التحالف النفطي السعودي ـ الروسي يواجه تحدي انخفاض الطلب

يبلغ مجمل طاقة السعودية وروسيا الإنتاجية أكثر من 20 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي  (أ. ب)
يبلغ مجمل طاقة السعودية وروسيا الإنتاجية أكثر من 20 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي (أ. ب)
TT

التحالف النفطي السعودي ـ الروسي يواجه تحدي انخفاض الطلب

يبلغ مجمل طاقة السعودية وروسيا الإنتاجية أكثر من 20 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي  (أ. ب)
يبلغ مجمل طاقة السعودية وروسيا الإنتاجية أكثر من 20 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي (أ. ب)

وقعت السعودية وروسيا اتفاقا نفطيا في مدينة خوانجو الصينية في عام 2016 على هامش قمة العشرين لدعم استقرار أسعار النفط. يشير الاتفاق ضمن أهدافه المتعددة إلى حرص الدولتين النفطيتين الكبيرتين على استقرار أسعار النفط بتفادي التقلبات الكبيرة في الأسواق.
وكان السبب الرئيسي في وقتها لتوقيع الاتفاق، هو انهيار الأسعار خلال السنوات 2014 - 2016، التي شهدت تدهور الأسعار خلال أسابيع قليلة من نحو 100 دولار لبرميل نفط برنت إلى أقل من 30 دولارا. وكان السبب الرئيسي وراء هذا التدهور السعري في حينه، البروز السريع لظاهرة الإنتاج العالمي للنفط الصخري الأميركي وما نتج عنه من تغييرات في سوق النفط الأميركية، التي كانت الأكثر استيرادا للنفط الخام في العالم والتي كانت أيضاً ولا تزال واحدة من أكبر الأسواق المستهلكة للنفط الخام. ومما أضاف إلى ظاهرة الأسواق في حينه التهديد الأميركي بفرض العقوبات النفطية على صادرات النفط الإيرانية بسبب الخلاف الأميركي - الإيراني حول تغيير بنود الاتفاق النووي الإيراني، كما طالبت به الولايات المتحدة ورفضت طهران التعديلات. وما أدى إلى تأزيم الأمور في حينه أيضا، هو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية ومطالبتها بقية الدول الموقعة عليها القيام بالمثل. الأمر الذي رفضته هذه الدول، منها دول حليفة للولايات المتحدة.
كان القلق الذي ساد الأسواق العالمية عندئذ وخلال السنوات الثلاث الماضية هو التخمة في الإمدادات. مما زاد من هذه المخاطر إعلان واشنطن الحظر النفطي بحيث «تنخفض الصادرات النفطية الإيرانية إلى الصفر» أو توقف تصدير 2.4 مليون برميل يوميا من النفط الإيراني. استعدت الدول المصدرة للنفط إلى هذه المواجهة التي ستترك بصماتها على الأسواق، نظرا إلى الانخفاض المحتمل لحجم الصادرات الإيرانية، المتجه أغلبها إلى الأسواق الآسيوية. فاتخذت الدول المصدرة خطوات احترازية بتخزين كميات ضخمة من النفط، لتعويض إمكانية تخفيض الصادرات الإيرانية. إلا أن إيران استطاعت في حينه استمرار التصدير، ولو على معدلات منخفضة تراوحت حول 1 مليون برميل يوميا، أو أقل، لكن ليس التوقف تماما عن التصدير. إذ تشير التقديرات إلى أن الصادرات الإيرانية انخفضت إلى نحو 800 ألف برميل يوميا. والسبب في ذلك هو استمرار إمكانية التصدير بالأنابيب إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى تمكن إيران من تصدير بعض النفط قبيل بدء الحصار وتخزينه على ناقلات إيرانية قرب موانئ الاستيراد الآسيوية، لذا لم تعتبر هذه الإمدادات «مهربة» فقد تم شحنها قبل بدء الحصار رسميا. من ثم لم تستعمل الدول المصدرة معظم المخزون لديها، فحصل هناك تخمة في الأسواق، بالذات مع الازدياد العالي والسريع للنفط الصخري الأميركي الذي أدى إلى تقليص الولايات المتحدة لوارداتها النفطية من جهة وزيادة صادراتها من جهة أخرى. أدت هذه التطورات إلى تخمة كبيرة في الإمدادات، الأمر الذي أدى بدوره إلى تدهور الأسعار.
من ثم، بدأت الاتصالات والمفاوضات، فحصل اتفاق خوانجو كخطوة أولى. وتم لاحقا في عام 2016 التوصل إلى اتفاق في الجزائر ما بين أوبك والأقطار المصدرة غير الأعضاء في المنظمة للتعاون المشترك لإحلال الاستقرار في الأسواق. ونظرا إلى التجارب الصعبة سابقا ما بين أقطار الأوبك والأقطار المصدرة غير الأعضاء، شكك المراقبون في إمكانية هذا العدد الكبير (نحو 24 دولة) من الدول المنتجة الاستمرار في الاتفاق وإحلال الاستقرار في الأسواق. لكن الأمر الذي لم يعره المراقبون الأهمية اللازمة هو التزام كل من الدولتين النفطيتين الكبيرتين، السعودية وروسيا، باستقرار الأسواق وبالاتفاق الذي وقعتا عليه.
