بلومبرغ يتأهل لمناظرة نيفادا

الديمقراطيون يتكاتفون لاستفزازه على المنصة

الملياردير النيويوركي مايك بلومبرغ صرف أكثر من 400 مليون دولار حتى الساعة في حملته الانتخابية التي يمولها شخصياً (أ.ف.ب)
الملياردير النيويوركي مايك بلومبرغ صرف أكثر من 400 مليون دولار حتى الساعة في حملته الانتخابية التي يمولها شخصياً (أ.ف.ب)
TT

بلومبرغ يتأهل لمناظرة نيفادا

الملياردير النيويوركي مايك بلومبرغ صرف أكثر من 400 مليون دولار حتى الساعة في حملته الانتخابية التي يمولها شخصياً (أ.ف.ب)
الملياردير النيويوركي مايك بلومبرغ صرف أكثر من 400 مليون دولار حتى الساعة في حملته الانتخابية التي يمولها شخصياً (أ.ف.ب)

تأهل المرشح الديمقراطي مايك بلومبرغ لأول مناظرة تلفزيونية منذ إعلانه ترشحه في السباق الرئاسي. ونجح عمدة نيويورك السابق في الحصول على أرقام متقدمة في استطلاعات الرأي الأمر الذي أهّله للمشاركة في المناظرة التي ستجري في ولاية نيفادا مساء اليوم (الأربعاء). وأصدر مدير حملة بلومبرغ الانتخابية كيفين شيكي، بياناً بعد الإعلان عن تأهل مرشحه قال فيه: «مايك يتطلع قدماً للانضمام إلى المرشحين الديمقراطيين الآخرين على منصة المناظرة وإثبات أنه المرشح الأفضل الذي يستطيع هزيمة دونالد ترمب وتوحيد البلاد». وتابع شيكي: «إن فرصة مناقشة خططه لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد هي جزء مهم من حملته الانتخابية».
تصريح لا يتوافق معه بقية المرشحين الديمقراطيين، الذين بدأوا بالتأهب والاستعداد لمواجهة بلومبرغ على منصة المناظرة. فهدفهم هذه المرة واحد: عمدة نيويورك السابق، واستراتيجيتهم موحدة: استفزازه لإظهار طبعه الحاد الذي عُرف به. لكنّ هجمات المرشحين المرتقبة على بلومبرغ لن تكون الخطر الأكبر الذي سيواجهه خلال المناظرة، كما أن ثروته الطائلة التي مكّنته من تمويل حملته الانتخابية بنفسه وساعدته على شراء حملات دعائية بملايين الدولارات لن تحميه من أقرب عدو له: شخصيته الحامية. فقد عُرف بلومبرغ بحساسيته المفرطة لدى مواجهة أسئلة يراها غير مناسبة أو طرح مواضيع يعتقد أنه عالجها وتخطاها. وهو تواجه مع الصحافيين أكثر من مرة في السابق عندما طرحوا عليه أسئلة لم تعجبه. وهذا ما قد سيحصل خلال المناظرة، فلن يتمكن عمدة نيويورك السابق من تجنب مواجهة حتمية بينه وبين المرشحين من جهة ومديري المناظرة الذي سيتطرقون إلى مواضيع حساسة بالنسبة إلى بلومبرغ. وتعلم حملته الانتخابية جيداً أن الأنظار ستتجه بشكل كبير إليه، فهذه هي المرة الأولى التي سيتمكن فيها الأميركيون من مشاهدة بلومبرغ مباشرة على شاشات التلفزة وهو يجيب عن أسئلة مختلفة ويواجه منافسيه، على خلاف الأحداث الانتخابية التي عقدها والحملات الدعائية التي روّجها. ومما لا شك فيه أن المرشحين الآخرين سوف يستغلون هذه المناسبة لتحدي سجل بلومبرغ السياسي. فهم أصبحوا محترفين على مسرح المناظرات التلفزيونية التي حضروها أكثر من مرة، على خلاف بلومبرغ، وهذا ما