«سوار الصّمت» يُسكت «أليكسا» تماماً

يتألف من 24 سماعة صغيرة تصدر إشارات فوق صوتية

نظارات بإطارات عاكسة تحجب الأضواء المرئية والأشعة تحت الحمراء
نظارات بإطارات عاكسة تحجب الأضواء المرئية والأشعة تحت الحمراء
TT

«سوار الصّمت» يُسكت «أليكسا» تماماً

نظارات بإطارات عاكسة تحجب الأضواء المرئية والأشعة تحت الحمراء
نظارات بإطارات عاكسة تحجب الأضواء المرئية والأشعة تحت الحمراء

قرّر بن تشاو، في العام الماضي، شراء سماعة «إيكو» مدعومة بخدمة «أليكسا» لمنزله في شيكاغو. وأراد من المساعد الرقمي تشغيل الموسيقى في المنزل وقتما يشاء، غير أنّ زوجته، هيثر تشانغ، لم تكن مؤيدة للفكرة، بل كانت مرتعبة منها كثيراً.
ووصفت السيدة تشانغ رد فعلها بصورة مختلفة لاحقاً، حين قالت إنّ محل الاعتراض هو وجود هذا الجهاز في المنزل بالأساس. ثم عندما وضع السيد تشاو سماعة «إيكو» في مساحة العمل المشتركة بينهما في المنزل، أوضحت زوجته موقفها من الأمر تماماً، إذ قالت: «لا أريد هذا الجهاز في المكتب. أوقفه عن العمل من فضلك. أعلم أنّ الميكروفون الملحق به لا يتوقف عن العمل إطلاقاً». يعمل الزوجان أساتذة لعلوم الحواسيب في جامعة شيكاغو، ولقد قرّرا سوياً تحويل الخلاف بشأن سماعة «إيكو» إلى نتيجة إيجابية. وبمعاونة من بيدرو لوبيز، الأستاذ المساعد في الجامعة نفسها، تمكنوا من تصميم درع رقمي واقٍ، أطلقوا عليه اسم «سوار الصّمت»، الذي يعمل على التشويش على سماعة «إيكو»، أو أي ميكروفون آخر، في الأجواء المحيطة بها، من التّنصت أو الاستماع العادي للمحادثات الجارية من حوله.
لا يشبه السوار الجديد أياً من الساعات الذكية المعروفة في الأسواق، سواء من تصميمه الجمالي، أو من حيث هدفه في هزيمة أحد منتجات التكنولوجيا الحديثة. وهو عبارة عن سوار كبير أبيض اللون مع محولات بارزة للطاقة، ويتألف السوار من 24 سماعة صغيرة تصدر إشارات فوق صوتية عندما يشغل المستخدم السوار. والصوت الصادر عن تلك السماعات غير مميز للآذان البشرية، مع استثناء الأطفال الصغار، وربما الكلاب، ولكن الميكروفونات القريبة سترصد الأصوات عالية التردد الصادرة عن السوار بدلاً من مصادر الصوت الأخرى في الجوار.
يقول السيد لوبيز: «التسجيل سهل للغاية في هذه الأيام. وهذا السوار من الدفاعات الجيدة في هذا المضمار. عندما تريد أن تتحدث حول أمر خاص، يمكنك تشغيل السوار في الوقت الحقيقي للحديث. وعندما يُعاد تشغيل التسجيل، لن يتمكن أحد من الاستماع إلى أي صوت».
وخلال مقابلة تمت عبر الهاتف، أدار السيد لوبيز السوار، مما أسفر عن ضوضاء ثابتة لا يسمع المستقبل للمكالمة أي شيء سواها على الطرف الآخر.
نظراً لشيوع وجود أجهزة التسجيل الإلكترونية الحديثة في مختلف المنازل الأميركية، تمكنت هيئات المراقبة من الولوج بخفة وهدوء إلى داخل المنازل. ونجحت شركات «غوغل» و«أمازون» في بيع ملايين من كاميرات المراقبة المنزلية من مختلف الطرازات، مع نسبة تبلغ واحداً من كل خمسة بالغين أميركيين يملكون اليوم السماعات الذكية. وأصبح مجرد الطرق على باب أحدهم أو المحادثات العابرة في المطابخ ينطوي على إمكانية واضحة للتنصت والتسجيل عن بُعد.
