روسيا وتركيا نحو جولة محادثات جديدة حول إدلب

أنقرة ترفض اتهامات موسكو بانتهاك تفاهم سوتشي

عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
TT

روسيا وتركيا نحو جولة محادثات جديدة حول إدلب

عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)
عائلة سورية نازحة في مخيم بلدة سرمدا في ريف إدلب أمس (أ.ف.ب)

تكتمت موسكو، أمس، على نتائج جولة المحادثات الروسية - التركية التي جرت خلال اليومين الماضيين في العاصمة الروسية، وسط بروز تسريبات أشارت إلى «تحقيق تقدم ملموس، وإن كانت بعض النقاط ما زالت عالقة، وتحتاج إلى مزيد من الحوار».
وعقد الجانبان، أمس، جلسة محادثات قصيرة، بالمقارنة مع الجولة التي انعقدت أول من أمس، واستمرت لأكثر من 5 ساعات، إذ انتهى اللقاء بعد مرور أقل من ساعتين من دون أن يكشف الجانبان تفاصيل عن مجرياته أو نتائجه.
وأثارت تصريحات أطلقها الجانب التركي لاحقاً تكهنات مختلفة، إذ ركزت وسائل إعلام حكومية روسية على تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو حول احتمال نقل المفاوضات إلى المستوى الرئاسي، في حال فشل الطرفين في التوصل إلى اتفاق، في حين جاء إعلان سياسيين أتراك عن أن أنقرة «أبلغت الجانب الروسي باستعدادها لإطلاق عملية عسكرية لإجبار الحكومة السورية على التراجع عن مواقع شغلتها أخيراً»، ليسلط الضوء على واحدة من أبرز النقاط الخلافية التي عرقلت تحقيق تقدم حتى الآن في المفاوضات بين الجانبين.
ووفقاً لمصدر روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، فقد نجح الجانبان في تحقيق «تقدم ملموس» لجهة الاتفاق على ضرورة الانطلاق من تثبيت وقف النار، وعدم السماح بتقدم أوسع للقوات النظامية نحو مدينة إدلب. ووفقاً للمصدر، فإن موسكو تنطلق من واقع أن «العمليات العسكرية حققت حتى الآن النتائج المرجوة منها، خصوصاً ما يتعلق بفرض السيطرة على الطريق الدولي دمشق - حلب، والسيطرة على المناطق المحيطة بحلب، ما سمح بإعلان هذه المدينة محررة بشكل كامل».
لكن النقطة الأساسية التي ما زالت عالقة تتعلق بأماكن تمركز نقاط المراقبة التركية، وضرورة إعادة نشرها في مناطق أخرى، مع الأخذ بالاعتبار التطورات الميدانية التي حصلت خلال الفترة الأخيرة، وهو أمر ما زالت أنقرة تعارضه، خصوصاً مع مواصلتها التعبئة الإعلامية الواسعة باتجاه تحرك عسكري لإجبار القوات النظامية على الانسحاب.
وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد لفت الأنظار بتصريحات وصفت بأنها «متفائلة»، أول من أمس، عندما أشار إلى وجود «تفاهم كامل» بين الجيشين الروسي والتركي في إدلب، وأعرب عن أمل في أن ينعكس هذا التفاهم على أجواء محادثات الطرفين. وبدا أن محادثات موسكو مثلت الفرصة الأخيرة للاتفاق، بعدما فشل الجانبان في جولتين سابقتين من المشاورات في تقريب وجهات النظر، خصوصاً على خلفية التصريحات القوية لأنقرة باحتمال إطلاق عملية عسكرية واسعة.
وأبلغ مصدر دبلوماسي «الشرق الأوسط» بأنه «مجرد أن اللقاءات استمرت ليومين، فهذا يعني أن المكلفين من قبل الرئيسين بوتين وإردوغان قد تلقوا تعليمات بالعمل على التوصل لصيغة من الاتفاق، وإجراءات يجب أن تتخذ لاحقاً»، مشيراً إلى أنه «ظهرت خلافات حول الدور الذي يجب أن يقوم به الجيش السوري، وكيفية عودة سيطرة النظام الحالي في دمشق على المناطق التي يتم تحريرها من المسلحين المصنفين إرهابيين، وكذلك هناك اختلاف حول مفهوم بعضهم الآخر من المسلحين، ووضع (الجيش السوري الحر)، والمهام الذي يقوم بها في كثير من مناطق الشمال، بما فيها مناطق التهدئة والمناطق الحدودية التي فيها وجود مكثف للاجئين، ومراعاة رغبة الملايين من السوريين بأن يكون لهم دور في شكل إدارة الأمور في مناطقهم، لذلك فالقضية معقدة، ولكن الاتفاق المبدئي بين الرئيسين على أن الوضع في الشمال وقضية اللاجئين يجب أن تحل بالتوازي مع العملية الشاملة للوضع الانتقالي لنظام الحكم في سوريا، على أساس ما نص عليه قرار مجلس الأمن (2254)، مع التأكيد على وحدة الأراضي السورية والسيادة».
