محاكمة تسريبات «ويكيليكس» تكشف حياة غير نمطية لضباط «سي آي إيه»

مدخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي بولاية فرجينيا (أ.ف.ب)
مدخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي بولاية فرجينيا (أ.ف.ب)
TT

محاكمة تسريبات «ويكيليكس» تكشف حياة غير نمطية لضباط «سي آي إيه»

مدخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي بولاية فرجينيا (أ.ف.ب)
مدخل وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي بولاية فرجينيا (أ.ف.ب)

داخل مبنى حكومي سري إلى الغرب من واشنطن العاصمة، يحيط به حراس مسلحون، ببوابات ذات أقفال مشفرة، وطرقات تفضي إلى مكتب مقبب يتطلب دخوله تصريحاً، لكي تصل في النهاية إلى مقر مبرمجي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه).
كانت مهمتهم الكبيرة هي إعداد أدوات القرصنة التي تستخدمها «سي آي إيه» للتجسس على الحكومات الأجنبية والإرهابيين... إذا جعلك هذا الوصف تستحضر أفلام هوليود في محاكاتها لهيئة الضباط الجادين الذين يرتدون بدلات داكنة، ويجتمعون للاتفاق على تنفيذ عمليات سرية، فإن الصورة التي شاهدناها في جلسة المحاكمة الفيدرالية بولاية مانهاتن الشهر الحالي بدت مختلفة إلى حد بعيد.
فثقافة العمل التي وصفها الشهود من ضباط «سي آي إيه» جعلت مناخ العمل أقرب إلى الأفلام الكوميدية، مثل «المكتب» أو «وادي السليكون»، منها إلى روايات التجسس، مثل «جاك رايان».
ووفق إفادة الشهود من منتسبي الوكالة الاستخبارية خلال جلسة المحاكمة، فقد دأب المبرمجون على إرسال رسائل بريد إلكتروني مازحة، سخروا فيها من مظهرهم الجسدي، وأطلق بعضهم النار على بعض ببنادق «نيرف» التي يلهوا بها الأطفال ذات الطلقات المطاطية، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز».
الشخص الذي يخضع للمحاكمة هو جوشوا شولت (31 سنة)، مهندس كومبيوتر سابق في «سي آي إيه»، المتهم بسرقة أرشيف ضخم من الوثائق المصنفة، وتسليمها إلى موقع «ويكيليكس» المناهض للسرية، وهي الادعاءات التي نفاها شولت.
ونشرت «ويكيليكس» المعلومات عام 2017، في أكبر تسريب سري لوثائق وكالة التجسس. وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، قام زملاء شولت السابقون ومسؤولو إنفاذ القانون بشرح طريقة عمل شبكة الكومبيوتر التي تدار بها «سي آي إيه»، ومن ثم توجيه المحلفين عبر مسار رقمي قال المدعون إنه أدى في النهاية إلى إدانة شولت واتهامه بالخيانة. ومن المقرر استئناف المحاكمة اليوم (الثلاثاء).
وتتهم الحكومة شولت بسرقة الوثائق انتقاماً من مديريه الذين يرى شولت أنهم لم يأخذوا شكواه على محمل الجد. وقد أفاد كثير من الشهود، من منتسبي «سي آي إيه» الذين أدلوا بشهاداتهم تحت أسماء مستعارة أو بأسمائهم الأولى، بأن طريقة عمل الوكالة تختلف تماماً عن الأساطير التي يعرفها غالبية الناس عنها.
ولإزالة الغموض وتصحيح الصورة الذهنية، قال الموقع الإلكتروني لوكالة الاستخبارات: «قد يفاجأ بعضهم باكتشاف أننا لسنا جواسيس مدججين بالسلاح يختبئون في الظلام، كما يروننا على الشاشة الفضية»، مضيفاً أن عمل معظم ضباط المخابرات يشبه «أي وظيفة أخرى تبدأ من التاسعة صباحاً إلى الخامسة، من حيث الخدمات اللوجيستية ونمط الحياة».
وركزت شهادة التجربة على زاوية من مركز الاستخبارات السيبرانية التابع لوكالة الاستخبارات المركزية، حيث عمل شولت حتى استقالته عام 2016. وأفاد أحد الشهود بأن كل مبرمج في مجموعة شولت، التي تضم في غالبيتها رجال، كان لديه تصريح أمني سري للغاية.
وعملت المجموعة على مشاريع سرية، منها «الكود السري» الذي سمح لضباط «سي آي إيه» بتنفيذ عمليات الإنترنت المتطورة، واختراق شبكات الكومبيوتر الأجنبي. ورغم أن زملاء شولت السابقين قالوا إن المكتب كان يركز على مهمة الأمن القومي، فإنه كان أيضاً أرضاً خصبة للمزاح والمقالب.
وذكر أحد الشهود من موظفي وكالة الاستخبارات، اكتفي بالإشارة إلى نفسه باسم مايكل فقط، أنه هو وشولت قد استخدموا ذات مرة الطلقات المطاطية حتى وقت متأخر من الليل في عراك مازح في المكتب، وأن القتال تصاعد إلى أن دمرا مكتبا بعضهما، وانتهى الأمر بأن قام مايكل بضرب شولت.
وعلى المنوال نفسه، شهد موظف آخر، أشار إلى نفسه باسم مستعار هو جيريمي ويبر، بأنه عندما ترك جهاز الكومبيوتر الخاص به مفتوحاً، استخدمه شولت في إرسال رسالة بذيئة إلى الجميع في مجموعتهم، تحت اسم السيد ويبر.
وكان الموظفون يتبادلون السباب بانتظام داخل المكتب، ومن ذلك أن أحدهم سخر من أن شولت كان أصلع، وأن المبرمجين كانوا يطلقون السهام الرغوية بعضهم على بعض بمدافع «نيرف» البلاستيكية الكبيرة التي يلهوا بها الأطفال، وأنهم كانوا دائماً ما يخفون متعلقات بعضهم على سبيل المزاح.
لكن محاكمة شولت كانت بمثابة الكابوس للعاملين في المكتب، حيث فحص المحللون كل الجمل التي تضمنتها رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل منذ فترة طويلة، وسئل الشهود تحت القسم عن آرائهم في رؤسائهم.
وكشف ممثلو الادعاء أنه مع تراكم الشكاوى ضد شولت إثر حدوث كثير من المشاحنات بينه وبين بعض زملائه، واضطرار الإدارة إلى فصل مكاتبهم بعضهم عن بعض، قام شولت بالتسلل سراً إلى شبكة الكومبيوتر في أبريل (نيسان) 2016 للوصول إلى المشاريع الحساسة التي تتطابق مع المعلومات التي سربتها «ويكيليكس» بعد عام تقريباً.
وفي دفاعها، قالت محامية شولت، سابرينا شروف، إن موكلها كبش فداء سهل لـ«سي آي إيه» بسبب استعدائه لكثير من زملائه، لكنها أضافت أن «الموظف الصعب لا يجب أن ينظر إليه بوصفه خائناً».
وخلال الاستجواب، سألت المحامية المديرة المتقاعدة لمركز المخابرات السيبرانية، بوني ستيث، عما إذا كانت تدرك أن الموظفين تحت إشرافها كانوا يطلقون الطلقات البلاستيكية من بنادق الأطفال بعضهم على بعض، فأجابت بالنفي. وقد رفض متحدث باسم «سي آي إيه» التعليق.
جدير بالذكر أن فريق الدفاع عن شولت طلب استدعاء 69 موظفاً حالياً وسابقاً للشهادة في المحاكمة، بما في ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو الذي عمل مديراً لوكالة «سي آي إيه» عند تسريب وثائق وكالة الاستخبارات عبر «ويكيليكس».
وقد طلبت الحكومة، الأسبوع الماضي، من القاضي عدم استدعاء بومبيو نظراً لأن شهادته ليست ذات صلة بالقضية، وهو ما لم يقرره القاضي حتى الآن.