ويطرح كل ذلك تساؤلات جديدة حول كيفية تحذير الضيوف من أن ما يقولون قد ينتهي به الأمر إلى خوادم مختلف شركات التقنية، أو ربما يقع في أيدي الغرباء غير المرغوب فيهم.
ووفق التصميم، فإن السماعات الذكية تحتوي على الميكروفونات التي لا تتوقف عن العمل أبداً، حتى تتمكن من تلقي الأوامر الصادرة إلى أجهزة المساعدة الرقمية من شاكلة «مرحبا أليكسا»، أو «هاي سيري»، أو «حسناً غوغل». وتبدأ الميكروفونات في التسجيل فور الاستماع إلى تلك الأوامر الصوتية من المستخدم. لكن المتعاقدين الذي تستعين بهم شركات صناعة هذه السماعات في مراجعة التسجيلات لأغراض تتعلق بالجودة قد أبلغوا عن الاستماع إلى مقاطع صوتية تم تسجيلها عن غير قصد، بما في ذلك صفقات تجارة المخدرات أو بعض الممارسات الخاصة.
وتمكن الباحثان، ديفيد تشوفين ودانيال دوبوا من جامعة «نورث ويسترن»، في الآونة الأخيرة، من تشغيل 120 ساعة من البث التلفزيوني على عدد من السماعات الذكية، لمعرفة الأوامر التي تساعد في تنشيط عمل تلك الأجهزة. وخلصا إلى أن تلك الأجهزة انتبهت عشرات المرات أثناء البث، وشرعت في التسجيل الفوري بعد الاستماع إلى عبارات مماثلة تشبه أوامر التشغيل المبرمجة عليها.
يقول السيد تشوفين: «يخشى الناس أن هذه الأجهزة تواصل الاستماع، وتسجيل كل شيء من دون توقف. ولكنّها لا تفعل ذلك من تلقاء نفسها. بل إنّها تنتبه وتُسجّل في بعض الأوقات التي لا ينبغي عليها القيام بذلك».
من جانبه، صرح ريك أوستيرلو، رئيس قسم الأجهزة في شركة «غوغل»، لهيئة الإذاعة البريطانية، بأنّه «يتعين على أصحاب المنازل الإفصاح عن وجود أجهزة المساعدة الرقمية الذكية لضيوفهم. وإنني أفعل ذلك تماماً في كل مرة يدخل أحدهم إلى منزلي، وهو الأمر الذي ينبغي على المنتجات أن تشير إلى ذلك أيضاً».
وربما تتحول مشايات الترحيب أمام المنازل، في وقت قريب، لتحمل عبارات التحذير من المساعدات الصوتية في الداخل! أو ربما تعمل شركات التكنولوجيا على تصميم تلك المنتجات، بحيث تقدم نفسها ذاتياً عند الاستماع إلى صوت جديد، أو التعرف على وجه غريب. وبطبيعة الحال، ربما يؤدي ذلك أيضاً إلى حدوث مواقف تتّسم بالحرج، مثل أن تقوم «أليكسا» في سماعة «إيكو» بتقديم نفسها على نحو مفاجئ إلى ضيف غير مرغوب فيه لديك.
ولا يعتبر «سوار الصمت» أول جهاز يبتكره الباحثون للتشويش على أجهزة المساعدة الرقمية. ففي عام 2018، تمكن اثنان من المصممين من اختراع «مشروع ألياس»، وهو عبارة عن جهاز ملحق يوضع على السماعة الذكية لإيقاف الميكروفونات عن التسجيل. لكن السيدة تشانغ تقول إنّه لا بد لجهاز التّشويش أن يكون محمولاً كي يتمكن من حماية الأشخاص أثناء انتقالهم بين مختلف الأماكن، على اعتبار أنك لن تكون على علم دائم بأماكن وجود الميكروفونات من حولك.
وعند هذه النقطة، يمكن اعتبار «سوار الصمت» مجرد نموذج مبدئي. إذ يقول الباحثون إنّهم يستطيعون تصنيعه مقابل 20 دولاراً فحسب، وإنّ مجموعة من المستثمرين قد استفسروا بالفعل عن إمكانات تسويقه.