ومما دعم استمرار التعاون المتواصل لكل من السعودية وروسيا في هذا المنوال هو حرص الدولتين اللتين يبلغ مجمل طاقتهما الإنتاجية أكثر من 20 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي البالغ نحو 100 مليون برميل يوميا؛ ومن ثم تم تبني سياسة جديدة للأقطار المصدرة كمؤشر للحفاظ على استقرار الأسعار، هذه السياسة التي تراقب بدقة من قبل كل من منظمة الأوبك ومجموعة الدول المنتجة غير الأعضاء، مستوى المخزون العالمي والتأكد من انخفاضه تدريجيا ليصل إلى معدل مواز له خلال الأشهر القريبة الماضية. وتم على ضوء هذا المؤشر تبني سياسة تخفيض الإنتاج المستمرة خلال السنوات الماضية. مما ساعد على الالتزام بالاتفاق هو الالتزام الواسع بتنفيذه، وغير المسبوق له في تجارب تخفيض الإنتاج سابقا.
كما ساعد على النجاح أيضا، الالتزام والتشاور المستمر لكل من السعودية وروسيا فيما بينهما والدور الذي لعبته كل منهما مع مجموعتيهما (السعودية مع أقطار الأوبك وروسيا مع الدول غير الأعضاء). اهتمت كل من الدولتين بالنجاح لأسباب مختلفة. فالسعودية لا تزال تعتمد على ريع الصادرات النفطية إلى حد كبير لدعم اقتصادها. بينما تعتمد روسيا على الريع النفطي في دعم قيمة الروبل. فرغم خلاف المصالح النفطية ما بين الدولتين، أدت المفاوضات المستمرة بينهما أحيانا حتى اللحظات الأخيرة للتوصل إلى حلول وسطى قبل الاتفاق على تخفيض الإنتاج (الذي تراوح عادة ما بين 1.2 - 1.9 مليون برميل يوميا) لأجل تخفيض المخزون الفائض في الأسواق.
استطاعت السعودية وروسيا تحقيق نجاح هذه السياسة لاستقرار الأسواق في ظل أوضاع جيواستراتيجية صعبة للغاية في الشرق الأوسط، حيث قصف الناقلات في البحار الإقليمية، ومقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني، والحراك الشعبي في كل من العراق ولبنان اللذين استشعرت إيران بخطورتهما على نفوذها في هاتين الدولتين اللتين بنت فيهما مصالح قوية لها.
استمر هذا التحالف والتعاون الوثيق للسنوات الثلاث الماضية للحد من إغراق الأسواق. أما في الاجتماع المقبل للمجلس الوزاري لمنظمة أوبك وحلفائها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فإن التحدي الأكبر للدول المنتجة هو فيروس كورونا الذي أخذ يقلص من السفر جوا. ويشكل الطلب على وقود الطيران نحو 8 ملايين برميل يوميا من مجمل الاستهلاك العالمي للنفط الخام البالغ نحو 100 مليون برميل يوميا. ما يزيد من صعوبة قرار التخفيض في الاجتماع المقبل هو مدى كمية التخفيض الآن. فكما هو معروف، ليس من الواضح حتى الوقت الحاضر مدى إمكانية انتشار الفيروس نظرا لعدم وجود دواء متوفر له. كذلك، ما هي الفترة الزمنية التي سيستمر الفيروس في الانتشار، مما يقضي إلغاء التجمعات الرياضية أو الفنية الكبرى، كما يحدث الآن، أو حتى سفر العائلات ورجال الأعمال.
من الطبيعي أن يواجه اتفاق تخفيض الإنتاج لثلاث سنوات متتالية، ولهذا العدد الضخم من الدول ولهذه السنوات تحديات عدة في مسيرته. فلبعض الدول حقول نفطية جديدة تلزم عليها اتفاقاتها مع الشركات المطورة للحقول البدء في الإنتاج بموعد محدد. من ثم يؤدي الالتزام بتخفيض الإنتاج إما إلى إغلاق الحقول الجديدة وإما تخفيض الإنتاج من الحقول القديمة. وهناك أيضا الموازنات المالية السنوية لبعض الدول التي تتطلب إنتاجا أعلى. هنا يأتي التباين في المصالح والمفاوضات الصعبة حتى اللحظة الأخيرة. تكمن صعوبة الاتفاق المقبل في مدى استمرارية انخفاض الطلب وحجم الانخفاض هذا، وليس تخمة الإمدادات. تدل المشاورات الأولية خلال الأسابيع الأخيرة إلى صعوبة المفاوضات. لكن تتوفر الآن تجربة ناجحة ومهمة تحرص كل من السعودية وروسيا على نجاحها، رغم التحديات الكثيرة. لهذا من المتوقع أن تتفق الدولتان النفطيتان الكبيرتان على حل وسط في نهاية المطاف، لما لهذا الاتفاق من أهمية لمصالح الدولتين رغم اختلاف المصالح النفطية.
-كاتب عراقي متخصص
في شؤون الطاقة