وقال المصدر إن «المستجدات تحتاج إلى لقاء في القريب العاجل للرئيسين لاتخاذ القرار بخصوص الرؤية التي وضعها فريق الدبلوماسيين والعسكريين والأمنيين»، في حين أشار مصدر آخر إلى احتمال أن يعقد الطرفان جولة محادثات جديدة، تشكل تمهيداً للقمة المرتقبة، وقال إن بعض النقاط «ما زالت عالقة، وتحتاج إلى إنضاج أكبر»، خصوصاً أن الفكرة المتعلقة بـ«تحديد مفهوم القوى التي يمكن وصفها بأنها إرهابية» ما زالت لم تحسم، لأن موسكو ترى أن كل القوى المرتبطة بـ«جبهة النصرة» تدخل تحت التصنيف الدولي على لائحة الإرهاب، وهذا أمر تطرق إليه الوزير سيرغي لافروف عندما أشار إلى أن عزل الإرهابيين يعد «مفتاح حل مشكلات إدلب».
ونقلت صحيفة «كوميرسانت» الروسية عن كيريل سيمينوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، أنه «تنشط قوتان متعادلتان تقريباً في إدلب (جبهة النصرة وحلفاؤها في هيئة تحرير الشام) وجماعات المعارضة المسلحة، متحدين بمساعدة تركيا في هيكل واحد: الجيش الوطني السوري، الذي تشكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ولدى كل من الطرفين نحو 20 ألف مسلح».
وأشار الخبير إلى أنه «يبدو أن هناك اتفاقاً بين موسكو وأنقرة على حدود التحرك، وليس من قبيل الصدفة أن الرئيس إردوغان أعطى دمشق وقتاً حتى نهاية فبراير (شباط).
من جهتها، أعلنت أنقرة أمس، رفضها الاتهامات الروسية سواء الرسمية أو الصادرة من وسائل الإعلام لها بعدم تنفيذ بنود مذكرة تفاهم سوتشي. ووصف المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشيليك، التصريحات الصادرة عن مسؤولين في روسيا بأنها «مليئة بالأحكام المسبقة».
واتهم تشيليك النظام السوري بخرق وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد بإدلب نحو 20 ألف مرة. وأكد في مؤتمر صحافي ليل الاثنين - الثلاثاء عقب اجتماع للمجلس التنفيذي للحزب الحاكم برئاسة إردوغان، استمرار مساعي تركيا من أجل الحفاظ على اتفاقية خفض التصعيد في إدلب، ووضع حد للكارثة الإنسانية في المنطقة.
وقال، تعليقا على مباحثات الوفد التركي في موسكو، إننا «أبلغنا الجانب الروسي بشكل واضح وصريح أننا أجرينا التحضيرات العسكرية اللازمة من أجل إعادة النظام إلى حدوده السابقة (حدود اتفاق سوتشي) في حال لم ينسحب».
وأعلنت روسيا الليلة قبل الماضية أن تركيا استأنفت دوريات مشتركة مع الجيش الروسي في شمال شرقي سوريا بعد توقف دام أسبوعين مع استمرار هجوم النظام في إدلب.
إلى ذلك، شنت القوات التركية قصفا مدفعيا على مواقع انتشار القوات الكردية في الشمال السوري، دون الإشارة إلى وقوع إصابات.
كان الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له شنت هجوما حادا بالمدفعية، أول من أمس، على عدد من المناطق التابعة للقوات الكردية، أسفر عن وقوع إصابات.
بالتوازي، أكد السفير الروسي لدى تركيا، أليكسي يرهوف، أنه لا يزال يتلقى تهديدات عبر صفحة السفارة الروسية في أنقرة، بسبب الأحداث الأخيرة في محافظة إدلب شمال سوريا والتي قال في وقت سابق، إنها تسببت في هستيريا معادية لبلاده على شبكات التواصل الاجتماعي التركية.
وقال يرهوف إن مستخدمي الإنترنت يواصلون إرسال الشتائم، والتهديدات . وشدد على أن «مثل هذه التصريحات لا يمكن تجاهلها، لأنها لا تتعلق فقط بالدبلوماسيين شخصياً، ولكن روسيا وجميع ممثليها أيضاً».
والأسبوع الماضي، أبلغت الملحق الصحافي في البعثة الدبلوماسية الروسية، إيرينا كاسيموفا، وكالة نوفوستي، أن السلطات التركية اتخذت تدابير إضافية لحماية السفارة الروسية في أنقرة.



