيطر عليها الفلسطينيون، عن 53 في المائة من قطاع غزة التي تسيطر عليها إسرائيل، وتقريباً جميع الفلسطينيين في غزة نزحوا إلى المنطقة الغربية من الخط.

قمة مرتقبة بين ترمب ونتنياهو آخر الشهر تناقش خطة السلام في غزة (أ.ف.ب)

وكشف تقرير لـ«القناة 14» الإسرائيلية عن نشاط للجيش الإسرائيلي فيما يعرف بـ«الخط الأصفر»، وتعديل التضاريس الجغرافية لقطاع غزة، وهو ما تعدّه القاهرة «تهديداً مباشراً لمصالحها الإقليمية»، وفق القناة، التي ذكرت أن «ذلك أغضب مصر ودفعها للشكوى إلى الولايات المتحدة، متهمة إسرائيل بأنها تعمل على تقسيم قطاع غزة إلى جزأين، وتغيير التركيبة الديموغرافية والتضاريسية للمنطقة».

وحسب التقرير، فإن القاهرة «تنظر بقلق بالغ لما يجري في قطاع غزة، خصوصاً بعد تصريحات رئيس الأركان الإسرائيلي إيل زامير، حول الخط الأصفر، باعتباره خطاً دفاعياً وهجومياً جديداً»، حيث إن نشاط الجيش الإسرائيلي في المنطقة «الصفراء» - الذي يشمل تدمير بنية تحتية للأنفاق وهدم منازل - «يفسر في القاهرة على أنه استعداد لترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في غزة، ما دفع مصر إلى التحرك الدبلوماسي العاجل باتجاه واشنطن»، وفق القناة العبرية.

وأكد نائب مدير المخابرات الحربية ورئيس جهاز الاستطلاع السابق بمصر، لواء أركان حرب أحمد كامل، أن «مصر غاضبة بشدة من محاولات إسرائيل التملص من التزامها بخطة السلام المتفق عليها، وتحركاتها في المنطقة الصفراء توحي برغبتها في تثبيت وجود عسكري دائم في غزة وقرب الحدود المصرية، مما يمثل تهديداً للأمن القومي المصري».

مصادر تتحدث عن اشتراطات مصرية لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو (إعلام عبري)

كامل، وهو مستشار بالأكاديمية العسكرية المصرية للدراسات العليا والاستراتيجية قال لـ«الشرق الأوسط»: «الموقف المصري واضح ومحدد وثابت في عده قضايا رئيسية تخص الأمن القومي المصري، ويقوم على أن السلام هو الهدف الرئيسي والاستراتيجي للسياسة الخارجية المصرية، واحترام مصر للاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، خصوصاً اتفاقيه السلام الموقعة عام 1979، والملحق العسكري المرفق بالاتفاقية وتعديلاته الخاصة بزيادة أعداد القوات المسلحة المصرية في سيناء، وضرورة احترام إسرائيل للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين».

وأوضح أن «هناك اشتراطات مصرية للتهدئة مع إسرائيل تتعلق بتنفيذ اتفاق غزة طبقاً لمبادرة الرئيس الأميركي ترمب بمراحلها المختلفة، والبدء فوراً في المرحلة الثانية دون عرقلة أو أسباب واهية، مع التأكيد على تثبيت وقف إطلاق النار الدائم والتحول إلى مرحلة السلام، وقيام إسرائيل بالتنفيذ الدقيق للاتفاقية ودخول المساعدات الإنسانية بالكميات المتفق عليها، وفتح معبر رفح في الاتجاهين».

ومن الشروط كذلك بحسب كامل، «رفض مصر الهجرة القسرية أو الطوعية لسكان قطاع غزة، وكذلك الإجراءات الإسرائيلية بالضفة الغربية الخاصة بإقامة المستوطنات وضم الضفة الغربية لإسرائيل، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كامل أراضي القطاع بما فيها محور فيلادلفيا والعودة لحدود 7 أكتوبر 2023، والتأكيد أن الوجود الإسرائيلي الحالي هو وضع مؤقت مرهون بتطور تنفيذ مراحل الاتفاق، وأن الخطوط الملونة ومنها الخط الأصفر، هي خطوط وهمية لا يعتد بها».

الشرط الرابع، وفق كامل، متعلق بـ«مدى تجاوب نتنياهو وحكومته مع المطالب العربية الواضحة في المبادرة العربية، والخاصة بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، والشروع والموافقة على حل الدولتين وعدم التهجير للفلسطينيين؛ سواء بغزة أو الضفة، وإبداء النوايا الحسنة الخاصة بحسن الجوار وعدم الاعتداء، والتجاوب مع المطالب الدولية الخاصة بإخلاء المنطقة من التهديد بالسلاح النووي، وانضمام إسرائيل للاتفاقيات الدولية بذات الشأن».

مسلحون من «حماس» يرافقون أعضاء «الصليب الأحمر» نحو منطقة داخل «الخط الأصفر» الذي انسحبت إليه القوات الإسرائيلية في مدينة غزة (أرشيفية - رويترز)

ويعتقد أن «مصر لن تتجاوب مع المساعي الأميركية والإسرائيلية الخاصة بعقد اجتماع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، دون تقديم إسرائيل مبادرة واضحة ومحددة لرغبتها في السلام واستقرار المنطقة، وتكون قابلة للتنفيذ».

وذكرت التقارير الإسرائيلية أن الولايات المتحدة حاولت فعلياً تنظيم قمة ثلاثية في واشنطن؛ بين السيسي ونتنياهو بحضور ترمب، لكن الفكرة ارتطمت بجدار الشروط المصرية التي وصفها الإعلام العبري بـ«غير المقبولة» من وجهة النظر الإسرائيلية، لكن التقارير ذاتها أشارت إلى أن القاهرة تتوقع أن يمارس ترمب ضغوطاً خلال لقائه المرتقب مع نتنياهو في فلوريدا نهاية الشهر الحالي، لـ«كبحه» والحد من خطواته في غزة.

وقال مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالجيش المصري، اللواء سمير فرج، إن «هناك تعويلاً كبيراً على القمة التي ستعقد بين ترمب ونتنياهو ومخرجاتها، وإن ترمب بالقطع سيضغط على نتنياهو للالتزام بخطة السلام في غزة، التي تحمل اسم ترمب شخصياً».

ونوه فرج في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن مصر ستقيم الموقف في إطار ما ستتمخض عنه قمة ترمب ونتنياهو، ولكن في الوقت ذاته، فإن موقفها واضح وثابت في أنها لا تقبل أبداً بتثبيت الوجود العسكري الإسرائيلي في الخط الأصفر، أو في أي منطقة من غزة، وكل ما تفعله حكومة نتنياهو تدرك القاهرة تماماً أنه محاولة لعرقلة خطة السلام التي تنص على الانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من جميع أراضي غزة.