وقال السيد تشاو: «مع وجود إنترنت الأشياء، فالمعركة خاسرة»، في إشارة منه إلى فقدان السيطرة على البيانات التي تجمعها الأجهزة الذكية من حولنا، سواء كانت تقع في أيدي شركات التكنولوجيا أو في أيدي القراصنة. وأضاف: «يدور المستقبل حول توافر مثل هذه الأجهزة في كل مكان من حولنا، مع افتراض واجب بأنّها قد تكون معرضة لمخاطر التّجسس والقرصنة. وبالتّالي ستكون دائرة الثقة لديك أصغر ممّا هي عليه بكثير، وأحياناً تضيق الدّائرة وصولاً إلى جسدك دون غيره».
ومن الأجهزة السابقة على «سوار الصمت»، كان هناك «معطف التشويش» الذي صمّمته شركة للهندسة المعمارية في أستراليا عام 2014، بغرض حجب موجات الراديو التي تعمل على جمع المعلومات من هواتف الأشخاص، أو بطاقاتهم الائتمانية. وكانت هناك تجربة أخرى في عام 2012 عندما صمّم الفنان آدم هارفي الملابس الخفية المطلية بالفضة التي تحجب الإشارات الحرارية الصّادرة عن الأشخاص، بغرض حمايتهم من طائرات التّلصص المسيرة، فضلاً عن مجموعة من مستحضرات التّجميل وتسريحات الشعر التي تحمل اسم «سي في دازيل»، وهي بغرض إحباط الكاميرات المخصصة للتعرف على الوجوه.
وفي عام 2016، تمكن سكوت أروبان، وهو صانع للنظارات في شيكاغو، من تطوير مجموعة من الإطارات العاكسة التي تحجب الأضواء المرئية والأشعة تحت الحمراء. وعندما تصوّر كاميرا المراقبة الشخص الذي يرتدي الإطارات العاكسة، وكانت بسعر 164 دولاراً، فإنّ الضوء المنعكس يطمس صورة الوجه تماماً.
ويعمل السيد أوربان حالياً على تطوير نظارات حماية الخصوصية الشخصية، بما في ذلك الإصدار الجديد مع العدسات اللاصقة التي تمتص الأشعة تحت الحمراء، بغرض ردع مسح القزحية وكاميرات التعرف على الوجوه. ومن بين عملائه هناك الناشطون المتحمسون للدّفاع عن الخصوصية، والناشطون السياسيون، وعدادو البطاقات الذين أدرجت وجوههم على قوائم مراقبة كازينوهات القمار. وفي ذلك يقول: «لم يعد الناس منبوذين فيما يتعلق بحماية خصوصيتهم. فلقد أصبح الأمر من بواعث القلق ولكل الأعمار، ومن مختلف الزوايا السياسية، ومختلف مناحي الحياة». وأضاف: «تواصل التقنيات الجديدة الإتيان على ما تبقى من خصوصياتنا الشّخصية. ويسعى الناس للبحث عن الفرار من ذلك، الأمر الذي أحاول المساعدة فيه بما أصنع».
ولا يظن وودرو هارتزوغ، أستاذ القانون وعلوم الحواسيب في جامعة «نورث ويسترن»، أنّ دروع الخصوصية هي الحل الناجع لمشاكلنا الحديثة: «إنّها تخلق ما يشبه سباق التّسلح، ولسوف يخسر المستهلكون لا محالة في هذا السباق.
فكل هذه الأجهزة يندرج تحت فئة أنصاف التدابير أو السد المؤقت للثغرات الناشئة. ولسوف تكون هناك طرق للالتفاف عليها من دون شك».
وبدلاً من تشييد دفاعات الردع التقنية الفردية، يعتقد السيد هارتزوغ أنّنا في حاجة إلى الساسة وصناع القرارات، لأن يصدروا القوانين المعنية بحماية الخصوصية بصورة أكثر فعالية مع منح المواطنين الحق في التّحكم ببياناتهم الشخصية. وحتى ذلك الحين، فإنّنا في صراع القط والفأر مع شركات التقنية، مع أنّ الصّراع دائماً ما ينتهي لصالح القط.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».