طاهٍ إيطالي «شهير» يجوب غزة مدرباً ومنشطاً نفسياً

الشيف غابرييل روبيني زار القطاع برفقة وفدٍ تضامني ومكث فيه شهراً

الشيف أثناء إعداده الطّعام في غزة (الشرق الأوسط)
الشيف أثناء إعداده الطّعام في غزة (الشرق الأوسط)
TT

طاهٍ إيطالي «شهير» يجوب غزة مدرباً ومنشطاً نفسياً

الشيف أثناء إعداده الطّعام في غزة (الشرق الأوسط)
الشيف أثناء إعداده الطّعام في غزة (الشرق الأوسط)

ترك الشيف الإيطالي غابرييل روبيني خلفه كثيراً من الأمنيات الجميلة وحمل معه كثيراً من رسائل حبّ الحياة والفرح وقتما غادر قطاع غزة في بداية شهر فبراير (شباط) الجاري، وذلك بعد أن شارك برفقة مجموعة من المتضامنين في تنفيذ عدد من الفعاليات، التي ركزت على جوانب متعدّدة لها علاقة بفنون الطبخ والأنشطة الرياضية وغيرها، حيث استهدفت فئات مختلفة من المجتمع الفلسطيني.
يوضح روبيني في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» أنّ زيارته للقطاع تأتي في إطار أنشطة مؤسسة التعاون والتضامن الإيطالي، التي تبذل جهوداً مختلفة في جمع المتضامنين الرّاغبين في السفر إلى المناطق التي تشهد توتراً في أنحاء المنطقة العربية، مشيراً إلى أنّ الوفد الذي مكث في القطاع قرابة الشهر، يضم تقريباً 40 شخصاً من أصحاب المهارات المختلفة، منها الرياضية والفنية والإعلامية عملوا من خلال ما نفّذوا من أنشطة على نقل رسالة الواقع الفلسطيني للخارج.
ومن بين أبرز الأنشطة التي نفّذها الشيف الذي وصل إلى القطاع في بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كان «نشاط السجن» الذي زار من خلاله على مدار ثلاثة أيام، أحد السجون المركزية الواقعة جنوب مدينة غزة، حيث التقى هناك عدداً من السجناء الذين يمتلكون مهارات وقدرات في الطبخ، وقدّم لهم دروساً في فنون الطهو الإيطالي، وأجرى معهم تجارب ناجحة في إعداد مجموعة وجبات شهيرة في بلاده، يذكر منها «المعكرونة بأشكالها وأنواعها»، إضافة إلى عدد من أنواع المُقبّلات الأوروبية الشّهيرة.
ويبيّن وهو الذي يلقَّب داخل بلاده بـ«الشيف روبيو»، أنّه لم يكتفِ بنقل الخبرات والتجارب للسّجناء، بل حاول الاستفادة منهم قدر الإمكان، من خلال منحهم فرصة إعداد وجبات مختلفة ذات أصلٍ فلسطيني وعربي وذلك ليتمكن من التعرف عليها، وليفهم أكثر طبيعة الثّقافة الفلسطينية، موضحاً أنّه وجد لدى المتدربين الذين صاروا مع الوقت أصدقاءه، قدرات عالية في الطبخ، حيث أعدوا له الأرز الفلسطيني والمقلوبة وأكلات شعبية أخرى. وفي منتصف يناير المنصرم، شارك روبيني برفقة الوفد في تدريب عدد من الفتيات والأطفال في القطاع على أنشطة رياضية لها علاقة بـ«السكيت» والتزلج على الدّراجات الصّغيرة والرّقص والرّسم وغيرها، ويشرح أنّ تلك الفعاليات نُفّذت في ساحة ميناء غزة الخارجية على مرأى أعداد كبيرة من الناس الذين فوجئوا بالأمر، مبيّناً أنّهم بمجرد مشاهدتهم لمدى الانسجام والعروض بدأوا بالاقتراب منهم وشاركوهم في فعاليات الفرح والتفريغ النفسي.
عودة لورشة تدريب الطبخ التي شارك بها نحو عشرة نزلاء طباخين من خمسة سجون مركزية منتشرة على طول قطاع غزة، وهم بالأساس يعملون على إعداد الطّعام للنزلاء جميعهم، طوال أيام العام. كما أنها تعد الأولى من نوعها التي تُعقد بهذا الشكل، وتضمنت إلى جانب أمور الطبخ، عدداً من الجوانب الترفيهية والتثقيفية وجلسات التفريغ النفسي، وفقاً لحديث المقدم صلاح الأعرج، مدير وحدة الإرشاد والرعاية الاجتماعية في السّجون.
ويضيف روبيني في حديثه قائلاً: «اعتمد التدريب على المعلومات النّظرية والتدريبات العملية واستخدام عدد من أنواع الخضراوات والتوابل التي وفّرتها لنا إدارة السّجن»، لافتاً إلى أنّه قدّم في سنواتٍ سابقة تدريبات لطهاة سجون داخل إيطاليا، وما وجده في غزة لا يختلف كثيراً عمّا لمسه هناك، خصوصاً فيما يتعلق بطريقة الطّبخ، وذلك كون المطبخ الفلسطيني متقارباً مع المطبخ الإيطالي بحكم الإقامة حول البحر الأبيض المتوسط.
ولم تقتصر الأنشطة ذات العلاقة بالطّهي التي نفّذها روبيني، والذي يمتلك صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي يتابعها مئات آلاف الأشخاص، على السجون، إذ ينوه خلال كلامه إلى أنّه نفّذ أنشطة أخرى استهدفت فئات مختلفة من المجتمع الفلسطيني، ومن بينها ورش تعليم وتبادل خبرات في الطعام، مع مجموعة من عمال «الباطون» الذين يعملون في مجال البناء داخل إحدى الورش في منطقة شمال قطاع غزة.
وينبّه إلى أنّه وجد منهم، كما من السّجناء، تفاعلاً عالياً، وهذا يدل -حسب وجهة نظره- على مدى القابلية التي يتمتع بها الناس الذين يسكنون غزة، وهي التي تمثل بشكلٍ قاطعٍ صورة مغايرة لتلك التي تنقلها وسائل الإعلام، إذ إنّ الأخيرة دائماً ما تحاول تعزيز فكرة أنّ القطاع مكان للحرب والموت فقط.
وفي تجربة أخرى قام بها، نفّذ الشيف أنشطة للطّهو استهدفت المرضى ومواطنين عاديين في أيام وأماكن مختلفة، حيث أعد الأطعمة الإيطالية في وسط أجواءٍ تشاركية مليئة بالإيجابية والفرح، كون الناس الذي شاركوه فيها بسطاء ويبحثون عن تفاصيل الحياة في كلّ خطوة ومحطة، وفقاً لما قال روبيني، مؤكّداً أنّ كل ما لامسه في القطاع محفّز على إعادة التجربة من جديد، وهو سيسعى لذلك في وقتٍ قريب.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».