تقلق منه حملته الانتخابية. فقد قال أحد مسؤولي الحملة: «نحن نتوقع أن يتم التركيز عليه بشكل كبير. سوف تتم مهاجمته. فهذه هي المناظرة الأولى التي يشارك بها منذ عام 2009 على خلاف بقية المرشحين الذي تدربوا على مدى أشهر وأصبح أداؤهم أفضل مع الوقت». هذا لا يعني أن بلومبرغ لم يتدرب لمواجهة منافسيه، على العكس، فهو أمضى أسابيع للاستعداد لمناظرته الأولى. وهو قال في مقابلة في ديترويت: «تعرفونني جيداً، أنا أحب المواجهة، أعتقد أنه سيكون من الممتع أن أشارك وأنافس». وقارن بلومبرغ المناظرة بمؤتمراته الصحافية السابقة والمحتدمة عندما كان عمدة نيويورك قائلاً: «لطالما اعتقدت أن فن المبارزة ممتع». لكن مساعدي بلومبرغ يعلمون جيداً الخطر الذي يواجهه خلال المناظرة، فهي الحدث الأول الذي لن يتمكن بلومبرغ فيه من الالتزام بنص معين لقراءته، وقد بدأ فريقه الخاص بتحضيره لمواجهة خصومه من خلال إجراء مناظرات شكلية بمشاركة أشخاص يمثلون أدوار كل من برني ساندرز وإليزابيث وارن وإيمي كلوبوشار وبيت بوتاجج وجو بايدن.
ولعلّ المنافس الأكبر الذي يخشى منه المقربون من بلومبرغ هو ساندرز، المتقدم حتى الساعة في كل استطلاعات الرأي. وقد أظهر آخر استطلاع لـ(إن بي آر - بي بي إس) أن ساندرز يتمتع بتأييد 31% من الناخبين مقابل 19% لبلومبرغ و15% لبايدن و12% لوارن، فيما حل بوتاجج وكلوبوشار في المراتب الأخيرة بنسبة 8 و9%. وقد احتاج بلومبرغ لدعم 10% فقط للتأهل للمشاركة بمناظرة نيفادا، الأمر الذي حصل عليه.
وعلى الرغم من مشاركته في مناظرة الأربعاء، فإن بلومبرغ لن يخوض سباق الانتخابات التمهيدية في نيفادا وساوث كارولاينا، بل قرر الانتظار إلى يوم الثلاثاء الكبير في الثالث من مارس (آذار)، حين يحصد المرشحون أكبر نسب من المندوبين. وكان التنافس قد احتدم بين المرشحين الديمقراطيين في الأيام الأخيرة، فهاجم كل من بايدن وساندرز وكلوبوشار، الملياردير النيويوركي الذي صرف أكثر من 400 مليون دولار حتى الساعة في حملته الانتخابية التي يموّلها شخصياً. فقالت كلوبوشار: «أنا أريده أن يشارك في المناظرة، فأنا أعلم أنني لن أتمكن من الفوز عليه في حملاته الدعائية لكني أستطيع فعل هذا خلال المناظرة». أما بايدن فقد هاجم سجل بلومبرغ السياسي، وهذا يعكس استراتيجيته المرتقبة في المناظرة، فقال: «60 مليار دولار تستطيع شراء الكثير من الإعلانات، لكنها لن تستطيع أن تمحو السجلات». ويتوقع أن يكون الصراع الأكبر بين بلومبرغ وساندرز الذي قال إنه يعارض مشاركة منافسه في المناظرة، وقال: «هذا تعريف الملياردير. عندما تُغيَّر قواعد اللعبة من أجله على خلاف ما جرى لصديقيَّ كوري بوكر وخوان كاسترو. لقد عملوا جاهدين لكن لم تغيَّر قواعد المناظرات من أجلهم». يتحدث ساندرز هنا عن تغيير اللجنة الديمقراطية لقواعد المناظرات كي يتمكن بلومبرغ من المشاركة، الأمر الذي أثار انتقادات كثيرة من قبل مناصري ساندرز على وجه التحديد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