موسكو تؤكد دعم الجيش السوري وتشير إلى «تفاهم كامل» مع تركيا

جولة محادثات مطولة مع أنقرة تستكمل اليوم

TT

موسكو تؤكد دعم الجيش السوري وتشير إلى «تفاهم كامل» مع تركيا

برزت إشارات متباينة في موسكو، أمس، حول فرص تقريب وجهات النظر مع أنقرة حيال الوضع في إدلب، وردود الفعل الروسية على التهديدات التركية المتواصلة بإطلاق عملية عسكرية واسعة، إذ تزامن عقد جولة محادثات مطولة جرت خلف أبواب مغلقة، وجمعت مسؤولين عسكريين ودبلوماسيين من روسيا وتركيا، مع إعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف عن وجود «اتصالات دائمة بين العسكريين الروس والأتراك»، وإشارته إلى «تفاهم كامل» بين الطرفين يمكن أن يؤسس لتخفيف التوتر، في الوقت ذاته جدد الكرملين تأكيده على دعم تحركات الجيش السوري في شمال غربي البلاد.
وتجنبت موسكو الكشف عن تفاصيل المحادثات المطولة التي شارك فيها من الجانب التركي وفد برئاسة نائب وزير الخارجية أونال سادات، ضم دبلوماسيين وعسكريين، ومن الجانب الروسي شارك في الحوارات المبعوث الرئاسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فيرشينين، وضم الوفد الروسي كذلك مسؤولين من وزارة الدفاع.
لكن الجانب التركي أعلن في بيان بعد مرور نحو 6 ساعات على جلسة المفاوضات عن اتفاق الطرفين على استكمال المحادثات في جولة مباحثات ثانية تعقد اليوم الثلاثاء، مما أوحى بأن الطرفين تمكنا من تحقيق تقدم في بعض المحاور المطروحة رغم أن مساحة التباين ما زالت واسعة. ووفقاً للبيان التركي؛ فقد «أكد وفدنا، في المفاوضات التي جرت في موسكو، على الحاجة إلى التخفيف الفوري للتوترات في المنطقة ومنع تدهور الحالة الإنسانية». وأضاف: «تمت مناقشة التدابير التي يمكن اتخاذها لمنع انتهاك وقف إطلاق النار. وقد تمت الإشارة أيضاً إلى ضرورة العمل في إطار اتفاقية سوتشي حول إدلب، وستستأنف المحادثات غداً (اليوم) صباحاً».
وجرت المحادثات على خلفية توتر متصاعد في العلاقات بين موسكو وأنقرة على خلفية التعزيزات العسكرية التركية المتواصلة، واتهامات موسكو للجانب التركي بأنه سلم المسلحين أسلحة نوعية حديثة بينها مضادات للطائرات، وأن جزءاً ملموساً من هذه الأسلحة وصل إلى أيدي مسلحي «جبهة النصرة»، مما ساهم في تقليص سقف التوقعات من هذه المفاوضات، خصوصاً أنها جاءت بعد فشل جولتين من المحادثات بين الجانبين عقدتا في أنقرة الأسبوع الماضي.
لكن حديث لافروف عما وصفه بـ«تفاهم كامل» بين الطرفين، عكس تعويلاً روسياً على قدرة الطرفين على تجاوز الملفات الخلافية ووضع تصورات مشتركة لآليات تنفيذ اتفاق سوتشي مع مراعاة التطورات الميدانية التي جرت خلال الفترة الأخيرة، وهو الأمر الذي تركز عليه موسكو في رؤيتها لآليات تخفيف التوتر. وشدد الوزير الروسي على أن «العسكريين الروس والأتراك الموجودين ميدانياً في المنطقة على تواصل دائم في إدلب السورية، وهم يتابعون مستجدات الوضع ويسود فيما بينهم تفاهم كامل»، معرباً عن أمل في إمكانية خفض حدة التوتر.
وأوضح لافروف أنه قد «سمعنا من عسكريينا ومن العسكريين الأتراك على حد سواء، أن هناك تفاهماً كاملاً فيما بينهم، وآمل في أن يتمكنوا من طرح أفكار كفيلة بخفض حدة التوتر في المنطقة على أساس الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين رئيسي روسيا وتركيا». ولم يوضح الوزير طبيعة «الأفكار» التي تنتظر موسكو سماعها وتحقيق تقدم على أساسها، لكنه تطرق إلى واحدة من النقاط العالقة وقال إن «فصل المسلحين المستعدين للحوار مع الحكومة السورية، عن الإرهابيين، يمثل مفتاحاً لتسوية الوضع في إدلب، وانعدام التقدم على هذا الصعيد أدى إلى توقيع اتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح داخل إدلب، لكن تنفيذ هذا الاتفاق تعثر أيضاً رغم نشر نقاط مراقبة تركية هناك».
كما لفت الوزير الروسي إلى شرط أساسي تضعه موسكو لوقف العمليات العسكرية يتمثل في الالتزام بشكل كامل بعدم توجيه ضربات من إدلب نحو المناطق المحيطة، وزاد أن «الإرهابيين استمروا في قصف مواقع الجيش السوري وقاعدة حميميم الروسية من خلف نقاط المراقبة التركية، الأمر الذي لم يكن ممكناً تركه دون رد، وتصدت القوات السورية بدعم روسي لكل تحرك من هذا القبيل».
في غضون ذلك، بعث الكرملين بإشارة أخرى قوية، من خلال تأكيد الناطق باسمه ديمتري بيسكوف، على أن موسكو ستواصل دعم تحركات الجيش السوري في منطقة شمال غربي سوريا. وجاء حديثه في إطار الرد على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن «تتوقف موسكو عن دعم نظام الأسد في سوريا»، وقال بيسكوف إن «موسكو ستواصل دعمها عمليات الجيش السوري ضد الإرهابيين»، معرباً عن أسفه بسبب «قيام المسلحين بتكثيف عملياتهم الإرهابية في منطقة إدلب بسوريا»، نافياً صحة المعطيات الأميركية حول توجيه ضربات على منشآت مدنية.
وكان المتحدث باسم البيت الأبيض جود دير، تعقيباً على الاتصال الهاتفي بين الرئيسين دونالد ترمب ورجب طيب إردوغان، أوضح أن «الرئيس ترمب قال لنظيره التركي، إن الولايات المتحدة ترغب في أن تتوقف روسيا عن (دعم الفظائع) التي يرتكبها نظام الأسد في إدلب».
على صعيد آخر، أبلغ مصدر في حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكالة أنباء «تاس» الحكومية الروسية أن الحلف لا ينوي تقديم الدعم العسكري لأنقرة في حال قيامها بعملية عسكرية في شمال سوريا. وقال المصدر، وهو دبلوماسي يعمل في بعثة إحدى الدول الأعضاء في مقر الحلف في بروكسل، إن «دول الناتو لن تدعم تفعيل البند الخامس بسبب مقتل عسكريين أتراك في إدلب مطلع فبراير (شباط)» الحالي، مشدداً على أن الحلف «لا ينظر في إمكانية تقديم مساعدة عسكرية لتركيا في حال القيام بعملية في هذه المنطقة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.