مقالات ذات صلة

رئيس «تداول»: رفع «موديز» التصنيف الائتماني للسعودية يعزز ثقة المستثمرين

الاقتصاد مستثمر أمام شعار شركة «تداول» السعودية (الشرق الأوسط)

رئيس «تداول»: رفع «موديز» التصنيف الائتماني للسعودية يعزز ثقة المستثمرين

قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «تداول» السعودية، المهندس خالد الحصان، إن إعلان وكالة «موديز» رفع التصنيف الائتماني للمملكة إلى «إيه إيه 3» يعزز ثقة المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

رفعت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني تصنيف السعودية إلى «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1»، مشيرة إلى جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك) «الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من المؤتمر الدبلوماسي لمعاهدة قانون التصاميم في الرياض (الشرق الأوسط)

السعودية تسطر التاريخ باعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم

سطرت السعودية التاريخ بعد أن جمعت البلدان الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية المكونة من 193 دولة، للاتفاق على معاهدة الرياض لقانون التصاميم.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد العوهلي متحدثاً للحضور في منتدى المحتوى المحلي (الشرق الأوسط)

نسبة توطين الإنفاق العسكري بالسعودية تصل إلى 19.35 %

كشف محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية المهندس أحمد العوهلي عن وصول نسبة توطين الإنفاق العسكري إلى 19.35 في المائة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

للمرة الأولى... اتحاد الغرف السعودية يشكّل لجنة للطاقة والبتروكيماويات

مبنى اتحاد الغرف السعودية في الرياض (الموقع الإلكتروني لاتحاد الغرف السعودية)
مبنى اتحاد الغرف السعودية في الرياض (الموقع الإلكتروني لاتحاد الغرف السعودية)
TT

للمرة الأولى... اتحاد الغرف السعودية يشكّل لجنة للطاقة والبتروكيماويات

مبنى اتحاد الغرف السعودية في الرياض (الموقع الإلكتروني لاتحاد الغرف السعودية)
مبنى اتحاد الغرف السعودية في الرياض (الموقع الإلكتروني لاتحاد الغرف السعودية)

أعلن اتحاد الغرف السعودية تشكيل أول لجنة وطنية من نوعها للطاقة والبتروكيماويات تحت مظلة القطاع الخاص، لتعزيز مشاركته في صناعة سياسات هذا القطاع الحيوي وتنمية استثماراته.

ووفق بيان للاتحاد، تم انتخاب الدكتور جابر الفهاد رئيساً، وسعد العجلان نائباً للرئيس، وستعمل اللجنة بالتكامل مع الوزرات والهيئات ذات الصلة، والشركات الكبرى لتحقيق مستهدفات القطاع وتمكين المستثمرين السعوديين والأجانب من الفرص المتاحة.

يأتي ذلك في ظل التوقعات بأن تصل استثمارات قطاع البتروكيماويات إلى 600 مليار دولار بحلول عام 2030، وخطط الوصول إلى 50 في المائة من الطاقة المتجددة ومشاريعها الضخمة، إلى جانب فرص الاستثمار ببرامج توطين المحتوى بالطاقة التي تستهدف توطين 75 في المائة من القطاع.

ويمثل قطاع الطاقة السعودي المصدر الأساسي للطاقة عالمياً، ويُقدَّر أثره الاقتصادي بنسبة 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، كما يُعدّ محركاً رئيسياً لقطاعات حيوية كالصناعة والنقل والخدمات اللوجستية والتعدين وغيرها، وعاملاً أساسياً في دعم النمو الاقتصادي بالمملكة.

وبحسب البيان، يأتي تشكيل اللجنة متسقاً مع التوجهات الجديدة لاتحاد الغرف الرامية لمواكبة القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية في «رؤية 2030»، ومن ضمنها قطاع الطاقة، لفتح آفاق استثمارية جديدة بالقطاع.