العليمي يتابع مستوى إعادة تطبيع الأوضاع في حضرموت

موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
TT

العليمي يتابع مستوى إعادة تطبيع الأوضاع في حضرموت

موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)
موالون للمجلس الانتقالي الداعي إلى استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل 1990 (أ.ف.ب)

على خلفية التوترات التي شهدتها المحافظات الشرقية في اليمن، أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، الخميس، اتصالاً هاتفياً بمحافظ حضرموت سالم الخنبشي؛ لمتابعة الأوضاع الأمنية والمعيشية في المحافظة، والاطلاع على مستوى التقدم في الجهود الجارية لإعادة تطبيع الأوضاع، وبما يضمن استقرار المحافظة واستمرار عمل مؤسسات الدولة. وفق ما أفاد به الإعلام الرسمي.

وخلال الاتصال، استمع العليمي إلى تقرير من المحافظ الخنبشي حول مستجدات الوضع العام في حضرموت، وسير عمل السلطات المحلية في ظل التطورات الأخيرة، والإجراءات المتخذة للحفاظ على الأمن والسكينة العامة، وضمان استمرار تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.

وأكد العليمي دعم الدولة الكامل لقيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، وتمكينها من أداء مهامها وصلاحياتها القانونية في رعاية المصالح العامة، وتعزيز حضور مؤسسات الدولة، بما يرسخ الأمن والاستقرار، ويحمي النظام والقانون.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وشدد رئيس مجلس القيادة على مكانة حضرموت في المعادلة الوطنية، بصفتها ركناً أساسياً في مسار التعافي والاستقرار الوطني، ونموذجاً للتعايش والسلم الاجتماعي، مؤكداً التزام الدولة بحماية أمنها واستقرارها، وصون مصالح أبنائها، والحفاظ على خصوصيتها ووحدة نسيجها الاجتماعي.

وجدد العليمي موقف الدولة الرافض لأي إجراءات خارج الصلاحيات الحصرية المنصوص عليها في الدستور والقانون ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمها إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض، مؤكداً ضرورة الالتزام بهذه المرجعيات بصفتها الإطار المنظم للعمل السياسي والأمني.

