خيبة الأمل قد تدفع بإيرانيين لتجاهل المشاركة في الانتخابات

خيبة الأمل قد تدفع بإيرانيين لتجاهل المشاركة في الانتخابات
TT

خيبة الأمل قد تدفع بإيرانيين لتجاهل المشاركة في الانتخابات

خيبة الأمل قد تدفع بإيرانيين لتجاهل المشاركة في الانتخابات

تواجه السلطات الإيرانية أزمة الثقة التي تفاقمت لدى كثير من المواطنين بسبب المواجهة مع أميركا والصعوبات الاقتصادية والكارثة التي تعرضت لها طائرة ركاب؛ الأمر الذي يخلق مشكلة محتملة في الانتخابات التشريعية المقررة هذا الأسبوع.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التي تجرى يوم 21 فبراير (شباط) الحالي، ساد جو من الوجوم بين الإيرانيين الذين أرهقهم تعاقب الأزمات مما ساهم في تحطيم ما كان لديهم من آمال في حياة أفضل قبل 4 سنوات فحسب. ولا يبشر ذلك بالخير للزعماء الذين يبتغون نسبة إقبال مرتفعة على مراكز التصويت؛ إذ إن ذلك سيمثل إشارة لواشنطن؛ ألدّ خصوم إيران، بأن البلاد لم ترضخ للعقوبات أو لمقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية.
وقد بذلت الأجهزة الخاضعة للمرشد الإيراني علي خامنئي جهوداً لضمان هيمنة المحافظين على الساحة في وقت يعاني فيه التيار الإصلاحي والمعتدل من انهيار قاعدته الشعبية، مما يعني أنه مهما كان الإقبال، فإن الصقور الذين يريدون نهجاً أكثر تشدداً مع واشنطن ربما يشددون سيطرتهم على البرلمان، غير أن ضعف الإقبال سيضعف موقف زعماء إيران ويشجع منتقديهم سواء في الداخل أو في الخارج ممن يجادلون بأن إيران تحتاج إلى تغيير سياساتها داخلياً وخارجياً.
وأفادت «رويترز» نقلاً عن طبيبة تواجه عيادتها في طهران صعوبات في توفير الأدوية المتخصصة: «أنا شخص سبق أن أدلى بصوته. وكان أملي أن تتحسن الأمور عندما أدليت بصوتي في الماضي. والآن تم تجاوز كل الخطوط الحمراء». وأضافت في مكالمة هاتفية طلبت فيها عدم الكشف عن هويتها في معرض مناقشة مسائل سياسية: «هذه المرة لا أمل عندي. وبالتأكيد لن أدلي بصوتي».
وقبل 4 سنوات بدت الأمور غاية في الاختلاف. فقد حقق روحاني وحلفاؤه مكاسب كبيرة في الانتخابات البرلمانية، وكان كثيرون يأملون أن يؤدي الاتفاق النووي إلى انتشال إيران من عزلتها السياسية ودعم الاقتصاد. لكن الآمال تحطمت؛ بحسب «رويترز»، بعدما انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات على إيران في محاولة لفرض قيود أشد على أنشطتها النووية وتقييد برنامجها الصاروخي ووضع نهاية لدورها في حروب إقليمية تشنها أطراف أخرى بالوكالة.
ونقلت الوكالة عن «علي»، وهو عامل بمتجر للهواتف الجوالة في وسط مدينة أصفهان، في مكالمة هاتفية طالباً عدم نشر اسمه: «السبب الرئيسي لكل شيء هو الاقتصاد». وأضاف علي، الذي يعمل ساعات إضافية منذ قرر صاحب المتجر فتح المحل في ساعات القيلولة التقليدية على أمل جذب مزيد من الزبائن: «إذ لم يكن لدى المرء المال لشراء الخبز لزوجته وأسرته فسيتوقف عن الصلاة؛ بل ويفقد إيمانه».
ولا ينوي علي الإدلاء بصوته في الانتخابات. وقال: «أدليت بصوتي سنوات عدة ولم يحدث ذلك أي فرق. فلم نشهد أي تقدم لكي نقول إننا نريد أن يتقدم هذا المرشح أو ذاك».
وتتعرض السلطات لضغوط منذ العام الماضي عندما قوبلت احتجاجات على زيادة أسعار الوقود بأشد رد فعل أمني منذ قيام الثورة في 1979 ما أدى إلى مقتل المئات.
وأطلقت الأوساط المؤيدة لحكومة روحاني، حملة دعائية تظهر الإيرانيين على حال «تكتل حول قضية عامة» بعد الضربة بطائرة أميركية مسيرة أدت إلى مقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) الماضي. غير أن هذه المحاولة سرعان ما تبددت، بعد احتجاجات غاضبة على مساعي التستر على إسقاط طائرة ركاب أوكرانية بطريق الخطأ مما أسفر عن مقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 176 شخصاً.
وأجبر «الحرس الثوري» على الاعتراف بهذه الكارثة، لكن ذلك لم يهدئ آلاف المحتجين في مدن عدة. ويطالب أغلب الإيرانيين المستائين من كذب المسؤولين باعتذار المرشد علي خامنئي.
ونقلت «رويترز» عن أحد المقيمين في طهران، وهو من ملاك العقارات ولا يعتزم التصويت، طالباً عدم نشر اسمه: «هذه السنة الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ». وقال: «بعد سقوط الطائرة فقدت الحكومة كثيراً من أنصارها». وأضاف أن المؤسسة الحاكمة تحتاج للانتخابات لكي تظهر للعالم «عدد مؤيديها» بعد سلسلة الأزمات.
وحتى قبل الاضطرابات الأخيرة كانت العقوبات قد خفضت صادرات النفط الخام الإيراني بأكثر من 80 في المائة وفرضت ضغوطاً مؤلمة على مستوى المعيشة. وانخفضت قيمة الريال الإيراني ليصل في السوق الحرة إلى نحو 140 ألفاً مقابل الدولار بالمقارنة مع سعر الصرف الرسمي البالغ 42 ألفاً وذلك وفقاً لموقع «بونباست دوت كوم» للصرف الأجنبي.
وأدى انخفاض قيمة العملة إلى اضطراب التجارة الخارجية الإيرانية وارتفاع التضخم الذي يتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ 31 في المائة هذا العام.
وفي مدينة بيرجند الشرقية، قال «حامد» لـ«رويترز» إنه ليس لديه وقت للانتخابات لانشغاله بعمله مصوراً لحفلات الزواج؛ «إذ إن واحداً فقط من كل 10 زبائن يطلب ألبومات بعد ارتفاع سعر ورق الصور الفوتوغرافية لستة أمثاله منذ 2018». وقال حامد هاتفياً رافضاً ذكر اسمه بالكامل لحساسية الموضوع: «نحن نركز على الأسعار، وعلينا أن نتصل بالعملاء ونطالبهم بالدفع... لا علاقة لنا بالساسة والسياسة».
ويتوقع المحللون أن يكون الإقبال منخفضاً عن نسبة 62 في المائة المسجلة عام 2016 في الانتخابات البرلمانية، على أن يكون الإقبال أكبر في المدن الأصغر الأكثر محافظة حيث تضغط الأسر على الأقارب للإدلاء بأصواتهم.



إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
TT

إسرائيل تمهد لضربة عسكرية لإيران بعد تدمير قدرات الجيش السوري

نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)
نتنياهو وغالانت في غرفة تحت الأرض يتابعان الضربة الموجهة لإيران يوم 26 أكتوبر 2024 (الدفاع الإسرائيلية)

إلى جانب الأهداف المتعددة، بما في ذلك الإقليمية والداخلية، التي حققتها الهجمات الإسرائيلية ضد القدرات العسكرية للجيش السوري، حقق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خطوة كبيرة نحو التحضير لهجوم واسع على إيران. فالحلم الذي راوده منذ 13 عاماً بتوجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني أصبح، من وجهة نظره، أمراً واقعاً. ولديه شريك مهم يشجعه على ذلك، وهو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

كان نتنياهو، ومن خلفه الجيش والمخابرات، مقتنعين بأن توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي الإيراني هو مشروع ضخم يفوق بكثير قدرات إسرائيل.

لذلك، حاول نتنياهو خلال الحرب جرّ أقدام الولايات المتحدة للقيام بالمهمة، لكنه فشل. فالرئيس جو بايدن ظل متمسكاً بموقفه مؤيداً للحوار الدبلوماسي مع طهران. غير أن الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران في 26 أكتوبر (تشرين الأول) غيّر القناعات. فقد كانت نتائج الهجوم قاسية على القدرات الدفاعية الإيرانية، وإيران أول من يعلم بذلك لكنها تفضل الصمت. وإذا أضفنا إلى ذلك أن خطة طهران لتطويق إسرائيل بأذرع عسكرية فتاكة تلقت ضربة قوية، حيث تم تدمير 60 إلى 70 في المائة من قدرات «حماس» العسكرية في غزة والضفة الغربية، وتدمير نصف قوة «حزب الله» على الأقل، فإنها قلّمت أظافر «الحرس الثوري» الإيراني.

طائرة مقاتلة إسرائيلية في مكان غير محدد في صورة نشرها الجيش في 26 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ومع سقوط نظام بشار الأسد، أتيحت لإسرائيل فرصة مفاجئة ونادرة لضرب الجيش السوري، فاستغلتها دون تردد. وفي غضون أيام قليلة، دمرت سلاح الجو السوري وقواعده، وكذلك سلاح البحرية وموانئه، إلى جانب معظم الدفاعات الجوية وبطاريات الصواريخ. وكل ذلك دون أن تتعرض لإطلاق رصاصة واحدة، ليخرج الجيش الإسرائيلي من الهجوم بلا أي إصابة.