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
TT

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)
عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، في مقابلة تلفزيونية، الأحد، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا، مبدياً قلقه بشأن «التصعيد» الراهن.

ومنذ فوز الملياردير الجمهوري في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، يخشى الأوروبيون أن تقلّص الولايات المتّحدة دعمها لأوكرانيا في هذا النزاع، أو حتى أن تضغط عليها لتقبل باتفاق مع روسيا يكون على حسابها.

واختار الرئيس المنتخب الذي سيتولّى مهامه في 20 يناير (كانون الثاني)، كل أعضاء حكومته المقبلة الذين لا يزال يتعيّن عليهم الحصول على موافقة مجلس الشيوخ.

وفي مقابلة أجرتها معه، الأحد، شبكة «فوكس نيوز»، قال والتز إنّ «الرئيس ترمب كان واضحاً جداً بشأن ضرورة إنهاء هذا النزاع. ما نحتاج إلى مناقشته هو مَن سيجلس إلى الطاولة، وما إذا كان ما سيتمّ التوصل إليه هو اتفاق أم هدنة، وكيفية إحضار الطرفين إلى الطاولة، وما الذي سيكون عليه الإطار للتوصل إلى ترتيب».

وأضاف، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنّ «هذا ما سنعمل عليه مع هذه الإدارة حتى يناير، وما سنواصل العمل عليه بعد ذلك».

وأوضح والتز أنّه «بالنسبة إلى خصومنا الذين يعتقدون أنّ هذه فرصة لتأليب إدارة ضد أخرى، فهم مخطئون»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن فريق الإدارة المقبلة «قلق» بشأن «التصعيد» الراهن للنزاع بين روسيا وأوكرانيا.

وفي الأيام الأخيرة، صدر عن مقرّبين من الرئيس المنتخب تنديد شديد بقرار بايدن السماح لأوكرانيا بضرب عمق الأراضي الروسية بصواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع.

وخلال حملته الانتخابية، طرح ترمب أسئلة كثيرة حول جدوى المبالغ الهائلة التي أنفقتها إدارة بايدن على دعم أوكرانيا منذ بداية الغزو الروسي لهذا البلد في 2022.

ووعد الملياردير الجمهوري مراراً بإنهاء هذه الحرب بسرعة، لكن من دون أن يوضح كيف سيفعل ذلك.

وبشأن ما يتعلق بالشرق الأوسط، دعا المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي للتوصّل أيضاً إلى «ترتيب يجلب الاستقرار».

وسيشكّل والتز مع ماركو روبيو، الذي عيّنه ترمب وزيراً للخارجية، ثنائياً من الصقور في الإدارة المقبلة، بحسب ما يقول مراقبون.

وكان ترمب وصف والتز، النائب عن ولاية فلوريدا والعسكري السابق في قوات النخبة، بأنه «خبير في التهديدات التي تشكلها الصين وروسيا وإيران والإرهاب العالمي».