إشادة بجهود التحالف

أشاد العليمي خلال الاتصال بالجهود التي يبذلها تحالف دعم الشرعية، بقيادة السعودية والإمارات، لإعادة تطبيع الأوضاع في المحافظات الشرقية إلى سابق عهدها، وحرصهم على حماية التوافق القائم، وتجنب أي تداعيات من شأنها الإضرار بمصالح الشعب اليمني ومفاقمة معاناته الإنسانية.

وأفاد الإعلام الرسمي بأن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي جدد توجيهاته بضرورة توثيق جميع انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقت الإجراءات الأحادية في محافظة حضرموت، وفتح تحقيق شامل بشأنها، ومساعدة المواطنين المتضررين، وضمان المحاسبة والمساءلة، وعدم إفلات مرتكبي تلك الانتهاكات من العقاب.

موكب خلال مسيرة في محافظة لحج جنوب اليمن دعماً للمجلس الانتقالي الجنوبي (أ.ف.ب)

وثمّن وعي أبناء حضرموت ومواقفهم في تغليب المصلحة العامة، والالتفاف حول قيادة السلطة المحلية، وتفويت الفرصة على الجماعات والميليشيات المتربصة بأمن المحافظة واستقرارها، مؤكداً أن حضرموت ستظل ركيزة للدولة والتنمية، وسيادة النظام والقانون.

لقاء خليجي في الرياض

كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني استقبل في الرياض الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم محمد البديوي؛ لبحث تطورات الأوضاع في اليمن، والجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى خفض التصعيد، وتعزيز فرص الاستقرار.

وأكد العليمي خلال اللقاء عمق العلاقات بين اليمن ومنظومة مجلس التعاون، معبراً عن تقديره لمواقف المجلس وأمانته العامة الداعمة للشعب اليمني وشرعيته الدستورية، ودوره في مناصرة القضية اليمنية سياسياً ودبلوماسياً، والحفاظ على حضور اليمن في الأجندة الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن اليمن يمثل العمق الاستراتيجي الطبيعي لدول مجلس التعاون، وأن استقراره جزء لا يتجزأ من أمن الخليج واستقراره، معبراً عن ثقته بقدرة الشعب اليمني على تجاوز التحديات، وتعزيز مسارات التكامل والاندماج في المنظومة الخليجية.

العليمي استقبل في الرياض الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي (سبأ)

ووضع رئيس مجلس القيادة الأمين العام لمجلس التعاون في صورة التطورات الأخيرة، والمساعي التي تقودها السعودية والإمارات المتحدة لخفض التصعيد، وإعادة تطبيع الأوضاع إلى سابق عهدها.

كما أشاد بما ورد في بيان مجلس التعاون الأخير من تأكيد دعم مجلس القيادة والحكومة، والدور المتوازن الذي تضطلع به الأمانة العامة إلى جانب الشعب اليمني وقيادته السياسية، مذكّراً بالدور الخليجي في رعاية جهود السلام، بدءاً بالمبادرة الخليجية، واتفاق الرياض، وصولاً إلى المشاورات اليمنية – اليمنية التي أفضت إلى إعلان نقل السلطة.

وأكد العليمي التزام مجلس القيادة بحل القضية الجنوبية وفق مخرجات مشاورات الرياض والمرجعيات الضامنة كافة، بصفتها قضية وطنية عادلة، تضمن تحقيق التطلعات المشروعة وفق الإرادة الشعبية.

تحذير أممي

على الصعيد الدولي، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن الإجراءات أحادية الجانب في المحافظات الشرقية اليمنية لن تمهد الطريق للسلام، بل ستؤدي إلى تعميق الانقسامات، وزيادة خطر التصعيد والتشرذم.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (سبأ)

وقال غوتيريش، في تصريحات للصحافيين عقب مشاركته في اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي، إن التطورات الجديدة في المحافظات الشرقية تزيد من حدة التوتر، داعياً جميع الأطراف إلى الانخراط البنَّاء مع المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، وإعطاء الأولوية للحوار، وتجنب أي إجراءات من شأنها تأجيج الوضع الهش.