كما هو معروف، نفذ الجيش الإسرائيلي هذه العملية ليؤكد مكانته كأقوى جيش في المنطقة، ولإظهار أنه يرد على المساس به بمقاييس ضخمة غير مسبوقة في الحروب. كما كانت رداً على الانتقادات الداخلية في إسرائيل، خصوصاً بعد نقاط ضعفه التي ظهرت في 7 أكتوبر 2023 وخلال الحرب.

بالنسبة لنتنياهو، كانت العملية وسيلة لإثبات قوته السياسية لخصومه الذين يرونه «قائداً فاسداً ومحتالاً»، ولإظهار أنه يدير حرباً تحقق مكاسب هائلة. ومع سهولة انهيار نظام الأسد وتحطيم الجيش السوري، أصبحت هذه العملية تحقق مكسباً استراتيجياً لم تتوقعه أي مخابرات في العالم، ولم تتخيله أعتى الساحرات، حيث مهدت الطريق أمام نتنياهو للضربة التالية: إيران.

القبة الحديدية في إسرائيل تعترض الصواريخ الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

اليوم، تناقلت جميع وسائل الإعلام العبرية تصريحات صريحة لمسؤولين كبار في الحكومة والجيش الإسرائيليَّيْن، يؤكدون فيها أن «الهدف المقبل للجيش الإسرائيلي هو توجيه ضربة لإيران». وذكر هؤلاء المسؤولون أن العمليات العسكرية الجارية في سوريا تهدف إلى «تنظيف الطريق، جواً وبراً»؛ لتمهيد الطريق لضربة مباشرة ضد إيران. كما أشار البعض إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يدرس توجيه ضربة قاصمة للحوثيين في اليمن كجزء من هذه الاستعدادات.

بالطبع، يعتقد الخبراء أن ضرب إيران «ليس بالمهمة السهلة. فهي لا تزال دولة قوية، تخصص موارد هائلة لتعزيز قدراتها العسكرية، وتتبع عقيدة لا تعترف بالهزيمة أو الخسارة».

بالنسبة لإيران، حسابات الربح والخسارة ليست محورية؛ إذ تحتفل بالنصر دون هوادة مهما كان الثمن الذي تدفعه باهظاً، خصوصاً عندما يكون الآخرون هم من يتحملون التكلفة.

وفي إسرائيل، كما في دوائر سياسية عديدة في الولايات المتحدة والغرب، يزداد الاقتناع بأن القيادة الإيرانية تدرك التحديات والأخطار المتراكمة ضدها. ويُعتقد على نطاق واسع أنها قد ترى الحل الوحيد أمامها يكمن في تسريع تطوير قدراتها النووية العسكرية، وصولاً إلى إنتاج قنبلتها الذرية الأولى.

صورة جوية تظهر سفناً للبحرية السورية استهدفتها غارة إسرائيلية في ميناء اللاذقية الثلاثاء (أ.ف.ب)

هذا الواقع يشجع إسرائيل على المضي قدماً في تدمير المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط دفاعاً عن نفسها، بل أيضاً نيابة عن دول الغرب وحماية لمصالحها المشتركة. تدعم دول الغرب هذا التوجه. وقد بدأت إسرائيل بطرح هذا الملف منذ عدة أشهر أمام حلفائها، لكنها تطرحه الآن بقوة أكبر بعد انهيار نظام الأسد وتدمير قدرات الجيش السوري.

رغم إعجاب الغرب بالقدرات الإسرائيلية وإشادته بجيشها، الذي استطاع قلب الموازين وتحقيق مكاسب عسكرية بعد إخفاقه المهين أمام هجوم «حماس» في 7 أكتوبر، حيث يُتوقع أن تصبح هذه المكاسب مادة دراسية في الكليات الحربية، فإن هناك تساؤلات ملؤها الشكوك: هل هذه الحسابات الإسرائيلية واقعية ودقيقة؟ أم أنها تعتمد بشكل كبير على الغرور والغطرسة أكثر من التحليل المهني والتخطيط الاستراتيجي؟

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

وماذا سيكون موقف إسرائيل إذا تبين أن القيادة الإيرانية بدأت بالفعل الاستعداد للتحول إلى دولة نووية منذ التهديدات الأولى لها، وقد تُفاجئ العالم اليوم بإعلان تجربة نووية ناجحة، على غرار ما فعلته كوريا الشمالية عام 2007؟

وفي الداخل الإسرائيلي، تُطرح تساؤلات صعبة؛ أبرزها: «هل نخوض مغامرة كهذه، نخدم فيها الغرب وكل خصوم إيران في المنطقة، بينما ندفع نحن الثمن كاملاً؟».