وأكد الأمين العام أن اليمن يحتاج إلى تسوية سياسية مستدامة يتم التوصل إليها عبر المشاورات، وتلبي تطلعات جميع اليمنيين، مشدداً على أهمية خفض التصعيد، وضبط النفس، وحل الخلافات عبر الحوار، بما في ذلك دور الجهات الإقليمية المعنية في دعم جهود الوساطة التي تقودها الأمم المتحدة.


الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
TT

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)
زيادة متسارعة لجرائم الإعدام الميداني في مناطق سيطرة الحوثيين وسط اتساع رقعة الفوضى الأمنية (إ.ب.أ)

يتجه الانفلات الأمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلى مزيد من التصعيد المفتوح، حيث تتداخل سلطة السلاح المفروضة بالأمر الواقع مع الجريمة المنظمة؛ إذ شهدت الأسابيع الأخيرة إعدامات ميدانية بحق مدنيين عُّزَّل خارج القانون، بالتزامن مع اغتيالات وتصفيات داخلية تضرب قيادات أمنية وميدانية وتهدد تماسك الجماعة.

في هذا السياق، أقدَم قيادي حوثي في محافظة صعدة (شمال) على قتل مدني ينتمي إلى محافظة ريمة (213 كيلومتراً جنوب غربي صنعاء) أثناء وجوده في موقع عمله في مديرية منبّه، بإطلاق النار عليه، في واقعة تسببت بإصابة شخصين آخرين. وحسب مصادر محلية، فإن الجماعة اكتفت بإجراء شكلي تمثل في توقيف الجاني قبل الإفراج عنه لاحقاً.

وذكرت المصادر أن هذه الجريمة تأتي في سياق استهداف مناطقي من قِبل عناصر وقيادات في الجماعة ضد المنتمين إلى محافظات أخرى، مبينة أن أكثر من 10 أفراد ينتمون إلى محافظة ريمة قُتلوا في محافظة صعدة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة على يد مسلحين حوثيين، إلى جانب ضحايا آخرين من محافظات أخرى.

ورغم تزايد المطالب الشعبية والحقوقية بسرعة كشف ملابسات هذه الانتهاكات وضبط الجناة، تواصل الجماعة الحوثية التعامل معها بسياسات لا تحقق العدالة والإنصاف للضحايا أو أقاربهم؛ إذ تكتفي في أحسن الأحوال بتبني صلح ودفع تعويضات مالية ضئيلة.

متسوقون في العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية (رويترز)

وإلى جانب القتل خارج القانون، يتعرض عشرات الوافدين إلى محافظة صعدة، وهي معقل الجماعة الرئيسي، للاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري، في حين يخضع أي وافد لرقابة أمنية مشددة، دون إبداء الأسباب.

وتفيد مصادر حقوقية بأن الانتهاكات بحق المدنيين في مختلف مديريات محافظة صعدة لا يمكن حصرها أو الحصول على معلومات كافية حولها، بسبب وقوع المحافظة تحت سطوة أمنية وحالة طوارئ حوثية غير معلنة، ورقابة مشددة على مواقع التواصل الاجتماعي ومنع تداول المعلومات، وترهيب السكان بشأن النشر واستخدام هذه المواقع.

إفلات من العقاب

وتشهد محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، موجة غضب واسعة بعد مقتل شاب في الثامنة عشرة من عمره برصاص مسلح حوثي، من خلال وقفات احتجاجية حاشدة طالبت بضبط الجاني ومحاسبته.

تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

ورفض القيادي الحوثي المكنى أبو علي الكحلاني، المعيَّن من قِبل الجماعة مديراً لأمن المحافظة، لقاء المشاركين في الوقفات الاحتجاجية أو الاستجابة لمطالبهم بضبط المسلح الحوثي يعقوب العزي المتهم بالواقعة، والذي أقدَم على إطلاق النار على المجني عليه في وسط أحد شوارع مركز المحافظة.

وحذَّر المشاركون في الاحتجاجات من عدم ضبط المتهم وإحالته إلى العدالة، بعد أن شهدت المحافظة سوابق جنائية مشابهة، تم فيها إطلاق الجناة والتلاعب بالقضايا، في ظل تغييب متعمد لسلطة القضاء العادل، وسياسة حماية العناصر المسلحة؛ ما أسهم في تفشي الفوضى الأمنية وارتفاع جرائم القتل.

وتشهد محافظة إب انفلاتاً أمنياً غير مسبوق منذ سيطرة الجماعة الحوثية عليها، مع انتشار واسع للعصابات المسلحة والأفراد المطلوبين للأمن والمفرج عنهم من السجون الرسمية عقب وصول الحوثيين.

التنافس على الجبايات وممتلكات السكان والمزارعين من أسباب الصراع بين القيادات الحوثية (إعلام حوثي)

ولا يقتصر الانفلات على الجرائم التي يروح ضحايا الأبرياء من المدنيين؛ إذ قُتل القيادي الأمني الحوثي جلال دماج، المعين نائباً لمدير أمن فرع مديرية العدين، أمام منزله، برصاص مجهولين لاذوا بالفرار، دون أن تتمكن الجماعة، التي نفذت انتشاراً أمنياً واسعاً من القبض عليهم أو الكشف عن هوياتهم.

خلافات وتصفيات

أثارت وفاة قيادي حوثي آخر في المحافظة، وهو عبد الجليل الشامي، الذي عينته الجماعة مديراً عاماً لمديرية النادرة، تكهنات بشبهة تصفية داخلية مرتبطة بخلافات مالية مع قيادات حوثية أخرى. وعزز من تلك التكهنات عدم الإعلان الصريح عن أسباب الوفاة أو ملابساتها.

ولف الغموض أيضاً وفاة القيادي البارز محمد محسن العياني، والتي لم تعلن الجماعة سبباً لها، مع ترجيحات بمقتله في ضربة جوية سابقة دون إعلان رسمي، خصوصاً وأنه أحد أبرز القيادات المؤسسة، وكان أحد مسؤولي جمع الأموال والسلاح.

وكانت محافظة الجوف (شمال شرق) مسرحاً لمقتل قائدين ميدانيين في الجماعة، حيث قُتل القيادي ضيف الله غيلان، المكنّى أبو حمزة، مع عدد من مرافقيه، برصاص مسلحين قبليين في ظل توتر تشهده المحافظة بسبب سياسة الجماعة بفرض مشرفين من خارجها.

تشييع القيادي الحوثي البارز محمد محسن العياني في صعدة دون الإفصاح عن سبب وفاته (إعلام حوثي)

وينتمي أبو حمزة إلى مديرية سنحان في محافظة صنعاء، وكان يعمل سابقاً في حراسة إحدى المحاكم في العاصمة اليمنية المختطفة.

كما قُتل المشرف الأمني الحوثي أحمد وازع الفرجة، وأُصيب أحد مرافقيه، برصاص مسلحين حوثيين آخرين، بعد رفضه تنفيذ توجيهات قيادات عليا في المحافظة.

وأرسلت القيادات العليا مجموعة مسلحين لإلزامه بتنفيذ التوجيهات أو القبض عليه، إلا أن الخلافات تطورت إلى إطلاق نار أدى إلى مقتله.

وتشير المصادر، إلى أن محافظة الجوف تشهد خلافات حادة بين قادة الجماعة حول النفوذ وتقاسم موارد الجبايات والسطو على ممتلكات السكان.


المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.